الموقع قيد التحديث!

شهادة حق للتاريخ: المرحوم الشيخ أبو وسام سميح نايف ناطور

بقلم الشيخ أبو زيدان يوسف زيدان حلبي
دالية الكرمل
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم

سلام الله عليك ورحمة وارفة من عنده إليك يا أبا وسام، سُنّة الله في خلقه، وقضاؤه الذي لا رادّ له، اللهم قد أعرتَ فاسترددتَ، ومنحتَ ثم استرجعتَ، فالحمد لك من قبل ومن بعد.

المفروض فيمن عرف المرحوم الأستاذ أبو وسام نايف ناطور معرفة حقيقية، أن تكون كلمته عن أبي وسام شاملة، وحديثه لا يخلو رطابة.

لذا من حقّ الأجيال القادمة، علينا أن نجلو لهم صورا جليلة، مشرقة ومضيئة من حياة إنسان مرموق من الرجال الأفذاذ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

وُلد المرحوم الأستاذ سميح ناطور عام 1946 في دالية الكرمل، في بيت مشبع بالذكاء والفطنة وسرعة الخاطر والبديهة، وحفظ الشعر والأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة ولباقة الحديث في بيت أبو سلمان حسين ناطور.

وعائلة ناطور في دالية الكرمل تنحدر من عائلة (ضو) العريقة المتواجدة اليوم في لبنان وسوريا والتي انبثقت من قرية “زرعون” الواقعة في التمن الشمالي اللبناني والتي ما زالت أفراد العائلة يسكنوها حتى اليوم.

وقد ورد ذكر وتفصيل لأصل عائلة ضو في عدة مراجع ومصادر تاريخية هامّة تثبت أن سلاسة ضو تحدّرت من القبائل العربية التي عمّرت المنطقة في القرن الثامن واستوطنت لبنان، وأما الموحدون الدروز من آل ضو، حسب ما جاء في تاريخ الشدياق، أنه قدم جدودهم من قرية “باريشا” في حبل السماق، غربي حلب في أواسط القرن الثامن الميلادي،  وسكن جد العائلة ضو في قرية زرعون وعائلة ضو اليوم تتواجد في السويداء، سهوة الخضر في سوريا، وزرعون في لبنان، أما أقربائهم في إسرائيل في قرى: المغار، يركا، بيت جن، البقيعة، دالية الكرمل وعسفيا. وقد ورد في سجلات آل ضو في زرعون، والمحفوظة عند عائلة المرحوم الشيخ نعمان ضو الذي كان عميد العائلة، والذي توفي عام 1994، والذي كان له مراسلات واتصالات مع المرحوم الشيخ أبو سميح نايف ناطور، والد الأستاذ سميح، ورد في هذه السجلات أن أفرادا من عائلة ضو تركوا زرعون في وقت ما بين القرن الثامن عشر واتجهوا جنوبا، ومن بينهم ثلاثة إخوة من بيت ضو من زرعون قدموا وتفرّقوا: أحدهم سكن في قرية المغار، والثاني في بيت جن، والثالث قدم إلى الكرمل وكان يدعى سلمان ضو وسكن قرية الشلالة غرب دالية الكرمل، وبنى بيتا وتزوج من القرية، ثم انتقل وسكن في الية الكرمل، وأطلق عليه اسم “الزرعوني” وكان له أخ يُدعى صالح، تزوج ولم يُرزق بأولاد، وكان ضخم الجسم، قويّ العضلات، فارع الطول، ذا بأس وشجاعة، لذلك عمل ناطورا للقرية لحمايتها ولصد الغارات وحملات النهب والسلب التي كان يقوم أهالي قرية أم الزينات الواقعة شرق جنوب قرية دالية الكرمل، وكان هو الأخ الأكبر لذلك لصق باسم العائلة لقب ناطور، وبطل لقب الزرعوني. وأما سلمان فقد أنجب ولدا اسماه “حسين” امتاز بفصاحته وبراعته واختار عمل البناء، فشارك في بناء دير المحرقة، كما شارك في بناء بيت السير أوليفانت (الذي أصبح بيت الشهيد) كما بنى الخلوة التي أسسها المرحوم الشيخ التقي أبو سليمان قبلان زيدان الحلبي، وعد وفاته ترك أربعة أبناء هم: سلمان البكر، توفيق، عليّ ومقبل. برز من الأبناء الابن البكر، الشاعر الشعبي سلمان الذي تميّز الذي تميّز بالذكاء الخارق وسرعة الخاطر والبديهة، وحفظ الشعر والأقوال المأثورة والأحاديث الشيّقة، وكان يحسن العزف على الربابة، ونظم الشعر وإنشاده وخاصة الحماسي وكان ضريرا مكفوف البصر. وقد ربط علاقات صداقة ومحاورات شعرية مع الشعراء الشعبيين في لبنان وجبل الدروز، كما تغنّى بالثورة التي أعلنها الزعيم سلطان باشا الأطرش، وسافر إلى جبل الدروز، وتقابل مع أركانها وزعمائها. وكانت له مراسلات مع الزعيم هلال عز الدين الحلبي والمربي هاني أبو مصلح. ومن أشهر الذين تأثروا بالشاعر سلمان ثم نظموا الشعر كان ابن أخيه المرحوم الشاعر أبو سميح نايف توفيق ناطور  (1928-1991) والد الأستاذ سميح والذي كان الشاعر الشعبي الأول في دالية الكرمل. كما أنه تحاور مع عدد كبير من الشعراء في القرية. وقد سجّل بقصائده وأشعاره كافة الحوادث الهامة في تاريخ الطائفة. وكان له السبق في خلق الأجواء الشعرية في القرية عامة وعائلة ناطور خاصة. وكان أول من نظم الشعر من العائلة في صغره، ابنه المرحوم سميح والذي نال جائزة الدولة الثالثة للشعر وهو ابن الثالثة عشر ة ثم استمر في نشر قصائده في مجلة “حقيقة الأمر” وصحيفة “اليوم” ثم التحق بالجامعة العبرية كأول طالب جامعي في القرية وأول خريج. أسس دار للنشر وأصدر عدة كتب وموسوعات ثم بدأ بإصدار مجلة العمامة عام 1982م وهي ما زالت مستمرة بالصدور. ظهر كذلك أخوه المرحوم الكاتب سلمان ناطور وأصدر أول كتاب في القرية عام 1970م. كما ظهرت أرملة المرحوم الشيخ سميح، السيدة سهام عيسمي ناطور والتي ترجمت وأعدت وألّفت مجموعة كتب، وكانت أول طالبة ثانوية وأول طالبة جامعية وثاني معلمة، بالإضافة إلى العديد من الجامعيين الذين يعملون في العديد من مجالات الحياة المختلفة.

في هذا الجو الديني والأدبي والفكري والاجتماعي والأخلاقي والإنساني، نشأ وترعرع المرحوم سميح في كنف والديه. وقد خصّه الله سبحانه وتعالى منذ الصغر، بالإضافة إلى النباهة والذكاء والرؤية المستقبلية أنه تميّز بفكر عميق وبُعْد نظر، ممّا ساعده لقراءة المستقبل والوعي بأن العلم والعلم وحده هو السبيل الوحيد للتقدم والتطور والسير قُدما مع الحضارة العصرية في إسرائيل، ولتحقيق هذه الرؤية توجّه إلى التعليم، فكان أول من نال الشهادة الجامعية في القرية، ثم توجّه إلى الكتابة والبحث والتأليف والنشر، وأسس دار “آسيا للصحافة والنشر” وأصدر عام 1982 مجلة “العمامة” مجلة ثقافية، اجتماعية، أدبية، تاريخية، مصوّرة، تبحث في شؤون الطائفة الدرزية ومن خلالها، تمكن من إيصال المسيرة المعروفية منذ الدعوة، والتزوّد بالمعلومات التراثية المدوّنة في سيرة حياة الأنبياء والأولياء الصالحين، والشيوخ الأجلاّء قدوة المجتمع.

عرفت الراحل الكريم طويلاً واطّلعت على ما في قرارة نفسه واعماق قلبه من حب الخير لطائفته والاعتزاز بها، عرفت فيه قلبا نقيا صفيا، وعقلا راجحا، وإحساسا مرهفا بمعاني الخير والحق، وعلما من أعلام الفكر والأدب والبحث والتنقيب عن التراث المعروفي، ثم بثّه في نفوس أبناء الطائفة والتوصل به إلى حياة سامية لا تشوبه اقذار هذه الحياة ومفاسدها.

وفي الفاتح من أيلول هذا العام 2020 لبّى المرحوم نداء الخالق ورحل عن هذه الدنيا متمسكا بحبل الفضيلة والتقوى بعد أن أدّى الرسالة التي كان يؤمن بها، رسالة نشر التراث الدرزي التي يجب على كل درزي معرفة تراثه والاعتزاز به.

إيه يا صديقي الراقد تحت الثرى

 أحقا قضى القضاء قضاءه فيك؟ فأخذ جذوة روحك وأنضب معين حياتك وشل حركتك ونشاطك؟ أحقا ضمّ الثرى جسدك الذي أنهكته وازدريته في سبيل الواجب وإيصال التراث المعروفي الخالد إلى جميع سكان العالم والطائفة المعروفية خاصة. أحقا أيها القمري قد قنعت بظلمة رمسك ووحشته؟ واطمأن جسدك إلى رقدته الجافية وكنت العملاق الذي لا تسعك الدنيا مفكِّرا وكاتبا، وباحثا بارعا، وناشرا أمينا، وحضورا لامعا.

فيا شمس الكرمل أطلي كل صباح فوق رمسه، وانشري أشعتك الذهبية عليه، واهفُ يا نسيمُ عليلا إلى مرقده، ويا قطرات الندى تساقطي على ثراه، لعل زهرة زكية تنبت وفيها نفحةٌ من روحه. فقد ذوى من كان لوطنه مخلصا أمينا، ولطائفته محبا وفيا ومعتزا بها، وللإنسانية نصيرا. وطوى الموت من أحبوه وأحبهم وشاطرهم أفراحهم وأحزانهم. كيف لا وقد منحه الله حياة حافلة بهيّة الثمار بالإيمان والتقوى والعطاء وحُسن الخلق والمعاملة الحسنة.

لم يبخل الراحل الكريم في تقوية روح الانتماء والشعور بالمرجعية المعروفية الشامخة فالذي يقرأ موسوعة التوحيد التي أعدّها وأصدرها والتي تُعتبر أول عمل وأكبر مرجع ثقافي تاريخي موثق يجمل تاريخ وحضارة الطائفة المعروفية، يشعر بالغبطة والفخر والاعتزاز بأنه أحد أفراد الأسرة التوحيدية العريقة الشامخة.

قولة حق أقولها: إن من اجتمعت في شخصه الكريم هذه الصفات والتطلعات، ومن قام بهذه المبادرات وإيصالها إلى حيّز الوجود، جدير أن يُسجّل اسمه في سجلّ الخالدين، والفقيد المرحوم أبو وسام سميح ناطور خير جدير بهذا الحق.

ليتنا وفي مثل هذا الموقف عبرة نعتبر، نتعظ، ونتبنّى طريق المرحوم في العمل والإخلاص والوفاء والعطاء الذي لا حدود له.

نأمل من أبناء وعائلة المرحوم الاستمرار في إصدار مجلة “العمامة” التي زوّدتنا بالتراث والمعلومات عن الشخصيات التي تستحقّ معرفة سجاياهم والسير على خطاهم. كما قال الفيلسوف الفرنسي جون موريس: “التراث ليس معناه حفظ الرماد، إنما هو حفظ الشعلة من الانطفاء، التراث هو شعلة تنير الدروب وهذا ما نريده استمرار إنارة الدروب على يد الخلف الصالح. تعازينا الحارة لأسرة الراحل الكريم، ولإخوته، لأهله، أصدقائه ومعارفه. عزاؤنا بأسرته وانجاله البررة الذين هم خير خلف لخير سلف. نسأل الله أن يرحم الفقيد عداد حسناته ومناقبه وأن يكافئه في الدار الآخرة على ما قام به من جلائل الأعمال النبيلة وأن ينزله منزلة الأبرار الصالحين من عباده. إنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفيّة – العدد 159

فضيلة الشّيخ يهنّئ سماحة الشّيخ سامي أبي المنى بعد تنصيبه شيخَ عقلٍ للطّائفة الدّرزيّة في لبنان جرى صباح السّبت الموافق