الموقع قيد التحديث!

في ذكرى تحرير المقام الشريف

بقلم الشيخ أبو صلاح رجا نصر الدين
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

ما زلنا نذكر تلك الأيام العصيبة، غير البعيدة، التي وقعت في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حينما تكاتفت ظروف دولية إقليمية طائفية ومحلية، منحت فرصة لقوات الكتائب الغاشمة، أن تحتل بعض القرى الدرزية في إقليم الشحار، بما في ذلك بلدة عبيه التاريخية المقدسة، التي تضمّ مقام الأمير السيد قدس الله سره. ولم تردع قداسة المقام، تلك القوات الغاشمة، من أن تُظهر وحشيتها وهمجيتها وشراستها، فقامت بتدنيس المقام الشريف وهدمه، وكان هدفها، محو الرموز الدينية الدرزية من لبنان، في نطاق برنامج شامل لإجلاء وإقصاء المواطنين الدروز من بلاد الأرز نهائيا، لكي يتفرّغوا، كما تصوّر لهم، وينفردوا بالحكم كما يشاءون، حيث كان الدروز قوة لها جذور ومكانة في لبنان، تضاهي القوى المسيحية والأخرى، وتشاركهم في الحكم، و بعملهم هذا، نكث الكتائبيون بأهم فضائل الشرق، وخصال الأمة العربية المألوفة منذ قرون، فقابلوا الإحسان إليهم بالإساءة، ونسوا أن الدروز هم الذين عطفوا عليهم، في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني، واستقبلوهم حينما طوردوا من قِبل إخوان لهم في الدين هم المسيحيون الأرثوذوكس في روسيا وتركيا، ولذلك اضطروا  إلى النزوح جنوبا، فقام الدروز، حُكام لبنان في ذلك الوقت، باحتوائهم، ومنحهم المواطنة، والأراضي، والمساعدة، والعطف، إلى أن كبروا مع الوقت، واستغلّوا وجود إرساليات وقناصل ومبعوثين غربيين للبنان، قاموا بطبيعة الحال، بالعطف عليهم، بسبب الديانة المشتركة بينهم. وقد تكرر هذا العمل الشنيع، في القرنين الأخيرين عدة مرات. وفي كل مرة يُعاقَب الدروز، بالرغم من أنهم المظلومون وليسوا الظالمين، ففي حوادث الستين في القرن الماضي، والتي وقعت بسبب جشع المارونيين وأطماعهم، نفي وسُجن وقُتل أكثر من ألفي زعيم درزي، بالرغم من أن الدروز كانوا ضحية. فقد كانوا الحُكام وخسروا الحكم وتبيّن أن عمل المعروف، لا يضمن دائما سلامة من قام بهذا العمل. ويمكن اعتبار عملية استيلاء الكتائب على القرى الدرزية، محنة أصابت دروز لبنان في القرن العشرين، وكان الهدف منها إضعاف الدروز وكسر شوكتهم. لكن الاحتلال لم يدم إلا بضعة أشهر فقط، وقد قام به الكتائبيون مستغلين عدة عوامل، ومؤثّرات، وأسباب، هيّأت الجو لوضع كهذا، فقد وقع ذلك تحت ظل الاجتياح الإسرائيلي، الذي لم يكن شديد الوضوح، وبدعم من الأسطول الأمريكي، وبتأييد من قِبل الحكم السوري، الذي كان شبه مستعمِر للبنان، وكان يهمه أن تحدث قلاقل واضطرابات، لكي يبدو وكأنه يريد فرض النظام، وبسكوت الدول العربية البارزة عما يجري. ولم يكن نصير الدروز، إلا الله سبحانه وتعالى، وقد خدع الكتائبيون بعض الزعماء الدروز والمشايخ، بالوعود وبمعسول الكلام، وفي مقدمتهم القاضي الشيخ مسعود الغريب، الذين تخوّفوا من وضع كهذا، لكنّ الحكومة اللبنانية، ورئاسة الجمهورية، أقنعوهم أن الشرعية اللبنانية لن تسمح بذلك، فأمّنوا ودفعوا الثمن الباهظ، وبقيت جثة المرحوم الشيخ مسعود الغريب مرمية في العراء حتى التحرير، إلى جانب جثث مئات المواطنين الدروز شيوخا، أطفالا، نساء ورجالا، سكان القرى التي أبيد كل من وُجد فيها، بيد من ادّعى الحضارة والرقي، لكن الحيوانية الشرسة الكامنة في الكتائبيين انفجرت ولوّثت تلك الربوع المقدسة.

وبعونه تعالى، عقد شيوخ وزعماء الدروز في لبنان، العزم على تحرير الشحار، وتجنّد الكبير والصغير، وفي مقدمتهم كبار المشايخ الأفاضل، الذين حملوا السلاح، وهم يرمزون للمشايخ الصغار أن تحرير الشحار وإعادة المقام الشريف، الذي هُدم إلى ايادٍ درزية، هو مهمة مقدسة، واستبسل الشباب، وأظهروا كل صور البطولة والشجاعة، وتمّ التحرير بعونه تعالى وبمباركته، وخلال فترة قصيرة، تجنّد الجميع وقاموا بإعادة بناء المقام، بمخطط جديد لائق بالمقام الشريف، وبحضرة قداسة الشيخ الجليل الذي سكنه في السابق، وظل معبدا لذكراه. وعاد المقام الشريف إلى سابق عهده يرمز للقداسة والورع والإيمان والتقوى.  

ولا ننسى الدور الكبير والفعال الذي قام به شيخنا الجليل والعلم المنير، سيدنا الشيخ أبو يوسف امين طريف، ومشايخ وشباب بلادنا من حوله، الذين ضحوا بالغالي والرخيص، من اجل تحرير الشحار من الايدي الملوثة من قبل الخونة الغادرين. وان شاء الله، ستبقى هذه الذكرى المباركة نبراسا لنا وللأجيال القادمة. قدس الله سر سيدنا الأمير ونفعنا ببركاته.

مقالات ذات صلة:

حول الأضحى المبارك..

قال بعض الحكماء: الآداب والفضائل الإنسانية ثلاث: حق وواجب وتضحية، الحق ما هو لك، والواجب ما هو عليك، والتضحية أن