الموقع قيد التحديث!

كتاب الشيخ العابد (ر)

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

صدر بمبادرة من الشيخ أبو كمال معين حلبي، قيّم خلوة ومزار فضيلة الشيخ حسين العابد (ر) (1902 – 1978) بإصدار دار آسيا للصحافة والنشر، كتيب يحوي 64 صفحة من الحجم المتوسط، يضم سيرة حياة المرحوم ومجموعة من الكلمات والقصائد، بقلم قيادة الطائفة الدينية، وبعض الشعراء والكُتاب ممن عرفوا فضيلته واجتمعوا به، وما زالوا يذكرونه بالخير. وقد نُشرت في الكتاب كلمات لفضيلة الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، ولفضيلة الشيخ أبو علي حسين حلبي، وكلمة عضو الكنيست السابق السيد أمل نصر الدين، وكلمة لعضو الكنيست السابق الشيخ زيدان عطشة، وللشيخ سميح ناطور محرر مجلة العمامة، ولسعادة القاضي الشيخ نعيم هنو، قاضي محكمة الاستئناف الدينية الدرزية سابقا، وسعادة القاضي فارس فلاح، وللأستاذ الشيخ يوسف زيدان حلبي، وقصيدة عصماء لشاعر الكرمل الشيخ أبو فريد نديم منصور، وكلمات للشاعر مجيد حسيسي وقصيدة للشاعر أبو زياد فؤاد فرو، ومقال شامل للكاتبة السيدة آمال أبو فارس، وخبر في صحيفة كل الناس، ومجموعة من الأشعار  والكلمات، لشباب متدين وغير متدين من قرية دالية الكرمل، تأثروا بظاهرة انزواء رجل دين في مكان منعزل، واستغلال جل وقته للتعبد والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، حيث كان يعمل في أرضه، ويأكل من عرق جبينه، وتعفف عن الزواج، وتركّز في أشغاله وعبادته بعيدا عن الضوضاء والحركة، لكنه ظل قابعا في صومعته، يشارك الناس في مناسباتهم في أوقات متباعدة. وقد شغل نفسه بتربية النحل وفلاحة الأرض والعبادة المتواصلة. فيما يلي كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف وفضيلة الشيخ أبو علي حسين حلبي:

في سيرة النّاسك الزّاهد الشّيخ حسين العابد

كلمة فضيلة الشّيخ موفق طريف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أمّا بعد، فالحمد لله تعالى على نعمة الحمد، والصلّاة على أنبيائه ورسله أصحاب الفضل والمجد.  سبحان من جعل بقدرته الأرضَ مِهادا والجبالَ أوتادا، واختصّ أوليائه من خلقِهِ بصحّة اليقين وصدق العبادة، فجعلهم على الحقّ أدلاّء بين العالمين، وقرّبهم إذا رآهم بطاعته متمسّكين، فهنّاهم وبشرّهم بقوله: {وَجَنّةٍ عَرضُها السَّماواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمُتّقين}.

الشّيخ حسين العابد ذلك الورع الّذي باع بالتّقشف دنياه، قاصدًا بالطّاعة وجه مولاه. ترك الدّنيا فسارت إليه، ورفض الرّفعة بين النّاس، فسلّط الله أضواء الشّهرة عليه.

ولد المرحوم الشّيخ أبو علي حسين علي أحمد الحلبي، المعروف بالشّيخ حسين العابد، في دالية الكرمل، فنشأ منذ نعومة أظفاره على السّيرة المستقيمة، بارزًا بالطّاعة بين أقرانه، مميّزًا بالسّلك بين خلّانه، وقد وصفه من عرفه إنّه كان كثير الصّمت، طويل التّفكّر، كثير الهموم، حسن المعاملة مع الله تعالى وخلقه.

ولــمّا كان من المشهود عن أهل الطّاعات تفرّغهم للعبادة، فقد واكب الشّيخ العابد شابًّا نهج الصّالحين، وسعى في سبيل الاقتداء بالشّيوخ الأوّلين، مشيّدًا له صومعةً في إحدى المناطق النّائية المنقطعة عن بلده، أحاطها ببستانٍ اعتاد أن يعتاش من خيره، وبئر كان يشرب منها، بعد أن حفرها بيديه الكريمتين.

في هذه الصّومعة المباركة عاش الشّيخ العابد، فقصده النّاس من دالية الكرمل وخارجها، معترفين بفضله، ومشيدين بتقواه وتواضعه. يُقبلون إليه لطلب الدّعاء زوّارًا، ويتناقلون عن كراماته وتقشّفه أخبارًا، فعاش ورعًا صادقًا تقيًّا، وانتقل إلى رحمة الله مرحومًا وفيًّا نقيًّا، فكان لله أن سخّر له جنازةً شارك فيها القاصي والدّاني، لتكون من الجنازات الأكبر لشيوخ المنطقة، اعترافًا بفضل هذا التّقيّ، ولتصبح صومعته بعد ذاك اليوم مزارًا يقصده أهالي المنطقة تبرّكًا بسيرة الشّيخ وسلكه.

هذا، وقد نُقل عن بعض الإخوان الّذين زاروا صومعة الشّيخ قبل سنوات قلائل، تصويرهم لخلايا النّحل الّتي تعيش في زاوية شبّاك خلوته، سنواتٍ طويلةٍ بعد وفاته، لتشير بذلك إلى كرامة هذا الشّيخ العابد، الّذي اعتاد أن يعتني بقفائر نحله، ليجني قوته من خير عسلها، فكأنّ هذه المخلوقات الصّغيرة لا تزال تعيش في نفس المكان على رائحة ذكراه، مطمئنّة بنَفَس هذا العابد الزّاهد، العازف عن الدّنيا والزّواج والبنين، الصّارف همّه للوصول إلى درجات الإحسان الّتي أُعدّت للمقرّبين.

ولأنّ الشيء بالشّيء يُذكَر، فلا بدّ من كلمة شكر، نقدّمها للشّيخ أبي كمال معين حلبي، وهو ابن أخ المرحوم الشّيخ العابد، وذلك إثر سعيه في تشيّد بناء يقصده النّاس، بعد أن تمّ توكيله ليكون قيّمًا على صومعة ومزار عمّه الشّيخ.

رحم الله الشّيخ العابد ونفعّنا جميعًا بجزيل بركته وصالح سيرته.

ظاهرة دينية تقشفية صوفية

كلمة فضيلة الشيخ أبو علي حسين حلبي

لم تشهد بلادنا، ظاهرة دينية تقشفية صوفية، منذ عهد الشيخ علي الفارس (ر) مثل ظاهرة الشيخ حسين العابد (ر)، والذي كان، حتى في حياته، يُعتبر قدوة ونموذجا لرجل الدين، الذي آمن أن الإنسان يكون سعيدا مقبولا على الله سبحانه وتعالى، إن هو استغنى عن ملذات الحياة، وعن متاع الدنيا، وتفرّغ للعبادة، ولتحصيل قوت يومه بعرق جبينه من أرضه وبستانه، وعزف عن الاقتران بزوجة، وعن بناء أسرة، وكرّس كل وقته وجهده، من أجل التعبّد والصلاة والتقرّب من الله سبحانه وتعالى، مثله مثل كبار الصوفيين الأتقياء الذين ظهروا في مسيرة التوحيد عبر السنين.

 وقد كان فضيلته يمتاز بتقدير واحترام مجتمع قرية دالية الكرمل والقرى الدرزية في البلاد، حيث كان كل من يقوم بزيارة الكرمل، يجد الوقت المناسب لملاقاته والاجتماع به في صومعته، التي بناها بعيدا عن القرية، وعاش فيها، يتعبّد ويذكر الله ويستقبل ضيوفه، ويكرم بما جاد به ربه وبستانه على الزوّار، الذين يقضون في معيته، ساعة في رحاب الطبيعة، قريبين، بفضل الشيخ، من التعاليم الروحانية، التي كان فضيلته يطبّقها بحذافيرها. وقد عاش فضيلته طوال حياته يحظى باحترام وتقدير مجتمعه، وكافة شيوخ وأعلام الطائفة الدرزية.

 ولا يسعني إلا ان أشكر الشيخ أبو كمال معين حلبي، ابن اخي المرحوم الذي تولى رعاية الحجرة والأرض، فحولها بتصميم وبإلهام رباني إلى مقام يضم الضريح وكل مخلفات الشيخ، وفتحها أمام طلاب المدارس والجمهور العام، خاصة غير المتدينين من أبناء الطائفة، وكذلك أمام المتدينين للمذاكرات والسهرات الروحية، وذلك من أجل التوعية الدينية والإرشاد.

مقالات ذات صلة: