كانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ يَجْلِسُ مَعَ إخْوانِهِ مَشايِخِ الدّينِ، وَعِنْدَما حانَ وَقْتُ صَلاةِ لَيْلَةِ الْجُمْعَةِ، دَخَلوا إلى مَجْلِسِ الذِّكْرِ. وَبَعْدَ انْتِهاءِ الْوَعْظِ وَالشِّعْرِ الدّينِيّ، وَقَفَ خادِمُ الْمَجْلِسِ وَقالَ: هَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعيقُ عَنِ الذِّكْرِ؟ فَقالَ السائِسُ: نَعَمْ يوجَدُ. قالوا: مَنْ؟ فقالَ مُتَحَدِّثاً عَنْ نَفْسِهِ، إنَّهُ نَزَلَ إلى الشّامِ مَعَ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ، وَدَخَلا إلى خَمّارَة. وَكانَ، لَعَنَهُ الله، يَقْصِدُ الإيقاعَ بِالشَّيْخِ مُحَمَّدٍ، فَضَجَّ الْمَجْلِسُ وَقالوا: مَنْ كانَتْ هَذِهِ أَعْمالُهُ فَلْيَخْرُجَ مِنْ بَيْنِنا. قامَ السّائِسُ وَخَرَجَ .أَمّا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ فَبَقِيَ صامِتاً، ثم وَقَف، وبِدونِ أنْ يُدافِعَ عَنْ نَفْسِه خَرَجَ مِنَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُعارِضْهُ أَحَدٌ أوْ يَلْحَقْهُ خارِجاً. انْتَشَرَتْ أَخْبارُ هَذِهِ الْحادِثَةِ في الْقُرى. أمّا السّائِسُ فَقَدْ نَزَعَ عَنْ رَأْسِهِ الْعِمامَةَ وَحَلَقَ شَعْرَ ذَقْنِهِ، وَنَزَلَ إلى الشّامِ، إلى الْخَمّارَةِ، يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَقومُ بِالْمَعاصي. أَمّا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ، فَقَدْ تَوَجَّهَ إلى تَلٍّ غَرْبِيِّ بَلْدَةِ الدَّيْرِ عَلي، وَسَكَنَ مَغارَةً هُناكَ سالِكاً مَسالِكَ الطَّهارَةِ وَالتَّقْوى، وَمُنْقَطِعًا إلى عِبادَةِ اللهِ تَعالى دونَ أنْ يَعْلَمَ بِهِ أَحَدٌ.
في أحَدِ الأيّامِ قامَ جَماعَةٌ مِنْ أهْلِ قَرْيَةِ الدّيرِ عَلي بِزِيارَةٍ إلى الْمَقامِ الَّذي فَوْقَ التَّلِّ، وَعِنْدَما اقْتَرَبوا مِنَ التَّلِّ لاحَ لَهُمْ شَخْصٌ قُرْبَ الْمَقامِ فَظَنّوهُ لِصّاً وَلَحِقوا بِهِ، لاحَظَ أحَدُ الشَّبابِ مَدْخَلَ مَغارَةٍ فَتَقَدَّمَ نَحْوَها وَأَمْعَنَ النَّظَرَ، فوجِئَ بِوُجودِ شَخْصٍ فَاقْتَرَبَ مِنْهُ، رَأى شَيْخاً مُلْتَفّاً بِعَباءَةٍ، فَسَأَلَهُ: مَنْ أنْتَ أيُّها الشَّيْخُ؟ فَقالَ الشَّيْخُ: أنا مُحَمَّدُ الْمَتْهومُ. فَقامَ الشّابُ بِتَقْبيلِ يَدَيْهِ وَخَرَجَ راكِضاً يُنادي جَماعَتَهُ، تَسارَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ إلى الْمَغارَةِ وَأَخْرَجوا الشَّيْخَ بَعْدَ أنْ مَكَثَ سَبْعَ سِنين في الْمَغارَةِ، وَأَخَذَ النّاسُ يَقْصِدونَ زِيارَتَهُ لِلتَّبَرُّكِ مِنْهُ.
المصدر: الموسوعة التوحيدية للصغار – تحرير: المرحوم الشيخ سميح ناطور، 2004