الموقع قيد التحديث!

“المقام الّذي ترنو نحو قبّتِه الأعيُن وتسافرُ نحو ضريحِهِ القلوب”

بقلم سماحة الشيخ أبو حسن موفق طريف
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي في معرفته نجاة، وفي طاعته حياة، والسّلامُ على أنبيائه المبثوثين دعاةً وهُداة، النّاطقين بالحقّ والحُسنى والأناة، والموقِظين للنّفوس التّائهة من الغفلة والسّبات.

بعد عامَينِ من قيود البُعد والانقطاع، يهلّ علينا نيسان هذا العام حاملًا معه حلل البهاء والقداسة، مفترشًا حلية الرّبيع النّضر في استقبال أمّ الزّيارات في معقل الطّهر والصّفاء – حطّين.  هذه الأرض الّتي باركها شعيبٌ خطيب الأنبياء بسُكناها، فطاب مقرّها وثَراها، وكُتب لها أن تحملَ شرفَ هذا السّاكن المبارك العظيم.

مئةٌ وثمانيةٌ وثلاثون عامًا مرَّت على اجتماع الطّائفةِ في هذه الزّيارة الشّريفة الطّاهرة، الّتي صارت محجًّا للقاصدين من كلّ جانب، وقد أتوها في الماضي على الرّغم من وعورة الطّرق وقلّة الحيلة، راكبين جواد الشّوق والتّوْق، مزوّدين بزاد اللّهفة الصّادقة لبصرِ هذا المقام الشّريف. مئةٌ وثمانيةٌ وثلاثون عامًا مرّت ولا زالت القداسةُ والبركةُ تشعُّ من جدران المقام، تتسلّقُ فوقَ العقود الحجريّة النّاطقة بشموخ هذا المعلم التأريخيّ التّوحيديّ، وترتاحُ فوق المداميك الّتي عمّرتها الأيادي البيضاء من الإخوة والسّادة السّلف الشّيوخ.

في كلّ ركن حكاية، وفي كلّ حجرٍ لسانٌ ناطقٌ بنادرةٍ من ذكريات هذا المقام الشّريف، وفي كلّ دربٍ مؤمنٌ قاصدٌ قانتٌ يعلو الدّرَج القديم مُقبّلًا ذات الحجر الّذي قبّله المرحوم سيّدنا الشّيخ أبو حسين محمود فرج (ر)، عابرًا جنبَ الزّيتونة الّتي أظلّت تحتها لقاءات المشايخ والإخوان، صعودًا إلى الغرفة المباركة حيثُ الضّريح الشّريف.

هناك، عند ذاك الباب الخشبيّ المسنود بالعتبة الحجريّة، تتحطّم كلُّ المشاكل والهموم. هناك، حيثُ يدخل المؤمنُ بخطىً خاشعةٍ ثابتة، يعيشُ معها حالةً روحانيّةً وجدانيّةً من الحساب والتّدقيق. يسأل نفسه عمّا قصّرت وأذنبت، راجيًا من الله ببركة صاحب المقام أن يقبل عملَهُ رغم التّقصير، ويُلحِق ذنوبَه ببحر عفوِهِ الكبير. خطواتٌ قليلةٌ من العتبة وحتّى الضّريح، تتلخّصُ معها رحلةُ الإيمان الحقيقيّ الّذي لا يتوقّف عند دنيا، ولا يعرفُ وجهة إلّا نحو النّور.

ليس عبثًا أنّها الرّحلة الّتي دعا إليها نبيّنا شعيب عليه السّلام. رحلةُ التّطهير من دنسِ الغشّ والخداع، والتّضحيّة لبناء مجتمعٍ عادلٍ يقوم على ثوابت المُثل العُليا من الأخلاق، وهو الصّوت الموحَّدُ الّذي نادت به الأديان مع اختلاف أسمائها، وأصَّلَتْ لها الرّسالاتُ السّماويّة مع تنوّع كتبها وأنبيائها، وهو ذاتُ التّوحيد الّذي يظهرُ جليًّا خلال هذا الشّهر المُزهر المُبهِر – شهر نيسان، إذ يلتقي فيه عيدُ الفصح المجيد بشهر رمضان المبارك وزيارة سيّدنا النّبيّ شعيب عليه السّلام.

وكم يسرّنا خلال هذا الشّهر الزّاخر روحانيّةً وتوحيدًا، أن نقطف معكم ثمار ما أسميناهُ مشروع “نيسان الخير”، مطلقين عبره مرشدي التّوعية التّوحيديّة من المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى في سائر البلدات الدّرزيّة، باثّين بين النّاس كلمةَ الخير، ومجتمعين وإيّاكم على ذكر محاسن نبيّنا شعيب عليه السّلام، عبر مشروعٍ أُعدَّ بين محاضراتٍ وندواتٍ وإصداراتٍ يوميّةٍ جمعتنا سويًّا على الفضيلة. إنّها رسالتنا ورؤيانا الّتي لا نزالُ نرفعُ رايتها وقنديلها، وننادي بتأسيسها وتثبيتها، راجين من خلالها أن نصل إلى كلّ بلدةٍ وحارةٍ وبيت، مقدّمين للصّغير والكبير خدمات المجلس الدّينيّ في التّوعية الدّينيّة والتّثقيف الرّوحيّ الأخلاقيّ.

وإنّنا إذ ننظرُ اليوم وراءنا ملخّصينَ شهرَ نيسان مع حلول الزّيارة، لوددنا دون شكّ أن تكون الأيّام كلّها كنيسان، لنرى دائمًا هذا الإقبال الجماهيريّ التّوحيديّ على النّدوات والمقامات، ونستمرّ معًا في تعمير هذه الجسور المتينة الرّائعة بين أبناء المجتمع التّوحيديّ الواحد في البلاد. هذا المجتمع الّذي نفتخر به كلّ الفخر، ونرتقي بطاقاته وقدراته أعالي القمم، شاهدين لأهله بما نعاينه منهم يوميًّا من طيب النّوايا والمقاصد، وبُطولة الأعمال والمواقف.

إلى كلّ موحّدٍ وموحّدة نمدّ الأيادي ونقول: نحنُ هنا من أجلكم في كلّ زمانٍ ومكان. تعالوا بنا نوحّد المساعي والقوى من أجل الـ “نحنُ” لا الـ “أنا”، مجتمعين تحت ظلّ بيرقنا البهيّ المخمّس الأنور، ورسالة نبيّنا الأكرم شعيب عليه السّلام.

رجاؤنا لنيسان في العام المقبل أن يزهر ربيعُهُ بحلول السّلام والأمن والأمان المنشود، وقد أسعفنا الحظّ بعد طول انتظارٍ بلقاء الأهل والمشايخ من لبنان وسوريا والأردن، وقد قدموا زائرين إلى المقام الشّريف في حطّين. هذا المقام الّذي ترنو إلى قبّته الأعيُن وتسافر نحو ضريحِه القلوب. زيارةً مقبولةً للجميع وكلّ عام وأنتم بألف خير.

مقالات ذات صلة:

في ربوع الأردن، ابنا للبك

للملكة الأردنية الهاشمية ولنهر الأردن النابض بمياهه، وللغور الصامد بأبنائه وبناته ومملكته، ولكل شبر في الدولة الأردنية، مكان في قلبي،