الموقع قيد التحديث!

قصة الغد

بقلم الشيخ وجدي خليل حسون
مأذون في دالية الكرمل
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

جئت إلى جدّي ذات مساء وبعد أن ألقيتُ عليه التحيّة بادرته بالقول: ها أنا أتلو عليك قصيدة وأرجو أن تنال إعجابك، فقال مبتسما: تفضل، فقرأت على مسمعه هذه الأبيات:

سكون الروح في الكون العجيب سبيل رامه قلب النجيب
إذا ما رمت يا قلب انتسابًا لركب العز أخلص للرقيب
فلا يبلغ الإخلاص فرد سوى من فاز باللب الرحيب
وما الغايات في كسب الدنايا ولا الزينات في الزي القشيب
ولكن المباهج في خصال ستبصر سعدها عند المغيب
صديق العمر نفسك لا تقدها الى النزوات في الغاب الرهيب
فإن مسالك النزوات تفضي بصاحبها الى مهوى كئيب
فذكر الله والأخيار الزم كما المعلول في طلب الطبيب

لقد بدت على محيّا جدّي علامات الرضا والسرور وخاطبني قائلًا: “ما دمت تتحدّث عن اليوم الموعود يوم القيامة فاسمح لي أن أُحدّثك عن قصّة الغد التي لا بدّ ولكل أصحاب الضمير أن يدركوا معانيها”. فقلت إنّه من دواعي سروري أن أصغي إلى حديثك عن القيامة، ها أنا أصغي إليك بكل جوارحي. فقال الجدّ  اِعلم ان الله سبحانه وتعالى لمّا خلق البشر، فقد منحهم القدرة العقليّة ليسلكوا إمّا طريق الخير الموصل الى ثواب الآخرة، وإمّا طريق الشّرّ الموصل  إلى العقاب الأبديّ، وقد أرسل الباري رسله وأنبياءه، عليهم السلام، كي يرشدوا الخليقة  لِما فيه صلاح أنفسهم في الدنيا والآخرة، لقد نادت جميع الأديان بحقيقة توحيد الباري، سبحانه وتعالى، كذلك نادت بضرورة الإيمان  بيوم  الغد  المشهور ،وهو القيامة أو الميزان حيث يكون المصير الأبديّ  للإنسان إمّا في الثّواب وإمّا في العقاب السرمديّ، واعلم أن الله، سبحانه وتعالى، قرن وعده بوعيده،  وأنّه هو الخالق الرازق، وهو المحيي والمميت، وهو منزّه عن مزايا البشر ،وهو على كلّ شيء قدير، وهو غفّار الذنوب، وارحم الراحمين، ومن كان مع الله كان الله معه وجاء في سورة الرعد82: {ألا بذكر ربّك تطمئنّ القلوب} وجاء في سورة ال عمران 9: {ربّنا إنّك جامع الناس ليوم لا ريب فيه  إنّ الله لا يخلف الميعاد}،  واسمع ما قاله حكيم دليلًا على وجود الله  سبحانه  وتعالى: “ورقة التوت تأكلها الدودة  فتخرج حريرًا، وتأكلها النحلة فتخرج عسلًا، وتأكلها الشاة فتخرج لبنًا، وتأكلها الغزالة فتخرج مسكًا  فتبارك الله رب العالمين”.

وسئل ابن المقفّع من أدّبك؟ فأجاب: نفسي، كنت إذا رأيت في غيري حسنًا أتيتهُ، وإن رأيت قبيحًا أبيتهُ، وبهذا أدّبتُ نفسي بنفسي، ولا تنس أنّ أدب الدين قبل الدين، حيث قيل: اثنتان يحبّهما الله تعالى: حسن الخلق والكرم، واثنتان لا يحبّهما الله تعالى وهما: سوء الخلق والبخل، وكم كان السيد المسيح (ع) صادقًا حين قال: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ وجاء في الإنجيل أيضًا طوبى للذين يجوِّعون أنفسهم إلى يوم الشبع الأكبر. إنّ القرآن الكريم يذكِّر الإنسان بيوم الغد في عدة آيات، وإنّ ليس للإنسان إلّا ما سعى، وإنّ سعيه سوف يُرى ثم يجزنه الجزاء الأوفى، وإنّ إلى ربّك المنتهى، وإنّه هو أضحك وأبكى، وأنّه هو أمات وأحيا، وكذلك   فإذا جاءت الطّامّة الكبرى يوم يتذكّر الإنسان ما سعى، وبرزت الجحيم لمن يرى، فأمّا من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى، وأمّا من خاف ربّه ونهى نفسه عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى، وكذلك إنّ المتّقين في جنّات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهناك حديث شريف يقول: اِعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا. وجاء في قول حكيم: الدنيا دار ممرّ لا دار مستقرّ، وكذلك الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، ولقد وصفها حكيم بالقول: الدنيا ميدان والأجساد خيل والنفوس فرسان والسباق إلى الله تعالى.

وكم أجاد النبي لقمان حين قال: من يشته كرامة الآخرة يدع زينة الدنيا.

وهنا توقُّف جدّي عن كلامه وبعد أن تناول ما تاقت إليه نفسه من زلال الماء خاطبني قائلا: سمعت أنك تحفظ بعض الأبيات في موضوعنا، ألا تذكر لنا بعضًا منها؟ فقلت: حبًّا وكرامة. 

قال ابن الوردي:

ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا   وأقبح المرء في دنيا بلا دين

وقال المتنبي:

لا تلهينّك عن معادك لذّة  تفنى وتورث دائم الحسرات

وقال المعري:

إنّما ينقلون من دار اعمال إلى دار شقوة أو رشاد

وقال المأمون:

والله لا تختلف النجوم، وتغرب الشمس فلا تقوم، وقمر في فلك يعوم، إلّا لأمر شأنه معلوم، تقصر دون علمه العلوم.

وقال لبيد بن ربيعة:

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل وكلّ نعيم لا محالة زائل

وقال الإمام علي:

رأيت الدهر مختلفا يدور، فلا حزن يدوم ولا سرور، وقد بنت الملوك به قصورًا، فلم تبق الملوك ولا القصور.

وهنا وصلت الجلسة إلى الختام فقال جدّي: لقد كثرت الحكم التي تدعو إلى عمل الخير ومرضاة الله سبحانه وتعالى، ولكن أمر موعظة لن تؤثِّر في نفس الإنسان إذا لم يكن عقله رادًّا لهواه.

وقال أبو ذؤيب الهذلي:

 والنفس راغبة إذا رغبتها                        وإذا ترد إلى قليل تقنع.

مقالات ذات صلة:

الإيحاء

الإيحاء هو عمل أو سلوك، يستهدف وضع شيء ما في ذهن أو عقل شخص معين. وهو عملية عقلية، يبدأ من