الموقع قيد التحديث!

بكاءٌ عَ الهَدى وقد لا يَسمع حدا

بقلم د. نجيب سلمان صعب – أبو سنان
نائب رئاسة اتحاد تعليم الكبار
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram
    اللغة العربية التي تعرف بلغة الضاد هي من أكثر اللغات انتشارا ضمن مجموعة اللغات السامية وتعد مظهرًا حضاريًا فريدًا:
  • تشمل اللغة العربية 12 مليون كلمة، وتتصدّر قائمة جميع اللغات في العالم.
  • يتحدث باللغة العربية نحو 467 مليون نسمة، وما يقارب 300 مليون ناطق بها.

في 18.12.2020 من كل سنة يحيي العالم اليوم العالمي للغة العربية، حيث توالت الأمور للوصول إلى هذا اليوم تطورات عديدة منها: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً عام 1973، رقم 3190 يقضي بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسميّة ولغات العمل في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، وذلك في أعقاب اقتراح المملكتيْن السعوديّة والمغربيّة في نطاق انعقاد الدورة رقم 190 لمجلس منظمة اليونيسكو التنفيذي التابع للأمم المتحدة.

وكذلك في عام 1960 أقرّت اليونيسكو استخدام اللغة العربية في مؤتمراتها الإقليمية، التي تقام في الدول الناطقة باللغة العربية، وترجمة منشوراتها ووثائقها الأساسية إلى اللغة العربية، وبعد ستة سنوات تقرّر تعزيز مكانة اللغة العربية في اليونيسكو، بتوفير خدمات الترجمة الفوريّة إلى هذه اللغة، ومنها إلى لغات أخرى. وبعد سنتين أي عام 1968 اعتُمِدَت اللغة العربية، بشكل تدريجي، لغة عمل، أُسوة بباقي اللغات المعمول بها، إضافةً إلى بدء الترجمة للوثائق والمحاضر الحرفية بشكل فوري إلى اللغة العربية. وفي شهر تشرين أول عام 2012، ولدى انعقاد الدورة ال 190 لمجلس اليونيسكو التنفيذي، تقرّر نهائيا، تحديد يوم الثامن عشر من كانون أول، يوما عالميًّا للغة العربية للمرّة الأولى في التاريخ. وبعد ذلك بأقلّ من عام واحد، وبالتحديد في 23.10 من عام 2013، أقرّت الهيئة الاستشارية للبرنامج الدولي لتنمية الثقافة العربية باسم “أرابيا” والتابعة لمنظمة اليونيسكو بأن يكون اليوم العالمي للغة العربية أحد الفصول الأساسية في برنامج عملها السنوي.

وإذ نحتفل جميعا بهذه المناسبة الثقافية والتربوية العطرة، لا بدّ من التطرّق إلى ما آلت إليه اللغة العربية في العقود الأخيرة، حيث أرى حاجة ماسّة إلى مراجعة أوراقنا جيدا للحفاظ على هذه اللغة حاليًّا ومستقبلاً كما كانت، ولنعود الآن إلى عنوان المقال.

“البكاء عَ الهَدى وقد لا يسمع حدا”، إنه بكاءٌ من نوع آخر، لا يصدر عن بكاء الذات، وقد لا يتفوّه به امرئ، وإنما هو بكاء اللغة العربية تزاوله يوميا على مدار الساعة تقريبا، وهذا البكاء لا يشعر به كل الناس جميعا، لأسباب عديدة نحن لسنا بصدد ذلك في هذه العجالة.

   هذه اللغة العربية المعروفة بلغة الضاد تُعدّ من أقدم اللغات السامية على الإطلاق، وقال تعالى في كتابه الكريم: “إنا انزلناه قرآنا عربيا لعلّكم تعقلون”. وهذه اللغة أكثر اللغات السامية تحدّثا، وأغزر اللغات أيضا بالمفردات، حيث أنها تحتوي على نحو12 مليون كلمة، وهي أكثر اللغات انتشارا في العالم، ويتحدّث في هذه اللغة نحو467 مليون إنسانا، والناطقون باللغة العربية في العالم يصل عددهم ما يقارب 300 مليون إنسانا، واللغة العربية الفصحى التي كُتبت بها النصوص العربية، وإلى جانبها اللغة العربية العامّية والدارجة التي تُحكى بلهجات عديدة محليّة، واللغة العربيّة الفصحى الحديثة، واللغة العربيّة القياسيّة الحديثة او ما تُسمى فصحى العصر وتسمى باللغة الإنجليزية “اللغة العربية الفصحى”.

  مع كل هذه التعريفات للغة الضاد، توجد تعريفات ومعلومات أخرى كثيرة تدعم لغة الضاد وتعطيها حقّها بين لغات العالم، حيث تحظى بمكانة مرموقة بين لغات هذا العالم الواسع.

  وفي الحقيقة لا أزيد تعريفا في هذه السطور، لأن اللغة العربية غنيّة عن تعريف إضافي، إلّا أنني أودّ إبداء بعض الملاحظات فيما يحدث لهذه اللغة في الظروف الراهنة، والتي ينبغي إبرازها، ووضع النقاط على الحروف من باب الأهمية في هذا السياق. فكُتّاب كثيرون يفقهون لغة الضاد، ويعطونها حقّها غير منقوص، من حيث أصول اللغة وقواعدها، واللباقة في الكتابة التي تظهر وتبرز أيضا صحّة اللغة وصحّة استعمالها واعطائها حقها في اللفظ الصحيح والحقيقي من ناحية القواعد والأداء السليم، إلّا أننا أيضا أيها القرّاء الأعزاء نرى ونلاحظ بين السطور لدى الكثيرين من الكُتّاب والخطباء، من مختلف الأطياف الأدبيّة والصحفيّة، ومن خلال النقاشات اليوميّة، والجدالات حتى بين الضليعين باللغة وبين المتضلّعين في هذه اللغة فهنا حدّث ولا حرج!!!

       فكثيرة هي الأخطاء اللغوية، إن كانت في اللغة المكتوبة، أو المسموعة والمرئية والمقروءة من على وسائل الاتصال المتنوّعة وخاصّة الحديثة منها، وفي كثير من الأحيان حتى تُقرأ خطأ، وُتكتب أيضا خطأ، وليست بموجب القواعد الصحيحة للغة الضاد، هنا من يفقه اللغة يسمع بكاءها عَ الهَدى، وجلّ السامعين لا يدركون ذلك أبدًا، أو أن الأمر لا يعنيهم.

 وأستميحكم عذرًا زملائي الذين يتبوّؤون مناصب اجتماعية، ثقافية، تربوية وسياسية، أرجوكم بربكم إنصاف اللغة ومراعاة أصولها، جيدا لأننا نضفي بذلك رونقا إيجابيا أكثر في صحة اللغة وأصولها.

   يعذرني القراء جميعا لأني هنا بصدد الملاحظات، وليس بقصد التعّرض لأيّ كان، لا سمح الله، وإنما لتبادل بعض منها.

   وقد نقرأ من على صفحات الجرائد، على اختلاف أنواعها، الكثير من الاخبار وربما المقالات التي تشعر أنت أيها القارئ، أيتها القارئة ببكاء اللغة الهادئ يا حرام!!  ولا مَن يكترث بذلك، فالأخطاء في الإملاء والقواعد تنتشر هنا وهناك، فبربّكم هذا يليق بلغة ال 12 مليون كلمة؟؟    

وهل يليق بهذه اللغة أن يتحدّث بها إنسان أيًّا كان، وربّما يكون يعمل في صحيفة، أو مؤسسة تعليمية، أو إعلامية او غير ذلك، بكلمات يجب أن تأخذ حقها في اللفظ الصحيح، وكأنّه لا علم له بهمزة القطع والوصل مثلا، وأين موقف الجار والمجرور، والمبتدأ والخبر، وغيرها من دروب أصول اللغة والنحو الصحيح؟

فاللقاءات الأدبية والصحفية والإلقاء فيهما، وحتى في مواقع الخطابات، وإلقاء الكلمات والأسئلة والإجابة عليها في بعض الأحيان، هنا يستوجب الأمر تقييمًا فوريًّا من قِبل ذوي الشأن، واستخلاص العبر على طريق التحسين للأفضل بهذا السياق.

   هنا البكاء ثانية وثالثة عَ الهَدى وتنتهي الكلمة والخطبة والنشرة والمقالة وغيرها في هذا المضمار وكأن شيئا لم يكن!   

  ففي نظري للتخفيف من هذا البكاء عَ الهَدى، يجب العمل على إعادة النظر في سبل وطرق إعداد وانتقاء الكوادر الفاعلة عن طريق دورات إرشاديّة يشرف عليها لغويّون في نطاق الحرص على سلامة وصحّة الأداء، ورفقا باللغة لأنه من حق السامع أن يسمع الكلام الصحيح والموزون، في ظلّ الأداء المدروس والمنقّح، ليخلو من الأخطاء اللغويّة والتي تظهر لدى لفظها خطأً وربما تكون مكتوبة بشكل صحيح والمشكلة في الأداء!

     وعليه أرجو أن تلقى هذه اللفتة الخاطفة آذانًا صاغية لدى المسؤولين وأولي الأمر، ومرّةً أخرى، بدون أي قصد للمسّ بأيّ كان، والهدف الأوّل والأخير في هذا المجال هو الأداء السليم، وإنصاف اللغة من الأخطاء التي تُسمع تقريبا، وتُقرأ أيضا بدون انقطاع.

وأقولها صراحةً: رفقا بلغة الضاد، هذه اللغة التي   يترتّب قراءة كلماتها بالفصحى، وإن قُرئت كذلك يجب أن تكون على أصولها، عندها فعلا، نتمكّن جميعا من وضع حدّ للبكاء ع َالهَدى، والمفروض أن يَسمع حدا إن شاء الله، والعرب والناطقون بالضاد بحبهم لهذه اللغة، منذ العصر الجاهلي، الذي اشتهر فيه العرب بالتباهي بمدى معرفتهم لقواعد هذه اللغة، وتطبيق نواحيها وخاصة في الشعر الجاهلي.

  كل هذا وغيره، مما تستحقّه هذه اللغة المصنّفة من بين أصعب خمس لغات في العالم، حيث انها تُعرف بكثرة وجود القواعد اللغويّة، الإملائية والنحوية فيها، ولأنّ هذه اللغة العربية الفصحى هي واحدة من اللغات السامية القديمة، والتي تقسم إلى سامية شرقية وسامية غربية، تُعتبر لغتنا هنا من اللغة السامية الغربية الوسطى، وهي من أقدم لغات العالم الأفروأسيوية التي يتحدّث بها أبناء القارتيْن أفريقيا وآسيا منذ العصر الحجري.

  وبالإضافة إلى ذلك كله، علينا ألّا ننسى أن هذه اللغة العربية الفصحى، هي التي وحّدت كلّ اللهجات العربية رغم صعوبة واختلاف هذه اللهجات، لأنّها لغة مرنة أيضا، فمِن جذر الكلمة الواحدة نستطيع استنباط العديد من الصفات والأفعال كما يعلم الكثيرون.   لذا علينا جميعا ومن مختلف الأُطر الفاعلة كلٌ في مجال عمله وبجدية مقاومة الظواهر السلبية في هذا السياق بغية التحدث والإلقاء والأداء وفي كل مناسبة كي نعطي هذه اللغة الفصحى حقها كاملا غير منقوص، ذلك نزولاً عند المسؤولية في الحفاظ على مصداقيتها، وبشتّى الوسائل لصيانتها وتدعيمها، كما تعوّد السالفون من لغويين ونحويين، لضمان استمرارها ماضيا، حاضرا ومستقبلا والله الموفق.

مقالات ذات صلة: