الموقع قيد التحديث!

رِسَالَةٌ نادِرَةٌ مِن عام 1908 مِنْ مَشَايِخِ خَلْوَاتِ البَيَّاضَةِ إِلى عُمُومِ دُرُوزِ الجليلِ

بقلم البروفيسور علي الصغيَّر
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

مَشَايخُ البَيَّاضَةِ، بَيَّاضَةِ القُلُوْبِ، بِبلدةِ حَاصْبَيَّا بِلُبنان، توجَّهُوا في رسالةٍ نادرةٍ لهُم مِن تاريخ 30 كانون ثانٍ عام 1323 هجري، وهو تاريخٌ حسبَ التَّقويمِ الرُّوْميِّ العُثمانيِّ الَّذي كانَ معمُولًا به في ذلكَ الوقتِ، ويُقابلُهُ تاريخُ 12 شباط عام 1908 ميلادي، إِلى عُمُومِ دُرُوزِ الجليل، الَّذينَ يدعُونهم في هذِه الرِّسالةِ باسمِ “دُرُوز  بلاد صَفَد”، كما كانَ مُتَّبَعًا في حينِهِ، في أَعقابِ زيارةٍ لهم بِقراهم، بعضِها أَو كُلِّها، وَرَأَوْا، كما يقولونَ في رسالتِهِم هذِهِ مِنْ مسلكِ بعضِ النَّاسِ ما لم يُرضيْهم، ومِنْ أَعمالِهم ما لم يُعجبْهم. هؤلاءِ المشايخُ يقولونَ لِدُرُوزِ الجليلِ أَنَّهُ ينبغي عليهِم أَن يحبُّوا بعضهُم بعضًا، وأَن يُحافِظُوا على علاقاتِ حُسنِ الجوار مَعَ أَبناءِ الطَّوائفِ والدِّياناتِ الأُخرى، وأَن يكُونُوا مُخلِصينَ لِلدَّولةِ العُثمانيَّةِ الَّتي كانُوا يعيشُونَ تحتَ لِوَائِها، وأَن يكُونَ مسلكُهُمُ الدِّينيُّ والاجتماعيُّ طبقًا لِمَا يُقرِّرُهُ رُؤَسَاؤُهُمُ الرُّوْحَانِيُّوْن، وعلى رأْسِهم الشَّيخُ أَبو مُحَمَّد طريف محمَّد طريف، الرَّئيسُ الرُّوحي لِلطَّائفة الدُّرزيَّة في البلادِ خلالَ ذلكَ العهدِ، وهُم يطلبُونَ منهُم، وبِشدَّة، الامتناعَ الكُلِّيَّ والمُطْلَقَ عن تسليمِ أَراضيهِم الزِّراعيَّة لِمُلْتَزِمِي الأَراضي، مُقابلَ الحُصُولِ منهُم على المالِ بِالرِّبَا، وهُم يُلقُوْنِ الحِرْمانَ الدِّينيَّ والاجتماعيَّ على كُلِّ مَنْ فَعَلَ ذلك، مُخالِفًا أَصُولَ الشَّريعةِ والدِّين، ومُعاكِسًا أُسَسَ الحياةِ الاجتماعيَّةِ السَّليمةِ، وهُم يؤكِّدُونَ أَنَّ هذا الحِرْمانَ يبقى سَارِيَ المفعولِ إِلى حينِ تَرَاجُعِ مُرْتَكِبِي تلكَ المَعْصِيَةِ الشَّنيعةِ عنها، هذا مَعَ العِلمِ أَنَّ طريقةَ الالتزامِ الَّتي انتهجتها الدَّولةُ العُثمانيَّةُ في جبايةِ الضَّرائِب، خلالَ عهدِ السُّلطانِ مُحَمَّدٍ الفاتح (1432 – 1481، فَتْرَتَا الحُكم: 1444 – 1446، 1451 – 1481)، أُلْغِيَتْ نهائيًّا تقريبًا خلالَ التَّنظيماتِ الإِداريَّةِ الَّتي انتهجتها تلكَ الدَّولةُ عام 1856، خلالَ عهدِ السُّلطانُ عَبْدِ المجيد الأَوَّل (1823 –  1861، فترة الحُكم: 1839 – 1861).

خلوات البياضة – حاصبيا – لبنان
المرحُومُ الشَّيخُ أَبو جمال الدِّين فَنْدِي شُجَاع
المرحوم الشّيخ أبو فندي جمال الدّين شجاع مع فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ امين طريف

نحنُ لا نعرفُ أَسماءَ هؤُلاءِ المشايخِ كاتِبِي هذِه الرِّسالةِ، فَهُم لم يُوَقِّعُوا عليها، ولم يكتُبُوا أَسماءَهُم في مَتْنِها، وإِنَّما اكتَفَوْا، تَوَاضُعًا، بِكِتابةِ “سكَّان البَيَّاضَةِ الحُقَرَاء”، في أَسفلِها، ولكنَّنا نعتقدُ أَنَ على رأْسِهِم كانَ المرحُومُ الشَّيخُ أَبو جمال الدِّين فَنْدِي شُجَاع، شيخُ خَلْواتِ البّيَّاضَة في تلكَ الحقبة، والمُتَوَفَّى عام 1934، وهو والدُ المرحُومِ الشَّيخِ جمال الدِّين شُجاع (1907 – 1991)، شيخِ خَلْواتِ البّيَّاضَةِ بعدَ وفاةِ والِدِه، وهذانِ الشَّيخانِ الجليلانِ، كما هو معروفٌ ومشهورٌ، هُمَا مِن كِبارِ رجالِ الدِّينِ الدُّرُوزِ على مرِّ العُصُوْرِ والدُّهُوْر.

بِوُدِّيَ أَنْ أَذكُرَ هُنا أَنَّ الوالدَ، الشَّيخَ حُسين صغيَّر  (1908 – 1974)، حِيْنَمَا قَدِمَ إِلى خَلْواتِ البَيَّاضَة، عام 1920، مِن أَجلِ الدِّراسةِ، وعمرُهُ اثْنَا عشرَ عامًا، سَكَنَ في مَنْزِلَيِ الشَّيْخَيْنِ الوَقُوْرَيْنِ، أَبي جمال الدِّين فَنْدِي شُجَاع، وأَبي علي مُهَنَّا حَسَّان، وأَنَّ صَدَاقَةً متينةً كانت تربطُهُ بِهِما، وكذلكَ بِالشَّيخِ جمال الدِّين شُجاع، وقدْ دَوَّنَ هذا الشَّيخُ الجليلُ لِلوالدِ مَخْطُوْطَتَيْنِ بِيَدِهِ الشَّريفةِ، وبِخَطِّهِ الرَّائِقِ الجميلِ، ونحنُ لا نزالُ نحتفظُ بِهِما ضِمْنَ أَغلى وأَعَزَّ ما نملك.

فيما يلي نصُّ هذهِ الرِّسالة، وقد صَحَّحْنَا الأَخطاءَ الُّلُغويَّةَ والكِتابيَّةَ الَّتي حصلتْ بها، وَوَضَعْنَا التَّصحيحات بِداخلِ أَقواس، وأَضفنا علامات التَّرقيم الَّتي رأَيناها مُناسِبة.

“حضرت (حضرات) مشايخ ومُعتبرين (ومُعْتَبَرِي)، وعُمُوم سكَّان بلاد صفد الأَكرمِيْن حفظهم وحرسهم رب (الرَّبُّ) الكريم وصانهم بِصِيانة رسُولِهِ، آمين آمين.

أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّه لمَّا كان مِن الواجب علينا، نحنُ أَبناء هذه الطَّائفة الدُّرزيَّة بتلك البلاد (يقصُدُون لُبنان وسُوريا)، وفي جميع الأَنحاء السُّوريَّة، القليلُون (القليلُو) العدد، وهو بالنِّسبة إِلى عُمُوم الطَّوائف (يقصُدُون أَن العدد الكُلِّي لِأَبناء الطَّائفة الدُّرزيَّة هو عددٌ صغير بِالمقارنة مَعَ أَعداد أَبناء الطَّوائف الأُخرى)، (فينبغي علينا) أَن نكُون مُقَيَّدِيْنَ بِسلاسلِ الطَّاعة والخُضُوع لله تعالى ولِرسُوله، وإِلى أَوامر دولتِنا العالية (العَلِيَّة) (يقصُدُون الدَّولة العُثمانيَّة) الأَبديَّة، حيث قال (كما ورد في القُرآن الكريم) طيعُوا الله والرَّسُول وأُولية (وأَولِياء) الأمر منكم (“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا”، أَلقُرآنُ الكريمُ، سورةُ النِّساء، الآيةُ 59)، ثُمَّ وجب علينا الطَّاعة لِأَوامر روسانا (رُؤِسائِنا) الرُّوحيَّة (الرُّوحِيِّيّْن)، ثُمَّ المحافظة على القوانين الأَدبيَّة مَعَ عُمُوم جوارِنا (جيرانِنا) الَّذي (الَّتي) بها الرَّاحة والنَّجاح، ثُمَّ المحبَّة والإِتلاف مَعَ بعضنا بعض، وأَن نكون مُقَيَّدِيْنَ تحت الأَوامر الدِّينيَّة، فحيثُ نحن العاجزين (العاجزون) قد حضرنا إِلى هذه البلاد (يقصُدُون فلسطين)، فوجدنا (أَنَّه) حاصل منهم تَفَرُّق إِرادات، هي (وهو) إِختلاف خواطر (تبايُنٌ في الآراء)، مُخِلَّة (مُخِلٌّ) بِالرَّاحة والصَّالح العُمُومي، وجب علينا النَّهيُ عنه، وقيام (وإِقامة) الحَدِّ على كُلِّ مَنْ لا يقبل الأَوامر، بَلِ الواجب على الجميع مِن أَهل هذه البلاد (يقصُدُون دُرُوز البلاد، خصوصًا دُرُوز الجليل) أَن يكُونوا مُرتبطين بِزِمام الدِّين تحت أَوامر روساهم (رُؤِسائِهِم) الدِّينيِّيّْن، أَعني بهم الشَّيخ أَبو (أَبا) محمَّد طريف (طريف)، ومَنْ (هُمُ مِنْ) قِبَلِهِ بِالبلاد، وخاظعين (وخاضعين) لِأَوامِرِهم ما دامهُم (طالما هُمُ) سالِكين (سالِكُون) (هُمُ؟) معهُم الطَّريقة المُرضية، مُتعاونِين على البِرِّ والصَّلاح، كما قال (اللهُ تعالى) في الآية الكريمة تعاونوا على البِرِّ والتَّقوى (“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، أَلقرآنُ الكريمُ، سُورةُ المائِدة، الآيةُ 2)، كَوْن (لِأَنَّه) يوجد مِنْ سكَّان (هذه) البلاد (فلسطين) (مَنْ هُمُ) مُلْزِمِيْنَ (مُلزِمُون) أَملاكَهُم إِلى التُّجَّار، وحيث (ونظرًا لأَنَّه) يتسبَّب مِن هذه (هذا) التَّلزيم (الالتزام) تلاشي واضمِحلال وضعف قُوَّة، وتناول دَيْنٍ بِالفايِض (بِالرِّبَا)، الَّذي هُو عينُ الحَرَام، فُتُحَرَّمُ الغِلَّةُ والأَملاكُ، فعليه (فبناءً على ذلك) كلمن (كُلُّ مَن) يُلْزِم أَملاكَه وزراعتَه، يكون (فَلْيَكُن) معلومًا لدى العُمُوم أَنَّه (واقعٌ) تحت كدر الخاطر (يقصُدُون كدر خاطِرِهِم، أَي كدر خاطر مشايخ البَيَّاضَة)، والحُرْم العظيم، ولا أَحد يُعامِلُهُ، ولا يُكالِمُهُ، هُو وعِياله، ويكون ضلم (ظلم) نفسَهُ، ولا تُقْبَلُ له شفاعةٌ أَمام إِخوانِهِ، إِلَّا أَنَّه (إِذا) يرجع (رجع) عن هذه (هذا) الحُرْم العظيم، والأَملُ مِن أَصحاب الهِمَم العَلِيَّة والمروت (والمُرُوآت) الوفيَّة، أَن يكُونوا قابلين (أَن يتقبَّلُوا) الأَوامر، منهِيِّيّْنَ عنِ النَّواهي، مُحِبِّين بعضهم بعض (بعضًا)، قلبًا وقَالَبًا، في ساير (سائِر) المُعاملات جميعِها، مُطيعِيْنَ لِأَوامر دولتنا (العُثمانيَّة) العالية (العَلِيَّة)، ورضا (وَرِضَى) (كلمة غير مفهُومة) الأَعظم، ونسأَل الله الهِداية والتَّوفيق إِلى كُلِّ (لِكُلِّ) مَن به رضاه ورِضَى أَولياه (أَوليائِهِ)، ومِمَّا (وما) أُدْرِجَ كفايةٌ لِذَوي الدِّرايَة.

30 كانون ثانٍ عام 323 (1323 هجري) (12 شباط عام 1908 ميلادي)   أَلحقيرا (أَلحُقَرَاءُ) سكَّانُ البّيَّاضَة”.  

مقالات ذات صلة:

عين البلد – عين عسفيا

نبع ماء بجانب عسفيا، يقع في الجهة الشماليّة- الشرقيّة للبلدة شمال الحارة القديمة، واليوم بمحاذاة حارة العين أحد الأحياء في