الموقع قيد التحديث!

حلاقة الرأس وإطلاق اللحى

بقلم الدكتور الشيخ سامي أبي المنى
عن كتابه “المظاهر الثقافية عند الموحدين الدروز، 2014
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

الموحدون الدروز مع كونهم جزءا لا يتجزأ من المحيط والعالم المتغيِّر حولهم، لكنهم مرتبطون رغم التحديات والمتغيرات بتراثهم وهويتهم الثقافية ولعلهم الأحرس على التمسك بالخصوصية والاعتزاز بالانتماء الديني والثقافي مع الرغبة والحرية في السعي نحو الاندماج والتواصل وهنا يكمن التحدي المزدوج، كما يرى العديد من وجوه الطائفة ومشايخها، الأول في ضرورة وأهمية الانفتاح وعدم التقوقع والانغلاق والتعصّب، والثاني في مسئولية تثقيف الشباب الموحد الدرزي وتربيته تربية دينية واجتماعية ووطنية سليمة، كي لا يفقد هويته وتراثه وقيم مجتمعه الغنية، جهلا أو استخفافا أو ضعفا أمام الكثير من المغريات والتيارات، وكي يبقى محتفظا على دوره وإيمانه التوحيدي المتوارث من جيل إلى جيل والذي لم يتبدّل رغم كل المتغيرات والتحديّات، بل بقي علامة مميزة للأجيال تماما كالجوهر المكنون الذي يزداد قيمة مع الزمن.

ترمز اللحية والشاربان في ثقافات وديانات كثيرة إلى الرجولة وما يمكن أن يرافقها من حكمة وعلم وتضفي على من يحملها هيبة واحتراما وتوحي عنه للآخرين بأنه يتمتع بالعزم والشجاعة وبالتزامه حياة تقشف وفضيلة أحيانا كثيرة. العقُال الملتزمون من الموحدين الدروز يعتمرون العمامة البيضاء فوق رؤوس حليقة ويصرّون على اعتبار الشوارب ميزة تميّز الموحّد الملتزم ولا يستسيغون تقصيرها فإنهم يحلقون الرأس بدلا من حلاقتها، وهم لا يرجعون أسباب حلق الرأس إلى غير معنى التواضع والزهد ربما يعود الأمر إلى حديث عن سلمان الفارسي هو الأقرب إلى تعليل الأمر فقد قيل إنه رؤي وقد حلق رأسه زقية (منسوب إلى التزقيق أي حذف شعر الرأس كله) فقيل له: ما هذا يا سلمان؟ فقال: إنما العيش عيش الآخرة…

يحلق رجال الدين الموحدون رؤوسهم إذن من باب التواضع والوهد أو الاقتداء، ويمكن أن يكون ذلك من أديب لصوفية التي أخذ بها مذهب التوحيد كنوع من أخذ العهد على النفس بالتزام طريق الآخرة. ويقول بعضهم إن حلاقة الرأس دليل على النظافة، ويتلاءم أكثر من إرخاء الشعر مع اعتمار العمامة. وتُعتبر حلاقة الرأس دون الشاربين من العلامات المميزة لرجال الدين الموحدين الدروز الذين يفضلون الظهور بمظهر الرجولة والحكمة، ولا ضير في ذلك… ورجال الدين الموحدون، مع تشديدهم على النظافة والاعتناء بالمظهر إلا أنهم يفضلون الإبقاء في الوقت نفسه على مظهر تقليدي، ميّز رجال بني معروف بالشاربين المعكوفيْن صعودا لدى بعض الوجهاء والرجال غير الملتزمين دينيا أو المتروكين نزولا ببساطة كلية كما لدى معظم رجال الدين المنقطعين إلى العبادة والمتشددين في التزامهم وزهدهم.

يُحلق شعر الرأس وشعر الوجه معا أما من يحلق شعر ذقنه دون شعر رأسه ولو لمرات قليلة، لأسباب خاصة به وبعمله فيقال عنه: “خاصما” في حين يطلق معظم كبار السن من رجال الدين لحاهم دون “حنجلة” أو “تضبيط”، أو تقصير، كما يحصل عند سواهم دلالة على الانقطاع للدين والزهد في الدنيا وعدم الرغبة بالتزين، ويستمرون في حلاقة شعر الرأس، وغالبا ما يكون إطلاق اللحية بطلب من المشايخ الأكبر سنا أو منزلة وليس بدافع الشخصي، كي لا يُعتبر ذلك اعتدادا بالنفس أو تمييزا للذات. كما أن هناك عددا من رجال الدين يرغبون بالتزام الكلي والابتعاد عن ملذات الدنيا وأعمالها التي تلهي عن العبادة والتحصيل الديني والروحي، فيطلقون لحاهم في سن مبكرة ويسلكون مسلكا دقيقا في خلواتهم وحياتهم اليومية، يتخلّون عن كثير من العلاقات والأعمال والمناسبات كالزواج أو إنجاب الأولاد وهذا نادر جدا أو مخالطة المجتمعات الزمنية الدنيوية والابتعاد كليا عن الزعماء ورجال السياسة، أو قيادة السيارة مثلا، حيث لم تجرِ العادة أن يقود الشيخ “المتكمل” أي “الملتحي” سيارة أو يعمل عملا غير مناسب بل يتفرغ للعبادة والاستفادة والإفادة والواجب الاجتماعي والديني والإنساني.

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفيّة – العدد 161

إفراد معرض للصّور التّوحيديّة في مقام سيّدنا الّنبيّ شعيب (ع) مع اقتراب موعد الزّيارة السّنويّة لمقام سيّدنا النّبيّ شعيب عليه