الموقع قيد التحديث!

فضيلة المرحوم الشيخ ركان الأطرش

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

فضيلة المرحوم الشيخ ركان الأطرش
1940-2019

انتقل إلى رحمته تعالى في جبل الدروز فضيلة المرحوم الشيخ أبو عدنان ركان الأطرش عن عمر يناهز التاسعة والسبعين عاما قضاها في الصلوات، والتقوى، والإصلاح بين الناس، والدعوة للوحدة والتعاون والسلوك الشريف. وقد جرت له جنازة حاشدة في مدينة السويداء، كما أقيمت مواقف جنائزية له في الكرمل وهضبة الجولان ولبنان. وفي بلادنا، تحولت الزيارة السنوية التي كانت مقررة لمقام سيدنا أبي عبدالله (ع) في عسفيا، إلى مأتم كبير بحضور كبار مشايخ الدين في البلاد، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف، الذي ألقى الكلمة التالية في هذا الموقف:

” الحمد الله الّذي جعل الموت عبرة، وفي تقلّب الأزمان فكرة، له الحمد فيما أعطى وأودع، وله الأمرُ فيما استردّ وأرجع، هو القادر الجامع والخالق الصّانع، لا اعتراض على أمره ولا من حكمه مانع.

بقلبٍ صابرٍ طائع، وطرفٍ خاشعٍ دامع، نجتمع اليوم وإيّاكم مودّعين صاحب الصيت الطيّب الذّائع، والجوهر النيّر اللّامع، الطّاهر العفيف البتول، وصاحب الرأي المسدّد المقبول، صافي النيّة والسّريرة، ثاقب البصر والبصيرة، راعي الزّهد والإخلاص والحسنات، وشيخ الطّهارة والصّفاء والمكرمات، صاحب الوجه الباسم النيّر، والسّلك التقيّ الخفيّ الخيّر، الفاضل العارف الدّيان، فقيد أهل الدّين والإخوان، شيخنا المرحوم الشّيخ أبا عدنان ركان، تغمده الله بواسع الرّحمة والرّضوان، وأسكنه بمنّه ورحمته فسيحَ الجِنان.

وقد شاء القدر أيّها الأخوة الأكارم، أن نجتمع اليوم وإيّاكم في قرية عسفيا العامرة، كما في كلّ عام، لنعايدكم بالزّيارة السّنويّة لمقام سيّدنا أبي عبد الله عليه السّلام. هذه الزّيارة الّتي أتتنا هذا العام مصحوبةً بغصّة وحرقة، لفقدان هذا الرّاحل الكبير والشّيخ الجليل، الأمر الّذي جعلنا بعد التّشاور نقيم هذا الموقف التّأبينيّ الرّسميّ، بالتّزامن مع هذه الزّيارة، كرامةً لروح الراحل المقيم والملاك الكريم العلم الزاهر والدر الفاخر الولي القديس والجوهر النفيس فقيد المجتمع والطائفة التوحيدية شيخ الثقة الجليل الفاضل والطاهر الديان العالم العامل، واحدٍ من أعلام الطّائفة الدّرزيّة وشيوخها، وركنًا من أركان دينها ودنياها.

فقد عاش المرحوم الشّيخ ركان الأطرش نحوَ تسعةٍ وسبعين عامًا قضاها على البرّ والتّقوى والطّاعة، معروفًا بين النّاس بالخلق الحسن اللّين، والمعشر الطّيب الهيّن، محبوبًا عند جميع الأهل والإخوان، مخلصًا لله تعالى في السّرّ والإعلان، طويل التفكّر، كثير التذكّر، حنون القلب، صحيح المسلك والدّرب، ذا نفس صافيةٍ راقية، ومزايا روحيّةٍ فائقة، دعاؤه عند الله مقبول، ولسانه بالذّكر الحكيم مشغول، فأضحى بين الناس مرجعًا يُعتمد عليه، ومحجًّا يعودُ السّائلون إليه.

وذلك، خاصّة في ظلّ الأوضاع الحسّاسة الّتي مرّت على سوريّا، فوقف الشّيخ فيها موقفَ الأبطال الشّجعان، ودافعَ عن الدّين والعرض والأوطان، لا يسمع عن متخاصمين إلّا ويكون المبادر السّبّاق، ساعيًا إلى فضّ الخلاف وجمع القلوب على الوفاق. عاش كريمًا مؤمنًا تقيًّا، وانتقل إلى رحمة الله مزوّدًا بالخير يقظانًا نقيًّا.

فيا فقدنا على من كنّا نستأنس بحديثه وسلامِه، وتطيبُ لنا الأسماع بحُسن خطابه وكلامه. ويا خسارةَ الطّائفة جمعًا على توديع واحدٍ من كبار الشّيوخ والأعيان، وقد صدقَ القائل إنّه حقًّا من تعس الزّمان.

عليه، وفي هذا الموقف الجلل المهيب، وباسم أبناء الطّائفة عامّةً في البلاد، نتوجّه بأصدق التّعازي الخالصة القلبيّة، إلى اصحاب السماحة مشايخ العقل الكرام والى عموم المشايخ والأهل والإخوان في السّويداء وسوريّا عامّةً، والى آل الأطرش الكرام خاصّةً، مستذكرين فقيدنا الرّاحل الغالي، ومشاركينكم هذا الموقف الحقّ الأليم، الّذي هو فقدٌ لنا جميعًا.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعوّضنا عن وفاة شيخنا بدوام بقاكم، وأن يشدّ أزركم ويرعاكم.

في الختام لا بدّ من كلمة شكرٍ وعرفان، لأهلنا ومشايخنا وإخواننا في عسفيا، على كلّ ما بذلوه وقدّموه في سبيلِ إقامة وتهيئة هذا الموقف التأبينيّ، جزاكم الله عن الجميع خيرا.

رحم الله الشّيخ أبا عدنان وأعاننا وأيّاكم على الاقتداء بما خلّفه من سيرة، وإكمال دربه على نفس المسيرة.

لفقيدنا الغالي الرحمة ولكم من بعده طول البقاء، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.”.

وجرى للمرحوم موقف ديني كبير في قرية مجدل شمس في هضبة الجولان في نفس الوقت الذي جرت فيه الجنازة في ملعب السويداء البلدي بحضور المشايخ والشباب من كافة القرى الدرزية في البلاد. والقى الشيخ حسن موفق طريف كلمة تابينية نيابة عن والده الذي دعي قبل أيام لحضور مؤتمر التسامح العالمي في دبي، بحضور شيوخٌ ومشاركين من شتّى قرى الجليل والكرمل والجولان.

وعن الجنازة الكبرى التي جرت للمرحوم في السويداء ورد في موقع البعث تقرير شامل نقتطف منه ما يلي:

السويداء تشيع الشيخ ركان الاطرش

بتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد قدم وزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام التعازي لاهالي السويداء بوفاة الشيخ الجليل ركان الاطرش الذي وافته المنية مساء الثلاثاء الماضي وذلك خلال محفل تشيع وعزاء مهيب أقيم له في الملعب البلدي اليوم بحضور الرفيق ياسر الشوفي عضو القيادة المركزية للحزب وحشد كبير من فعاليات دينية وأهلية ورسمية من سورية ولبنان والأردن.

ونوه المعزون بمنافذ الفقيد الذي عرف منذ نعومة أظافره بحبه للتسامح والإخاء وعمل على وحدة الكلمة والصف والترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع، اتبع طريق الزهد والتصوف، فسلك مسلك العارفين، واتخذ طريق الابتعاد عن ملذات الحياة فعاش عازباً طوال حياته.

وأشاد المعزون بموقفه خلال الحرب على سورية حيث وقف إلى جانب القانون وكان يحث المجتمع على الحفاظ على وحدة الصف والكلمة وسلامة البلاد والعباد من الفتن والنعرات الطائفية، ودعائه للجيش بالانتصار الدائم.

مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون قال في كلمة له أننا نودع اليوم علما من الاعلام السورية الذي كانت دعواته تصل السماء مبينا أن اجتماع السورين اليوم وهم يودعون راية من رايات الوطن لنقول للعالم أن وطننا لا ينسى رجاله الشرفاء وقد حمل الشيخ الاطرش رسالة وطن.

واستذكر المفتي حسون زيارته للشيخ الفقيد والتي أراد فيها أن يطمئنه على سورية فكان في خلوته نوراً وضياءً وصفاءً وعطاء وعاد بأجمل الآمال وأطيب الرسائل لكل أبناء الوطن.

وأضاف: نودع اليوم راية من راياتنا الدينية والوطنية، وإن هذا الجمع الكبير الذي اجتمع من كل سورية والدول المجاورة ليس عزاءً ولا تأبيناً بل هو تأكيد على أن السوريين دين واحد وإن تعددت المذاهب.

شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الشيخ حمود الحناوي تحدث عن مناقب الفقيد حيث كان كتابا بين دفتيه ذاكرة للماضي وقدوم للأيام وقراءة للعارفين ملك طهارة القلب وصفاء النفس وصحة العمل فنال السعادة الأبدية.

وبين الشيخ الحناوي أن الفقيد كان خير جليس وفي وجهه براءة الطهارة وفي قلبه نبض العارفين فكان شيخ النية الصادقة الشريعة الروحانية عندما تشتد النائبات عاش بعيدا عن مباهج الدنيا وسار على الاستقامة.

وأعرب ذوو الفقيد عن شكرهم وتقديرهم وعرفانهم للفتة الكريمة من قائد الوطن وخالص مواساته التي لها أثر بالغ في نفوسهم واهتمامه الشخصي بالشيخ الجليل ورعايته الدائمة لأهل العلم والفضيلة.

والمرحوم الشيخ ركان الأطرش من مواليد بلدة عرمان عام 1940 ونشأ منذ صغره على التقوى والورع ومكارم الأخلاق فكان مؤمناً صابراً تقياً كرس حياته لخدمة العمل الصالح ونشر فضائله ورحل عن عمر ناهز 79 عاماً قضاها في الزهد والصلاح وعبادة الله وعمل الخير.”.

وجرى اجتماع مهيب للمرحوم في لبنان حيث اقامت مشيخة العقل، والهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، صلاة الغائب عن روح فضيلة المرحوم الشيخ ابو عدنان ركان الأطرش، الذي نعته الهيئة الروحية ومشيخة العقل، “شيخًا صادقًا موحدًا عطوفًا داعيًا بالحق، بالتزامن مع الموعد المحدد للصلاة على جثمانه في سوريا، وذلك في مقام الأمير السيد عبدالله التنوخي (ق) في عبيه.

وشارك في الصلاة سماحة شيخ عقل طائفة الموّحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، والمرجع الروحي الشيخ ابو صالح محمد العنداري، والشيخ اكرم الصايغ ممثلا المرجع الروحي الشيخ ابو يوسف أمين الصايغ، وحشد من رجال الدين والأعيان تقدمهم الشيخ ابو محمود سعيد فرج، والشيخ ابو يوسف أمين العريضي، ووفد من مشايخ مدينة عاليه تقدمه الشيخ ابو طاهر ريدان شهيب، والشيخ ابو مسعود هاني جابر، ووفد من مشايخ العبادية تقدمه الشيخ ابو طاهر منير بركة، ووفد من مشايخ منطقة الشوف تقدمه الشيخ ابو سليمان سعيد سري الدين، والشيخ ابو زين الدين حسن غنّام، والشيخ ابو عفيف رفيق ابو غنام على رأس وفد، ومشايخ منطقة الغرب، وقاضي محكمة المتن الدرزية الشيخ غاندي مكارم، ووفد من مشايخ مؤسسة العرفان التوحيدية برئاسة الشيخ نزيه رافع، ومن مدرسة الأشراق برئاسة الشيخ وجدي الجردي. اضافة الى رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي الشيخ هادي العريضي، وعدد من أعضاء الهيئة الاستشارية لمشيخة العقل، ومن مشايخ المجلس المذهبي وسائسي المجالس والخلوات الدينية وجمع ديني من مناطق مختلفة.

سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن: وسبق الصلاة كلمة لشيخ العقل تحدث فيها عن مزايا ومآثر الشيخ الراحل جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم إنَّا لله وإنَّا إليه راجعـــــون

الشيخ الفاضل أبو عدنان ركان الأطرش من الأرومة العربيَّة الإسلاميَّة التوحيديَّة التي تجذَّر نضالُها في التاريخ الوطنيّ المشرِّف لسوريا وللأمَّة العربيَّة حتَّى باتت صِنواً للشهامةِ والشجاعةِ وبذل التضحيات، ورمزاً ساطعاً من رموز الوحدة والكفاح رفعاً لراية الوطن الموحَّد بكلِّ أبنائه.

تميَّز الشيخ المرحوم بين قومِه بالأُلفة والمودَّة وحُسن الخُلق، وتحصَّن روحيّاً بالصِّدق وبالنيَّة الطيِّبة وبالقلب المرتاض بأزهار المعاني التوحيديَّة. كان مُحبّاً عطُوفاً صادقاً داعياً على الدَّوام بالحقِّ، حاثّـــاً على التمسُّكِ بجمع الشَّمل ووحدة الكلمة والصفّ، بفائض المحبَّة الجامعة في رياضِ التَّوحيد.

الشَّيخ ركان الأطرش كان متواضعاً، مستنيراً بروحِ الطاعة، ومستأنِساً بالله تعالى، ومستشعراً لطافة السلوك المستكين إلى الأمر بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكَر. وكان بكلِّ هذا ذا حضورٍ إنسانيّ يملأ قلُوب مجالسِيه بجمال المحبَّة وأُنس الشَّوق إلى روضة الرِّضى التي حباهُ الله عزَّ وجلَّ بها فهي تتبدَّى منه بالطبع بعيداً عن أيّ تكلُّف.

هنيئاً لمن خُتِم له بالطَّاعة. نسأل الله تعالى له الرَّحمة الواسعة، معبِّرين بأحرِّ مشاعر المشاركة والمؤاساة إلى عائلتِه الكريمة وإلى كافَّة المشايخ الأفاضل في سوريا وشعبها، وإلى كافَّة الاخوان في لبنان وشعبه، سائلين الله تعالى أن يسدِّد خطانا إلى ما يُرضيه، وأن يجمعنا مع السالكين الطائعين، من الَّذين ﴿يستبشِرُونَ بنِعمَةٍ منَ الله وفضْلٍ وأنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُؤمِنين﴾.

بعد ذلك أقيمت صلاة الغائب عن روح الشيخ الأطرش وتقبل المشاركون التعازي.

مقالات ذات صلة:

دروس واعتبار ويقظة وتذكار

إنّ هذه المناسبة الجليلة، ذكرى زيارة مقام سيدنا شعيب عليه السلام، تدعونا لنستفيق من سباتنا العميق، سبات الغفلة عن الله