الموقع قيد التحديث!

مائة سنة من التحالف

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بمرور مائة سنة على انتهاء الحرب العالمية الأولى التي كان من نتائجها القضاء على حكم الإمبراطورية العثمانية في الشرق وبداية حكم الانتداب حيث تكثّفت الجهود لإقامة دولة إسرائيل بعد وعد بلفور مما أدى إلى نشوء تحالف درزي يهودي في البلاد بعد أم كانت الأقلية الدرزية والأقلية اليهودية مطاردتين من قِبل الأغلبية التي لم تحترم حقوق الأقليات حيث عانى الدروز واليهود وكذلك أبناء أقليات أخرى من مطاردة ومن تهجّم ومن تعسّف قوى عربية متطرفة. وفي بداية العشرينات زُرعت البذور الأولى لعلاقات فردية بين شخصيات يهودية ودرزية في الجليل وفي الكرمل وتطوّرت هذه العلاقات وشملت أعدادا أكبر وعندما تفاقمت الأوضاع الأمنية في بلادنا في الثلاثينات وتفشّت في القرى عصابات إرهابية أمعنت في الاغتيالات والتعدّيات والإهانات لشخصيات مميزة من الطائفة الدرزية في القرى وشمل ذلك استغلال الأهالي والمواطنين الدروز حيث كانت فصائل الثوار تستولي على حارة كاملة وتفرض عليها أن تخرج كل مخزوناتها الغذائية لإطعام الثوار وأن تسخر فراشها وأثاثها لمبيتهم كل ذلك في احتقار ومسّ وعداء للأهالي المساكين الذين عانوا كثيرا خلال ثلاث سنوات الثورة وبعد ذلك. وكان أشد عمل إجرامي قاموا به هو اغتيال الوجيه المعروف الكبير الشيخ أبو صالح حسن خنيفس من شفا عمرو هو وشيخين كانوا يحرثون أرضه وتمّ إهانتهم وقتلهم والتشنيع بهم. كما اغتيل عدد من وجهاء الكرمل ومن الوجهاء الدروز في الجليل وكان ذلك سببا لتنظيم مجموعات شبابية في القرى الدرزية للدفاع عن الأهالي إلا أن عدد كافة الدروز في البلاد لم يبلغ في تلك الفترة اثنى عشر ألف نسمة وهذا عدد غير كافٍ لصد مجموعات مسلّحة مدعومة من قِبل حكومات عربية ومن قِبل المجلس الإسلامي الأعلى اعتبرت أنها حامية للوطن وأنها صاحبة الحق في القضاء على كل من يقوم بالمعارضة فكان من السهل عليها أن تتهم من تريد التخلص منه بالتعامل مع العدو للقضاء عليه بدون محكمة وبدون تحقيق وإنما بالتنفيذ الفوري. وقد قام عدد كبير من الزعماء في هذه البلاد بالتوجّه إلى عطوفة سلطان باشا الأطرش وإلى الأمير شكيب أرسلان وإلى القادة السياسيين الدروز في لبنان ليتدخّلوا من أجل رفع الضيم والظلم والإجحاف عن دروز هذه البلاد لكن أحدا لم يستطع أن يردع هؤلاء واسترموا في غيّهم بلا توقّف وكان من أصعب الأمور التي عانى منها دروز البلاد في الثلاثينات هو محاولة المجلس الإسلامي الأعلى التسلّط على مقام النبي شعيب عليه السلام في حطين وضمّه تحت إشرافه فهبّ الدروز وخاصة المرحوم الشيخ سلمان طريف مدعوما من مشايخ الدين وتقدّموا بشكوى إلى محكمة في طبريا معتمدين أن المقام هو وقف للطائفة الدرزية منذ الدعوة وأنه تم ترميمه عام 1882 بأموال وجهود درزية وأنه كان طوال ألف سنة خاضعا للأشراف التوحيدي الدرزي.

وعلى ضوء هذه التصرّفات واستمرارا لسياسة العداء التي عانت منها الطائفة الدرزية خلال ألف سنة في المجتمع العربي بالرغم من أن الدروز كانوا وفي عشرات المناسبات في سوريا ولبنان والعراق ومصر والحجاز وأماكن أخرى من حماة للوطن ومدافعين عنه يستبسلون ويقاتلون ويستميتون من أجله هكذا كان الدروز التنوخيون في لبنان أول من واجه تعدّيات الصليبيين في لبنان ثم حاربوا وانتصروا في معركة حطين وواجهوا التتار في معركة عين جالوت وجابهوا الطغاة الأكراد والعثمانيين وكسروا شوكة إبراهيم باشا وثاروا ضد الانتداب الفرنسي وحققوا الاستقلال للدول العربية.

وعندما أعلن عن إقامة دولة إسرائيل وزحفت جيوش سبع دول عربية للقضاء على الدولة الفتية هبّ دروز هذه البلاد وتطوعوا لجيش الدفاع الإسرائيلي وحاربوا وقاتلوا وضحّوا بالرغم من أن أحدا لم يكن يضمن لهم أن تظل هذه الدولة قائمة فقد كان موقفهم هذا نابعا عن مبدأ وليس عن مصلحة فقد كانوا يرون إلى ما وراء الأفق وليس فقط ما هو بارز للعيان. وتوثّقت العلاقة بين الطائفة الدرزية ودولة إسرائيل وتمكّنت الطائفة مع الوقت أن تحقق إنجازات كبيرة في مستوى الحياة وفي التعليم وفي القيادة العسكرية وفي الآونة الأخيرة في النهضة النسائية الكبرى التي نشاهدها حيث بدأت المرأة الدرزية تأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع إلى جانب الرجل هذا المكان الذي يؤمّنه لها دين التوحيد حيث جعلها متساوية للرجل واعتبرها ملكة البيت هي التي تقوم بتربية الأولاد وتنشئتهم في حين يقوم الزوج بالدفاع عنها وعن المجتمع أو بزراعة الأرض واستخراج القوت منها له ولأولاده.

ونحن اليوم إذ نحتفل بالذكرى الواحدة وسبعين لإقامة الدولة نشكر زعامتنا الأولى وقياداتنا الذين خاطروا بأنفسهم وبأرواحهم كي يؤمنوا لنا العيش الكريم وعندما يقوم كل واحد منا بالدفاع عن أسرته وبيته وأهله وطائفته ودولته، فهو في نفس الوقت داعم للسلام يتمنى تحقيق الهدوء والطمأنينة والأمان لجميع سكان هذه البلاد عربا، يهودا، دروزا أجانبا وغيرهم فهذه البلاد هي مهد الأنبياء وهي مقرّ الأولياء الصالحين وهي أراضٍ مقدسة يعزّ علينا أن تظل مسرحا لحركات دموية وتعديات بعد أن استوعبت بين حدودها كنور الإنسانية الفكرية وقيادات المجتمع الدولي من بين إخواننا اليهود حيث تحالف معهم أشخاص مميّزون يمثّلون النسيج العرقي والقومي والاجتماعي المتعدد في هذه البلاد لكن بفضل الديمقراطية الإسرائيلية وبفضل الأفكار المتحررة في الدولة يمكننا أن نضمن أن تظل جمهورية ديمقراطية تحترم كل مواطن يحترم نفسه ويخدم بلاده. ويسعدني أن أتقدم بالتحيات والتهاني الحارة لجميع أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان بمناسبة حلول الزيارة السنوية لمقام سيدنا شعيب (ع) وبمناسبة عيد الاستقلال الواحد والسبعين للدولة وخاصة لأبناء العائلات الثكلى راجيا من الله أن يعم السلام والهدوء جميع المناطق.

مقالات ذات صلة: