الموقع قيد التحديث!

دروس واعتبار ويقظة وتذكار

بقلم الاستاذ الشيخ غسان يوسف أبوذياب
لبنان
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

إنّ هذه المناسبة الجليلة، ذكرى زيارة مقام سيدنا شعيب عليه السلام، تدعونا لنستفيق من سباتنا العميق، سبات الغفلة عن الله تعالى في هذا العالم المتخبط بالفوضى والضياع والبعد عن الله عز وجل. وكأن رسالة سيدنا شعيب (ع) السماوية تطرق أبواب قلوبنا من جديد، لتنيرها بأنوار الهداية المباركة، وتحرّرنا من عبادة الأصنام والأوثان. وأي صنم أضر ّوأخطر اليوم من عبادة الذات؟! أي حب الجاه والرئاسة والإستعلاء على الآخرين، واستحسان القتل، وتحليل المحرمات، وحب المال والطمع، وإطماس العدل، وإحياء الظلم، وهذا الصنم سيأخذه الموت ويأكله الدود والتراب، ويبقى معه ومع المتعلّقين به الغضب والعقاب. أليس الله بأحكم الحاكمين؟

فرسالة نبينا شعيب، تدعونا الى التحرّر من عبادة هذه الأصنام وتقول لنا (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:85). فالعبادة هي اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمالِ الباطنةِ والظاهرةِ. فالله سبحانه يريد من هذا الإنسان الذي خلقه في أحسن تكوين، وجعله خليفته في الأرض، أن يكون مطيعا خاشعا خاضعا له، وأن يكون على صورة الله الذي خلقه حنونا كالشمس، كريما كالأرض، واسعا حِلما ورفقا كالبحر. وإذا كان ملكا فله أسوة بالنبي سليمان عليه السلام، وإذا ابتلي له أسوة بالنبي أيوب عليه السلام، وإذا كان فقيرا له أسوة بسيدنا سلمان عليه السلام، وإذا عصفت به نوائب الدهر له أسوة بالنبي يوسف عليه السلام. فهؤلاء أنبياء الرحمة، وأسياد الأمم، جعلوا من غناهم وفقرهم وتقلّبات الدهرعليهم عبادة وخضوعا لله عـز وجـل، فـعـمّت بوجودهم البركات، وفاضت الـخيرات، وانتشر السلام والوئام. فليس لنا إلا الله وحده لا شريك له يبعث فينا الخير والسلام. وأما هذه الأصنام المذكورة التي اصطنعها التائهون الضالون لأنفسهم في هذا العصر، فما هي إلا مصدر شقاء ونقمة. وقد صدق أحد الأولياء الصالحين في مناجاته للخالق سبحانه حيث قال: “إلهي كيف استنصر من لاينصرني إلا بك، كيف أسترزق من لا يرزقني إلا بفضلك، وكيف أسخطك في رضى من لا يقدر على ضري إلا بتمكينك. فيا من إليه التجائي في شدتي ورخائي”. فلا نصرة إلا بنصرة الله، ولا فضل الا من فضل الله، ولا أحد يَضرّ إلا بتمكين الله. والعاقل لا يعمد على إرضاء مخلوق بمعصية الخالق سبحانه.

ومن عبادة الأصنام في عصرنا هذا: التعلّق بشاشات الكترونية خادعة تأسرنا بألوانها البرّاقة، وصورها الوهمية وبعض عناوينها المضلّة لتأخذنا من عالم الحقيقة إلى عالم الضياع، ومن عالم العقل والحكمة إلى عالم الجهل والضلال. فهي صنم مصطنع ماكر، يخطف عقولنا، ويقرض كياننا الإنساني. ولكن لا بدّ من التوضيح في هذا المجال؛ بأنّا لسنا ضد التطوّر الكبير في عصرنا هذا، ولا ندعو بأن نكون خارج عصرنا، ولكنّنا ندعو إلى التمييز الصحيح مابين ما هو نافع يخدم الإنسان، واستخدامه جزء من العبادة لله عز وجل، وبين ما هو ضارّ وفضول وتضييع للوقت، وهدر للطاقات، وتضليل للعقول، وأصنام لا تنفع وتعتريها التغيرات والزوال في كل وقت. فرسالة نبيّنا شعيب تدعونا إلى الإستنارة بنورالعقل والحكمة، لنبصر الحقيقة، ونستشرف من خلالها على المحسوسات والعالم المادي الذي نعيشه، فـنأخذ منه ما لله، ونتحرر من قـيود الوثنية ببركة سيدنا شعـيب ورسالـته.

وكذلك تدعو رسالة سيدنا شعيب (ع) إلى الإصلاح وإن مفهوم الإصلاح الذي علّمنا إياه نبي الرحمة شعيب (ع)، هو إصلاح القلوب بالعقائد الصحيحة أعظمها وأجلها: الإقرار بوجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد، والإقرار برسله وأنبيائه (ع)، والالتزام بأوامره والانتهاء عـن نواهيه، وإصلاح المعاملات بترك الغشّ والبخس بالكيل والميزان، لأن المعاملة أساس الدين، كما قال سيدنا الشيخ الفاضل (ر):” ويُستدلّ على صحة دين المرء بحسن معاملته،والذي يعين على حسن المعاملة حالة واحدة وهي التقوى، لأن من اتّقى الله حق تقاته، أخلص لله تعالى في سائر معاملاته”. وإصلاح سياسة الحكم بنشر العدل والسلام، وترك استقواء القوي على الضعيف، وإعلاء كلمة الحق بالحوار البنّاء، واللطف والرفق والصبر والحكمة.

وختاما أقول إن جائحة كورونا هذه التي هزّت الكيان العالمي بأسره، وخضعت لها العقول مع النفوس، وانهارت أمامها السبل والوسائل ما هي إلا رسالة إلهية تنذر بسحائب الغضب الممطرة نيرانا، كما أمطرت على قوم مدين، إن استمر الناس على عبادة أصنامهم المذكورة، وتدعو الناس بالرجوع إلى قدسية رسالة النبي شعيب التي فيها النجاة من كل شر وهلاك. فجائحة كورونا هذه هي رسالة إنذار واختبار. فإمّا ننجو بالرجوع الى رسالة سيدنا شعيب وتعاليمه، وإمّا -والعياذ بالله من ذلك- الإصرار على الضلال والكفر، فيأخذ عذاب يوم الظلة الكافرين. وإن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  


  • الاستاذ الشيخ غسان يوسف أبوذياب:

 مدرس لغة عربية في مدرسة العرفان التوحيدية في لبنان. حائز على شهادة ماجستير في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية. عامل محقق ومدقق لغوي في الكتب والمقالات الدينية والأدبية في دار الكتاب اللبناني.

مقالات ذات صلة: