الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 161: السر الرباني في قلوب الأولياء الصالحين هو نصف الطريق..

amama
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

الواقعة بين الأعوام 1726 و1828، كما ورد في كتاب تناول سيرته الفاخرة الزاخرة للكاتب فؤاد سليم أبو رسلان – طلب أن يواظب على الحضور إلى قصر بيت الدين مرّة في كل أسبوع، وكان الأمير بشير الشهابي كلّما وصل فضيلة الشيخ أبو رسلان، الذي كان معارضًا شديدًا له ولسياسته ومؤيِّدًا للشيخ بشير جنبلاط آنذاك، الى أسفل درج قصر بيت الدين يترك مجلسه على التو ويسرع لملاقاته احترامًا وتقديرًا وإجلالاً له. وصدف في إحدى المرّات التي أتي فيها فضيلته إلى القصر أن حدثت الملاقاة بحضور بعض رجال الإكليروس، وهو النظام الكهنوتي الخاص بالكنائس المسيحيّة، حيث استغرب واستهجن وتعجّب هؤلاء من سلوك الأمير بشير، وتساءلوا عمّن عساه يكون ذلك الشيخ ليحظى بهذا الاهتمام الكبير الفائق منه، وبعد أن لم يرُقْ لهم الأمر قاموا بإقناع الأمير بشير بالتوقّف عن ملاقاته في المرّات المقبلة عند أسفل درج القصر وأن ينتظره في مجلسه حتى يصل إليه. وفي اليوم المحدَّد من الأسبوع التالي حضر كالمعتاد الشيخ أبو رسلان إلى القصر، وما كادت عصاه تطرق الأرض عند أسفل الدرج حتّى قام الأمير بشير مسرعًا دون شعور منه لملاقاته واستقباله والترحيب به كالعادة. ولمّا عاد الأمير بشير إلى ديوانه سارع رجال الاكليروس الذين تواجدوا هناك إلى سؤاله باستغراب ما الذي حدا به ليتراجع عن وعده لهم فردّ قائلاً: لست أدري ما الذي يحدث لي مع هذا الشيخ، إن بداخله سرًّا ربانيَّا فرض عليّ بالأمس العفو عنه واليوم أمرني لملاقاته والاحتفاء به.

    كان الشيخ أبو علي يوسف بردويل أبو رسلان صاحب مكانة روحيّة رفيعة جدًّا، وليًّا من أولياء الله الصالحين زاهدًا متعبِّدًا صاحب موقف سديد في أمور الدين والدنيا عارض سياسة الأمير بشير وكان أوّل المؤيِّدين للشيخ بشير جنبلاط رافضًا أن يكون جزءا من مرحلة تاريخيّة هامّة في تاريخ الطائفة الدرزيّة في لبنان وهو شيخ عقل مؤمن شجاع والمدافع الأوّل عن قضاياها وأكثر المهتمّين بأن تبقى الطائفة الدرزيّة في حينه متراصّة الصفوف موحَّدة متّحِدة من خلال مقامه ومسؤولياّته، رغم أنه لولا تدخُّل العناية الإلهيّة وحدوث المعجزة وتجمُّد يد السيّاف وتراجُع الأمير بشير عن تنفيذ حكم الإعدام واستبداله بوضعه تحت الإقامة الجبريّة لدفع فضيلته ثمن تمسُّكه بمواقفه هذه بحياته.

لقد تعودنا على مدار سنين طويلة، أن نقرأ ونسمع قصص أوليائنا الصالحين وكبار مشايخنا الأجلّاء والقياديين الذين برزوا في تاريخ أمّة التوحيد المجيد، والتي تناولت سيرتهم الفاخرة وبطولاتهم وتضحياتهم وتواضعهم وغيرتهم على أبناء عشيرتهم المعروفيّة وسعيهم الدؤوب لوحدة الصفّ ومواجهة أي خطر خارجي داهم والأمثلة كثيرة، وترعرعنا على السماع وبحقّ عن هذه الأسماء اللامعة التي ظهرت في تاريخنا المجيد وتركت بصماتها ومباهجها وأعمالها وبطولاتها في قلوب وعقول الناس وشكّلت خير قدوة للتعلُّم وتحديد الهدف والمصير وخير مثال للتقوى والتواضع والأخلاق الرفيعة السامية والمعاملة الحسنة ومحبّة الغير.

وممّا لا شكّ فيه فإننا في هذه الفترة الزمنيّة بحاجة ماسّة الى رصّ الصفوف والوحدة في صفوف عشيرتنا المعروفيّة لمواجهة سلسلة من الصعاب التي تعاني منها قرانا جميعًا والالتفاف ودعم قياداتنا الدينيّة والدنيويّة، التي تبذل كل جهد مستطاع لإحقاق الحقّ وتحقيق كامل المساواة وتحصيل اللازم كما ينبغي أن يكون. ويد الله تكون دائمًا مع الجماعة.

إن ما ميّز الطائفة الدرزيّة ولا يزال يميزّها في أيّامنا هذه أينما وُجدت، هو وحدة الصفّ وغيرة كل فرد فيها على أبناء طائفته الآخرين، سواء كان ذلك في البلاد أو في لبنان أو سوريا أو في أي مكان أخر على وجه المعمورة، وأن سرّ خلودها نابع، بضمن أمور كثيرة أخرى، من العاطفة الشديدة التي يشعر بها كل فرد ومن الجذور العميقة الراسخة بعيدة المدى الكامنة في النفوس التوحيديّة بغضّ النظر إذا كان هذا التوحيدي جاهلًا أو متديّنًا أو قائدًا وزعيمًا أو إنسانًا اعتياديًّا فجذورنا الراسخة، والحمد لله تبارك اسمه وتعالى، تعود آلاف السنين إلى الوراء، تربطها كنوز  من الإيمان والعقيدة التوحيديّة الراسخة، وخيوط لا تنقطع من الصدق والتضحية والحنكة والصبر التي تضمن صمود الطائفة حتى في الأوقات التي تبدو فيها وكأنّها ضعيفة واهنة، وذلك بفضل حكمة القيادة ومشايخنا الأجلّاء والصفوة المختارة من الأتقياء والأولياء الصالحين التي تخلق المعجزات بمشيئة الله عزّ وجلّ كما سبق وأسلفنا في حديثنا عن شيخ العقل أو شيخ العقُال كما أسماه البعض سماحة الشيخ أبي علي يوسف بردويل أبو  رسلان.

وهنا من الجدير أن يدرك القاصي والداني بأنه بالإمكان معالجة كافّة القضايا العالقة التي نعانيها بالطرق المألوفة والديموقراطيّة، فالطائفة الدرزيّة أثبتت دائما وبفضل وجهود شيوخها الأجلاء وزعمائها وقاداتها ورجالها ونسائها بأنها طائفة كريمة معزّزة مبجّلة لها ماضٍ عريق وأمجاد ومفاخر وبطولات لا تُعدّ ولا تحصى، وما علينا إلّا أن نتعاون ونتفاهم فيما بيننا، ونبتعد عن الأحقاد والضغينة، ونوحِّد الصفوف كما اعتدنا على مدار عشرات القرون وكما فعل في حينه سماحة الشيخ أبو علي يوسف البردويل الذي سعى للوحدة والتعبُّد، وتنازل عن أملاكه الواسعة لتكون أوقافًا لعباد الله، وقرّر مواجهة الأمير حرصًا على مصالح طائفته تاركًا متاع الدنيا وشهواتها مفضِّلاً العيش في صومعة صخريّة بدل المنازل القصور وتمسّك بمواقفه صونًا لناسه ولما يمليه الإيمان والضمير. 

وانطلاقاً من الفخر والاعتزاز بما قام به أولياؤنا الصالحون ومشايخنا الاجلاء وكبار القادة في طائفتنا الكريمة، والتاريخ المنير الحافل بالأحداث والإنجازات الكبيرة التي حققتها الطائفة الدرزية على مر السنين، أطلق المرحوم الشيخ سميح ناطور في مثل هذه الأيام قبل أربعين عاماً مجلة “العمامة” لتكون منبراً هاما لوجه الطائفة المشرق وصرحاً مميزاً لنشر فضائلها ومباهج تاريخها وأنوار ماضيها العريق المجيد، وقد وفقه الله سبحانه وتعالى في هذا المشروع الفريد الهام الكبير، والذي ارتأت أسرة “العمامة” الاستمرار فيه تخليداً لذكراه ونظراً لأهميته البالغة ولتبقى “العمامة” كما سبق وكتب مؤسسها الراحل مرآة للوجه الحلو للطائفة، وستبقى كذلك بعون الله ومشيئته. وهنا وفي هذه المناسبة تتقدم اسرة مجلة “العمامة” بجزيل شكرها وامتنانها لكل مَن دعم وأيّد وساهم في استمراريّة نشرها.

ومع إطلالة ليالي العشر المباركة المجيدة التي لها أفضليّة خاصة ومعانٍ روحانيّة ودينيّة مميزّة دوناً عن باقي أيام السنة الأخرى، والتي نسهر فيها في خلواتنا ونعيش أوقاتا من الذكر والصلاة والابتهال إلى الله جل جلاله، كي يحفظ ويصون عشيرتنا المعروفية، ومع حلول عيد الأضحى المبارك عيد التفاني والتضحية والمحبة والتسامح والوحدة والألفة حيث تبقى التضحيّة ومباهج هذا العيد عَلمًا خفّاقًا للبشريّة جمعاء، نتقدّم لجميع المحتفلين بهذا العيد المبارك في كل مكان بأجمل وأطيب التهاني والتبريكات، ونسأل العلي القدير أن يعنينا على سلوك دروب الخير والعطاء والكرم والأمل، وأن يعيده على كافة أبناء الطائفة وعلى جميع المؤمنين بالخير واليمن والبركات. كما ويطيب لنا في هذه المناسبة السعيدة أن نستذكر كلمة المرحوم الشيخ سميح ناطور (في عام 2019) بمناسبة عيد الاضحى المبارك اعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات..

لا تيأسي يا امة التوحيد..

كلما هل أضحى جديد..

نرنو بأبصارنا إلى الشرق..

وقلوبنا متشوقة لقدومهم..

نفرح إن أتوا، ولا نحزن أن أعطونا عاما جديدا..

فنحن هنا سعداء، مكرمون، أقوياء..

رؤوسنا شامخة، مرفوعة..

بشيوخنا وأوليائنا وزعمائنا وشبابنا ونسائنا..

نجتمع في ليالي العشر المباركة..

للتصافي والتسامح ونسيان الأحقاد..

ونحتفل بعيد الأضحى..

رمزا للإيمان والتقوى والمحبة والطهر ومساعدة الآخرين..

وفي هذا الشرق الفسيح، شيد معروف وأولاده عشا دافئا..

أولا في جبال الشوف، وفي الكرمل والجليل..

وفي صحارى حوران..

وساهم أبناء معروف في صناعة التاريخ، في الألف سنة الأخيرة..

فقد حكموا لبنان خلال ثمانية قرون..

وأسسوا حضارة راقية..

وأصبحوا في المنطقة كغابات الأمازون..

التي تزود العالم بالأوكسجين النقي..

يصدرون الطهر والشجاعة والنقاء..

واعتمادا على تعاليمهم ومناقبهم ومبادئهم..

قاموا بحماية المسيحيين في لبنان..

وتقاسموا معهم بيوتهم وأملاكهم..

واحتضن جبل الدروز آلاف اللاجئين المسلمين..

في عدة مناسبات وغمرهم بالكرم..

واستوعبت القرى الدرزية في الجليل والكرمل..

أضعاف اضعاف سكانها من اللاجئين..

ومنعت تهجيرهم بنفوذها..

وأهم من كل ذلك حافظوا على المرأة عندهم وعند الآخرين..

وحاولوا دائما بناء مجتمع فاضل عادل..

لكن طريقهم لم يكن سهلا وواجهوا الصعوبات..

وهكذا ما زالت المحن والبلوى تطارد الموحدين..

لأنهم أتقياء وأصحاب ضمير وأبطال وشجعان..

لا بأس يا أمة التوحيد، هذا ما كُتب عليك..

استمري في طريقك السوي القويم..

الله معك، يحميك ويرعاك ويبعث لك دائما..

شيوخا وقادة وفرسانا وعمالقة..

أقوى من الحرمون وصنين والريان والجرمق..

ونصحح انفسنا فلا نقول. لا تيأسي يا أمة التوحيد..

إنما نقول: هنيئا لك يا أمة التوحيد..

وكل عام وأنتم بخير ..

والله ولي التوفيق

أسرة “العمامة”

دالية الكرمل – تموز 2022

مقالات ذات صلة: