الموقع قيد التحديث!

قصة قصيرة – شكرًا لطوق الياسمين..

بقلم الكاتبة شهربان معدّي
يركا
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

وأنا الّتي كنت أظنّ أنّه حتّى موثّبات الزّهراء لن تخرجني من تلك الثّلّاجة المظلمة، وأخيرًا… أبصرتُ النّور…

وسمعتهم يتهامسون وهم يتبادلون نظرات الاستنكار، الممْزوجة بالفرح:

– كلّ شيء خير من بني آدم…

– سامحه الله! كيف فعل هذا بنا؟

– كيف رضي بأن نعيش، بهذا الفقر المُدقع، كل هذه “السنين” ليكدّس كلّ تلك الأموال… بالثلاجة؟!

– حتمًا لن يسامحه الله..

وصدقًا أقول يا عزيزي القارئ، رُغم أنّني كنت مشوّشة النظر، بعد هذه العتمة الطويلة والبرد القارس الّذي عانيته بجوف الثّلاجة، أو بالأحرى القبر الموحش! لم أتوقّع أنّ المالَ يغيّر الوجوه والملامح بهذه السرعة العجيبة!

وليتكم رأيتم “مثلي” وجوههم البائسة، الّتي أغرقها الحُزن والثكل، كيف أزْهرت واخْضرّت، كربيع نديٍّ، أزهر في أوج نيسان، عندما وجدوا الرّزم النّقديّة الملفوفة بالنايلون والمرتّبة بإتقان في العلب البلاستيكيّة المُختلفة الأشكال والألوان…

لم يمضِ على دفن الوالد، بضع ساعات، حتّى انقضّ ولداه، الكبير والأوسط وابنته الصُغرى، على زوايا بيته الوضيع، وبدأوا بتفتيش كلّ متر، بل وكلّ فترٍ فيه! وبعد أن نجح اليأس في السيطرة على أحلامهم البيضاء، صاحت البنت الصُغرى:

– لم يتبقَّ لنا إلا الثلّاجة! دربكم على الثلاجة، لطالما منعني من تنظيفها وترتيبها كلّما بادرت إلى ذلك!

وهناك كانت المُفاجأة..

قال الابن الأكبر وهو يُخرِج الأوراق النقديّة الملفوفة بإحكام من النايلون السميك:

– الويل له..! بخل علينا بكلّ شيء… ولم يأخذ معه شيئًا!

وقالت الابنة الصُغرى وهي تمسح دموعها الغزيرة:

– مسكينة المرحومة والدتنا، قتلها بتقتيره وبخله!

فقاطعها الابن الأوسط قائلا:

– صحيحٌ أن موته كان مُفاجئا، ولكنه كان خيرٌ لنا جميعًا…

وبدأ الكنز يتفرّق بالتساوي، وبدقّة لم يسبق لها مثيل…

وحمدْتُ ربي أنّني كنت من نصيب الابنة الصغرى، بعد أن رأيت عدوى الشّحّ والتّقتير، تنتقل من الوالد لتلمع في عيني الابن الكبير، والطمع والأنانيّة، يستعران في عينيّ الإبن الأوسط، بينما بدت الصبيّة، جميلة الهندام، كريمة النفس، هادئة النظرات…

كم أنت ضعيف أيّها الإنسان، مهما نجحت في كتم أسرارك، ونقاط ضعفك، ولكن لطالما فضحتك عيناك، أمام بريق العملة!

أتظنّون أننا معشر الأوراق النقديّة، لا نشعر ولا نحسّ؟

نحن نشعر ونحسّ، بل ونرى ونسمع؛ مثلكم..  تمامًا!

وأنا شخْصيًّا قلّبت وجوهًا كثيرة، رُغم ضآلة قيمتي..

لطالما رأيت وجوهًا، كانت تتظاهر كالنعاج، وبسببي، تحوّلت لذئاب!

وكم رأيت ذئابًا، تنكّرت بوجوه نعاج، لتظفر بي..

لطالما زغرد قلبي وصدح مع فرحة الصّغار، عندما كانوا يشترون بواسطتي الحلوى والألعاب..

وتعطّرت روحي بشهد العزّة والكرامة، في قبضة العامل الخشنة، الّتي سالت من ندى جبينه اللُجيّن!

وكم شعرت بالخزي والعار في يد الفاجر والمُحتال، وبالقوّة والأريحيّة، في يد الكريم، نديّ النّفس والكفّ…

وكم تمنّيتُ الموت في يد الخائن الوضيع، الذي باع تراب وطنه من أجل حفنة نقود!

وكم رقصتُ على شرفات الغيم، ولمستْ أناملي النجوم، عندما بنوا المدارس والمصانع وموّلوا المشاريع الخيْريّة، من خلالي..

ولطالما تقلَّبتُ على فراش من الجمر، عندما رأيت فلانًا يبيع كرامته، من أجل جمعي..

بينما هذا المبذِّر الغني، الّذي اشترى ساعته بآلاف الدولارات ليتباهى بها أمام أقرانه.. وتلك المرأة التي أنفقت كل مالها ووقتها وطاقاتها، على طعامها الدسم، كم شعرت بقلّة القيمة والهوان!

تبًا لك أيها الإنسان.. لا ترى أبعد من أنفِكَ!

أنا مجرّد ورقة، ورقة قابلة للاحتراق والفناء، ورغم ذلك أميل بك، مرّة ذات اليمين، ومرّة ذات الشمال، وفقًا لرغباتي وأهوائي، وأنت حتّى لا تدرك هذا…

أُقرّب البعيد، وأُبعّد القريب!

كم من عليلٍ شفيته، وكم من سليم بدنٍ سلبته عافيته…

كم من عزيز نفسٍ ذلّلتهُ، ومن وضيعٍ رفعتهُ!

كم من مُزيّفٍ أصبح أصيلا.. ومن أصيلٍ، أصبح مُزيّفًا.. بسببي..!

كم من يتيم شرّدتُ، ورحم قطّعتُ، وما زلت في نظرك، أيّها الإنسان، سِدْرةِ المنتهى، وغاية الغايات!؟

ليتك جعلتني وسيلة، لا غاية، كي أشدّ أواصر نسيجك الاجتماعي، وأُقوّي خيوطه الواهية!

أنا الآن سعيدةٌ، بل في قمّة السّعادة! لأنّني أبصرت النور، وخرجت من هذا القبر الموحش، لأغدو طوق ياسمين، يُعانق زهر جدائل حفيدة ذلك الرجل البخيل، الّذى سيذوب في تُراب هذه الأرض.. إلى الأبد…

بينما سأبقى “أنا” حُرّة طليقة، ألِفُّ وأدورُ في دنياكم العجيبة الغريبة!

وكل ما أصلّي له.. ألّا أعلق مرّة أُخرى كتلك العلقة السوداء، في ظلام الثلّاجة اللعينة…

مقالات ذات صلة: