الموقع قيد التحديث!

من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، من أجل السلام

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئيس الروحي للطائفة الدرزية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

تحتفل الطائفة الدرزية، كعادتها كل سنة، بالزيارة التاريخية لمقام سيدنا شعيب عليه السلام، في آذار، وفي العاشر منه، حيث قام، في حينه، إخواننا أبناء بلدة حضر  والقرى الدرزية المجاورة بين هضبة الجولان ودمشق، بزيارتهم الأولى للمقام الشريف عام 1974، إثر حرب الغفران. وكذلك بذكرى الاجتماع الحاشد لمشايخ الطائفة في نفس التاريخ، عام  1984  للاحتفال بتحرير الشحار، وتخليص القرى الدرزية، ومقام الأمير السيد قدس الله سره، من براثن العناصر الكتائبية، التي استعملت الخدعة والحيلة، واستولت على بعض القرى الدرزية، وهدمت المقام الشريف. وقد ايد الله، سبحانه وتعالى، اهلنا دروز لبنان وخرجوا من حرب الشوف التي فُرضت عليهم منتصرين. وكان لدروز بلادنا دور كبير في الوقوف إلى جانب الإخوة في لبنان، كما كان لدروز إسرائيل دور كبير في الوقوف إلى جانب الإخوة في حضر وفي الجمهورية السورية، التي عانت من حرب أهلية شرسة منذ عام 2011 وحتى اليوم.

 لذلك، يأتي احتفالنا السنوي هذا، ليثبت لجميع أبناء الطائفة الدرزية، حقيقة تاريخية واحدة، وهي أنه ليس من المستبعد، أن تنشب حرب أو يُعتدى على التجمعات الدرزية، لكن على الطائفة أن تكون مهيّأة دائما، لصدّ أي عدوان، ولكسر كل تعدٍّ، وبعد ذلك تحقق السلام.   والعبرة من وراء ذلك، أن الأمور مهما تأزّمت واشتدّت، إلا أن الله سبحانه وتعالى، ييسر الظروف، لاستعادة رجاحة العقل، والتفكير المنطقي السليم، وتسوية الأمور بالمفاوضات وبالاتفاقيات، من أجل إعادة الاستقرار والأمن للمناطق التي تضررت من أي حرب.

وعلى ضوء هذا، ولكوننا نستمدّ طريقنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا من مذهبنا التوحيدي القويم، ومن تعاليم أنبيائنا ورسلنا، ومن إرشادات ووصايا وأدعية أوليائنا الصالحين، ومن بطون كتبنا ومصاحفنا، حيث يدعو مذهبنا إلى عمل كل جهد من أجل الصلح، والتسوية، وتحقيق الأمن، والسلام، والتوافق، والتعاون، والتآخي، والتعايش المشترك بين أبناء الطائفة التوحيدية وبين جيرانهم، مهما كانوا، طالما تتواجد النية الصادقة عند الطرف الآخر.

 ومن هذا المنطلق، سعينا في السنوات الأخيرة، وبذلنا جهودا كبيرة في الأمم المتحدة، ولدى الحكومات الأمريكية الروسية والاوروبية، ووصلنا إلى متخذي القرارات المصيرية في الدول العظمى، وفي المراكز الهامة في العالم، لنشرح أوضاع الطائفة الدرزية ومواقفها، ولنظهر الحقيقة التي كان يجهلها غالبية العالم، وهي أن الدروز على قلة عددهم، هم قوة نوعية مميزة، لهم مبادئ، ولهم أصول، ولهم تراث، ولهم عراقة، ولهم ماضٍ مجيد، ولديهم أتقياء، ومشايخ، ومثقفون، ومفكرون، وقادة عسكريون، وزعماء سياسيون، يتصرفون في كل مكان، وفي كل موقع، وفي كل ظرف يتواجدون فيه، تصرفا واحدا، هو عدم التعدي على أحد، لكن الإستماته والتضحية، من أجل الدفاع، إذا وقع أي تطاول، من قِبل أي مصدر خارجي، والسعي دائما، وبعد استتباب الأمور، لتحقيق الصلح، ولضمان المعيشة، لجميع الأطراف، بشرف، وكرامة، واحترام.

وقد عانى الدروز خلال ألف سنة، من تعديات وهجومات وتطاولات كثيرة، وهم عادة قابعون في عقر بيوتهم وقراهم، يفلحون أرضهم، ويبنون مساكنهم، ويفتّشون عن السترة والعيش الكريم، والتعاون مع جيرانهم، ومع الذين يتولون الحكم عليهم، بإخلاص، وتضحية، وتفانٍ، ودعم بلا حدود.

وقد توفقنا، والحمد لله، في الوصول إلى غالبية أصحاب القرار في العالم، في القارات الأوروبية والأمريكية، واستجبنا عندما قامت منظمة السلام العالمية، في شهر شباط الأخير، بدعوتنا للمشاركة في مؤتمر السلام العالمي، في مدينة سيئول، عاصمة كوريا الجنوبية، بحضور مئات الزعماء، والقياديين، ورجال الدين، من جميع أنحاء العالم، من أجل البحث والتعاون، لتحقيق التفاهم والتسامح بين أبناء جميع الدول، والأقليات، والأديان، والمذاهب، والأحزاب، والفئات المختلفة. وكان لنا دور في الظهور أمام المشاركين، وكذلك في اللقاءات المباشرة الانفرادية مع الزعماء الحاضرين، لشرح أصول ومواقف وفلسفة الطائفة الدرزية، ورسالتها في هذا العالم، وما تصبو إليه، وما تبغي تحقيقه، حيث استطعنا أن نوضح أمام غالبيتهم، الصورة الحقيقية، للطائفة الدرزية ونواياها وقدراتها وإمكانياتها ومساهمتها، كطائفة تتواجد في دول متعادية، من أجل منع الحرب، وتقريب وجهات النظر، والعمل لتحقيق السلام العادل والشامل، أولا في الشرق الأوسط، ومن ثمة في جميع أنحاء العالم.

ولي الشرف العظيم، أن اقول لكم جميعا، إن الطائفة الدرزية، تحظى بإعجاب وتقدير وتبجيل كافة الأوساط الدولية التي بدأت، بعد أن اجتمعنا بها، تأخذ بالحسبان، وجود طائفة مميزة، تجنح إلى السلام، وتنبذ الحرب، وتعمل كل شيء، لإنعاش وتقوية وحماية الدول التي تعيش فيها.

ومع حلول الزيارة التاريخية للمقام الشريف، أتوجه لجميع إخواننا في لبنان وفي حضر وفي سوريا جمعاء، وفي بلادنا، وفي دول المهجر، وفي الدول العربية، بتحياتي العطرة، وتمنياتي لجميع أبناء الطائفة، بالعيش السعيد، وتحقيق الآمال، والتقدم، والاستمرار في الحياة، في ظل ظروف آمنة مستقرة، وفي جو من الاطمئنان والراحة النفسية، فالمواطن الدرزي، هو بطل حينما يُعتدى عليه، لكنه أكبر عامل في نشر الفضيلة والتقوى، وفي تحقيق المثل العليا والقيم الإنسانية، في المجتمعات التي يعيش فيها. زيارة مقبولة وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة: