الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 162 – الذين صنعوا المعجزات والتاريخ والمجد بأيديهم..

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

في إطار سياسته إطار سياسته الحكيمة وسعيه الدؤوب للحفاظ على خصوصيّة وترابط وسلامة الطائفة الدرزيّة أينما وُجدت، قام سيد الجزيرة وشيخ العشيرة سيّدنا فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف رضي الله عنه، بعد اندلاع حرب لبنان الأولى عام 1982 بزيارة تاريخيّة إلى لبنان ليتفقّد ويقف عن كثب على أوضاع وأحوال الطائفة المعروفيّة هناك، ويلتقي بمعارفه وبأهله وبمشايخها الأجلّاء وعلى رأسهم شيخ العقل في لبنان آنذاك فضيلة الشيخ محمد أبو شقرا وفضيلة الشيخ أبو محمد جواد والعارف بالله فضيلة الشيخ الجليل المرحوم أبو عارف حسن حلاوي، حيث ربطت علاقات وثيقة جداً بين سيّدنا الشيخ أمين وبين المشايخ الأجلّاء هناك.  

وجاء في كتاب تناول سيرة حياة الشيخ أبي حسن عارف حلاوي للكاتب سلطان القنطار، أنّه ضمن هذه الزيارة التي جال فيها سيدنا الشيخ المرحوم أمين طريف على مختلف المرجعيّات الدينيّة، قام بزيارة لفضيلة الشيخ أبو حسن عارف حلاوي، شخصيّة العصر الذي عُرف بالتقوى وحسن الخلق والفعل، في بلدة معصريتي في لبنان. وقد كان الشيخ أبو حسن عارف يجلّ ويقدّر سيّدنا الشيخ أمين كثيرًا، وقبل وصوله إلى البلدة خرج فضيلة الشيخ عارف إلى الطريق العامّ لملاقاته، وعندما تأخّر سيّدنا الشيخ أمين في الوصول، طلب الحاضرون من الشيخ عارف أن يعود إلى بيته على أن ينادوه لدى وصول الشيخ أمين فرفض ذلك قائلاً: “مهما انتظرت لا أَفي هذا الشيخ فضله علينا”. لم يكن هذا الموقف وهذا العرفان بفضائل وكرامات المرحوم فضيلة الشيخ أبي يوسف أمين رضى الله عنه من قِبل العارف بالله الشيخ أبو حسن عارف حلاوي، الذي اشتهر بين الناس بتواضعه وبتقواه وبلطافة الإيمان وطهارة الجنان والوفاء، غريبًا على الحضور فهو المعلم المفيد، والمرجع الحكيم، والعقل الرزين المتميز بالحكمة والعدل الذي يقتدى بخصاله وبنهجه، وكم بالحري إذا دار الحديث عن سيدنا المرحوم الشيخ أمين، الذي كان أيقونة روحية فذّة وأحد الأساطين الذين وهبوا حياتهم في سبيل رسالة التوحيد والطائفة.

لقد اندرجت هذه الزيارة لسيّدنا المرحوم الشيخ أمين طريف (ر) والزيارات الأخرى التي قام بها ضمن سعيه الدؤوب إلى حماية وصون الطائفة الدرزيّة في كل مكان، فجاء اهتمامه بدروز لبنان وسوريا كاهتمامه بدروز البلاد حيث لم يدّخر جهدًا في سبيل منع أي أذى، ولو ببسيط، أن يلحق بها سواء كان ذلك في لبنان أو في سوريا، حيت أعتبره الجميع أبًا روحيًّا للطائفة عامّة ولكلّ درزي أينما كان. كل ذلك تحقّق عبر العلاقات الطيّبة وبالتعاون والتشاور مع النخبة المختارة من رجالات الدين والقادة والذين بكراماتهم وبفضلهم وبمشيئة الله عزّ وجلّ بقيت وستبقى راية التوحيد ترفرف في أعالي القمم، وفي القلوب المؤمنة والعقول النيّرة التي لا تثمن ولا تنسى أبدًا، ما قدّمه سيّدنا المرحوم الشيخ أمين للطائفة وللمنطقة والإنسانية جمعاء. وبناءً على ما تقدّم لم يكن غريباً أن يتحدّث الأستاذ الشيخ غسان أبو ذياب في مقال سابق له في مجلة “العمامة” عن المكانة المرموقة والمنزلة العالية التي كانت لسيدنا الشيخ أمين ويصفه بأنه: “كان في عصره نقطة البيكار التي تدور حولها طائفتنا الكريمة، بدعائه السادق، وغيرته المخلصة، ومحبّته الحميدة، وآرائه السديدة ولم يأت بعد السيّد الأمير جمال الدين التّنوخي قدّس الله سرّه شخصيّة توحيديّة اجتماعيّة حملت أعباء الطائفة الدرزيّة كما حملها سيّدنا الشيخ المفضال الأمين رضي الله عنه”، ومستذكرًا ما قاله عنه أيضًا المرحوم الشيخ الفاضل أبو فندي جمال الدين شجاع رحمه الله: “سيّدنا الشيخ أمين بمثابة روح، ونحن باقي المجتمع بمثابة جسم”.      

وفي هذه الأيّام حيث تحيي الطائفة الدرزيّة الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل فضيلة سيّدنا الشيخ أمين الطريف (ر)، جدير بنا أن نستذكر ما كان قاله في حينه الزعيم والقائد الأسطوري سلطان باشا الأطرش عن فضيلته في العام 1948: “لا خوف على دروز فلسطين، لأنّ شيخهم فضيلة الشيخ أمين طريف. وهو شيخ المفكّرين في الإصلاح وداعي أهل زمانه”. وممّا لا شكّ فيه فإن ذلك لم يأت من فراغ، لأن الرئيس الروحي للطائفة سيدنا الشيخ أمين كان على مدار عقود طويلة الشخصيّة الدينيّة الأكثر حضورًا وذكرًا وتواجدًا وفعلاً وعملاً في البلاد والمنطقة بأسرها، ورغم انتقاله قبل 29 عامًا إلى جوار ربّه، لا يزال اسمه على الألسن وشخصيّته الفريدة ترافق أبناء العشيرة المعروفيّة وغيرهم، وصوره تزيّن كلّ بيت ومؤسّسة ومكان ولا زلنا نعيش كأنّه بيننا ويرافقنا ببركته وبذكره الحسن المستحبّ وبنور إيمانه الشعشعانيّ وبحكمته وبسدادة رأيه وبأعماله وكراماته التي لا تعدّ ولا تحصى، وتردَّد باستمرار على الألسن.  وبخلاف الكثيرين من الشخصيّات الدينيّة من كافّة الطوائف والديانات المعروفة والمرموقة الأخرى التي نُسيت بعد وفاتها مع مرور الوقت، فإن ذكر فضيلة الشيخ أمين لا يزال قائمًا ونابضًا ومستحبًّا ومقدّسًا ومبجّلاً لدى اليهودي والمسلم والمسيحي والدرزي على حدِّ سواء لأن الجميع وبضمنهم كبار رجالات الدين والقادة والزعماء والقناصل والسفراء، يعترفون بقدراته وكراماته وميزاته الخاصّة وجلاله وسدادة رأيه وحلمه وزهده وورعه وخصوصًا أولئك الذين حالفهم الحظ والتقوا به واستمعوا إليه.

منذ حداثة سنّه، اهتمّ المرحوم سيّدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف بالعلم والتعلّم وتألّق إلى جانب ذلك بزهده في الدنيا وباجتهاده وبمسلكه التقي وبحرصه على العزوف عن أي أمر يشغله عن الله جل جلاله، حيت كرّس حياته في سبيل أداء رسالة التوحيد، واضعًا نصب عينيه رعاية مصالح الطائفة المعروفيّة والحفاظ عليها وحماية سكّان البلاد والمنطقة، ثم قاد مسيرة تحقيق استقلاليّة الطائفة الدينيّة إلى أن تمكّن من تحقيق ذلك في العام 1957 حيث تمّ الاعتراف بالطائفة الدرزيّة في البلاد في البداية بصورة قضائيّة لتحظي بعد ذلك بأربع سنوات بفضل مساعيه التي لم تتوقّف بالاعتراف بها بصورة دينيّة روحيّة إذ سُمح آنذاك للدروز بتأسيس المجلس الديني برئاسة فضيلته.

ولا بدّ لنا هنا من الإشارة إلى الدور الذي لعبه ولا زال يلعبه الرئيس الروحي للطائفة الدرزيّة فضيلة الشيخ موفق طريف أطال الله عمره، الذي جعل اسم الطائفة وسيّدنا الشيخ امين رائجًا ليس فقط إقليميًّا وإنّما عالميًّا من خلال سعيه لمواصلة نهجه للحفاظ على الطائفة واستقلاليّتها ومن خلال مشاريعه ونشاطاته وعلاقاته الواسعة والهامّة التي تربطه بالدول وبالقادة والزعماء ورجالات الدين والمؤسّسات من كافّة الأطر والمجالات محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا في سبيل رعاية شؤون الطائفة وصونها ورفعتها.

فطوبى لطائفة حباها الله جلّ جلاله بصفوة مختارة ومميّزة من الأولياء والأتقياء والمشايخ الأجلّاء، والتي كان من بينها المرحوم فضيلة الشيخ أبو يوسف أمين الذين ثبّتوا جذور الطائفة المعروفيّة عبر التاريخ حيث قاموا بدور مصيريّ هام للذود عنها والحفاظ عليها.

والله ولي التوفيق
أسرة “العمامة”
دالية الكرمل
تشرين أول 2022

مقالات ذات صلة:

في رحاب الكرمل المقدس

اكتسب جبل الكرمل منذ القدم، هالة من القدسية، حيث كان من أوائل المناطق التي استوطنها إنسان في بلادنا، إذ تدل