الموقع قيد التحديث!

مشايخ وأُمراء أرسلانيُّون وجُنبلاطِيُّون سكنوا قريتي يِركا وجولس

البروفيسور علي الصغيَّر
بقلم البروفيسور علي الصغيَّر
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

سكن أُمراءٌ ومشايخ أرسلانيُّون وجُنبلاطِيُّون في في قريتي يِركا وجولس خلال فترة حكم عبدالله باشا الخزندار، والي صيدا بين السَّنوات 1819 و 1832.  معلومات بهذا الشَّأن واردةٌ في كتاب “أخبار الأعيان في جبل لُبنان”، بجزأيه الأوَّل والثَّاني، لطَنُّوس الشِّدياق اللبناني. وقد انتهى الشِّدياق من تبييض وطبع كتابِهِ هذا عام 1859، أي سنتين قبل وفاتِهِ، ويومها وقف على الكتاب وناظر طبعه المعلِّم الكبير بُطرس البُستاني. وفيما بعد نَظَرَ فيه وكتب مقدمةً ووضع فهارسَ لَهُ، ونشره من جديد عام 1970، فؤاد افرام البستاني، رئيس الجامعة اللبنانيَّة في حينِهِ. والشِّدياق يذكر اسم يِركا، في كتابِهِ هذا،  بالاسم “يركي”. ونظرًا لأَنَّ عبدالله باشا اتَّخَذَ من مدينة عكا مركزًا لإدارة حُكمِهِ، فكثيرًا ما يُطلق عليه لقب “والي عكا”، بدلاً من “والي صيدا”، وهي الصِّفة الرَّسميَّة لرتبتِهِ في الدَّولة العُثمانيَّة، وحتى الشِّدياق في كتابِهِ الذي نتحدَّث عنه يذكُرُهُ بهذا الَّلقب. ونحن سوف نورد فيما يلي كلَّ الفقرات التي يَرِدُ بها ذكرُ هؤلاء المشايخ وهؤلاء الأُمراء، مقرونًا مَعَ اسم قرية يِركا، أو “يركي”، كما يَرِدُ اسمُها في متن كتاب الشِّدياق.

إضافًة لما يذكُرُهُ الشِّدياق في كتابِهِ المذكور حول سُكنى المشايخ والأُمراء الأرسلانيِّين والجنبلاطيِّين في يِركا خلال فترة حكم عبدالله باشا الخزندار، توجد لدينا وثائق تشهد بعلاقات الصَّداقة المتينة التي كانت تربط سكان يِركا مع هاتَيْنِ العائلتين بلُبنان، ليس فقط خلال فترة حكم عبدالله باشا، وإنَّما قبلَها وبعدَها أيضا.

الشَّيخ قاسم بن الشَّيخ بشير جنبلاط (عَمُود السَّماء) يُتَوَفَّى بداء الطَّاعُون في يِركا عام 1827.

هكذا يقول الشِّدياق في سياق حديثه عن حوادث عام 1827، في الصفحة 150 من الجزء الأوَّل من كتابِهِ: “ثم تُوُفِّيَ في يركي (يِركا) أخوه قاسم باء الطَّاعُون بلا عقب فأرسل والي عكاء إلى اخوتهما أن يحضروا إليه، فحضروا لديه، فأنزلهم في بلاد صفد بكلِّ إكرام ورتَّبَ لهم معاشًا”.

الأُمراء حيدر وأحمد وأمين أرسلان يسكنون في يِركا عام 1830

بأمرٍ من عبدالله باشا الخزندار يسكن يِركا الأمراء حيدر وأحمد وأمين أرسلان، أبناء الأمير عبَّاس بن فخر الدِّين بن حيدر بن سليمان بن فخر الدِّين بن يحيى بن مُذحِج المُسلسل إلى ابن ماء السَّماء الَّلخمي. مدَّة قصيرة بعد ذلك يغادر الأمير أمين يِركا مُتوجِّهًا إلى دمشق، أمَّا أخواهُ حيدر وأحمد فيبقَيَانِ في يِركا.

وفي ذلك يقول الشِّدياق في سياق حديثه عن حوادث عام 1830، في الصفحة 443 من الجزء الثَّاني من كتابِهِ: “وفيها (أي في عام 1830) رجع الأمراء الأرسلانيُّون إلى دمشق فاستدعاهُم عبدالله باشا فانحدروا إلى عكاء فرتَّب لهم الإقامات وأمرهُم بالإقامة في يركي (يِركا). ثم سار الأمير أمين إلى دمشق ثم إلى حوران”.

ويكرِّر الشِّدياق الحديث حول سُكنى الأُمراء حيدر وأحمد وأمين أرسلان في يِركا عام 1830، مرَّةً أُخرى في الصَّفحتين 521 و 522 من الجزء الثَّاني من كتابِهِ، فيقول: “وسنة 1830 عُزِلَ الشُّمري عن حوران ورجع إلى دمشق والأُمراء (أيِ الأمراء حيدر وأحمد وأمين أرسلان) معهُ، ثم استدعاهم عبدالله باشا فتوجَّهوا إلى قرية يركي (يِركا) فرتَّب لهُم الإقامات (أيِ رتَّب إقاماتٍ لهم في يِركا)، وفيها (أي في عام 1830) توجَّه الأمير أمين إلى دمشق وبقيَ أخواهُ (أيِ الأميران حيدر وأحمد) في يركي (يِركا)”.

الشَّيخ شاهين بن ابراهيم جنبلاط يُتَوَفَّى في يِركا عام 1830

وهو شاهين بن ابراهيم بن اسماعيل بن شاهين بن جنبلاط بن أبي جنبلاط أحمد. وفي وفاتِهِ بيِركا يقول الشِّدياق في سياق حديثه عن حوادث عام 1830، في الصفحة 177 من الجزء الأوَّل من كتابِهِ ما يلي: “وفيها (أي في سنة 1830) تُوُفِّيَ الشَّيخ شاهين بن ابراهيم في قرية يركي (يِركا) ولهُ ولد يُقال له عبَّاس”.

الشَّيخانِ قاسم ونعمان، ابنا الشَّيخ بشير جنبلاط (عَمُود السَّماء)، يغادرانِ يِركا مُتوجِهَيْنِ إلى الأمير بشير الشَّهابي الثَّاني (ألأمير بشير الشَّهابي الكبير) عام 1832

وفي ذلك يقول الشِّدياق في سياق حديثه عن حوادث عام 1832، في الصفحة 444 من الجزء الثَّاني من كتابِهِ: “وفي غُضُون ذلك قدم من يركي (يِركا) الشَّيخ قاسم بشير جانبلاط وأخوهُ نعمان إلى المعسكر (أي معسكر ألأمير بشير الشَّهابي الكبير) والتَمَسا من الأمير (أيِ من ألأمير بشير الشَّهابي الكبير) الصَّفح، فطيَّبَ خاطرهُما وأمرهُما بالذَّهاب إلى وطنهِما، ثم خَوَّفَهُما الشَّيخ أسعد النَّكَدي (أي خَوَّفَهُما من مكائد ألأمير بشير الشَّهابي الكبير، الذي كان وراء شنق والِدِهِم الشَّيخ بشير جنبلاط) فَفَرَّا إلى دمشق”.

الشَّيخانِ بشيرُ جُنبلاط وأمينُ العماد: هل فعلاً دُفِنَا في يِركا ؟

حديثٌ لا يزال يتناقلُهُ سكان يركا ومحيطِها، ولا يزالُ محفوظَا في صُدور الناس عندنا، يقضي بأنَّ الشَّيخينِ المذكورينِ دُفِنَا في يِركا، بجوارِ الجدار الشَّرقي لضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايم بن محمد، في المقبرة الشِّماليِّة للقرية، وذلك بعد أن شَنَقُهُما عبدالله باشا والي عكا بعكا عام 1825. ولشنقِ هذين الشَّيخيْنِ الكبيريْنِ بعكا، ولمسألةِ دفنِهِما في يِركا، قصَّةٌ مؤثِّرة، وسوف نوردُ فيما يلي مُختصراَ لها.

الشِّيخ بشير جُنبلاط (1775-1825) هو بشير بن قاسم بن علي بن رَبَاح بن جُنبلاط، وكان يُطلق عليه، لرُجُولتِهِ ورباطِةِ جأشِهِ وهيبتِهِ وكَرَمِهِ، لقب “عَمُود السَّماء”، وقد أنجب اسماعيل، واسماعيل أنجب نجيب، ونجيب أنجب فُؤاد، وفُؤاد أنجب كمال جُنبلاط، الزَّعيم الاشتراكي الكبير، وكمال أنجب وليد، ووليد أنجب تيمُور وأصْلان.

 أمَّا الشَّيخ أمين العماد (تاريخ الولادة: غير معروف- 1825) فهو أمين بن بُو قبلان بن حسين بن عماد بن بُو عَذْرا، وهو الآخر كان من الأبطال المعروفين بجبل لبنان.

ولكن نظرًا لأنّه لم يُعثر على قَبْرَيِ الشِّيخينِ المذكورين، أو على أيَّة قُبُورٍ أُخرى، في الموقع المذكور، عندما حُفِرَ خلال أعمال ترميمِ  ضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايم بن محمد عام 2011، فمن المؤكَّد أنَّ هذين الشِّيخينِ لم يُدْفَنَا في هذا الموضع بالضَّبطِ، ولكن لأنَّه من غير الجائِز أن يكونَ الحديث الذي لا يزال يتناقلُهُ الناس بشأن دفنِهِما بلِصْقِ ضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايم حديثَا غير صحيحِ أو مُلَفَّق، فمن غيرِ المُستبعدِ أن يكونَ عدم الدِّقة في هذا الحديث ليس في مسألة دفنِهِما بلِصِقِ ضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايم في يِركا، وإنَّما في تحديد جهة الموضع الذي دُفِنَا به في ذلك المكان، وبناءًا على ذلك فمن الجائِزِ أن يكون الشَّيخ مرزوق معدي قد دَفَنَهُمَا فعلاً بجوار ضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايم، ولكن ليس بجوار جدارِهِ الشَّرقي، كما تقولُ الرِّواية، وإنَّما في واحدةٍ من إحدى مقابرِ العائلات الثَّلاثِ الملاصقة لضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايم، والموجودةِ إلى الشَّرق من الطريق الضيِّقة التي كانت، ولا تزال، تخترقُ المقبرة الشِّماليَّة ليِركا، والتي تربطُ الشَّارع الشِّمالي للقرية بموقع الأرض المعروف باسمِ “الرَّباعِين الشَّمالَى”. هذه المقابر هي مقبرة عائلة الصغيَّر، الموجودة إلى الجهة الجنوبيَّة الشَّرقيَّة من الضَّريح، والموجُودانِ بها قَبْرَا “الأخَوَيْن” الشَّهيريْنِ، وهذه العائلة هي عائلة زهرة الصغيَّر، زوجة الشَّيخ مرزوق معدي، والمقبرة الثانية هي مقبرة عائلة أبو عيسى، وهي تقعُ إلى الجهة الجنوبيَّة من الضَّريح، والمقبرة الثَّالثة هي مقبرة عائلة كنعان، وهي تقع إلى الجهة الجنوبيَّة الغربيَّة من الضَّريح.

ولا شكَّ في  أنَّ الغُموضَ الذي يكتنفُ موضعَ دفن الشَّيخينِ بشير جُنبلاط وأمين العماد، وعدم بناءِ قبريْنِ حَجَرِيَّينِ مع شاهِدَيْن بارِزَيْنِ لهما، كما يليقُ بِهَذَيْنِ الشَّيخينِ الجليلَيْنِ، يعودُ إلى رغبة الشَّيخ مرزوق معدي بشكلٍ خاص، وسكان يِركا بشكلٍ عام، في عدم إثارة حفيظة ابراهيم باشا، حاكمِ بلاد الشَّام في ذلك الزَّمان، وكذلك عدم إثارة حفيظة أبيهِ محمد علي باشا، حاكم مصر في حينِهِ، وذلك لأنَّ محمد علي باشا هو الذي أصدرَ الأمر لعبدالله باشا، والي عكا، بشنقِهِما، تحت إلحاحٍ شديد مِنَ الأمير بشير الشَّهابي الثَّاني، وخصوصًا وأنَّ الشَّيخ مرزوق معدي كان صديقًا حميمًا لعبدالله باشا، الذي عَزلَهُ ابراهيم باشا ونفاهُ من فلسطين، بعد أنِ احتلَّ عكا عام 1832. وتجدُرُ الإشارةُ هنا إلى أنّ الشَّيخ مرزوق معدي نفسَهُ لم يسلم من أذى ابراهيم باشا، إذ شَنَقَهُ قبل انسحابِهِ من فلسطين بعددٍ قليلٍ من السَّنوات، في أعقابِ وشيةٍ من قِبَلِ رجلٍ من قرية الغابسِيَّة المُجاورة بوجود بارُودةٍ لديهِ، خلافًا لأوامر ابراهيم باشا التي كانت تقضي بمنع تواجُد السِّلاح لدى السكان المحليِّين، خصوصًا لدى السكان الدُّروز. 

هكذا يقول الشِّدياق في قضيَّة شنق الشَّيخينِ بشير جُنبلاط وأمين العماد من قِبَلِ عبدالله باشا، في سياق حديثه عن حوادث عام 1825، في الصفحة 150 من الجزء الأوَّل من كتابِهِ: “وبعد أيام أخرج عبدالله باشا الشَّيخ بشيرًا من السجن وأرسل له حلَّة وطَيَّبَ قلبه. فبلغ الأمير (أي الأمير بشير الشَّهابي الثَّاني) ذلك فكتب إلى والي مصر (أي محمد علي باشا) يخبرُهُ، فكتب الوالي إلى عبدالله باشا يلومه ويأمره بقتله، فقتله مع الشَّيخ أمين العماد، وعمره خمسون سنة، وله خمسة أولاد: قاسم وسليم ونعمان وسعيد واسماعيل. وكان معتدل القامة رقيق الجسم أسمر اللون حسن الطلعة ميبًا عاقلاً رزينًا وقورًا جسورًا فارسًا شجاعًا شهمًا سخيًّا فاضلاً حليمًا غيُورًا صفوحًا عليَّ الهمَّة سديد الرَّأي شديد البأس أبِيَّ النَّفْس ذا حمية حسن السياسة قويًّا بالمال والرِّجال محاميًا عن البلاد لُقِّبَ بعمو السَّماء وَزَّعَ في سنة واحدة على فقراء البلاد جميعًا ستماية وخمسين ألف غرش، وبنى جُسُورًا وأصلح طرقاتٍ وكَثُرَت في أيَّامِهِ المعابد ووُجِدت الراحة والأمان فذاع صيتُهُ في الأقطار”.

وحول نفس الموضوع يقول الشِّدياق في سياق حديثه عن حوادث يوم 31 كانون الثَّاني من عام 1825، في الصفحة 438 من الجزء الثَّاني من كتابِهِ: “وأمَّا المشايخ (أي الشَّيخان بشيرُ جُنبلاط وأمينُ العماد) فأرسلهم وزير دمشق (أي مصطفى باشا، حاكم دمشق في حينِهِ) إلى عكاء، فلما دخلوها أمر الوزير (أي عبدالله باشا، والي عكا) بحبسهِم، فحُبِسُوا. ثم كتب الأمير (أي الأمير بشير الشَّهابي الثَّاني) إلى الوزير يوضِّح له ذنوب الشَّيخ بشير، وأنَّه هو أصل الحركة، وأنَّ الفساد لا يبرح في البلاد ما دام حيَّا. فأجابه الوزير إنِّي سوف أجعله عِبْرْةَ، ثم دعاه الوزير إليه وطَيَّبَ قلبه وأنعم عليه بحللٍ، وأرسله إلى الحَمَّام، وأنزله خارج السجن. ولما بلغ الأمير (أي الأمير بشير الشَّهابي الثَّاني) ذلك أرسل أحد خواصِّهِ حالاً إلى مصر مصحوبًا بكتاب إلى ولدِهِ الأمير أمين ليلتمس من العزيز (أي محمد علي باشا، حاكم مصر) كتابًا إلى عبدالله باشا ليعدم الشَّيخ المذكور لأجل الرَّاحة. ولما بلغ العزيز ذلك أرسل إلى عبدالله باشا سفيرًا بذلك الشَّأن فكتب الأمير إليه يلتمس منه قتل الشَّيخ أمين العماد معه. فأمر الوزير بقتلهما خنقًا وإبقاء جُثَّتيهِما مطروحتينِ أمام باب عكاء (أي البوَّابة الجنوبية المُطِلَّة على البحر، وهي لا تزال موجودةً حتى اليوم، وكانت في ذلك الزَّمان البوَّابة الوحيدة لعكا) ثلاثة أيَّام، وكتب الوزير (أي عبدالله باشا) إلى الأمير (أي الأمير بشير الشَّهابي الثَّاني) يخبره بما فعل، فأرسل الأمير يلتمس منه إطلاق الشَّيخ نجم الدِّين بن علي بن بشير بن نجم، فأطلقه، فتوجَّه إلى بيته، فجرمه الأمير بخمسة وعشرين ألف غرش”.

وبعد انتهاء مدَّة الأيَّام الثَّلاثة التي مكثتِ الجُثَّتانِ خلالها على الأرض خارج بوَّابة عكا استأذَن الشَّيخ مرزوق معدي من عبدالله باشا بدفنِهما في يِركا، وكان له ذلك، كما ذكرنا. وهذانِ الشَّيخانِ الكبيرانِ كانا صديقيْنِ للشَّيخ مرزوق معدي و لسكان يِركا، وكانت بينهم علاقة مودَّةٍ خاصَّة.

وتجدُر الإشارة إلى أنَّ الشِّدياق كان يعرف عبدالله باشا معرفة شخصيَّة، وقد أُوْفِدَ إليهِ عام 1821 من قِبَلِ الأمِيرَيْنِ حسن علي وسلمان سيِّد أحمد الشَّهابيَّيْنِ من أجل السَّعي في إطلاق سبيل بعض المشايخ الذين كانوا محبوسين عنده، وفي ذلك يقول الشِّدياق في الصَّفحة 119 من الجزء الأوَّل من كتابِهِ: “ثم أرسَلَني (عام 1821) الأميرانِ (أي حسن علي وسلمان سيِّد أحمد) إلى عكا بكتابٍ إلى عبدالله باشا وَالِيْهَا يلتمسانِ منه إطلاق المشايخ المحجوزين عنده، ولمَّا تعهَّد لهُ المشايخ بأداء المال أمر بإطلاقِهِم”.

عبدالله باشا و”كَرْمُ الباشا” والشَّيخ مرزوق معدي

لعبدالله باشا كانت علاقاتٌ وصداقاتٌ في يِركا، وفي عهدِهِ كان الشَّيخ مرزوق معدي المذكور وجيهًا وصديقًا شخصيًّا للباشا، وكان مُلتَزِمَ ضرائب في غالبيَّة قرى الجليل الأعلى، ولكن هذه العلاقات وهذه الصَّداقات لم ترْدَعْ عبدالله باشا عن انتزاع قطعة أرضٍ في الطَّرف الشَّرقي للقرية عنوةً من أراضي الوقف، وعن إصدارِ الأمر بغرسِها بالزَّيتون، وقطعة الأرض هذه لا تزالُ قائمةً حتى اليوم بزيتوناتِها، وهي لا تزال تحملُ لقبَ الوالي، فهي لا تزالُ تُعرَفُ حتى هذه الأيَّام الحاضرة باسم “كرم الباشا”. ولكن بسبب طريقة النَّهْب التي انتهَجَهَا الباشا من أجل الاستيلاء على قطعة الأرض هذه، فإنَّ رجال الدِّين في يِركا، في ذلك الزَّمان ولمدَّةٍ طويلةٍ بعد ذلك، كانوا يرفضونَ أن يأكلوا من زيتونِ هذا الكَرْمِ أو من زيتِهِ، أو من سائر ثمارِهِ، وأن يطبخُوا على نارِ حطِبِهِ، أو أن يتدفَّأوا عليها، وكانوا يرفضون أكلَ نباتات البقول التي تنمو به، وحتى فطائر نبات “السّنيبخة” (أو السّمَمِيخَة، كما يُعرفُ في بعض القرى) (צִפָּרְנִית  מִצְרִית, Silene  aegyptiaca )، وهو أحد نباتات البقول التي تنمو في أرضِهِ، كانوا يأبَوْنَ أكلَهَا. ولعلَّ أشهر رجال الدِّين هؤلاء كان طَّيِّبُ الذِّكرِ والصُّوفِيُّ الكبير المرحوم الشَّيخ سَعِيد عليَّان، الشَّفاعمريُّ الأصلِ والمولدِ والمنشأ، واليِركاويُّ المسكنِ والمماتِ والمدفن، وأحد كبار رجال الدين الذين عرفتهم القرية على مرِّ العصور. 

طَنُّوس الشِّدياق وأحمد فارس الشِّدياق

طَنُّوس الشِّدياق هو شقيق أحمد فارس الشِّدياق، الكاتب الماروني اللبناني الذي أسلم، وأحد كبار أعلام الفكر العربي والنهضة العربيَّة في القرن التَّاسع عشر.

عام ولادة طَنُّوس الشِّدياق غير معروفٍ بدقَّة، ولكن يُقال أنَّهُ وُلِدَ عام 1805، في قرية عَشْقُوت بلبنان، أمَّا وفاتُهُ فكانت عام 1861. درس الشِّدياق في مدرسة عين ورقة الشَّهيرة في بلدة عبيه، وعَمِلَ في التِّجارة، ثم انقطع إلى خدمة الأمراء الشَّهابيِّين. كان مُلِمًّا بجغرافية لبنان وبتاريخِهِ، وكتابُهُ المذكور لا يزالُ يُعتَبَر من أهمِّ المراجع التَّاريخيَّة حول تاريخ لبنان وفلسطين في النصف الأوَّل من القرن التَّاسع عشر، وكان الشِّدياقُ نفسُهُ شاهدَ عيانٍ لكثيرٍ من الأحداثِ الواردِ ذكرُها في كتابِهِ. عدا عن كتابِهِ هذا، لهُ مؤلَّفاتٌ أُخرى.

أمَّا شقيقة أحمد، فَوُلِدَ هو الآخر في قرية عَشْقُوت عام 1804، وتُوُفِّيَ باستانبول عام 1888. أحمد فارس الشِّدياق درس، مثل أخيه طَنُّوس، في مدرسة عين ورقة، ووضع مؤلَّفاتٍ عديدةً، لا تزال لها قيمة كبيرة حتى في أيَّامنا هذه، ومن بينها نذكر “الجاسُوس على القاموس” في نقد قاموس الفيروزبادي، و”السَّاق على السَّاق فيما هو الفارياق”. وقد أسَّس في استانبول جريدة “الجوائب”، التي كانت ذائعة الصِّيت في ذلك الزَّمان.

لفظة “الشِّدياق” تعني “الشَّمَّاس”، وهي رتبة كهنوتيَّة في المسيحيَّة، درجةٌ واحدةٌ دُونَ درجة القسِّ أو الكاهن، ودَرَجَتانِ دُونَ درجة الأسقف. أصل هذه اللفظة هي اللفظة اليونانيَّة “دَيَاكُونُوس” (Διάκονος)، ولها نفس المعنى بتلك اللغة.

السيدة خولة جنبلاط، ارملة الشيخ بشير جنبلاط تسكن في جولس

تذكر كتب التاريخ أن والي صيدا وعكا عبد الله باشا، شعر بالندم بعد أن نفذ عملية شنق الزعيمين بشير جنبلاط وأمين العماد وأراد أن يصحح موقفه من أرملة المرحوم الشيخ بشير جنبلاط، السيدة خولة جنبلاط، فقام باستدعائها للحضور إلى عكا ليقدم لها ولأولادها معاشا شهريا وليعرب عن موقفه الصحيح من زوجها الشيخ بشير. وتقول المصادر إن السيدة خولة أعلنت أنها لن تصل إلى عكا وأنها مستعدة لمقابلة الوالي في قرية جولس في منزل الرئيس الروحي للطائفة الدرزية آنذاك الشيخ سليمان طريف وقد ذكرت هذه المعلومات في معجم أعلام الدروز تأليف د. محمد خليل الباشا الصادر عن الدار التقدمية عام 1990 وفي كتاب الشيخ يوسف خطار أبو شقرا “الحركات في لبنان” الصادر عام 1952 في بيروت، وكذلك في ديوان المعلم نيقولا الترك، الصادر في بيروت عام 1970 وفي كتاب بعنوان” سعيد بك جنبلاط” 1813-1861 من تأليف د. رياض حسين غنام، الصادر عن دار معن 2015، وتوزيع معرض الشوف الدائم للكتاب، وفي كتاب الأستاذ أنيس يحيى بعنوان “الشيخ بشير جنبلاط وتحقيق وصيته” 1775-1825 الصادر عن دار الفنون في بيروت عام 2001 وهي  واردة في مقالة منشورة  في مجلة ” العمامة” وفي هذا العدد بقلم محررها الشيخ سميح ناطور اعتمادا على المصادر وعلى حديث مع المرحوم الشيخ أبي حسن كامل طريف.  

البروفيسور علي الصغيَّر

مقالات ذات صلة:

التصوف الدرزي

يعتبر الأمير السيد عبد الله التنوخي (ق) أن النفس “خُلقت للعبادة والتوحيد، وقبل أن يتسنّى لها بلوغ هذه الغاية عليها

الخير

قال أبو العلاء المعري: الخَيْرُ يَفْعَلُهُ الكَريمُ بِطَبْعِهِ   وَإذا اللَّئيمُ سَخا فَذاكَ تَكَلف عَلَيْكَ بِفِعْلِ الخَيْرِ لو لم يَكُنْ له