الموقع قيد التحديث!

بذور التوحيد

بقلم الأستاذ رياض أحمد كشيّك
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

الأهرام أقدم عجائب الدنيا وأخلدها، حاول علماء الآثار والفلك والهندسة والفنون حلّ بعض ألغازها، فوجدوا فيها بيت التنبؤات وأسرار المعرفة والحكمة، وأجمع المؤرخون أن الهرم الأكبر هو تجسيد لكتاب “الموتى” بما فيه من معرفة كونية، وتعاليم سماوية، وأسرار عن دورة الفلك وعلاقتها بدورة الحياة على الأرض، وفسّروا ما يرمز إليه بناؤه المثلث بمعنى، الخلق والعقيدة والتكوين. ومن أسراره برديات من الملك تحتمس إلى خوفو عندما سلّمه أسرار الهرم قائلا: “لا تدع أحدا يطلع عليه أو يراه إنه يحوي أسرارا مقدسة، تعطي لمن يكتشفها أسرار الغيب وتنير له الطريق المؤدي إلى عالم الخلود.”.

وقد قام جون غريفز أستاذ علم الفلك في جامعة أكسفورد، بتحديد التواريخ التي سجّلت تقاطع الممرات في داخله، فاكتشف أنها تمثّل الانقلابات الروحية الهامّة، من الطوفان العظيم بعد بناء الهرم، مرورا بعهد الأسرة إلى عام 1360 ق.م حيث الانقلاب الأعظم والاتجاه الصحيح لعبادة الإله الواحد. ويتّفق ذلك ورسالة التوحيد التي نادى بها أخناتون والتي استمرّت ما يقارب 140 عاما، كما يشرح خروج اليهود من مصر ورسالة موسى والرسالة المسيحية ويستمر بالرموز إلى رسالة التوحيد العالمية.

ولقد اتفق كثيرون من علماء العصر الحديث على إطلاق اسم خوفو كباني للهرم الأكبر، فكانت المفاجأة التي كشفها علماء البحوث أن كلمة خوفو ليست اسما لملك أو معلم بل هي لقب وترجمتها “جل جلاله”، كما اكتشفوا أنها كُتبت بجانب اسم خونوم، إله الشمس وبهذا اختلفوا بالإشارة للبناء.

ذكر المؤرخ المصري مانيون “300 ق.م” بناء الأهرام قائلا: “جاء قوم من الشرق بطريقة غريبة، قوم من عنصر مميز وغريب، غزوا بغير معركة” وتؤكد إحدى الوثائق الذين بنوا الهرم كمرصد فلكي ومعبد للتوحيد هم كهنة أتوا من الشرق أنصاف آلهة “أحد الوالدين آلهة والأخر بشر”، وأهل معرفة ويقال إن تفسير اللغز فيما يختص باسم باني الهرم موجود في داخله، وقد قام الكثير من العلماء بحفريات كثيرة صعبة وبوسائل حديثة وانتهت أبحاثهم جميعها إلى طريق مسدود.

وكما اختلف المؤرخون في تحديد اسم باني الهرم اختلفوا في تحديد نشأة التوحيد والإيمان بالله الواحد، فهناك تاريخ ما قبل الأسرة حيث تعدّدت المعبودات والآلهة والتعاليم والطقوس والمعتقدات، وبدأ بزوغ فجر التوحيد، كما ذكر المؤرخ مانيون، بعام 9500 ق.م، فنادوا بعقيدة التوحيد في عهد الملك رع (أي رب الأرباب) خالق الكون ورمزوا إليه بقرض الشمس.

لقد ظهرت نظريات حديثة تؤكد أن هناك علاقة بين تاريخ الطوفان العظيم وإغراق جزيرة أطلنطس وانتقال التوحيد عن طريق معبد الشمس في الأطلنطس ونزوح الموحدين إلى أرض مصر حيث بنوا الأهرام لتحفظ للعالم رسالة التوحيد. وفي حديث المؤرخ الإغريقي صولون مع كاهن أجابه الكاهن: أن تلك العلوم المقدسة توارثها الكهنة أنصاف الآلهة أبا عن جد وأطلعه على تماثيل لأولئك الأجداد وأخبره أن أولهم نزل من السماء لإنقاذ البشرية بعد الطوفان الذي أعرق الأرض، وقد كفر هؤلاء بتعاليم الإله وانتقل المنقذ إلى الأرض المقدسة ليقيم فيها معبدا وينشر رسالة التوحيد. وتشير برديات هرمس إلى تلك العلاقة “عندما آمن المخلوق برب السماء أنعم عليه بنعمة المعرفة، التي حملها إليه تحتمس وعرّفه معنى الخلود فآمن به.”.

الاهرامات – القاهرة

يقول المؤرخ البيزنطي شانسلو إن عقيدة التوحيد خضعت في تطورها إلى مذاهب، انتشرت لها المعابد وترجم كل معبد رسالة التوحيد إلى رموز وصور أرضية للإله، فرمزوا إليه بمختلف الصور والكائنات الحية والأسطورية. ولعبت السياسة دورها في العهد الثاني حيث تجاوز عدد الملوك الآلهة الثلاثين ملكا وزادت تلك المدة عن الأف وخمسمائة عام. ثم جاء عهد البعث حيث أطلق المؤرخون اسم الوحدة الأولى، واستمرّت تلك الوحدة حوالي ألف عام بعدها ففكّكت الوحدة واستقلت المعابد ودبّ الانحلال والانفصال، وأصبح لكل مدينة إله خاص إلى أن بدأ عهد التحرير في نهاية الأسرة الحادية عشرة وبداية الأسرة الثانية عشرة، إذ أصبح رع رب الأرباب عقيدة الملوك، يضاف إلى اسمهم اسمه، وينسبون انتصاراتهم وفتوحاتهم إليه.

جامع الحاكم بامر الله – القاهرة

ومن الحقائق التاريخية أن مقدمات هذا الانقلاب الديني قد بدأت في عهد تحتمس الرابع جد أخناتون، فقد كان هو أول فرعون ثار على سلطان الكهنة ونزع من أيديهم لقب رئيس كهنة القطريْن. وقلّده إلى أحد كبار مستشاريه الذين يركن إليهم وكان يسعى إلى نشر عقيدة التوحيد في محيط عائلته والقصر فقط، وذلك خوفا من سلطان الكهنة. وعندما تولّى أمنحوتب الرابع أي أخناتون بنى في بادئ الأمر معبدا في طيبة عاصمة البلاد وبدلا من رمز رع رب الأرباب رمز للإله بقرص الشمس آتون إله الشمس الواحد الذي لا شريك له. وكانت ثورة الكهنة ضد أخناتون عندما فاجأهم بدعوته التوحيدية:

أولا: إصراره على عبادة إلهه آتون الواحد الأحد الذي لا شريك له وليس له ولد.

ثانيا: تحريم عبادة آمون وغيره من مختلف الآلهة.

 ثالثا: نشر رسالته التوحيدية في طول البلاد وعرضها، وأعلنها منزّلة من الإله الأكبر خالق الوجود والبشر.

رابعا: أعلن أنه رسول هذا الإله إلى الأرض لتوحيده وتمجيده.

وتشير الوثائق إلى أنه في العام السادس لحكمه أغلق معابد الآلهة جميعها وهشّم تماثيلها، وأعلن أن ليس هناك إله معبود إلا إله واحد، ليست له صورة أرضية يُعبَّر عنها بأحد الكائنات، وكانت أول دعوة توحيد برسالته المشهورة التي بدأ بها صلواته. قام أخناتون برحلة مقدسة على سفينة أطلق عليها اسم “شُعلة آتون” ومعه قافلة من السفن تحمل رجاله وأتباعه ممن آمنوا بدين التوحيد. حيث رست سفنه في المكان الذي حدّده له الإله (أرض مقدسة لم يدنّسها بشر) والمدينة تُعرف كما ذُكر عنها” بتل العمارنة” وقد وُجدت لوحات كُتب عليها معنى وتاريخ هذه المدينة، التي تم بناؤها في عام كامل، كما بنى مدنا في سوريا وآسيا وأرسل البعثات الدينية إلى الحبشة وفلسطين وسواها. أما نهاية أخناتون فكانت عام 1358 ق.م وقد اكتنفها الغموض…

جلوات البياضة – لبنان

 بعد أخناتون استمرت عقيدة التوحيد في مد وجزر وطي ونشر، فكانت في رسالة موسى (ع) وفي رسالة السيد المسيح (ع) وفي رسالة محمد (ص)، وخرجت من عُبّاد إسرائيل ورهبان الإنجيل وحافظي القرآن، كما عاشت في فلسفة سقراط وأرسطو وأفلاطون وابن سينا والغزالي وسواهم. وعظم شأنها في عقلانية المعتزلة وإخوان الصفا ودعوة التوحيد عام 408 ه.


  • مقتطفات من الفصل الأول في كتاب من تأليف الأستاذ رياض أحمد كشيّك بعنوان “قطوف توحيدية – أخلاقيات من مسلك وعقيدة التوحيد الدرزي” تقديم الدكتور سامي مكارم إصدار الدار السورية للنشر والتوزيع 2011. الأستاذ رياض من الموحدين الدروز.  

مقالات ذات صلة: