الموقع قيد التحديث!

فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف يرثي مؤسس ومحرر “العمامة”: سيرة الشّيخ المرحوم سميح ناطور هي سيرة طائفة كاملة رافقته بين سطوره

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئّيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة رئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram
فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف مع الشّيخ المرحوم سميح ناطور

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على الأنبياء والمرسلين، الدّاعينَ إلى الحقّ عدلًا، والنّاطقين بالصّدق جهرًا في كلّ وقتٍ وحين.
سئل بعضُ طلّاب العلم أستاذهم مرّةً قائلين: “يا معلّم، إن دخلنا يومًا إلى بلد جديد، كيف تُرانا نتعرّف على حضارته وما فيها من أثرٍ حسن وشموخ؟”، فلم يكن من المعلّم إلّا أن أجاب: “أدخلوا مكتباتها وزوروا كتّابها، فعندهم عُصارة الثّقافة وخُلاصة الحياة”.
لم تكن سيرةُ الشّيخ المرحوم أبي وسام سميح ناطور كغيرها من سير أرباب الكتابة والأقلام، بل هي في صفوتها سيرةُ طائفةٍ كاملةٍ رافقته بين سطوره مدوّناته وأبحاثه منذ كان شابًّا وحتّى فارق الحياة.

بين سيرةِ شيخٍ تقيّ أشرق بين صفحات مجلّة “العمامة” المباركة الّتي رافقت الطّائفة منذ عددها الأوّل في عام 1982، وبين قيمة توحيديّة أثبتها مؤلّفها بين ظهراني “موسوعة التّوحيد الدّرزيّة”، تميّزت شخصيّة المرحوم الشّيخ سميح ناطور وسط زخم الاجتهاد العلميّ البحثيّ، الّذي طوّره في مسيرة طويلة من التأليف والإصدارات ضمن “دار آسيا للنّشر” الّتي أنشأها المرحوم مُصرًّا أن تكون منبرًا وضّاحًا لنشر التّراث التّوحيديّ والأحداث المتعلّقة بالطّائفة الدّرزيّة في البلاد وخارجها، مصدرًا مؤلّفات كثيرةً جليلةً تتناول جوانب مختلفةً من إضاءاتٍ على التّراث والشّخصيّات التّوحيديّة.
على مدار عشرات السّنوات من الخدمات الأسمى الّتي قدّمها الشّيخ سميح ناطور للمجتمع التّوحيديّ، استطاع أن يمثّل أيقونةً للمتديّن المجتهد الباحث، الّذي لم يمنعه تديّنه والتزامه المسلكيّ من طرق باب العلم وتحريك الغريزة البحثيّة النّاقدة، ولم يقف علمه وتبحّره في العلوم أمام رجوعه إلى ثوابت الإيمان والتّوحيد الّذي هو قاعدةُ كلّ علم ونواة كلّ تقدّم.
طوال مسيرته المشرّفة، لاح قلمه في كل مناسبةٍ بصدقٍ ومصداقيّة، ناقلًا التّفاصيل بدقّة علميّة، ومصوّرًا الأحداث بدقائقها وتفاصيلها، وسط تعليقاته الغضّة الحكيمة الّتي زيّن بها مقالاته، فاتحًا قريحة قارئيه في سبيل السّعي وراء تحصيل المزيد من العلم والمعلومات. خاصّةً أنّ أثره لم يقتصر على ما قدّمه خلال مسيرته من أعمال للمجتمع التّوحيديّ الدّرزيّ فحسب، بل على مؤلّفات وإصدارات أخرى كثيرة أغنى فيها المكتبة العربيّة في الأدب والشّعر وغيرها من المواضيع الثّقافيّة الهامّة.
خلال لقاءات شهريّة كانت تجمعنا مع المرحوم في أكثر من مناسبة، كنّا نعاينُ ما توقّد في قلبه من رغبةٍ مخلصةٍ في حفظ أمانة التّراث، وما توهّج في عينيه من إشراقة الرؤيا الّتي حملها في قلبه من أجل تذويت التّاريخ التّوحيديّ، الّذي رأى فيه المرحوم تذكرةً للوصول إلى عقول الجيل الصّاعد، الّذي صار التّراثُ يصل عقله قبل قلبه، مستكثرًا من التّساؤل والاستفهام عن حقائقه وتفاصيله، قبل اتّخاذه إيمانًا ونهجًا ونبراسًا للحياة.

المرحوم الشيخ سميح ناطور مع فضيلة الشيخ موفق طريف في زيارة لكوريا الجنوبية للمشاركة في مؤتمر السلام العالمي


وقد كان الشّيخ أبو وسام واحدًا من هؤلاء الّذين عاشوا من أجل تمرير هذه الرّسالة بالعقل والمنطق، متجوّلًا بين النّاس مرشدا ناصحًا، مقدّمًا محاضراتٍ قيّمة بأكثر من لغة، شارحًا من خلالها عن تاريخ الطّائفة وشخصيّاتها، فخورًا بتقاليدها وتراثها وما قدّمته للإنسانيّة.
كلّ هذا بأسلوبه اللّيّن الهيّن، وبسماحة وجهٍ وبشاشة جعلته مقدّرًا في المجتمعات والمجالس، حيث أنس النّاس بالاستماع إلى معلوماته الثريّة الّتي كان يحيلها بحنكته وذكائه إلى مصادرها ومراجعها، مؤكدًا بذلك على مقدرته العلميّة البحثيّة الجليّة، وتاركًا أثرًا طيّبًا في قلوب المستمعين وأفهامهم.
وقد شاء القدر أن نلتقي بالمرحوم قبل وفاته بأسبوعين تقريبًا، مستطلعين على ترتيباته الأخيرة للمشروع الّذي كنّا نحضّر لإطلاقه قريبًا، ضمن إصدار موسوعيّ تراثيّ ضخمٍ للقيم التّوحيديّة، عمل المرحوم على جمعه وتنقيحه خلال الفترة الأخيرة. وقد تودّعنا في ذلك اليوم، محدّدين يوم الثّلاثاء التّالي لعقد اجتماع مشترك في مقام سيّدنا الخضر عليه السّلام. هذا الاجتماع الّذي تفاجأنا ساعاتٍ قبل انعقاده باتّصال تلقّينا فيه نبأ وفاة الشّيخ أبي وسام دون أن يستطيع الوصول إلى اللّقاء الّذي انتظرناه طويلًا.
عاش المرحوم الشّيخ سميح ناطور ناطورًا على بستان التّراث والتّاريخ التّوحيديّ، يحرسه بفطنةٍ من عواصف الدّنيويّة والحضارة المزيّفة الّتي باتت تهدّد كيان الطّائفة وتشتّت صبغتها الخاصّة، ورحل عنّا فجأةً تاركًا وراءه مسيرة قلم مشرّف لا يزال وسيبقى حاملًا لفضله ولبصمته الشخصيّة على مدار أجيال.
لا بدّ في النّهاية من كلمة شكرٍ لزوجة المرحوم الفاضلة الأخت ام وسام سهام ناطور، الّتي رافقت الشّيخ أبا وسام سميح طوال مسيرة عطائه في مواكبة أحداث الطّائفة وبثّ كلمتها من على منبر “العمامة”، الّذي خدم المصلحة الطّائفيّة على مدار سنواتٍ طويلة وخاصّةً في الزّيارات والأعياد، مفردةً مقالاتٍ غنيّة كتبتها عن المرأة الدّرزيّة والشّخصيّات النّسويّة البارزة وأدوارها المشرقة في التّاريخ التّوحيديّ.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرحم الشّيخ أبا وسام سميح، ويثبّت ما قدّمه للطّائفة في ميزان حسناته، وأن يسدّد خطى أبنائه الّذين أخذوا عنه محبّة العلم والبحث، وتوارثوا عنه حمل شعلة العطاء الشّريفة اللّامعة من بعده، عاملين بقول الشّاعر حين قال:
“وما من كاتبٍ إلّا سيفنى ويُبقي الدّهرُ ما كتبت يداهُ
فلا تكتب بكفّك غير شيء يسرّك في القيامة أن تراهُ”
رحمه الله وأبقاكم وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

الأسيف
أخوكم موفق طريف
الرئّيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة رئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى

مقالات ذات صلة:

العدد 51 – اب 2003

العدد 51 – اب 2003 Share on whatsapp Share on skype Share on facebook Share on telegram لتحميل العدد Pdf