الموقع قيد التحديث!

النبي شعيب عليه السلام

بقلم “الفاطمية من لبنان”
(الاسم محفوظ لدى هيئة التحرير)
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

من مواكب الإشراق التوحيديّة، تنكشف للعقل البشريّ أسرارٌ إيمانيّة تغمر الكون نسمات روحانيّة، تتوشّحُ بالنورِ الإلهيّ، وتسبحُ في ظلال المحبّةِ الرّبّانيّة، تهلُّ علينا من الرحمن المتطلّع إلى خبايا المحبّة.

من هناك، حيث كان الإنسان جوهرًا من جواهر الوجود قاصدًا حنايا المعرفة ليسافر عبرها إلى أعلى درجات التعاليم، وليتربّع على عرش الحقيقة كائنًا بشريًّا يستحقّ أن يرقى بروحه إلى رحاب الأنس والإنسانيّة كما أرادها له العزيز الخبير. من هناك أيضًا ومن بعض تلك الإشراقات التوحيديّة، ومن على ساحل الحجاز في مدينةٍ عُرِفت باسم جدِّهِ مدين ابن إبراهيم خليل الله.

وُلد سيّدنا شعيب صلوات الله عليه، وعاش وهناك كانت رسالته، وكانت أنواره التوحيديّة.

وبما أنه لكلِّ نبيّ رسالة، ولكلِّ رسالة هدف كانت دعوة سيّدنا شعيب سلام الله عليه، وكان لها أكثر من هدف، وأكثر من تصويب.

من المعروف أنّه كان للنهي عن عبادة الأصنام والأوثان شأو بعيد في معظم الرسالات الإلهيّة إلى البشر، ورسالة سيّدنا شعيب إحدى تلك الدعوات التي أكّدت على ما سبقها، ودعت إلى عبادة الله الواحد الأحد، وكان لبُعد المسافة الزمنيّة بين دعوة النبي إبراهيم وقوم مدين تأثير كبير لانجراف القوم عن التوحيد وعودتهم إلى عبادة الأصنام، ولكنّ الرحمة الإلهيّة ما كانت لتترك الجماعة من غير هادٍ أو نذير يصوِّب عقيدتهم الدينيّة، ويصحِّح مفاهيمهم الاجتماعيّة والأخلاقيّة.

انطلاقًا من تلك الدعوة الرسوليّة كان لسيّدنا شعيب هدف آخر اجتماعيّ إصلاحيّ ذو بُعدٍ تصحيحيّ لحالة اقتصاديّة كانت سائدة عند قومه مبنيّة على الظلم والفساد، ما شكّل ثورة على سلطة مدين ظلّ صداها يتردّد عبْر الدهور، وأرسى نهجًا قويمًا ارتبط بالضمير الإنسانيّ القاعدة الدينيّة مدى الأزمان.

وفي كتاب الله العزيز أنزل تعالى تلك الإشراقات النورانيّة لأنبيائه المُرسَلين، حكماء العالم ومعلّمي البشريّة، فذكر سبحانه سيّدنا شعيب في مواضع متفرّقة من سور: الأعراف، وهود والشعراء والعنكبوت.

فقال تعالى في سورة الأعراف آية 85: “وإلى مدين أفاهم شعيبًا قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءكم بيّنة من ربّكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين”.

إنّه جزء من جوهر الرسالة التي حملها صلوات الله عليه، وهي نهي مدين عمّا كانت تفعله من منكرات، منها انتقاص الأوزان، والكيل بمكياليْن. إنها مسألة فساد جسيمة انتهجها تُجّار مدين متجرّئين على الناس بالقوّة والعدد، وعلى الله تعالى بالبغي والعصيان، وقضيّة خطيرة تمسّ الأمن الغذائيّ والعدالة الاجتماعيّةّ وتعرّضها للفوضى والاضطراب.

أولئك القوم الذين توجّه شعيب برسالته إليهم كانوا يعبدون الأوثان من شجر ونبات وغير ذلك، ألا يحقّ لنا نحن كقرّاء في عصر الفكر والعلم أن نتوقّف قليلًا عند مَن كانوا يُعرفون يومها بالسادة والعقلاء لنبحث عن المستوى الفكريّ الذي كان يعيشه أولئك الضالون الذين إلى تعبّدهم شجر الأيك اعتبار الغشُ ذكاء ودهاء، وأذيّة الآخرين شجاعة وبطولة، ليتبيّن لنا قلّة التوازن بين وعيهم وشجاعتهم، وبين ما يدعونه عقلا وما كانوا يمارسون ويتعبّدون.

ولأنّ الأمر خطير  جدًّا ويستحقّ الرّعاية الإلهيّة كان جزءًا من رسالة خطيب الأنبياء عليه السلام، وهنا نلفت إلى القدرة التي يتمتّع بها الخطيب على جذب العقول والأفكار، وقدرته على الإقناع وإبلاغ الرسائل – وحتّى لا يسود ذلك النظام الفوضوي ويُعتبر عملا طبيعيًّا يتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد، كان الوفاء بالكيل والميزان وعدم التعرُّض للقوافل والمسافرين بغية السطو سلبًا وغصبًا أمرًا إلهيًّا في دعوة ذاك الخطيب العبقريّ لتُدفن تلك الرذيلة الاقتصاديّة عند مَن اخترعها وأرساها، وإلّا تحوّل البشر  إلى حالة قرصنة عالميّة لا تبقي ولا تذر.  

ذلك التشريع الإلهيّ الذي أرساه ذو الفضل “شعيب” عليه السلام بدعوة قوم مدين ومن خلالهم البشريّ إلى العدل والصواب، ونهيهم عن الغيّ والضلال، معرِّضًا نفسه والمؤمنين للجور والاضطهاد، كُرمى إعلاء كلمة الله تعالى، وكرمى الإنسان الذي هو خليفة الله على الأرض، وقيامًا للحجة عليه حنى لا يُقال ما جاءنا بشير ولا ندير.

وحتّى اليوم لا يزال ضوع رسالة سيّدنا شعيب يعطّر الكون بشذا دعوته الفيّاضة رحمة وإيمانًا وما زلنا نشتمّ عبق من يرقد في حطين عبيرًا قدسيَّا تتنفّس الحياة من أريجه عِزًّا وطهارةً.

وسيبقى متابعوه وأهل يقينه مقيمون على تعاليمه ومُهتدون بهديه إلى الوقت المعلوم.

سيّدي يا شعيب يا رسول العدالة الإلهيًة ويا صراطًا كتبته الحقيقة على صفحة الإنسانيَة رحمة وأيمانًا. سيّدي يا شعيب يا شمسًا أشرقت من نورانيّة الوجود، فملأت الدنيا ضياءً توحيديّا تلألأ بين السبحات وترانيم البشائر الكونيّة، ليرقى إلى معراج المعرفة عقلًا وهّاجًا يسكن في واحة التوحيد بالوجود والتنزيه. v

مقالات ذات صلة: