الموقع قيد التحديث!

مقام النبي شعيب عليه السلام

بقلم الأستاذ مالك صلالحه
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

عندما أشرف بناء المقام على الإنتهاء، في نهاية عام 1884، اجتمع أعيان بلادنا للتشاور حول موعد الإفتتاح، وبعد التشاور، استمرّ رأي المجموعة الساحقة منهم، على أن يكون موعد الإفتتاح والتدشين، في تاريخ الخامس والعشرين من شهر نيسان عام 1885. وقد تمّ اختيار هذا التاريخ لأسباب عدّة أهمها:

من الزيارات التاريخية للمقام (من ارشيف توفيق حلبي)

– في شهر نيسان، وبما أن الطائفة الدرزية، الأغلبية الساحقة منها، تعمل في الزراعة، يكون الفلاح منتظراً حصاد مزروعات الشتاء، وبانتظار زرع مزروعات الصيف. لهذا، فموعد الإفتتاح لا يعيق المزارع.

– شهر نيسان يُعتبر شهر الخير والبركة، الأرض تغطيها حلة خضراء، تكفل طعاماً وفيراً للحيوانات التي شكّلت وسيلة النقل الوحيدة آنذاك، ولهذا لا حاجة لتأمين طعام لها، لأن طعامها الأعشاب، ولا تحتاج لمزيد عن ذلك. يُضاف الى ذلك، أن طرق المواصلات آنذاك كانت، وخاصة بذلك الوقت، مليئة بالبرك والمستنقعات، والتي زوّدت المسافرين حاجتهم وحاجة حيواناتهم بما يحتاجونه من الماء.

– لا شك أن موعد التدشين، اختير بدقة من حيث لا يتعارض مع المواعيد الأخرى لزيارة باقي الأماكن المقدسة في سوريا ولبنان. ومن الجدير ذكره، أنه وقبل تحديد الموعد، تمّ إعلام الزعامة الدينية الدرزية السورية واللبنانية، وأخذ موافقتهم. كما وتمّ استشارة السلطة العثمانية، والحصول على موافقتها ليوم التدشين. وتكفّلت برعاية وحماية الإحتفال ورضاها بالموعد وتأييدها للمناسبة.

وبناءً على ذلك، تجمهرت واجتمعت الحشود الدرزية في الموعد المحدد آنذاك، وكان اجتماعاً ضخما، شاركت به الزعامة الدينية الدرزية عامّة في سوريا ولبنان وبلادنا، وعجّ المقام الشريف بالعمائم البيضاء والملابس الزرقاء التي تميّز بها رجال الدين الدروز. وفي هذا الإجتماع الحاشد، وبعد الإطّلاع على ما أُنجِز به هناك، ثم الصلاة في الخامس والعشرين، احتشدت الوفود هناك، وخطب المرحوم الشيخ مهنا طريف، بما يليق الخطاب في المناسبة والمكان، واستعرض أمامها مجرى العمل، وما تمّ إنجازه، وما تمّ صرفه من الأموال التي جُمعت، وما تبقّى عجزاً ولم يسدّد بعد. وكان لهذا الخطاب صدى كبير في آذان السامعين[1]. ويصادف تاريخ عيد زيارة سيدنا شعيب تأريخ عيد الفصح عند الشعب اليهودي، وهي ذكرى الفترة التي تاه بنو إسرائيل زمن النبي موسى في صحراء سيناء مدة أربعين عاما وكانت سبب خروجهم من العبودية إلى الحرية[2].

فمن هو النبي شعيب عليه السلام؟ اسمه شعيب بن نوبه بن مدين بن إبراهيم، وهو أحد أربعة أنبياء العرب وهم: هود وصالح وشعيب ومحمد، وهو كاهن او أمير مدين، وهو حمو موسى (ع) وهو نسل إبراهيم وقطوره ويتضح من ذلك انه من القينيين، وهم شعب ممتاز لا يشربون السُكُر بعيدون عن عبادة الأصنام. يسكنون الخيام وكانوا يتنقلون من مكان إلى آخر[3]. وقد انتقل الى أهل الأيكة وهو مكان قريب من مدين (والأيكة هي غيضة تنبت ناعم الشجر كانت بالقرب من مدين تسكنها طائفة من عُبّاد الله)[4]. أمّا قومه فهم شِعْب من مدين بن إبراهيم (ع) وأما مكانهم فهو الحجاز. وقد سكنوا حول مدينة معان (في الأردن) من أطراف الشام قريبا من بحيرة لوط (البحر الميت)[5]. ويسميه المفسرون خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه وبراعته في إقامة الحجة عليهم ودحض حججهم.

لقد كان اهل مدين تجارا يعيشون في رغد من العيش. الا انهم كانوا يتلاعبون ويغشون في الكيل والميزان. بغية شراء بضائع الناس بابخس الأثمان إلاانهم كانوا يبيعونها بسعر أغلى بكثير. وكان نبي الله شعيب (ع) يحذرهم من غضب الله وبأسه. إلّا أنهم لم يسمعوا بنصائخه وأنكروا رسالته وكذبّوه وأهانوه ولولا أنه عزيز الجانب في قومه لقتلوه. فما كان منه إلّا أن دعا الله أن يقتصّ منهم ويعاقبهم على رديء أفعالهم. بعد أن أعياه نفورهم من سماع نصحه وتمادوا في غيّهم وعبادتهم للأصنام وتحدّوه أن يفعل الله بهم ممّا حذّرهم من عقابه.

“فدعا الله وقال: يا رب جازهم على كفرهم وعنادهم وانزل بهم العذاب الذي طلبوه وانزل عليهم أنواعا كثيرة من العذاب”[6]. فاستجاب الله لدعائه “اذ سلّط عليهم سبعة أيام حرّ حتى غلت مياههم ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا ليستظلّوا بها من وهج الشمس فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا (لذا سميت الحادثة بيوم الظِلَّة). فرحل عن دياره إلى موقع آخر إلى أن قدم اليه موسى (ع). والتقى بتصيبوره (إحدى بناته بالتبنّي) على بئر الماء. فتزوّج منها ليصبح شعيب (يترو) حماه. وهو من شجّع موسى للإمتثال لطلب الرب والذهاب الى مصر لتخليص وإخراج بني إسرائيل من عبودية فرعون وأعطاه العصا السحريّة التي شقّ بها مياه البحر ليتمكّن من العبور سالما إلى أرض الميعاد وأغرق جيوش فرعون في البحر. ثم أصبح شعيب (ع) مرشدا لموسى (ع) في الشؤون القضائية لإسرائيل. وهو أول الغرباء الذين انضمّوا لبني إسرائيل إذ اعتُبِر وأبناؤه القينيون أبناء عهد[7]. وكان يجيء الى موسى في الصحراء وينصحه ومن جملة نصائحه أن يعيّن للشعب قضاة ليساعدوه على قيادته. وروي عن رسول الله (صلعم) اذ قال: “لقد بكى شعيب من حب الله حتى عمي.. فرد الله عليه بصره أربع مرات. ولما كانت الرابعة أوحى اليه الله: الى متى يا شعيب يكون هذا منك؟ إن يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك وإن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك. فقال شعيب (ع): إلهي وسيدي انت تعلم أنى ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك. ولكن عقد حبك في قلبي فلست أصبر أو أراك. فكان رد الله: أما إذا كان هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران[8]. وهكذا انبرى النبي شعيب (ع) يوطّد دعائم الإيمان الجديد وكان لسانه عربيا وأخذ بالترحال شمالا حتى وصل الى حطين فتوفي ودفن هناك ويعدّ مقامه أقدس المقامات لدى الطائفة التوحيدية المعروفية (المدعوّة خطأ بالدرزية). وقد ذكر مقامه العديد من الرحالة وكان أول من ذكر مقامه الرحالة – ناصر خسرو عام 1047 ثم جاء على ذكره ياقوت الحموي في كتابه (المشترك) إذ يقول: “حطين قرية بين عكا وطبريه في الشام فيه قبر شعيب وابنته”[9].

وفي عام 1187 تجمّعت جيوش المسلمين بقيادة السلطان صلاح الدين الايوبي، في وادي حطين قريبا من بحيرة طبريا، في الجبل الذي يبدو مقطوعا بالسكين، لتواجه جيوش الصليبيين. وقد بدأ صلاح الدين يستعدّ للمعركة. وقبل المعركة بعشرة أيام، كان نائما، فحلم أن شيخا قد أتاه وبشّره بالنصر، وطلب منه، بعد أن يتمّ له الانتصار، أن يترك فرسه تمشي لوحدها في المنطقة، وأن يمشي وراءها حتى تقف. وأعلمه انه عند وقوفها فإن هناك قبرا لنبي مقدس، وعليه أن يقوم ببناء القبر ومقام فوقه للزوار. وهكذا كان فقد حقّق صلاح الدين انتصارا ساحقا، وقام لتوّه بترك فرسه تمشي في المنطقة، فوصلت إلى عين ماء، وشربت منها، ثم تقدّمت حوالي مائة متر، ووقفت على مرتفع، وأخذت تهز برأسها. عيّن السلطان صلاح الدين مكان وقوفها، وبنى هناك الضريح والمقام فوقه[10].

كما ذكره القرّائي شمو ئيل بن دافيد (مؤسس طائفة القرائين في اللد والرمله) حين زار المكان عام 1641. وجاء عل ذكره أيضا الرابي موشيه هيروشلمي حين زار المكان عام 1769 فيكتب: “ان على القبر الحجري شمعتين تضاءان ليل ونهار.. وعن يمين غرفة القبر…غرفة فيها حجر رخام طوله ذراع وعرضه نصف ذراع وفيه كسر.. وذلك لأنه غضب مرّة وقفز على الحجر فكسره برجْلِه.. ويقال اثر هذه الرِجِل هي الرجِل اليسرى”. الا ان بني معروف الموحدين (الدروز) يعتقدون ان النبي شعيب عليه السلام داس على أفعى فقتلها ولا زالت آثار الحية ظاهرة ككسر في موطىء قدمه المطبوعة في الصخر.

وبحسب ما جاء في كتاب طبقات الأنبياء للدكتور شكري عراف (ص129). ان البناء الحالي للمقام نتاج عملية ترميم وتجديد منذ سبعينات القرن الماضي (19) حيث قام بها الشيخ المرحوم مهنا طريف وتلاه الشيخ المرحوم طريف رئيس الطائفة الروحي آنذاك ثم تلاه الشيخ المرحوم امين طريف الرئيس السابق للطائفة التوحيدية ليتابع بعد رحيله عملية تجديد البناء بحلته المهيبة حفيده الشيخ أبو حسن موفق طريف، كل ذلك بمساعدة وتبرعات أبناء الطائفة والمؤسسات الحكومية خاصة الإسرائيلية.

وهناك مواقع وأماكن عديدة في بلادنا والمنطقة لها علاقة بالنبي شعيب عليه السلام: الى الغرب من فراضية هناك رجم النبي شعيب، وقرنة النبي شعيب في الرامه الى الجنوب من كنيسة الكاثوليك، وشجرة سدرة النبي شعيب قرب المغار، ومقام النبي شعيب في قرية بليده اللبنانية بالقرب من كيبوتس يفتاح، ومكان اجتماعه مع قومه في صحراء سيفه قرب نابلس، وممر النبي شعيب في وادي عربه قرب مرج عبده (عبدات)، وجبل النبي شعيب شمال اليمن بارتفاع 1760م، ووادي شعيب في غرب الأردن يصب في غور الأردن وبركة ماء جنوب السلط في الأردن تدعى مقام النبي شعيب. النبي شعيب (ع) هو شخصية مركزية رمزية جوهرية في التراث الديني الشعبي الدرزي وفي معتقدات الدروز ولذا في 25 نيسان من كل عام يتوافد اليها أبناء الطائفة من مختلف انحاء بلاد الشام لإقامة الشعائر الدينية وللتدوال والبحث في شؤون مصيرية تهم الطائفة لاتخاذ قرارات تحافظ على كينونتها.  


[1] الشيخ سميح ناطور، مجلة العمامة-العدد 119

[2] بورتل الكرمل والشمال

[3] طبقات الأنبياء، د. عراف شكري، قاموس الكتاب المقدس 2/396

[4] طبقات الأنبياء – دز عراف شكري ص124

[5] جاد المولى – قصص القرآن ص107

[6] قصص الأنبياء للأطفال – خضر أبو العينين ص54

[7] د.عراف شكري – طبقات الأنبياء ص 125

[8] طبقات الأنبياء – د. عراف شكري ص125

[9] طبقات الأنبياء – د. عراف شكري ص127

[10] موقع التراث الدرزي

مقالات ذات صلة: