الموقع قيد التحديث!

مدارس درزية خاصة جديدة على نمط الاشراق

بقلم الأستاذ الشيخ أبو توفيق سليمان سيف
يانوح
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

لقد عملت في حقل التربية والتعليم مدة ثمانية وثلاثون عامًا خلت. وذلك من سنة 1972-2010. وبعد إحالتي للتقاعد أجلس أحيانًا مع نفسي حيث يمر أمام عيني شريط العمر والعمل، وأرصد ذكريات (38) عامًا من العمل الدؤوب والمخلص والممتع في حقل التربية والتعليم، مستغربًا الى أقصى الحدود، التغيّرات الكبيرة والسريعة التي حدثت في هذا الحقل. فبعد التشخيص والتمييز وصلت الى نتيجة إن هذا المجال، أي مجال التربية والتعليم ينقسم الى ثلاث فتراتٍ متفاوتة من حيث السلوكيات.

الفترة الأولى: منذ قيام الدولة حتى بداية الثمانينات من القرن الماضي، حيث تمركزت العملية التعليمية والتربوية وتمحورت حول التشديد على القيم والأخلاق، واكساب الطالب السيرة الطيبة والسلوك الحسن، والمحافظة على تراثنا الشعبي، وإشباع الطلاب وإكسابهم المزيد من الصفات الحميدة والحسنة مثل: الأمانة، التآخي، الصدق، النزاهة في التعليم والامتحانات وغيرها… ومن ثمة التحاشي والابتعاد عن الصفات المذمومة مثل: الخيانة، العداوة، الكذب، الغش وغيرها من الصفات السيئة. وكم نتوق نحن معشر المعلمين والمعلمات لِما كان يتمتع به المعلمون في تلك الفترة من مكانة اجتماعية مرموقة واحترام بلا حدود، من قِبل كافة أفراد المجتمع، فكانت المدارس في تلك الفترة عبارة عن دفيئةٍ للعلم والتنافس الشريف بين الطلاب، علميًا وأخلاقيًا، كما كان المعلمون يتباهون ويشمخون بكونهم جزءً من أسرة التربية والتعليم في هذه البلاد.

الفترة الثانية: من بداية الثمانينات حتى بداية الألفية الثالثة، حيث طرأ على المجتمع الإسرائيلي انقلاب اقتصادي كبير، بحيث تحسّنت الأحوال الاقتصادية في البلاد، وحدث انتعاش معيشي جيد، مما حَسَّن الظروف المعيشيّة، وشعرنا بقفزةٍ ايجابية نحو الأفضل. ولمزيد الحظ، استمر مجتمعنا بالمحافظة على القاعدة الأساسية، وهي المحافظة على تراثنا الأصيل، والتمسك بالعادات والتقاليد والاحترام المتبادل والمحافظة على القيم والأخلاق الحميدة. ولكن مع انتهاء الألفية الثانية وبداية الالفية الثالثة بدأت تزهر براعم الفترة الثالثة، والتي نعيشها اليوم بحلوها ومُرّها.

الفترة الثالثة: منذ بداية الألفية الثالثة وحتى يومنا هذا، هذه الفترة التي نعيشها اليوم ونعاني منها في كثيرٍ من الأحيان. فترة العجائب والغرائب.

حيث فقد المعلم قسطًا كبيرًا من مكانته الاجتماعية المرموقة التي كان يتمتع بها، وتحولت هذه المهنة بنظر قسم من المعلمين من رسالةٍ اجتماعية وأخلاقية مقدسة يعتزّ ويتفاخر بها، الى رسالةٍ اقتصادية معيشية بحتة لا تزيد من احترامه شيئًا لا بل يشعر أحيانًا بقسطٍ من الإهانة وقلّة الاحترام.

أما بالنسبة للطالب فأصبح  يتمتع بحصانةٍ لا حدود لها، وكأنه خرج من غياهب الظلام  وعالم التخلّف والجهل  الى عالم النور والحرية والاستقلال. فالمعلم تسري عليه كل الممنوعات والقيود بينما الطالب يتمتع بكل الحقوق ولا  تسري عليه أي قيودٍ من الممنوعات، مما جعل قسمًا كبيرا من الطلاب يتجرؤون على معاندة ذويهم وعدم الطاعة والانصياع الى توجيهات الأهل والسماع لنصائحهم، كذلك في المدارس عدم الاحترام الكافي للمعلمين والانصياع لتوجيهات ونصائح المعلمين. وعمَّ الاستخفاف والاستهزاء بالقيم والتقاليد الأصيلة التي كانت تميز مجتمعنا المعروفي، ازدياد ظواهر العنف الكلامي والجسدي سواء في المدارس أو الشوارع وحتى داخل البيوت، فقد سيطرت الآليات التكنلوجية الحديثة، كالهواتف النقّالة وغيرها على عقول الطلاب واستعمالها، وللأسف الشديد في أغلب الأحيان بأشكالها السلبية، التي تجلب عليهم وعلى ذويهم المشاكل والمصائب، وتجرّ هم أحيانًا الى عواقب جنائيّة بقصدٍ أو بغير قصد، فكم من طالبٍ تورّط بسبب الاستعمال السيء للجوال بمشكلةٍ هنا وهناك، وكم من طالبٍ أضاع وفقدَ مستقبلًا زاهرًا كان ينتظره هو وذووه بسبب كثرة اللهو وسوء الاستعمال لهذه الآلة الخبيثة. منذ ساعات الصباح الباكر ترى الطلاب متوجهين الى مدارسهم وجوّالاتهم على أذنهم، تُرى عمّا ومع من يتحدّثون؟! كذلك الحال عند عودتهم الى بيوتهم، وربما بعضهم خلال الدوام. باختصار وللأسف هذا هو الحال في مدارسنا ومجتمعنا.

اختلط الحابل بالنابل واختلط الصالح بالطالح ولا يسعني أن أقول بأن هذا الوضع ينطبق على الجميع، فأكون قد ظلمتُ قسمًا كبيرًا من طلابنا وطالباتنا، لأنه لا شك والحمد لله، أن هناك جزءًا لا بأس به، واعٍ لمصيرهِ واثقٌ من نفسه ينهل من ينابيع العلم بشغفٍ وعليه نُعلّقُ آمال كبيرة وجمّة. وهنا أخي القارئ الكريم أطرح سؤالًا. أليس من الصعوبة بمكان أن يعيق هذا الجو الشائك مسيرة طلابنا المتميزون؟!      كل هذا وناهيكَ عن المشاكل ذات الطابع الخاص التي تحصل بين الجنسين بنين وبنات في المراحل الدراسية الثلاث ابتدائي-اعدادي وثانوي.

أخي القارئ الكريم على ضوء ما ذكرنا آنفًا، أود أن أطرح اقتراحًا ربما توافقه وربما ترفضه، ولكن ربما يكون جديرا بالتفكير والبحث.

أن تقدم القيادة الدينيّة والزمنيّة والهيئة المسؤولة عن جهاز التربية والتعليم في الوسط الدرزي، بالتوجه الى السلطة المركزية، ولوزارة التربية والتعليم ببناء ثلاث مدارس إقليميّة خاصّة للبنات والبنين اللواتي يرغبن التعلم في مدارس دينية على نمط مدارس الإشراق، وذلك من الصف الأول حتى الثاني عشر. وعندها يكون للأهل وللطالبات حريّة الاختيار اما أن تتعلم بمدرسة خاصّة للبنات أو بمدرسة مختلطة بنين وبنات.

وذلك أسوةً بما يجري في باقي الأوساط في الدولة لدى الطوائف الأخرى. وبذلك نكون قد وفَّرنا على أنفسنا بعضًا من العقبات والمعضلات التي تعترض طريق طلابنا وطالباتنا الذين يصبون الى التسلّق على سُلَّم التقدّم والرقي والتميّز.

فضيلة الشيخ موفق طريف برفقة المشايخ الافاضل في زيارة لمدرسة الاشراق التوحيدية في عسفيا

مقالات ذات صلة:

اللاشعور

اللاشعور Subconscious هو كلّ العملياّت النفسيّة التي تحدث في جسم الإنسان دون أن يشعر بها، إمّا لأنها نتجت عن دوافع