الموقع قيد التحديث!

قصّة صالحة ابنة إبراهيم الخوّاص (ر)

بقلم الشيخ أبو توفيق سليمان سيف
يانوح
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

قيل إن كسرى انو شروان كان له وزيران، وهما: الشيخ إبراهيم الخوّاص والوزير بُختَكُ اللعين، وكان كل ما يتقاضاه الشيخ إبراهيم من الملك ينفقُهُ على الفقراء والمساكين، ويعتاش هو وعياله من صناعة الخوص، فأحبّه الشعب غاية المحبّة، وكان الملك يفضّله لإخلاصه وحُسن آدابه، فحسدهُ بُختَكُ على هذه المنزلة والتقدير، وأراد به شرًّا. فدخل على الملك وسأله: مَن ملك هذه البلاد؟

فتعجّب الملك من سؤاله وطلب منه إيضاح قصده. فقال بُختَكُ: عن قريب سوف يأفل كوكبي وكوكبك ويبقى كوكب الشيخ إبراهيم منيرًا لأنّني لم أعدْ أرى لك ذكرًا بين الشعب بسببه. وإذا أردتَ التحقُّق منه فلنتنكّر بثياب رعاة ونستطلع الأمر. فتنكّرا وخرجا من باب سرّيٍّ إلى أن وصلا إلى أولاد يلعبون، فقال كسرى: السلام عليكم أيّها الأولاد. فأجابه أوسمهم: وعليك السلام يا بهي الوجه. فقال الملك: أريد أن أسألكم سؤالا ولمن يجيبني له منّي عشرة دنانير. مَن ملك هذه البلاد؟ فقال الولد: لقد أخطأت بصيرتي حين قلت لك يا بهيّ الطلعة، إن ملك هذه البلاد هو الشيخ إبراهيم الخوّاص، مُطعم الجائع وكاسي العاري. ولو قارنّا بين الشمس المُشرقة وبينه لبان فضلُهُ عليها، ألا تعرفه؟ فقال: نعم؟ ومدّ يده إلى جيبه ليعطيه الدنانير. فقال الشاب: إن محبّة الشيخ إبراهيم بقلوبنا يا مولانا. فقال الملك: أريد أن أتحقّق أكثر. فتابعا سيرهما إلى أن وصلا قرب حوض ماء وحوله فتيات يستقين منه. فقال الملك: السلام عليكنّ يا إماء الله. فقالت واحدة منهنّ: ما الذي جاء بكما إلى هنا؟ فقال الملك: لقصد أردناهُ. فقال الفتاة: إن كان قصدكما خيرًا فقله، وإن لم يكن خيرًا فيكفينا شرفا أن نطمّ رأسيكما بأحذيتنا. فقال الملك: بل خيرًا إن شاء الله، أريد أن أسألكنّ سؤالًا ولكُنَّ منّي عشرة دنانير. قالت الفتاة: لم نتعوّد أخذ دنانير على أجوبة، فإن قبلت فاسأل وإلاّ عليك الانصراف. فقال الملك: من هو ملك هذه البلاد؟ فضحكت الفتاة كثيرًا. وقالت: إنّ سؤالك هذا مضحك حقًّا وإن كان لا يجدر بنا الضحك في وجوه الرجال. ألم تسمع بالشيخ إبراهيم الخوّاص، مُطعم الجياع وكاسي العراة، ففضلُهُ ومحبّته في قلوبنا أكثر من فضل والديْنا، حتى الحيوانات لو لها قُدرة على النطق لاعترفت بذلك. فودّعهم الملك وعاد إلى قصره وهو يفتكر بطريقة التخلّص منه، مع أنه لم يسئ إليه، وعامله بإخلاص. فقال له بُختَكُ: يا مولانا أشير عليك بأن ترسل في طلب الشيخ إبراهيم، وتعلِمَهُ بأنّ هاتفا أتاك، فأهمّك في منامك، وطرح عليك ثلاثة أسئلة، وأمهلك ثلاثة أيّام، فإن أجبت عنها نجوت، وإن عجزت عنها قُتلت، ثمّ اطرح عليه الأسئلة، واشرط عليه نفس الشروط، وبهذا تكون قد قضيت عليه لأنّني ضامن عجزه عن الإجابة والأسئلة هي: ما قبل الله؟ وكيف يدير وجهه؟ وما عمله؟ فقبل الملك مشورته، قم أرسل في طلبه، فلما حضر أخبره بمراده وما كان من أمر الهاتف، وكم ألمّه وأحزنه، وأعلمه بأنّه أخلص مًن في قصره ومدى تقديره له. وطلب منه إجابة على الأسئلة. وقال له: إن أنت عرفتها نجوت وإن لم تعرفها هلكت أنت وأعز أحبائك، وهلكتُ أنا من بعدك. فقال الشيخ إبراهيم: ما هي هذه الأسئلة؟ فقال الملك: ما كان قبل الله، وكيف يدير وجهه، وما عمله؟ فأحسّ الشيخ إبراهيم بشيء خفيٍّ وقال: إن شاء الله نجيبك. وخرج من عنده متوجّها إلى داره، فلمّا رأته ابنته الصغيرة صالحة، رضي الله عنها، لم يبشّ في وجهها كعادته، فعلمت أنّه مهموم لشيء ما، فمسكت بيده وجلست قربه وسألته عن حاله، وعن الدموع التي في عينيه، فأخفى عنها ما أصابه، فقالت صالحة: أقسمتُ عليك بربّ الأرباب وعزة الواحد الوهّاب، إلا ما أخبرتني بأمرك، فأخبرها بما جرى بينه وبين الملك، فما كان منها إلا الضحك. فقال لها: أتضحكين يوم عزاء أبيك؟ فقالت: لا والله إنما هو لقلّة ثقتك ويقينك بالله. متى كانت أرواحنا بيد كسرى أنو شروان يا ابي؟ ارجع سريعا إلى الملك وإن سألك عن رجوعك، قل له: أنت أمرتني وأمهلتني، وأمر الله لا يُردّ. ففعلتُ بما أمرتني ثمّ عُدتُ إليك، وهذه الأسئلة لا تليق بمكاني وبمثلي، وإن ابنتي الصغيرة تجيبك عنها. فقال لها: لا تورطيني يا صالحة فإن الملوك يستعظمون في الثواب ردّ الجواب، ثم يستقلّون في العقاب قطع الرقاب. فقالت: افعل ما أمرتُكَ ولا تعلمه أنّك لقيتني والاتّكال على الله. فإنّ شرّ الملوك مَن أمّنه الجريء، وخافه البريء. من شارك السلطان في عزّ الدنيا فقد شاركه في ذُلّ الآخرة. ونحن يا والدي لا نريد إلاّ رضى الله تعالى. فقبل الشيخ من ابنته وأحسّ بثقة في قلبه، وعاد إلى الملك، ودخل قصره وهو يردّد على عادته حين دخوله إليه “أحْسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء تكفيه سيئاته. فقال: السلام عليك أيها الملك. فردّ عليه السلام وسأله عن عودته سريعا. فأجابه كما علّمته صالحة البالغة من العمر سبع سنين. فأمره الملك: بإحضارها. فقال: بل أرسل بُختَكُ لئلا يظنّ بي سوءً. فأرسل الملك بُختَك لتحضر وكانت هي بانتظاره، فقرع الباب ففتحت له فلم يسلّم، وأدارت ظهرها وقالت: السلام على مَن أمن الدار   من مكر الجار. فانتبه بُختَكُ فاعتذر وسلّم، وأمرها بمقابلة الملك. فقالت: حُبًّا وكرامة، انتظرني لألبس ما يليق بالملوك، فجهّزت نفسها وقالت له: ابتعد عنّي أربعين خطوة، لأنه لا يجوز المشي سويًّا، وسارت حتى وصلت إلى الملك. فسلّمت عليه، فردّ السلام. ثم توجّهت لأبيها وقبّلت يده وقالت له: لولا علمي بوجودك هنا لما أذنت لنفسي بالمجيء وحدي دون إذنك. فقال لها اطمئني يا صالحة. ثم التفتت إلى الملك وقالت: السلام على من اتّبع الهدى وخشي عواقب الردى أيّها الملك الخير فأتلقّاه، أم لسوء فأتوقّاه؟ قال: بل الخير يا صالحة. فما رأيك فيما سألت والدك؟ قالت متى كانت الملوك تخاطب الحيطان التي لا صدى لها. فالأمر بينك وبينه ولا أطّلع على ما لا شأن لي به. فقصّ الملك عليها أمر الهاتف بالتفصيل، وطلب منها الإجابة. فقالت صالحة: أنا لي شروط خمسة: الأوّل أريد أمانًا من خلف ظهري. والثاني تجمع فقهاء وحكماء وأرباب مملكتك أثناء الإجابة. والثالث: أن تفصح عن الهاتف الشرير. والرابع: أن تقطع رأسه إن كان حيًّا، والخامس: تعطيني مائة ألف دينار ا. فوافق كسرى على شروطها. ولمّا آن الموعد واجتمع الجميع وأعادت صالحة الشروط أمام الكل، قالت: تفضّل أيّها الملك بسؤالك الأوّل. فقال: مَن كان قبل الله. قالت: أحضر المائة ألف دينار. فقال الملك: إنّ خزائني مملوءة ليس عليها ارتياب. قالت: أما كان شرط بهذا؟ فقال الملك: أيها الخازن أعطني المال. قالت: بل أنت بنفسك فالشروط بيني وبينك فقط فأحضرها. قالت عُدّهم. قال هي معدودة والأمان معها. قالت: الذي خدمك ثلاثين سنة بإخلاص لم تركن إليه. عُدّها. فبدأ يعُدّها واحد اثنان ثلاثة. فقالت صالحة أخطأتَ عُدّها ثانية. فعدّها ثانيا وثالثا ورابعا، وفي كل مرّة تقول له أخطأت. فقال بُختك: أتكَذّبين الملك؟ قالت: أُسكت يا لعين. فقام فقيها وقال له: بيّني لنا وجه الخطأ يا أمة الله، فنحن لم نره.  قالت صالحة إنه يبدأ بالواحد في كلّ مرّة فما قبل الواحد؟ فصاح الملك صدقت يا صالحة فلا شيء قبل الله. فلك المائة ألف دينار. فقالت صالحة: ما هو السؤال الثاني؟ كيف يدير وجهه؟ قالت هات شمعة، فقال الملك يا … فقاطعته قائلة: بل أنت، فأتي بها. قالت أضئها، ففعل. وقالت: ارفعها، ففعل، فقالت كيف تدير وجهها، فشرع يديرها وقال: كيفما دوّرتها وجهها. قالت كذلك سبحانه وتعالى وجهه لكلّ قاصد. فقال لك مائة ألف دينار. قالت ما هو السؤال الثالث؟ قال الملك: ما هو عمله؟ فقالت صالحة: قم من مكانك، فقام. وقالت أقبِل إليّ فأقبل، فقالت أعطني التاج والصولجان فلبسته. ثم قالت اركع فركع، وقالت طأطئ رأسك ففعل وبدأ الحاضرون بالاندهاش. ثم جلست على العرش وقالت: ارفع رأسك، ففعل. فقالت هذا عمل الله تعالى، يذلّ من يشاء، ويعزّ من يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء.

فقال الملك: يا سيّاف اقطع رأس بُختك اللعين ثم اعتذر من الشيخ إبراهيم وقرّبه منه أكثر وعرّف الجميع الحقيقة. وقال هذا جزاء المكر والبغي والحسد.

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفيّة – العدد 159

فضيلة الشّيخ يهنّئ سماحة الشّيخ سامي أبي المنى بعد تنصيبه شيخَ عقلٍ للطّائفة الدّرزيّة في لبنان جرى صباح السّبت الموافق