الموقع قيد التحديث!

قوة إيماننا من عمق جذورنا

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئيس الروحي للطائفة الدرزية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

أثبتت الأحداث الأخيرة في سوريا، أن الطائفة الدرزية بالرغم من قلة عددها وبالرغم من ضعف إمكانياتها وبالرغم من حسن نيتها وعفويتها، إلا أنها استطاعت في أصعب الظروف، وفي أقسى الأوقات، وفي أحلك الأزمان، أن تحافظ على كيانها، وعلى وجودها، وعلى بقائها، وعلى استمراريتها، كطائفة تؤدي الأدوار التاريخية الهامة في سماء المنطقة، وكعنصر بشري، يملك قدرات روحانية وتراثية هائلة، وقد أثبتت هذه الطائفة، على مدى التاريخ، أحقيتها بالوجود وجدارتها، وقامت بإنجازات وأعمال من أجل كافة سكان المنطقة، وفي نفس الوقت، حافظت على كيانها، وعلى صبغتها، وعلى مميزاتها، وعلى كل الفضائل التي حباها الله بها، منذ تكوينها وحتى اليوم.

وكل مواطن درزي، ينتمي لأي دولة كانت، يريد ويرغب وينشد  تحقيق الأمن والطمأنينة والهدوء والعيش الكريم، لكل المواطنين الذين يعيش معهم، في أي دولة كانت، مهما كان دينهم أو قوميتهم أو لغتهم أو انتماؤهم، فقد خلق الله، سبحانه وتعالى، جميع أبناء البشر متساوين عند ولادتهم، وفتح لهم أبواب الخير والشر، ومنحهم العقل الكافي، أن يختاروا ما يريدون وهو الذي سيتولى محاسبتهم وتقييم أعمالهم ومصيرهم. تؤمن كافة الأديان السماوية بالآخرة، وبيوم يحاسب فيه كل إنسان على أعماله وعن تصرفاته، وعن نواياه وعن مخططاته التي يمكن فقط للقدرة الإلهية أن تعرف أسرارها ومكنوناتها، وليس لنا نحن البشر، أن نحاسب أي إنسان ما هو دينه، وكيف يصلي، وكيف يتعبّد، ولماذا هو متواجد في هذه الخانة وليس في تلك. جميع الديانات السماوية تؤمن بالله الواحد الأحد، جل جلاله، وطالما يؤمن هذا الإنسان بوجود قوة عليا تدير هذا الكون، وتعرف ما يجري فيه وتسجّل، فلا شك أن هذا الإنسان لا بد أن يخاف الله، مهما كان دينه، وأن يحسب حسابه، وأن يتجنب الوقوع في إثم، أو مزاولة أي خطأ، أو التعدي أو التسلط على إنسان آخر، لأن الله، سبحانه وتعالى خلق أبناء البشر، ودعاهم وحثّهم على المحبة والتعاون والوفاق والعمل المشترك، وسند واحدهم الآخر، لكن عنصر الشر مغروس في نفوس البشر، وطالما نحن موجودون في هذه الدنيا الفانية، فلا بد أن تحدث أعمال لا يقبلها الإنسان ولا الضمير، وفقط الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعاقب ويجازي ويحكم، إلى أي مدى تجاوزت هذه الأعمال الأمور المرعية والمتبعة والمتداولة بين الشعوب وبين البشر.

ونحن نقول هذا الكلام، إذ نعيش في عالم فقد فيه الإنسان، أبسط قواعد الراحة، وأقل ركائز الاطمئنان، وأوليات العيش الكريم. ففي عالمنا اليوم، لم يعد المواطن واثقا أنه سيبقى في بيته، أو في أرضه، وبين أفراد أسرته. فقد أصبح العالم مسرحا كبيرا واحدا، وغدا أي حدث في الأرجنتين، يؤثر على دول الشرق الأوسط، واي أزمة في فنلندا، لها أبعاد في شرقي أسيا، وتحوّل العالم إلى مزرعة بشرية واحدة، تحكمها أحيانا شريعة الغاب، وتُسَيّر أمورها نزوات وأطماع وأفكار جنونية، لا يقبلها عقل، ولا دين، ولا عُرف، ولا منطق. والعنف المستشري في عالمنا، يأتي من مصادر حكومية أحيانا، ومن مجموعات عرقية، ومن عصابات إجرامية، ومن نفوس بشرية منحرفة، حيث تجد أحيانا مواطنا يبدو عليه الهدوء والعقلية والرزانة، وفجأة يحمل رشاشا ويقتل أربعين شخصا، ليس لهم أي ذنب، وإنما الصدفة هي التي وضعتهم في طريق هذا المجرم. وقد بلغ الإنسان شأنا كبيرا في التقدم، وفي التطورـ وفي الحضارة والترقي، لكن الرواسب الإجرامية ما زالت متأصلة في نفوس البعض، ومنهم، لأسفنا الشديد أحيانا حُكّام ومسئولون، يستغلون صلاحياتهم والثقة التي منحتهم إياها شعوبهم، فيعلنون حربا، أو يهاجمون طائفةـ أو ينكلون بقطاع من المواطنين، لا ذنب لهم، وإنما الصدفة السيئة هي التي أوصلت بينهم وبين من يتعدى عليهم.

وفي هذه الأجواء، وفي هذه الأوضاع والظروف، يوجد دور كبير لرجال الدين، وللمؤمنين ولجميع أولئك الذين يخافون الله، والذين كتبوا على أنفسهم العهود، أن يطبّقوا التعاليم والإرشادات والتوجيهات التي أنزلتها الأديان المختلفة. ونحن نقول، لا يهمنا أي إنسان نلتقي به، ما هو دينه، وبماذا يؤمن، وكيف يصلي، كل ما يهمنا هو أن يتقي هذا الإنسان الله، سبحانه وتعالى، وأن يحسب حسابه، وأن يطبّق تعاليمه، حسب الآيات والسور والتراتيل والمزامير والفقرات والجمل التي يتلوها صباحا أو مساء، عندما ينفرد الإنسان مع خالقه ويصلي.

ونحن أبناء الطائفة الدرزية، نجلّ، ونقدّر، ونحترم كافة الأديان السماوية، ونقدّس جميع الأنبياء والمرسلين، ونحاول دائما أن نطبق كافة التوجيهات والتعليمات والإرشادات التي بثها لنا الأنبياء والمرسلون على مر التاريخ، وفي مقدمتهم نبي الله شعيب عليه السلام، الذي كان له دور مميز وكبير في إرشاد بني إسرائيل، وفي منح العالم نظريات إدارية جديدة، وفي موقف نزول التوراة.

ومن باحة مقام سيدنا شعيب عليه السلام، أتوجه إلى إخواني أبناء الطائفة الدرزية، في الجمهورية العربية السورية، مهنئا إياهم على صمودهم، وعلى مواقفهم البنّاءة من أجل الشرعية، ومن أجل المحافظة على وحدة البلاد، وهم الذين قاموا قبل حوالي مائة سنة، بالتضحية بأرواحهم، وبيوتهم، وأملاكهم، من أجل أن تحقق سوريا استقلالها، وأن تعيش بكرامة بين الدول.

 كما أحيي إخواني أبناء التوحيد في الجمهورية اللبنانية، راجيا منهم التجاوز والتعالي عن الأمور الصغيرة، وأن يجنحوا إلى وحدة الصف، والتكاتف، والتراص، كما عهدناهم. وأحيي أبناء عشيرتي في المملكة الأردنية الهاشمية، هذه المملكة صاحبة المكارم، التي احتضنت قيادات الطائفة الدرزية أكثر من مرة، والتي أثبتت دعمها وتأييديها لأبناء التوحيد، وهي التي ألهمتنا  ووجهتنا، أن نجل الأسرة الهاشمية العريقة، التي تقودها ونفتخر ونعتز بها ونتمنى لها الدوام. وأتوجه كذلك بالتهاني لكل مواطن توحيدي يعيش في أي بلد أجنبي، خارج الشرق الأوسط، ولجميع أبناء التوحيد في الشرق الأوسط، راجيا من الله، سبحانه وتعالى، أن تحل المواسم والزيارات على جميع الأنبياء والرسل، والجميع يرفل بأثواب السعادة والازدهار والفرح والانتعاش.

وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة: