الموقع قيد التحديث!

بنى لنا، فضيلة المرحوم شيخنا حضارة توحيدية راقية

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

شاركنا قبل أيام في الزيارة السنوية الرسمية لمقام سيدنا سبلان عليه السلام، هذه الزيارة التي بوشر بالقيام بها في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي،  والتي بادر إلى إحداثها فضيلة سيدنا المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف، مستندا إلى رؤية مستقبلية هامّة هي جعل الأماكن المقدسة في بلادنا هدفا لزيارة جماعية رسمية تجري كل سنة، من أجل لمّ الشمل، وجمع الإخوان، ولقاء المريدين، والتحدّث بمشاكل الطائفة، بشكل واضح وجماعي، وتعميق التراث التوحيدي في نفوس الشبيبة، وفي عقول وأذهان جميع أبناء الطائفة، فكل توجّه وكل مبادرة لزيارة مقام، فيها اعتراف وفيها تصريح، يشير إلى إيمان عميق، وإلى نفس مهذّبة، ترى في الأنبياء والأولياء صفوة المجتمع، الذين قاموا في حينه بهداية البشر، وهم اليوم يشكّلون إطارا واقيا للمؤمنين، يقصدونه في ساعات الشدة، وفي أوقات الانفراج، وفي كل مرة يكون فيها الإنسان قريبا من الله سبحانه وتعالى، أو طالبا مساعدته، فيلجأ إلى أحد الأماكن المقدسة، معبِّرا عن رغباته وأمله منه، ورجائه أن يقوم بنصرته وحمايته.

إن زيارة مقام النبي سبلان عليه السلام، هي حلقة واحدة من سلسلة زيارات، تجري منذ حوالي مائة وخمسين سنة، حينما قام فضيلة المرحوم الشيخ مهنا طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية آنذاك، بترميم مقام النبي شعيب عليه السلام، وتأهيله لاستيعاب الزوار والراغبين، ودعا لتدشينه كافة أبناء الطائفة، ووجهاء المنطقة، في 25 نيسان 1885، وأصبحت هذه الزيارة تقليدا سنويا، نفتخر به، ونعتز بوجوده، ونشاهد اليوم، أن أكثر من عشرة آلاف من أبناء الطائفة، متدينين وغير متدينين، يفدون إلى الزيارة السنوية في مقام النبي شعيب عليه السلام، للصلوات ولقاء الإخوان.

وقد قام سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف بعد ذلك، بانتهاج زيارات لمقامات أخرى، فتمّ ترميم مقام سيدنا الخضر عليه السلام في كفر ياسيف، وعُينت له زيارة في بداية كل سنة، كما دعا إلى زيارة مقام سيدنا اليعفوري عليه السلام في شهر آب، وعيّن بعد ذلك، الزيارة السنوية لمقام سيدنا ابي عبد الله عليه السلام في عسفيا، وعندما حلّ القضاء، وآذن وقت الرحيل، جرت لفضيلته إحدى أكبر الجنازات في تاريخ البلاد، في الرابع من شهر تشرين الأول، وتم إعداد الضريح والمقام ليتحوّل ويصبح المكان هدفا لذكرى سنوية تجري كل عام، بمشاركة مشايخ الطائفة في البلاد. وفي سوريا ولبنان ايضا تجري زيارات سنوية للمقامات الرئيسية التي يتواجد فيها مواطنون دروز ومقامات رسمية.

وبعد مرور ست وعشرين سنة من رحيل فضيلته، نرى أن مجتمعنا التوحيدي في البلاد، ما زال محافظا على صبغته التقليدية، وعلى قيمه ومبادئه بشكل عام، بالرغم من أننا متواجدون حضاريا، في أصعب فترة زمنية، حيث من السهل الانزلاق والابتعاد عن الأسس الدينية، فالحرية الدينية التي يمنحها المذهب الدرزي لأتباعه هي كبيرة، ومبنية على المبدأ، أن لكل إنسان عقل وشخصية وتفكير سليم، وعليه أن يختار ما يريد، وهو بنفسه يقرر إن كان يرغب بالتدين أو لا، ثم يأتي ليطلب صفو خاطر المشايخ. ونحن نشاهد نهضة دينية عميقة الجذور في قرانا في السنوات الأخيرة، مع أن الحضارة والمدنية ووسائل الاتصال من أحدث طراز، وصلت إلى اقصى بيت في الطائفة الدرزية، ويستعملها الطفل ابن السنة والنصف بجدارة، وهذا الأمر يجعلنا أحيانا نخشى أن يفقد المواطن الدرزي اتزانه، فينجذب للحضارة الجديدة، التي تدعو إلى العالمية، وإلى الابتعاد عن الدين، وإلى التعامل مع كل إنسان، بدون أي أهمية لأصله وتاريخه، بالرغم من أننا كموحدين دروز، نؤمن دائما، أننا مشمولون برعاية ربانية، وأننا نحظى بعطف وشمول الخالق سبحانه وتعالى. 

ولذلك، وعندما نجتمع من كل حدب وصوب، في رحاب وبجانب الضريح الشريف، في الذكرى السادسة والعشرين لرحيله، وأمامنا صورة ورسم فضيلة سيدنا، يمكننا أن نومئ ونشير إليه، ونتقدم منه بشكرنا وتقديرنا، أنه بنى لنا حضارة توحيدية راقية، في نطاق التعاليم والقيود والفرائض التي حافظنا عليها، كطائفة وكمجموعة دينية مميزة، خلال ألف سنة.

وسوف تظل الأماكن المقدسة، وأضرحة العُبّاد الصالحين في البلاد، منارات توحيدية متلألئة في سمائنا، تشملنا بالرعاية، والحماية، والعطف، والاهتمام، والدعم من الله العلي القدير، ولهذا نتوجه إلى كل فرد منا، أن يقوم بزيارة المقامات، وبينها ضريح سيدنا الشيخ، ليس فقط بالمناسبات الدورية، من أجل التبرك بالأنبياء الأطهار، والأولياء الصالحين، الذي يسهرون على راحتنا ويراقبون كل أفعالنا.

مقالات ذات صلة: