الموقع قيد التحديث!

من فضائل التوحيد.. فريضة حفظ الإخوان

بقلم السيدة سهام ناطور (عيسمي)
دالية الكرمل
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

تأتي فريضة حفظ الإخوان في ترتيبها في موجبات التوحيد وفضائله، بعد معرفة الله ورسله، وبعد فريضة الصدق، وقد كتبنا عن الصدق في العدد السابق تحت عنوان “الصدق جوهرة تاج التوحيد”، أي في الدرجة الثالثة، و هذه الفريضة يجب أن تكون  في الأساس قولاً وفعلاً، ولا يمكن أن تكون فقط قولاً، كما جاء على لسان جعفر ابن محمد: “الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان والعمل بالأركان”، فحفظ الإخوان تأتي عملا بالأركان بعد القول باللسان والتصديق بالجنان، ومن هنا جاء اقتران التوحيد بحفظ الإخوان، فلا إيمان ولا توحيد ولا جزاء ولا ثواب إلّا بحفظ الإخوان، لأنّه لا يكمل الإيمان إلّا بحفظ الإخوان وهو يشمل جميع مجالات الحياة: الدينيّة، السياسيّة، الاجتماعيّة والثقافيّة، وتكون هذه الفضيلة عادة بالرّأفة والمودّة لهم والصدق في المعاملة، دون تعاطي الكذب والنفاق والحسد والحقد والضغينة والبغضاء والكراهية والنميمة والغيبة.

إن شروط حفظ الإخوان كثيرة ومتشعِّبة، كالمؤازرة في الأفراح والأتراح أي المشاركة والمساعدة في الأعراس وفي الجنائز، ومد يد العون للنساء الوالدات حديثا (النفاس) وتلبية دعوات الإخوان، وقضاء حاجاتهم، وقبول معذرتهم، وتقديم الأعذار لهم في حال وجود أعذار، والوقوف سدًّا منيعًا أمام الأعداء الذين يريدون بهم شرًّا، أو يتآمرون عليهم في شتّى المجالات ليُلحقوا بهم ضررًا، فيجب المناصرة لهم، والدفاع والذود عنهم، ودفع الضيم عنهم في الشدائد والمضرات والمصائب، ثم يجب عيادة وزيارة المرضى منهم، للتّخفيف من آلامهم وأوجاعهم، وتشجيعهم وحثّهم على الصبر والاحتمال، وتذكيرهم بأنّ وراء هذا الصبر والاحتمال أجر وثواب في الآخرة. ثم بِرُّ الفقراء والمعسرين والمحتاجين منهم ومستوري الحال، في الصدقة والتحسُّن عليهم بالمال وغيره من حطام الدنيا، لقول أحد الحكماء: “لو تعامل الإخوان مع بعضهم كما توجبه شروط الأُخُوّة وحفظ الإخوان لما وُجد بينهم فقير أو محتاج”. ثم يجب مناصرتهم ظالمين أو مظلومين والوقوف إلى جانبهم، وعدم خذلهم والتخلّي عنهم.

وهنا قصة حقيقية تجسّد فريضة حفظ الإخوان وتمثِّل التضحيّة في أسمى معانيها:

“قبل أمدٍ بعيد، قبل تسعة مائة سنة على وجه التحديد، كان الجبل الأعلى الواقع قرب حلب، معقل الدروز ومركزهم الروحيّ، حتّى أنّه كان يُعرف في تلك الفترة “بجبل الموحِّدين”، وقد نشأ في هذا الجبل نفرٌ صالحٌ من أسلافنا البررة.

وظهر الدّجّال اللعين، ومع ظهوره حلّت المحنة، وهي أحلك فترة في تاريخ الموحِّدين. فقد حاول الدّجّال القضاء على الموحِّدين وعقيدتهم. واشتدّت المحنة، فكانت العذارى تمسك بعضهن بأيدي بعض ويرمين أنفسهن في النهر، خوفًا على عرضهن. وطالت الفتنة زمنًا قُتل خلالها من الشيوخ خلق كثير. منهم من فرّ إلى إخوانه في جبل لبنان والجليل، أو تواروا عن الأنظار حتّى تهدأ العاصفة.

أمّا ضِعاف النفوس والإيمان وهم قِلّة، فقد نكثوا وارتدّوا عن دينهم.

ويُحكى أنّه عاش في تلك الفترة أخوان صالحان، فرّا تحت جنح الظلام لينجُوَا بحياتهما وبدينهما من ظلم الوالي.

وكان الطقس شتاء، والأرض مكسوّةً بالثلوج، وأقدامهما تترك آثارًا واضحة تُسهِّلُ لرجال الوالي اقتفاء أثرهما.

وتيقّنا أنّه مقبوض عليهما لا محالة.

فاتّفقا أن يسير الأصغر خلف الأكبر، على أن يدعس محلّ دعسة أخيه، فيظنّ الجُند أنّ أمامهم رجلًا واحدًا، حتّى إذا ما قدّر الله ولحقت بهما العصابة أمسكت واحدًا ونجا الآخر.

وصل الأخوان إلى بيت أميرٍ مُوحِّدٍ، وقد أنهكهما التعب والجوع والبرد، فلجآ إليه، عرفهما الأمير فرحَّب بهما رغم ما يتوقَّعهُ من مشاكل ومضايقات.

وما لبث أن وصلت عصابة الوالي في أثر الأخوَيْن، وطلبت من الأمير تسليمها الهارب المستجير، فأنكر، إلّا أن آثار الأقدام المؤدِّية إلى عتبة الدار لم تسعفه. ودخل داره محتارًا حزينًا، يفتِّش عن مخرجٍ، فرأى وسمع عجبًا:

رأى الأخَوين يستبقان الباب، كلٌّ منهما يحاول أن يخرج أوّلًا. وسمع أحدهما يقول للآخر: دعني أخرج لهم، فأنت متزوِّج وعندك امرأة وأولاد عليك واجب إعالتهم، أمّا أنا فأعزب لن أترك ورائي أرملة ولا أيتامًا، ولن يخسر أحد بموتي شيئًا، اِبْقَ لعائلتك يا أخي، بجاه الله عليك.

ويقول الثاني: لا يا أخي، بل أنا الذي سيخرج لهم، فأنا قد أدّيْتُ رسالتي في الحياة، تزوَّجتُ ورُزقتُ بنين يحملون اسمي، عِشْ أنت وتزوَّج لِتُعَقَّبَ خلفًا صالحًا يحمل اسمك، استحلفك بالله أن تدعني أفديك بنفسي.

ذُهل الأمير وارتبك، وبدا عليه التلبُّك، والتفت إلى امرأته فوجدها تنتحب، ونظر في عينيها متسائلًا، فقالت من بين الدموع: “العلم عند الله، أنّهما رجلان فاضلان من أهل الخير، وقد أرسلهما إلينا الباري تعالى ليمتحننا، فاغتنم الفرصة واشترِ آخرتك بدنياك”.

واستعان الأمير بالله، وخرج لمقابلة الجُند بصدر عامرٍ بالإيمان، وقلبٍ طافحٍ بالصبر، مُكرِّرًا ما قال في البداية، مُنْكرًا اختفاء أحد عنده.

فقبض الجُند على ابن الأمير، وهو طفل بعمر الورود، وهدّدوه بقتله إن لم يستجب لمطالبهم على الفور، وأصرّ الأب على الإنكار، تشجِّعهُ نظرات الأمّ الصابرة المؤمنة.

وسيطر حبّ الانتقام على العصابة، فذبحوا الطفل على عتبة الدار، أ مام ناظريّ والدَيْه، وساح دم الشهيد أحمر قانيًا.

وطلبت الأُم من زوجها أن يمسَّ دم وليدها بطرف بنانه، ففعل وأخبرها أنّ الدم بارد، فقالت: “الحمد لله لقد بردت المحنة”. ودخل أربعتهم جنّات النعيم بمشيئة العزيز الحكيم.”.

مقالات ذات صلة:

قراءة الفنجان

قراءة الفنجان هي عادة شعبية شائعة في كل أنحاء العالم، وهي رائجة جدا في محيطنا الشرقي والعربي، ولها جذور تاريخية

تاريخ العمامة

تاريخ العمامة العمامة هي جزء من الزي الديني للشيخ الدرزي، لكنها هي أكثر من ذلك، لأنها أصبحت مع الوقت رمزا