الموقع قيد التحديث!

كلمة العدد 145: الذين يملكون مفاتيح العلوم

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

ذُكر عن الأمير حسن الأطرش، وزير الدفاع في الحكومة السوريّة، وأحد أقطاب جبل الدروز، أنّه عندما تسلّم حسني الزعيم رئاسة الجمهوريّة السوريّة، إثر انقلاب قام به، وكان من ورائه ضباط دروز في الجيش السوري، أوعز رئيس الجمهوريّة إلى زعماء جبل الدروز، أنّه يرغب أن يأتي عطوفة سلطان باشا الأطرش، على رأس وفد كبير من الجبل، للمباركة له، ولتقديم الولاء والدعم والتأييد لحكمه. وقد تداول زعماء الجبل الأمر، وقرّروا عدم اشتراك عطوفة الباشا بالوفد لأسباب مختلفة، وتقرّر أن يترأس الوفد الأمير حسن الأطرش. وعندما وصل الأمير والوفد إلى قصر الرئاسة، كان الاجتماع هناك حافلا، فوقف جميع الحاضرين لاستقبال الوفد، ومصافحة أعضائه، إلّا حسني الزعيم، ظلّ جالسا. فقام الأمير حسن، بمصافحة الحاضرين الواقفين، وعندما وصل إلى حسني الزعيم، تغاضى عنه، وانتقل فورا إلى الصفّ الثاني لمصافحة باقي الحاضرين. وكان الأمير حسن خبيرا بكل مجريات الأمور، وفهم أنّه لن ينجو من غضب الدكتاتور. ولمّا تركوا وأرادوا الخروج من القصر، أعلمهم قائد الحرس، أنّهم محتجزون. وكان الأمير حسن معروفا ومطّلعا على كافّة الأمور، فتوجّه إلى صاحب أكبر درجة في القصر الجمهوري، وهو سامي الحنّاوي (غير درزي) وتحدّث معه بصوت خافت وقال له: دعنا نخرج، وستكون أنت الرئيس القادم لسوريا. فسح لهم سامي الحناوي المجال، وبعد فترة أعلن تمرّد ضد حسني الزعيم، وقام أحد الضبّاط باقتحام القصر، فوجد حسني الزعيم في وضع محرج مع غانية لعوب، فرفع مسدّسه قائلا، إنّ مثله لا يليق بالرئاسة، وهو يحكم عليه بالإعدام. وأرداه قتيلا، وتمّ الإعلان عن سامي الحنّاوي رئيسا للجمهوريّة العربيّة السوريّة.

 يثبت لنا هذا الحدث، المكانة التي يتمتّع بها الدروز في سوريا، وفي لبنان، وفي إسرائيل، حيث يمكننا أن نذكر عشرات الحوادث والمواقف، التي برع فيها مواطنون وزعماء دروز، وأسدوا خدمات للدولة التي يعيشون فيها. كما يمكننا أن نذكر هنا، أنّ الدروز في إسرائيل، كانوا شركاء في إقامة الدولة قبل تأسيسها، واستمرّوا في حمايتها والذود عنها وصيانتها وبنائها. وفي نفس الوقت، قام الدروز بتأسيس مملكة شرقي الأردن عام 1921، وبناء جهاز الحكم من قِبل الزعيميْن رشيد طليع وفؤاد سليم. وفي لبنان وقف بطل بشامون الأمير مجيد أرسلان، ورفع علم استقلال لبنان. وفي سوريا قام عطوفة القائد الكبير سلطان باشا الأطرش، بإعلان الثورة السوريّة الكبرى، ورفع بذلك الرؤوس العربيّة في كلّ مكان، حيث زرع فيهم روح الاستقلال، وغرس في نفوسهم الشجاعة، لأن يثوروا ويتمرّدوا لنيل حقوقهم، والحصول على استقلالهم. وقد حاولت سلطات الانتداب الفرنسي، واستماتت أن ترضي الطائفة الدرزيّة، فكوّنت لهم دويلة، وكانت بصدد أن تغمرهم بالمساعدات والدعم، لكي تتحكّم في سوريا بعد تقسيمها إلى دويلات. رفض الدروز (هذه النعمة) وفضّلوا أن تخرب قراهم، وأن تتشرّد أهاليهم، كما آثر سلطان الأطرش أن يقبع في الصحراء، على أن يكون ربيبا للاستعمار، وأداة من أدواته. وقد حصلت بعد فترة، الجمهوريّة السورية على استقلالها، وتقليدا للثورة السوريّة الكبرى، قام ضباط وقادة جيش في الدول العربيّة المختلفة، شربوا من حليب الأسود، واقتحموا قصور مندوبي الاستعمار، وحقّقوا الاستقلال لبلدانهم.

وإذا استعرضنا تاريخ الطائفة الدرزيّة خلال ألف سنة، نجد أن سنوات الهدوء والاستقرار للمواطنين الدروز في هذه الألف سنة كانت قليلة، إذ تكاثفت الحملات والحروب والتعدّيات على أبناء الطائفة الدرزيّة، بسبب حفاظهم على دينهم ومبادئهم وأصولهم. ومع قلّة عدد الدروز، ومع انزوائهم في رؤوس الجبال، ومع ضعف إمكانيّاتهم الاقتصاديّة والثقافيّة، إلّا أنّهم كانوا في الصدارة على مدى ألف سنة في الشرق الأوسط، واستطاعوا أن يؤثّروا على الأحداث، وعلى مجريات الأمور في الدول التي يعيشون فيها، وذلك بفضل إيمانهم وشجاعتهم،

 وكان هذان السلاحان كافيين لنا في حينه، للحفاظ على الاستمرارّية والبقاء باحترام. أمّا اليوم،  فقد تغيّرت الأحوال، وتبدّلت عوامل البقاء، والصمود، والنجاة، والاستمراريّة، فلم يعد للشجاعة الجسديّة مكان، وغابت أيّام الفروسيّة والبطولات الفرديّة، وحلّ محلّ ذلك، دور العقل، والفكر، والعلم، والتخصّص، ولا ننسى أن الله، سبحانه وتعالى، حبانا، كموحّدين دروز، بكلّ هذه الصفات، لكنّنا لم نحسن استعمالها، واكتفينا بالبسالة، والإقدام، والكرم، والتسامح، وإغاثة الملهوف، ولم نولي التعليم والجامعات أهميّة، واعتمدنا على الأجانب، كي يعالجوا مرضانا، ويعلّموا أولادنا، ويسجّلوا تاريخنا وما شابه ذلك، وانقلبت الموازين، وتبدّلت الأوضاع، وانتقل العالم إلى الهايْتك وغزو الفضاء، وبقينا نحن في أماكننا، فبدل ان نكون المبادرين، والقادة، والروّاد، وجدنا أنفسنا معتمدين كلّيَّا على غيرنا، ورأينا الذين حميناهم، حين كنُا أسياد لبنان، يتهافتون على العلم، والفكر، ويحتلّون مواقعنا، ويحيكون المؤامرات لطردنا من بلادنا وقلع جذورنا. وقد استعملنا بقايا شجاعتنا، كي نحبط مخطّطاتهم، ونحافظ على وجودنا. وإذا نجحنا حتّى الآن في البقاء، فلا أحد يضمن أن ننجح في المستقبل، إن بقينا على حالنا، واستمرّينا في اجترار الماضي، والتغنّي بالبطولات السابقة.

 لذلك علينا، أن نغيّر تفكيرنا، وعقليّتنا، وتصرّفاتنا، ومسار حياتنا، بشكل جذري، وأن نوجّه كلّ قدراتنا للعلم، والثقافة، والمعرفة، والتألّق، والبحث، والتنقيب، كي نحافظ على كياننا، ونستمرّ في التحكّم بأقدارنا ولا نعتمد على أحد، طالبين العون والتوفيق من الله، سبحانه وتعالى. لقد كنّا حكّام لبنان خلال 800 سنة، وبنينا وعمّرنا مجتمعا راقيا في جبال حوران، التي كانت مسرحا لقطّاع الطرق والمتشرّدين، وأعطينا دروسا في الوطنيّة والتضحية من أجل الحرّيّة، وصيانة الشرف والكرامة، وأنجبنا شخصيّات لامعة، في كافّة المجالات، تضعنا في الصفّ الأوّل، مقابل أي أقلّيّة، عانت ممّا عانينا، وواجهت ما واجهنا، وتغلّبنا، بعونه تعالى، على كلّ المحن، والصدمات والمطاردات. واليوم لا ينقصنا شيء، كي نحافظ على مركز الأولويّة، والريادة بين الأقلّيّات في العالم، إلّا أن نؤمن بقدراتنا، وأن نثق بأنفسنا، وأن نسعى لتحقيق ما يجب عمله، وذلك بالعلم، والعلم، والعلم. ويسعدنا أن نذكر، أن شيوخنا وقادتنا، فطنوا قبل عشرات السنين، بهذه الحاجة واهتموا بهذا الهدف، فقد ورد في الكتاب الذي تمّ تأليفه، عام 1982 بعنوان “المرحوم الشيخ أبو حسين محمود فرج”، بقلم نجله المرحوم الشيخ أبي محمد حسين فرج القول “إنّ سماحة شيخ العقل، المرحوم الشيخ حسين حمادة، ذكر أمامه، أنّه بعد حوادث الستين، وانتهاء الحركات في البلاد، عمدت الدولة العثمانيّة إلى وضع نظام جديد في لبنان. وكان المتصرّف الأول هو داوود باشا الأرمني، ووُزّعت الوظائف في عهده على طوائف لبنان، وحُرمت الطائفة الدرزيّة الكثير من حقوقها، فاحتجّ لدى دولته، العقلاء من أبناء الطائفة على هذا الحرمان، فكان الجواب: “إن الحرمان يعود إلى قلّة المتعلّمين فيكم، تعلّموا ننيلكم حقوقكم.”. عندئذ، برزت فكرة طلب العلم لدى بعض مفكّري الطائفة، فاتّفق الرأي على إنشاء المدرسة الدرزيّة الداووديّة في عبيه.”. وكان للكليّة الداووديّة دور كبير في تنشئة أجيال من المتعلّمين والمثقّفين، من أبناء الطائفة الدرزيّة، انتشروا في العالم العربي، ونهضوا به، ونقلوه إلى القرن العشرين. لكنّ ذلك لا يكفي، وعلينا أن نذكر، أنّنا دين العقل، والمعرفة، والفكر، والإيمان، وليس من الصعب علينا أن نبادر إلى ثورة ثقافيّة علميّة في مجتمعنا، فقد برعنا في حينه بالثورات العسكريّة، ومن المؤكّد ان نبرع بالثورات العلميّة، لأنّنا، والحمد لله، نملك في أيادينا مفاتيح العلوم..

والله ولي التوفيق
زيارة مقبولة
سميح ناطور

دالية الكرمل
اذار 2019

مقالات ذات صلة:

ألف سنة من الروحانيات

بالرغم من أن دعوة التوحيد الدرزية، جوبهت بعد نشرها بحروب ومحن، وبالرغم من أن الطائفة الدرزية، عانت خلال ألف سنة،