الموقع قيد التحديث!

ما بين الكرمل وجبل الريان

بقلم الشيخ أبو صلاح رجا نصر الدين
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

اجتمعت قبل أيام في القاعة الرئيسية، في مقام سيدنا أبو عبد الله عليه السلام في عسفيا، مشايخ الطائفة من الجليل والكرمل والجولان، في الزيارة السنوية للمقام الشريف، التي تجري عادة في منتصف شهر تشرين ثاني من كل عام. وقد أجريت الصلوات العادية، ودوّت في أرجاء المقام الأناشيد الروحانية، وانتظمت أحاديث بين المشاركين من القرى المختلفة، حول شؤون الساعة، لكن برز بشكل خاص في هذه الزيارة المميزة، التأثير الكبير للحدث الهام الذي واجهته الطائفة الدرزية في الأشهر الأخيرة، وهو تحرير المختطفات والمختطفين من براثن منظمة داعش، وإعادتهم إلى بيوتهم سالمين، مما اثلج صدور أهلنا ومشايخنا في هذه البلاد، وجعلهم يشعرون بالاعتزاز والفرح والتضامن مع الإخوان عبر الحدود، وقد برزت في كافة الكلمات التي أُلقيت في الزيارة، الفرحة والشكر والحمد لله سبحانه وتعالى، على تحرير المخطوفين، وعلى انتهاء هذه الأزمة في الجبل الأشم، وذلك لأن سكان هذه البلاد من أبناء الطائفة الدرزية، يهتمون بكل ما يتعلق بإخواننا دروز سوريا منذ بدء الحرب الأهلية عام 2011، وهم في حيرة وترقب ووجل، أن يحدث للإخوان هناك أمر خطير، أو تطور غير مقبول، بدون أن تكون للإخوة هنا القدرة العملية للمساعدة وتقديم العون. وفي السنوات السبعة الأخيرة، التي دارت فيها الحرب الأهلية، أعرب مئات الشباب عندنا، متدينين وغير متدينين، عن استعدادهم الكامل، للانتقال إلى جبل الدروز، للدفاع عن الإخوة هناك، وحمايتهم والذود عنهم، لكن القوانين والأوضاع الأمنية لا تسمح طبعا بذلك، وفي نفس الوقت شاهدنا أن إخواننا في جبل الدروز، على قدر كافٍ من القوة والمسئولية، لصد كل هجوم، وإفشال كل محاولة للإيقاع بهم، طبعا باعتمادهم على الرعاية الربانية، والعزة الإلهية.

 كما أننا وضعنا كل ثقتنا بشيخنا، أبي حسن موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الذي قام في السنوات الأخيرة، بنشاط كبير، لم بحدث مثله، في تاريخ الطائفة الدرزية، على المستوى الدولي، حيث رفع اسم الطائفة الدرزية في هيئة الأمم المتحدة، وفي منصات الدول العظمى، والأوساط التي لها مداخلات في الحرب الأهلية في سوريا، وأعرب عن موقف الطائفة الدرزية العام، الذي يسند الشرعية في كل دولة يعيش فيها دروز، مطالبا المحافل الدولية بالتدخل، والمحافظة على أبناء الطائفة الدرزية، الذين يخدمون دولهم والكيان السياسي الذي يعيشون فيه، دون أي مصلحة أو حساب، إلا لمجرد أنهم مواطنون صالحون، يهتمون ببناء دولتهم ونجاحها وحمايتها. وقد تكللت مساعي ونشاطات فضيلة شيخنا بالنجاح، وكان شريكا كبيرا في الإنجازات الأخيرة التي عرفتها الطائفة، وفي تعزيز مكانتها وقوتها في مواقعها، لتظل ركنا أساسيا في كل دولة، يعيش فيها مواطنون دروز.

وهذا الأمر يثبّت الالتحام، والتضامن، والمسئولية المشتركة، والشعور العام بالوحدة، الذي يشمل أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان، والذي كان مصدر هداية لهم حتى الآن، حيث يقوم أي جزء من أجزاء الطائفة، بدعم وتقديم العون في كل مجال، لأي جزء آخر يقع في ضائقة. فالتضامن التوحيدي شامل لجميع أبناء الطائفة، وكل جرح يصيب فئة من الموحدين الدروز في كل مكان، يسبّب الشعور بالألم عند من يسكن بعيدا جغرافيا، لكنه قريب منها عاطفيا وشعوريا. وقد أثبتت الأحداث منذ مئات السنين، أن النار التي تشتعل في جبال الشوف، يشعر بها سكان جبل الريان، وجبل السماق، وجبل الكرمل، وجبل الشيخ، وحتى أن أبناء الجاليات الدرزية في كندا، وفي هولندا، وفي الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى من العالم، قاموا بالضغط على حكوماتهم للتدخل من أجل تحرير المختطفين، وإنهاء معاناة الشعب السوري ككل، بعد سبع سنوات عاصفة، ساد فيها القتل، والدمار، والتشريد، لكنها قاربت على الانتهاء، بعونه تعالى، والحمد لله والشكر له دائما. وأثبتت الحرب الأهلية في سوريا، والتي كان ضحيتها طوائف مختلفة من الشعب السوري، من بينهم المسيحيون، والأكراد، والسنة وغيرهم، أن كل حرب تكون عاصفة ومؤلمة ومضرّة، حتى بالفريق المنتصر. وأن لا جدوى من الحروب، فهي تقضي على الأخضر واليابس، وتعيق تقدم البلاد، وتخرّب الاقتصاد، وتهدم البيوت، ويعود الفرقاء إلى نقطة البداية، فإما يتفاوضوا، أو يحسم الأمر فريق من الفريقيْن ويفرض شروطه. وكانت الحكمة دائما في صف الطائفة الدرزية، التي خرجت من الحرب الأهلية في سوريا، بأقل ضرر من الآخرين، لتماسكها، ووحدتها، ولتعاون المجمعات الدرزية في الدول الأخرى معها، حيث أن الطائفة الدرزية لم تقم في حياتها، بشن حرب عدوانية على أحد، وإنما كانت كل الحروب التي اشتركت بها، حروبا دفاعية، هوجم فيها الدروز في عقر دارهم، لكنهم استطاعوا ببأسهم وإيمانهم، أن ينتصروا، وأن يتغلبوا، وأن يحافظوا على وجودهم، ومقدساتهم، وعلى استمراريتهم. وهذا الأمر لا يتم، ولا يتطبّق، ولا يُنفَّذ، إلا برضا الخالق، سبحانه وتعالى، الذي يرعى ويحمي ويذود عن الطائفة منذ تأسيسها حتى اليوم.
زيارة مقبولة للجميع وكل عام وانتم بخير.

مقالات ذات صلة:

نساء صوفيّات

شهدَ التـَّأريخُ الإسلاميّ العَدِيد مِن النّسَاء اللّوَاتِي ارتـَقـَين مَدارج المعرفة الرّبَانيّة والنّفحاتِ الرّحمانيَّـة، بيد أنّ الخطـاب الدِّينِي القدِيم والمعَاصر كانَ

قصة قصيرة : طنجرة ام شفيق

عندما كانت شمس الظهيرة تتكبد قبة السماء وترسل أشعتها الحارقة لتخترق عريشة العنب المتكئة على كتف بيت أم شفيق بثبات