الموقع قيد التحديث!

جذور خرافة “عبادة العجل” عند الدروز

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

طالعتنا شبكات التّواصل الاجتماعيّ، في الآونة الأخيرة، بخبر مفاده تفنيد اتّهام الدّروز بتقديس العجل إلى درجة العبادة. ويُذكَر في هذا الخبر أنّ المحامي ماجد الأطرش والدّكتور أمين البعينيّ وقفا على سرّ هذه التّهمة السّخيفة من خلال أحداث معركتي “القسطل” في جبل حوران و”راشيّا” في لبنان، ضدّ الجيش المصريّ بقيادة إبراهيم باشا. وقد أشار الخبر إلى خطّة عسكريّة دبّرها شبلي باشا العريان يُشرك فيها عُجُولًا لمهاجمة الجيش المصريّ، ويقال إنّه خلال هذا الهجوم الغريب، اعتقد بعض الجنود المصريّين أنّ هذه العجول أسياد الدّروز، والعجل إله يعبدونه! تجدر الإشارة إلى وجود حلقة ناقصة في هذا الخبر ستَرِدُ في سياق هذه المقالة.  
    دعُونا نراجع ما نقلته لنا الدّيانات المختلفة والمصادر التّاريخيّة والقصص الشّعبيّة، حول عبادة البقر والثّيران والعجول عبر التاريخ، انتهاءً بـ”عجل الدّروز” الّذي حظي بطروحات تفسيريّة كثيرة.
جاء في كتاب “سوسنة سليمان في أصول العقائد والأديان”، لنوفل بن نعمة الله الطرابلسي (1876م.)، أنّ الفراعنة كانوا يعتقدون أنّ روح إله الخير (أوزريس) حلّت في عجل، فقدّسوه. ورد في سياق آخر أنّ ملك الصّين والوزراء والرّؤساء يحتفلون في الحادي والعشرين من الشّهر الأخير من كلّ سنة، ويقدّمون القرابين حرقًا، ثيرانًا وعُجولًا.
ويقتبس الشّيخ يوسف العقيليّ، في مؤلَّفه “خبايا الجواهر”، ما قاله الإمام أبو حامد الغزاليّ: “وكان أصل عجل قوم موسى من حُلية الذّهب والفضّة، وقيل من ذهب أحمر، وقالوا إنّ السّبب في عبادة بني إسرائيل العجل أنّهم مرّوا، بعد مَهلك فرعون، على قوم من المصريّين يعبدون أوثانًا لهم على تماثيل البقر، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا نعبده كما لهؤلاء القوم. وكان السّامريّ موسى بن ظفر من قوم يعبدون البقر، فقال لهم، بعد أن طال انتظارهم رجوع النّبيّ موسى من جبل سيناء: آتوني بحليّ بني إسرائيل، فجمعوا له، فاتّخذ لهم منها عجلًا جسدًا له خوار، قيل إنّه سُمِعَ منه صوتٌ مرّة واحدة، فعكف عليه القوم يعبدونه دون الله تعالى، ويرقصون حوله”. يشار إلى أنّ العهد القديم يتّهم هارون أخا موسى بفكرة صناعة العجل. وتُعرف هذه الحادثة بالعبريّة بـ”خطيئة العجل” (חֵטְא הָעֵגֶל)، وهي مذكور في سفر الخروج (4: 32)، وفي سورة طه (88) وسورة الأعراف (148).  
وورد في تاريخ اليهود أنّ يربعام بن نباط ثار على رحبعام بن سليمان، فانقسمت مملكة بني إسرائيل وأصبح يربعام ملكًا، ولأجل تعزيز مكانته، أراد إبعاد الشّعب عن الصّعود إلى أورشليم، فأقام عجلًا ذهبيًّا في معبد بيت-إيل، وآخرَ في معبد دان (سفر الملوك).
    البقرة “الحمراء” أو “الصّفراء”، كما نعتتها المصادر الإسلاميّة، مقدّسةٌ عند اليهود، فقد كانت تُحرَق بخشب الأرز، لأنّ رمادَها يُطهِّر من فيه نجسٌ. وكان النّبيّ موسى أوّل من قام بهذا الطّقس. ومن بعده، أيّام الهيكل الثّاني، حُرقت ثماني بقرات، ويعتقدون أنّ المسيح المنتظر سيحرق البقرة العاشرة.
    وفي مقالة تحت عنوان “ملامح من تقاليد الثّقافة الهنديّة”، للدّكتور محمّد العبّاسيّ، في جريدة أخبار الخليج (البحرين: 21.7.2017)، يقول إنّ الهندوس يقدّسون البقرة إلى درجة العبادة، وإنّها حظيت عند أتباع الزّرادشتيّة بمكانة خاصّة، كما لآلهتهم، وإنّ الثّور يتمتّع باحترام لا يُستهان به، فبعض صلواتهم نعتته بالسّخيّ الخيِّر، وصانع الوفرة والنّماء. في الشّرق القديم، خصوصًا في الفنون الآراميّة والكنعانيّة والحِثّيّة، برزت رؤوس الحيوانات في أوثانهم، ومنها العجل.
كما ونقلت وكالة الأنباء رويترز (7.4.2008) خبرًا مفاده أنّ حفريّات أحد المعابد اليونانيّة تؤكّد عبادة آلهة مصريّة في اليونان، وأنّهم اعتنقوا ديانة مصريّة جديدة عُرفت حينها باسم “الثّالوث المقدَّس”، وقد نتجت عن عبادة ثلاثة آلهة فرعونيّة: إيزيس وزوجها أوزير وابنهما حورَس. بعد احتلال الإسكندر المقدونيّ عام 332 ق.م.، حملت هذه الآلهة أسماء يونانيّة، فأصبح أوزير “سرابيس”، أي العِجل.
أمّا في العهد الجديد فقد وردت قصّة عبادة العجل لدى بني إسرائيل في سِفر أعمال الرّسل (41:7) “فَعَمِلُوا عِجْلًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ، وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ”. وفي رسالة بولس الرّسول الأولى إلى أهل كورنثوس (7:10 (“فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: “جَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِب”.
إذا عرّجنا على القرآن، نجِد أنّ سورة البقرة هي أطول سورة، وفيها، إضافة إلى ما تحويه من قِيم وأخلاقيّات وقصص، سردٌ لما حصل بين النّبيّ موسى وبني إسرائيل عندما طَلَب منهم أن يذبحوا بقرة ليعرف من هو قاتل أحد زعماء القوم، وبواسطة هذه البقرة تمّت معجزة إحياء الميّت.  
والبقرة هي الذّبيحة المقدّسة لدى الدّيانات الإبراهيميّة، وهي المُحرّم ذبحها عند الهندوس، وهي رمز للإلهة حتحور (إلهة الحبّ والجمال والموسيقى والحرب عند الفراعنة).
أمّا الموحّدون الدّروز، فلا يقدّسون الأبقار والثّيران والعُجول، بل على العكس تمامًا، فقد شُبِّهَت شخصيّات مذمومة عندهم بالعِجل، مثل مسعود الكرديّ وابن البربريّة. هنا يتبادر السّؤال: ما هو أصل هذه التّهمة؟ ولماذا لم يدافع بنو معروف عن أنفسهم لدحض هذه الفِريةِ؟
تعدّدت الحكايات حول عبادة العِجل عند الموحّدين الدّروز، فمنهم من نسبها، كما جاء أعلاه، إلى حكاية هجوم العجول في حرب الدّروز ضد جيش إبراهيم باشا المصريّ، ومنهم مَن روّج القضيّة دون معرفة السّبب بهدف تحقير الدّروز وتجريحهم والانتقام منهم، بسبب معاركهم الكثيرة الّتي دافعوا بها عن دينهم وعِرضهم وأرضهم.
وفي الشّوف اللّبنانيّ، سكنت عائلات درزيّة من أطياف اجتماعيّة وسياسيّة عديدة تربطها علاقات هشّة. مع انتقال الحكم من المعنيّين إلى الشّهابيّين، تفجّر الخلاف بين العائلات اليمنيّة (أكثرها شهرة هرموش وعلم الدّين) والعائلات القيسيّة (أكثرها شهرة جنبلاط وأرسلان)، وأنهت معركة عين دارة (1711 م) الصّراع بغلبة القيسيّين على اليمنيّين. نتيجة هذه الهزيمة الّتي مُنِيَ بها اليمنيّون، هاجر قسم كبير منهم من الشّوف إلى جبل حوران الّذي سُمّي فيما بعد “جبل الدّروز” أو “جبل العرب”. وحصل اللّقاء ثمّ الصِّدام بينهم وبين البدو ممّن سكنوا بعض مناطقَ حوران. من الطّبيعيّ أن يحصل مزج حضاريّ بين سكّان الجبل من الفئتين، فعلى سبيل المثال، غلبت اللّهجة البدويّة على حديث دروز الجبل، وتعرّف البدو على “عيال معروف”، كما كانوا يسمّونهم، وخبِروا صفاتَهم عمومًا وشجاعتهم خصوصًا، ودفعهم حبّ الاستطلاع إلى معرفة أمورهم الدّينيّة.  
ومن عادة الدروز أن يُقسموا بـ “مولاي العقل”، والعقل هو لقب أحد الأئمّة. كان هذا القَسَم غريبًا على البدويّ، فاعتقد أنّهم يعبدون العقل، فعبّر عن هذا بلهجته البدويّة: “عيال معروف يِعِبْدُون العَجْل”، والقاف البدويّة تُلفظ جيمًا، فهم يُسمّون أبناءهم “مِعْجِل” و”عجلان”، أي عاقل وعقلان، تيمُّنًا بأن يكون المولود ذكيًّا، و”الجلم” عندهم هو القلم، و”الجدّاحة” هي القدّاحة. وبين “العَجْل” و”العِجل” قَصُرت المسافة، واختلط الأمر على السّامع. انتشرت الشّائعة بين زوَّار الجبل، وراقت الفكرة لبعض الدّروز لأنّها تصبّ في مصلحة المحافظة على سِرّيّة المذهب، فتبنَّوها ولم يرفضوها.
نهايةً، عَودًا على بدء، عندما وصل جنود إبراهيم باشا من مصر، وكانوا يجهلون اللّهجة البدويّة وسمعوا هذه الشّائعة، اعتقدوا أنّ الدّروز يعبدون العِجل حقيقة، وممّا زاد يقينهم بهذا، هجوم عجول شبلي باشا العريان عليهم، فلم يعد عندهم أدنى شكّ بعبادة الدّروز العِجل، بل تأليههم إيّاه. مَن نجا منهم عاد إلى بلاده مع هذه الشّائعة السّخيفة، ثمّ نقلها عنهم، للأسف، الجاهلُ والمتعلّمُ، ومن مصرَ انتشرت حتّى بلغت جميع الأقطار العربيّة.
ويبقى “عجل الدّروز” مثار جدل حتّى يوما هذا، ولم ينجُ من تعليل تحريم الملوخيّة، فرُوِّجَت شائعة أخرى مفادها أنّ عجلهم تزحلق بالملوخيّة، فحُرّمت! 

مقالات ذات صلة:

نشاطات طائفيّة – العدد 158

فضيلة الشّيخ يهنّئ البروفيسور سلمان زرقا بعد تعيينه منسّقًا لمكافحة الكورونا بعد الإعلان الرّسميّ عن تعيين البروفيسور سلمان زرقا منسّقًا