الموقع قيد التحديث!

مائة سنة من الشراكة الدرزية اليهودية في البلاد

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

يصادف مع حلول العشرينات من القرن الواحد والعشرين، مرور مائة سنة على بداية الشراكة العملية الدرزية اليهودية في البلاد، هذه الشراكة التي تطوّرت وكبرت ونضجت وتحوّلت إلى أخوّة وتُرجمت إلى عمل سياسي نبع من مصير مشترك بين الطرفين وأوضاع متشابهة وغاية واحدة وهي الحفاظ على الكيان وعلى الوجود وعلى حياة راسخة مستقرة في هذه البلاد. وأدّى ذلك إلى مبادرات فردية كثيرة في الوسط الدرزي في الثلاثينات والأربعينات وتجمّع كل ذلك في قيام أبناء الطائفة الدرزية بمجهود كبير في تأسيس دولة إسرائيل، دولة للشعب اليهودي لكنها ديمقراطية تحترم الأقليّات فيها.

وقد كانت المحاولات الأولى في بداية العشرينات في نفس الوقت في الكرمل وفي الجليل وفي الكرمل حيث توثّقت العلاقة بين وجهاء من قرية عسفيا ونشطاء من مستوطنة ياجور فقد كانت الطريق الترابية الجبلية التي تكوّنت مع الوقت همزة وصل بين الطرفيْن حتى فيما بعد في أصعب الظروف. وفي نفس الوقت قام الشيخ أبو سعيد حلبي بربط علاقات مع الجنرال إسحاق ساديه عندما كانا يعملان في مصانع الملح في عتليت، وفي الجليل توثقت علاقات بين وجهاء من قرية المغار وبين السيد إسحاق بن تسفي، رئيس الدولة فيما بعد. وزادت هذه العلاقات وتوثّقت وكبرت في أواخر العشرينات ففي عام 1929 وقعت تعدّيات عربية قاسية على مواطنين يهود في الخليل وفي صفد وفي القدس وفي طبريا وفي أماكن أخرى وقد وقف المواطنون الدروز على الحياد ولم يشاركوا في هذه التعدّيات ممّا دعا المجلس الإسلامي الأعلى أن يفرض عليهم غرامات مالية وعقوبات أخرى. وفي الثلاثيات عندما قام التمرّد العربي في فلسطين والذي تم التعبير عنه بقيام فصائل ومنظّمات إرهابية في المناطق المختلفة من البلاد أخذت تعبث بالمواطنين خاصة الدروز وتقتل وتعتدي فتمّ اغتيال الوجيه الكبير الشيخ حسن خنيفس في أرضه بشكل شنيع سافر مع اثنين من المشايخ وتم خطف 18 مواطن من شفا عمرو وإلقائهم في بئر ، وفقط بعونه تعالى تمّ إنقاذهم، وفي الكرمل تمّ اغتيال وقتل شخصيات محلية وتمّ اعتداء على خلوة عسفيا وسُرقت كتب الدين من الخلوة وبرز بتطرّفه وبتصرّفاته الشنيعة ضد الدروز، أحد المسئولين المدعو أبو دُرّة الذي قام باعتداءات شنيعة على مواطني دالية الكرمل وعسفيا. ووقعت أشياء مشابهة في قرية كفر سميع والبقيعة ويانوح ممّا جعل التذمّر شديدا من التصرفات الهمجية البربرية التي قام بها الثوّار، وقد وصلت الأوضاع إلى درجة أن أي شيخ درزي كان يتجنّب السفر لمدينة حيفا أو عكا أو الناصرة أو طبريا إذ عندما كانوا يشاهدون العمامة، كانوا يعتدون عليه وبصعوبة كان يفلت ويعود إلى قريته. وعندما وقعت حرب التحرير وهجمت الجيوش العربية لتحمي فلسطين كان الدروز هم الوحيدون الذي وقفوا إلى جانب دولة إسرائيل. وعندما أُعلن عن قيام الدولة تأسست الفرقة الدرزية في جيش الدفاع الإسرائيلي والتي كانت مؤلَّفة من متطوّعين، وبعد سنوات تمّ القرار بتنسيق بين الطرفيْن على فرض قانون التجنيد الإلزامي على الشباب الدروز في جيش الدفاع الإسرائيلي، وذلك تطابقا مع موقف الدروز في كل دولة يعيشون فيها، حيث يصرّون ان يقوموا بكافّة واجباتهم المدنية اتجاه الدولة طالما تحترمهم هذه الدولة وتعتبرهم مواطنين فيها. وقد تعوّد الشباب الدروز وخطّطوا مجرى حياتهم على خدمة ثلاث سنوات في جيش الدفاع الإسرائيلي ثم بناء أسرة، وانضمّ عدد كبير منهم لحرس الحدود ولمصلحة السجون وللشرطة، وعندما حصل انقلاب في الحكم وتولى حزب الليكود الحكم في البلاد عام 1977 كنت أحد أعضاء الكنيست الذين انتُخبوا، وقد عرض علي رئيس الحكومة السيد مناحيم بيجن أن أشغل منصب نائب وزير، تقديرا لخدمة أبناء الطائفة الدرزية للدولة وإخلاصهم لها، فرفضت هذا الطلب وقلت له: لست معنيا بالوظائف والألقاب وأنا معني أن أخدم طائفتي وأن أحسن أوضاعها التي أُهملت أثناء حكم حزب مباي في البلاد. وطلبتُ أن أكون ذا تأثير وكلمة مسموعة في كل الوزارات وفي كل المجالات وهكذا كان فقد حصل في بداية الثمانينات أن انقلبت أوضاع الطائفة الدرزية في البلاد بشكل ملحوظ فبُنيت المدارس وعُبِّدت الشوارع وتمّ ترتيب موضوع تسوية الأراضي وبُني جهاز تربية وتعليم خاص بالدروز ونُقلت معالجة شؤون المواطنين الدروز من الدوائر العربية إلى الوزارات مباشرة  وتمّ فتح هيئة الإدارة والأركان في جيش الدفاع الإسرائيلي مما  فسح المجال أمام الضباط الدروز الموهوبين ان يترقوا إلى أعلى الدرجات حيث وصلنا اليوم ان لدينا سبعة جنرالات وعدد كبير من الضباط ذوي الرتب العالية كما فُتحت جميع أذرع جيش الدفاع الإسرائيلي وقوى الأمن أمام كافة الشباب الدروز. وفي السبعينات كان عدد الجامعيين الدروز لا يتجاوز المائتيْن واليوم يوجد أكثر من عشرة آلاف خريج جامعة وقد حصل نفس الأمر بالنسبة للفتاة الدرزية فقد تم فتح مدارس ثانوية في كافة القرى الدرزية كما فسح المجال أمام الفتاة الدرزية أن تتعلم فوق الابتدائية. وفي الثمانينات وصلنا لاتفاق مع فضيلة الشيخ أمين طريف على فتح صفوف خاصة في كلية غوردون وفي كلية صفد لتعليم الفتيات الدرزيات على انفراد وقامت الدولة بتمويل عملية نقل الفتيات من قراهن إلى الجامعتيْن يوميا حتى إنهاء الدراسة، وكان هذا العمل حافزا على تهافت الأسرة الدرزية على تعليم الفتاة ووصلنا اليوم لدرجة أن 80% من الجامعيين الدروز هن من الفتيات وأن هناك عدد كبير منهن تتبوّأن مراكز قيادية عالية في أجهزة الدولة لدرجة أنه انتُخب في السنة الأخيرة عضوة كنيست مثقفة تبني عليها الطائفة كثيرا. وقد حصل تقدم في كافة المجالات وتم إقامة مساكن للجنود المسرحين في القرى الدرزية نفسها حيث ضوعفت المساحات للبناء ومُنحت القروض والمساعدات لكي يجد كل جندي مسرح درزي مأوى له عندما ينهي خدمته العسكرية وعندما عُقدت اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر عرض عليّ السيد مناحيم بيجن أن أكون عضوا في الوفد الإسرائيلي لتوقيع المعاهدة في واشنطن فرفضت ذلك وفضّلت إرسال فضيلة الشيخ القاضي نور الدين حلبي ليشارك في الاحتفال ويبرز هناك بعمامته التي تمثّل الطائفة الدرزية. وتمّ بفضل خدمة أبناء الطائفة الدرزية في جيش الدفاع الإسرائيلي إنقاذ إخواننا دروز لبنان في الثمانينات وإخواننا دروز سوريا في الحرب الأهلية الأخيرة من عمليات إبادة وتهجير كانت مخططة لهم من قِبل أعدائهم هناك وبفضل يقظة القيادة الدرزية في البلاد وحكومة إسرائيل تم إفشال هذه المحاولات وظلّ الدروز هناك معززين مكرّمين في خلواتهم وفي قراهم.

مقابل هذا قامت الطائفة الدرزية بتضحية 431 شابا من خيرة شبابها وجنودها استشهدوا في سبيل المحافظة على الطائفة وعلى الدولة وعلى المجتمع وتمّ رعاية شؤون عائلاتهم بواسطة مؤسسة الشهيد الدرزي التي أقمناها في دالية الكرمل عام 1982 والتي لها فروع في كافة القرى الدرزية وتقوم برعاية شؤون العائلات وبتخليد ذكرى الشهداء

ولا ننكر أنه ما زالت توجد نواقص ومشاكل في التعامل بين الدولة وبين المواطنين الدروز فهناك تقصير من قِبل الدولة في مواضيع مختلفة مثل التخطيط والتنظيم ورخص البيوت وأمور أخرى. وقد عارضنا واستهجنا في المدة الأخيرة سن قانون القومية الذي يتغاضى عن حقوق الطائفة الدرزية وكلنا أمل أن يتم تغيير القانون قريبا وأن نحصل على كافة الحقوق كمواطنين متساوين في هذه الدولة وإذا نظرنا إلى الوراء نرى أن الأمور تحققت تدريجيا بعد مطالبة وبعد حوار وبعد نقاش وأحيانا بعد مظاهرات وإضرابات لكن هذه هي طبيعة الحكم الديمقراطي تتطلب من الموطن ان يكون يقظا دائما ,ان يطالب بحقوقه باستمرار إذ أن الحكم الديمقراطي مبني على ضغوطات مستمرة والموظف أو الوزير الموجود في الحكم يعمل مدفوعا من ما يُطلب منه وما يُفرض عليه من ضغط.

وأخيرا أتوجّه إلى جميع أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان وإلى أبناء العائلات الثكلى بالتهاني بمناسبة الزيارة السنوية لمقام سيدنا الخضر عليه السلام راجيا من الله أن تزداد الطائفة عزة وكرامة وسؤددا مع الأيام.

مقالات ذات صلة: