الموقع قيد التحديث!

فضيلة المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف يمثل الطائفة الدرزية والوقار الدرزي والهيبة الدرزية

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

عندما أدخل تقريبا أي بيت في الطائفة الدرزية أو مؤسسة، يطيب لي أن أرى صورة فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف معلّقة في صدر البيت، تبعث فيه البركة والنور والتقوى. وقد لاحظت أن الطائفة الدرزية جمعاء، تقدّر وتحترم وتجلّ هذه الشخصية الدينية القدسية، التي منحنا الله، سبحانه وتعالى أن نعيش تحت ظلها لسنوات طويلة، والتي أقول إنني كنت محظوظا، عندما كنت عضو كنيست، أن أعمل وأتعاون مع فضيلته خلال سنوات طويلة، وأن نحقق سويا بعض الإنجازات للطائفة الدرزية في هذه البلاد وخارجها.

لقد تعرّفت على فضيلته في الأربعينات من القرن العشرين، في الزيارات السنوية التي كانت تُقام في مقام النبي شعيب عليه السلام في الخامس والعشرين من نيسان كل عام، وأذكر جيدا الزيارة التي أقيمت عام 1947، وقام بالاشتراك بها وفد كبير من دروز لبنان وسوريا، وعلى رأسهم فضيلة المرحوم الشيخ أبو حسين محمود فرج، وقد ضمّ الوفد عددا من شيوخ اقاربي من لبنان، أخوالي آل حمادة وأعمامي آل ناصر الدين، فالتقينا أنا ووالدي وأفراد عائلتي، بالأقارب وبالجماهير الكبيرة، وفي هذا الموقف برزت شخصية فضيلة الشيخ أمين طريف القيادية، التي كانت تزرع الثقة بالنفس والأمل، خاصة في تلك الأيام التي كانت الأجواء مكفهرة في البلاد، بسبب الصراع العربي اليهودي. وقد لمست التقدير الكبير الذي يكنّه إخواننا في لبنان، لفضيلة الشيخ أمين، وعندما فُتحت الحدود مرة أخرى عام 1982 وحظيت بأن وكّلني المرحوم السيد مناحيم بيغن، رئيس الوزراء أن أمثله شخصيا في لبنان، وعند اجتماعي بالأمراء والمشايخ والوزراء والقادة الدروز ،وعلى راسهم الأمير مجيد أرسلان، وعضو البرلمان قحطان بك حمادة، والمشايخ أبو حسن عارف حلاوة، والشيخ أبو محمد جواد، والشيخ محمد أبو شقرا،  والشيخ مسعود الغريب، والشيخ أبو عفيف وغيرهم، تبيّن لي، أن فضيلة شيخنا الشيخ أمين، هو شيخ وقائد روحاني للطائفة الدرزية بأكملها، وأنه من حماة هذه الطائفة، ومن كبار وجهائها.

 وقد تسنّى لي أن أجتمع بفضيلته كثيرا في سنوات الخمسينات والستينات، لكن علاقتي به توثقت بعد الانقلاب في الحكم عام 1977، وتسلّم حزب الليكود الإدارة والسلطة في البلاد. وقد فُزت بمقعد في الكنيست بهذه الانتخابات، وعندما حلفت اليمين القانونية أمام الهيئة العامة للكنيست، أسرعت إلى ركوب سيارتي، وتوجّهت فورا إلى منزل فضيلته في قرية جولس، فقبّلت يديه وقلت له: أنت رئيس الطائفة وأنا في خدمتك، وتباحثت معه في مواضيع الطائفة الدرزية وقلت له: يا فضيلة الشيخ انت من الآن وصاعدا تمثّل الطائفة الدرزية والوقار الدرزي والهيبة الدرزية، وبدل أن تذهب أنت لمقابلة أي مسئول، أنا كفيل أن يأتي جميع المسئولين وقادة الدولة إلى منزلك العامر لمقابلتك، والاجتماع بك، وتنفيذ طلباتك. وكان في العادة قبل ذلك، ان يقوم الوجهاء الدروز ، بالسفر إلى العاصمة القدس لتقبّل تهاني رئيس الدولة او الوزراء بالأعياد والمناسبات. وبدأت عملي الجديد في الكنيست  بعد ان قدّمت استقالتي من جميع مناصبي في الهستدروت وفي حزب العمل، عندما رفض قادة حزب العمل أن يساووا بين الدروز واليهود. حسب طلبي فوجدت آذانا صاغية لدى رئيس الحكومة السيد مناحيم بيغن، وقال لي السيد بيغن عام 1972 فور استقالتي، أكتب لي طلبات الطائفة الدرزية والأشياء الناقصة، وسترى قريبا خلال سنوات، انني سأصل إلى رئاسة الحكومة بعونه تعالى، وسأقوم بسد الفروق والثغرات لدى المواطنين الدروز، وبتصعيد المجتمع الدرزي قدما. فعقدت اجتماعا بين فضيلته ورئيس الحكومة، وبدأنا العمل، وقد حقّقت بمباركته، وبدعمه، بتحقيق مشاريع كثيرة، أذكر منها تسوية الأراضي في كافة القرى الدرزية، ومنح المواطنين الدروز ملكية الأراضي. كذلك بنينا في كل قرية مبان للمدارس كانت مفقودة والمراكز الجماهيرية، مكتبة عامة، رياض أطفال، قاعات للاجتماعات، وكافة المباني المطلوبة للتعليم، فصلنا الميزانيات التي كانت تصلنا ضمن الدوائر العربية إلى ميزانيات تصلنا مباشرة من الوزارات عن طريق الألوية. فتحت كافة وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي أمام شباب الدروز والشركس، وكان الضابط الدرزي يتسرح من الجيش عند وصوله إلى درجة رائد، راف سيرن لأن كلية القيادة والأركان كانت مغلقة أمامه، فتغلّبنا على هذا الحاجز، واشترك الشيخ مفيد عامر وكان أول ضابط درزي في هذه الدورة، وترقى العديد من أبناء الطائفة، إلى درجة جنرال كما نلاحظ اليوم، وهم يخدمون في أكثر أجهزة الأمن حساسية، ويقومون بواجباتهم على أكمل وجه. وقد تعاونا مع وزارة المعارف ورفعنا مستوى التربية والتعليم، وفتحنا الدورات للمعلمين، وادخلنا موضوع التراث الدرزي، وأقمنا دائرة المعارف الدرزية برئاسة المرحوم د. سلمان فلاح التي ضمّت اكثر من سبعين مفتشا درزيا، وهيّأت كوادر من المدراء والمديرات والمفتشين والموجّهين والمعلمين من الجنسيْن من الدروز، ففي حين  كانت القرى الدرزية في السابق مليئة بمعلمين من الخارج، وصلت في الثمانينات إلى اكتفاء ذاتي وارتفع مستوى التعليم لأننا طالبنا تعيين جنودا معلمين لتغطية النقص في المعلمين في حينه، وبارك لنا فضيلته افتتاح جناح خاص لتعليم الفتيات الدرزيات في كلية غوردن الجامعية في حيفا وفي جامعة صفد، مما دفع مئات الفتيات الدرزيات إلى تحقيق حلم الوصول إلى الجامعة، وبفضل ذلك نرى اليوم أن حوالي 80% من الجامعيين في بلادنا هن من النساء، مما رفع كثيرا من مستوانا الأكاديمي والعلمي والاجتماعي. وقد دعمنا السلطات المحلية على التنظيم والتخطيط، وبنينا بواسطة وزارة الإسكان آلاف الوحدات السكنية في القرى الدرزية كلها، وبدل أن نقيم قرى جديدة عملنا على بناء احياء جديدة في جميع القرى، وبنينا المساكن على مراحل بحيث استطاعت كل قرية ان يتضاعف عدد سكانها وبيوتها، وأن تتوسع وأن تحصل على ميزانيات للشوارع والكهرباء ولكافة المصالح الأخرى. ولقد استطعت أن أحقق لمقام النبي سبلان عليه السلام الاعتراف الرسمي وتثبيت 212 دونما حول البناية وتطوير المنطقة وجعلها مزارا مقدّسا ومنتجعا سياحيا يطيب المكوث به. وقد طلب فضيلة الشيخ مني تثبيت أرض مقام النبي شعيب عليه السلام، فعقدت جلسة بينه وبين نائب رئيس الوزراء السيد دافيد ليفي الذي لبى دعوتي وحضر لزيارة المقام والتزم بطلب الشيخ تسجيل 350 دونما على وقف مقام النبي شعيب عليه السلام، ولكونه وزير الإسكان طلبنا منه تعبيد وتوسيع الساحة الرئيسية في مدخل المقام وتم تنفيذ ذلك. واذكر أني كنتُ جالسا في الكنيست في أحد الأيام وإذا بفضيلته يتصل بي أنه على أبواب الكنيست يريد مقابلتي، ولما خرجت واستقبلته قال لي إنه أعدّ لي حِرزا شكرا، على تأمين أراضي مقام النبي شعيب عليه السلام، وما زلت حتى اليوم احتفظ بهذا الحرز في جيبي أينما ذهبت. وقد نجحنا في أهم من كل هذا، وهو تحقيق الصلحة الكبرى في لبنان، بين فضيلة المرحوم الشيخ أبو حسن عارف حلاوي، وفضيلة المرحوم الشيخ أبو نبيه محمد أبو شقرا وأتباعهما، وتم بعونه تعالى تحت رعاية فضيلة الشيخ أبو يوسف امين، والشيخ أبو محمد جواد، وبمباركة المرحوم الأمير مجيد أرسلان وقحطان بك حمادة، تحقيق هذه الصلحة، مما وحّد  بين الجنبلاطية واليزبكية، الأمر الذي يحقق انتصارا كبيرا في حرب الشوف. وما قلته هو جزء قليل من الإنجازات التي تحققت بمبادرتي التي نالت دعم  فضيلته، كونه مرجعا لكل أمور الطائفة.

السيد امل نصر الدين مع فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ امين طريف والمرحوم الشيخ محمد أبو شقرا

وأقول إني أكن احتراما وتقديرا خاصا لفضيلته، لاختياره فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف ليكون خليفة له بعد رحيله، وقد تعرّفت على فضيلة الشيخ أبو حسن طبعا قبل رحيل الشيخ، فكان ساعده الأيمن، ولمست فيه سمات القيادة والنباهة والفطنة، وعرفت بعد تنصيبه أن الرعاية الربانية تهتم بالطائفة الدرزية، وتبعث لها قادة أكفاء على قدر المسئولية، منحهم الله الحكمة والذكاء أن يوجهوا سفينة الطائفة بين الأمواج والعواصف التي تسود المنطقة. وأقول إني سعيد جدا على التعاون مع فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف في كل المواضيع، وأعتبره الإنسان المناسب والشخصية المرموقة التي يمكنها ان تقود الطائفة الدرزية بسبب ثقافته الدينية والاجتماعية التي ترتكز على اعتداله، دراسته للأمور، تفهّمه للأوضاع الإقليمية والعالمية، واعتزازه بالطائفة الدرزية، التي تُعتبر طائفة صغيرة في العالم، لكنها تتمتع بقوة وبسيادة وبمميزات خاصة تجعل وزنها النوعي أكبر من تعداد سكانها، وأنا أطلب من الله سبحانه وتعالى، أن يمد فضيلة الشيخ أبو حسن بالقوة وبالعزم وبالصبر وبالحنكة، أن يقود سفينة الطائفة إلى بر الأمان دائما، وقد لفت انتباهي ما يُجري من مساعٍ دولية على مختلف الجبهات، لتأمين حاجيات الطائفة الدرزية، وضمان سلامتها ولا شك أنه خير خلف لخير سلف. رحمة الله على فضيلة المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين وندعو الله أن يمد من عمر فضيلة الشيخ أبو حسن موفق.

مقالات ذات صلة:

زاوية “العمامة” للصغار – “مشوارنا طويل..

كانَ الُْمَعِّلمُ كَمالُ جُنْبلاط يَعْمَلُ يَداً بِيَدٍ مَعَ الْعُمّالِ، في تَرْتيبِ أَرْضٍ إخْتارَها لِبِناءِ بَيْتٍ لْمُرافِقِهِ مُحَمَّد. وَقَفَ الْمُعَلِّمُ يُساعِدُ