الموقع قيد التحديث!

حول الأضحى المبارك..

بقلم فضيلة الشيخ ماجد أبو سعد
لبنان
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

قال بعض الحكماء: الآداب والفضائل الإنسانية ثلاث: حق وواجب وتضحية، الحق ما هو لك، والواجب ما هو عليك، والتضحية أن تؤدّي أكثر ممّا عليك، وهي أعلى الفضائل وأجلّها. إنها سِمة المرسَلين الذين بذلوا مُهجهم من أجل سعادة الإنسانيّة طمعًا بالأجر المضاعَف الباقي، والثواب الذي أكّدته المواعيد الصاعدة بأنّه ما لا أُذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.

وأقصى النعيم نيل كرامة القُرب من الله عزّ وجلّ والتمتّع بالتملّي من النظر إلى وجهه الكريم وجلاله وجماله.

إذا كانت القصّة التاريخية الأولى للأضحى قد تجسّدت ببذل النبي إبراهيم (ع) لولده الوحيد ذبيحا لله، ويرضى الابن المبارَك قائلا: “يا أبَتِ اِفعل ما تُؤمَر ستجدني إن شاء الله من الصابرين”.

والقصّة تجسِّد مقاميّ الرضى والتسليم لمُراد الله تعالى، وهو مقام المحبّة لمراد المحبوب ويعني التجرُّد الكلّي من الاختيار الإنساني الذي تشوبه الأنا التي هي الحجاب الفاصل بين العبد وخالقه.

إنّ الموحدين يَعْبُرون بقصّة التضحية التاريخيّة إلى أغوارٍ عميقة تتجاوز ظاهر القصّة.

فأنْ يُفدى الذبيح بكبش من الجنة إنما هو رمز لجزاء يليق بمقام النبوّة، لأن من يطمع لنيل نعيمٍ سرمديّ لا يكفيه قربان لحميّ سواء كان كبشا أو جسدا طاهرًا مُطهّرا.

وقد قالت التوراة: بأن دمّ التيوس والعجول لا يصلح قربانا لنيل الرضى، وكذلك قال القرآن الكريم: لن تنال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم (سورة الحج: 37).

والذي يقدِّم الطاعات، وقربات الطاعات رجاء تحصيل القُبول، والله تعالى يقول: إنما يتقبّل الله من المتّقين، ويهمّه أن يكون عمله مخلصا، ولا يرى ما قدّمه كافيًا، لأن حقّ الربوبيّة عظيم، ونعيم الآخرة لا يفنى.

ويفسّر الموحّدون ما جاء في التوراة عن قربان أليّا النبي، الذي أحرقته نار السماء، وهي سُنّة القربان المقبول. وقد ذكر القرآن ذلك في سورة آل عمران: الذين قالوا إنّ الله عهد إلينا ألّا نؤمن لرسولٍ حتّى يأتينا بقربان تأكله النار… (183).

يفسّرون حرق النار للقربان بأن العمل المقبول هو المجرَّد من الرَّياء (أي رؤية الخلق له) ومن حظّ النفس والأنا فإذا سقطت رؤية الخلق للعمل، ورؤية النفس له، يراه الخالق بعين القبول، كما أنّ من يعمل لوجه اللّه سيظفر برؤياه تعالى في الدار الباقية ولا يحب أن يطّلع على عمله سوى محبوبه وخالقه.

إنَّ الأضحى عيد الرجاء: أن تقدِّم قرابين التوبة والطاعة والإحسان لمستحقّيه وتخشى عدم القبول وتقول في نفسك موقنًا: إن شاء عذَّب ورفض القربان، فهو عدل لا يجور، وإن شاء قَبِلَهُ وتفضَّل فهو أهل المغفرة وأنا عاجز عن فكّ نفسي من ربقة العذاب، ولكنّي مسلِّم نفسي لحُكمه راضٍ بما شاء وقضى، فحاشا كرمه المطلق ألّا يبسط جناح الرحمة وهذا معنى الفدية لِمُقِرٍّ مُعْتَرِف أمام قدس الحضرة.

إنَّ الأضحى صلح حقيقي مع الذّات بتطهيرها من عوامل العُقد والأذى، وهو صُلح مع الإنسان بالعفو والصَّفح والمُسامحة كي يكون صلح حقيقيّ مع اللّه يجسّده الواقفون على جبل عرفات، جبل الرحمة وقد  اجتمعت بعممهم وتجرّدت للضراعة والابتهال قلوبهم، وامتدّت إليه أعناقهم وارتفعت أياديهم بعد أن عرفوا خالقهم واعترفوا بذنوبهم فلا تظنّن أنه يخيِّب أملهم ويدّخر عنهم رحمة تنتظرهم…

عالمية الأضحى

لمّا سُئل السيّد الجليل سلمان الفارسي (ر): ما لَكَ لا تلبس الخزّ من الثياب؟ أجاب: ما للعبد والثوب الحسن فإذا عُتق فله والله ثيابٌ لا تبلى أبدّا.

فحسن الثوب المتمزِّق رمزٌ لتعلُّق المرء بمباهج الدنيا الفانية، فإذا عُتق العبد أي تحرَّر من التعلُّق بالظاهر الحسِّيّ عَبَرَ بقلبه نحو الجوهر المعنويّ، ويبقى في رقِّ النار الأبديّة إن لم يُعتَق منها برحمةٍ إلهيِّةٍ واسعة، إنّها فلسفة العبور من الدُّنيا إلى الآخرة.

ومقابل أضحى الإسلام، فِصح اليهوديّة والمسيحيَّة وقصّة الفداء جامعُ مُشتركٌ بين الأديان الثلاث في قصّة الذبيح، وكلمة “فِصح” هو تعريب “فِسح” بالعبرانيّة ومعناه اجتياز وعبور أو نجاة، والفصح عند اليهود عيد تذكار خروجهم من مصر عند أكلهم الخروف والمرائر وهم مستعدّون للسَّفر.

وعند النصارى عيد تذكار قيامة المسيح من الموت ويُعْرَف بالعيد الكبير ويلاقيان الأضحى بمعنى واحد.

فخروج بني إسرائيل تحرُّر من عبوديّة الظالم نحو رغد الحرّيّة والسلام، وقيامة المسيح تعني أنّ لا سبيل للتحرُّر من عبوديّة المظهر الزائف والحرف الجامد إلّا بمُخَلِّص لا خطيئة له. وجاء قربان الإسلام بيعًا للنفس لخالقها يحرِّرها من الارتهان بحظّ النفس والهوى على أن يكون حَمَل الفصح والأضحية لا عيب فيه أي عملا خالصًا لوجهه تعالى

مقالات ذات صلة:

بذور التوحيد

الأهرام أقدم عجائب الدنيا وأخلدها، حاول علماء الآثار والفلك والهندسة والفنون حلّ بعض ألغازها، فوجدوا فيها بيت التنبؤات وأسرار المعرفة