الموقع قيد التحديث!

المرحوم المربي أبو أمير عاطف كيوف

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

انتقل إلى رحمته تعالى في قرية عسفيا، المرحوم المربي الأستاذ أبو أمير عاطف كيوف (1940- 2018) وذلك إثر وضع صحيّ غير مستقرّ، ألمّ به في الأشهر الأخيرة، واضطره إلى المكوث في المستشفى، والصراع مع الآلام والأمراض. وقد ترك المرحوم إرثا كبيرا، وعملا ضخما، ومسيرة طويلة، مليئة بالخدمة والعطاء والدعم للمجتمع، والطائفة، وجهاز التربية والتعليم الدرزي في البلاد.

 وُلد المرحوم في عسفيا، ابنا للوجيه أبي سامي محمد كيوف، وتعلم في المدرسة الابتدائية في القرية، ثم انتقل للدراسة الثانوية في الكلية الارثوذكسية في حيفا، وتخرج مع أخيه الأكبر سامي، فعينا في جهاز التربية والتعليم، وكانا من أوائل المتعلمين في الطائفة الدرزية في إسرائيل. وقد تقدم المرحوم في عمله، فعين في البداية معلما ثم مديرا للصفوف الصناعية في مدرسة اورط في عسفيا، وبعدها مديرا للمرسة، وشارك في تأسيس المدرسة الثانوية المشتركة لدالية الكرمل وعسفيا، وكان مديرا لها. وكان له نشاط بارز في مجلس أمناء سلطة الإذاعة والتلفزين حيث انتخب عضوا فيه لعدة دورات وكان دائما يحاول أن يحسن من البرامج وأن يسعى لاستقلالية الراديو والتلفزيون، وقد نجح كثيرا بذلك كما كان عضوا في عدد كبير من إدارات مؤسسات تربوية وثقافية وبلددية وأكاديمية وغيرها، وكان مشاركا لجميع أفراد المجتمع في السراء والضراء.

المرحوم عاطف كيوف (من اليمين) مع المرحوم والده الشيخ ابو سامي محمد كيوف واخوانه سامي ومعين

المرحوم عاطف كيوف مع المرحوم فؤاد الأطرش في القاهرة

وقد جرى للمرحوم، مأتم حاشد، في بيت بني معروف، الذي غصّ بمئات المشيعين من الكرمل، ومن معارفه في الجليل وفي المجتمع العربي، من وجهاء ورجال تربية وتعليم، وأصحاب وظائف، وأصدقاء، ومعارف، في مقمتهم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف، وسعادة القاضي فارس فلاح، وقضاة المحاكم الدينية، وكبار المسئولين والموظّفين والضباط من أبناء الطائفة الدرزية، ومن المجتمع العربي في البلاد. وألقى رئيس المجلس المحلي، ابن عم الفقيد، السيد أبو عميد وجيه كيوف، كلمة عدّد فيها خدمات ومزايا وأعمال المرحوم، الذي كان من أوائل المثقفين والمعلمين في الطائفة الدرزية، وكان سندا وداعما لتأسيس جهاز التربية والتعليم، الذي نهض بالطائفة، وزرع فيها بذور العلم والثقافة، كما أنه كان مندوبا عن المجتمع العربي في إدارة سلطة الإذاعة والتلفزيون، فقام بدفع وتأييد عشرات من رجال الإعلام العرب والدروز، ورفع مستوى دار الإذاعة الإسرائيلية والتلفزيون الإسرائيلي. وألقى رئيس المجلس المحلي المنتَخَب، السفير أبو ايمن بهيج منصور، كلمة تأبين سرد فيها أعمال ومواقف ونشاطات المرحوم، ذاكرا أن قرية عسفيا والطائفة والمجتمع يفتخرون به، ويأسفون على رحيله، ويشكرونه على كل أعماله وإنجازاته. وألقى فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف كلمة جاء فيها:

” بسم الله الرحمن الرحيم-

 غَنيٌّ عن القول والتعريف أن فقيدنا الراحل الكريم، ابا امير عاطف كيوف، كان علما من اعلام مجتمعنا وركنا من اركانه. عرفناه صديقا صدوقا وفيا، ورجلا كريما عصاميا. لقد كان فقيدنا إنسانا متواضعاً خلوقاً مهذباً، مُلِمّاً بالأصول والمبادئ ويعملُ بها، ويتعامل مع الجميع بأدبٍ ودماثة أخلاق. لقد كان طيب السمعة، حسن السيرة، كريم النفس، مخلصاً لأهلهِ ومُجتمعهِ ووطنه، صاحب النوايا الحسنة، محباً للدين وأهله، مُتمسِّكاً بالعُرف والعادات والتقاليد الأصيلة. لقد كان فقيدنا الراحل احد رجالات هذا المجتمع البارزين، ممن نفتقدهم بيننا حين نلتَئم ورحيلهم عنا يترك فراغا في المجتمع. لقد كان راحلنا نِعْمَ الرفيق والصديق، مُكَرِّساً من وقته الكثير للمصلحة العامة والمجتمع. كما كان من اوائل المثقفين الدروز في هذه البلاد، الذين لم يستغلوا عِلمهم وثقافتهم لأنفسهم فقط، بل تقاسموها مع الآخرين، فامتهن مهنة التعليم ليُصبح معلماً ومدرسا ومُربياً لأبناء الأجيال الصاعدة مِن ابناء مجتمعنا. لقد تَحَدَّر فقيدنا من عائلةٍ كريمةٍ عريقة، لها كرامتها ومكانتها في المجتمع، انجبت شخصيات، لهم مكانتهم وتقديرهم فيه.

لقد كان ابو امير عضوا ناشِطاً فعَّالاً في المجتمع، كونهُ المربي الخلوق، والمعلم والمرشد المستقيم الامين على رسالتهِ. وكان مِنَ الذين يضعون نصب اعيُنَهُم العلم والتعليم والإرشاد، ومِمَنْ يضحون ويساهمون في تربية الاجيال الناشئةِ الصاعدة، ومن اجل تخريج نشئ صالح، مثقف متعلم، مُخَلِّفاً، بعد رحيله، صرحا شامخا من التربية والتعليم يُخَلِّدهُ، ويُبقى ذكره.

استمر فقيدنا بالعمل الجماهيري بعد خروجه للتقاعد واشغل مناصب رسمية وشعبية ابرزها عضو ادارة سلطة البث حيث ترك بصمات في حقل الاتصالات بكل ما يتعلق بالوسط العربي. تمتع بشخصيةٍ جعلت كل من يعرفه يحبه ويتوقُ للعمل معهُ، والتعاون وإيَّاه، مما جعلنا، جميعا، ناسف على رحيلهِ، وعلى قطع مسيرةِ عطائهِ، التي تميَّزت بالنشاطات الحيوية، والأعمال الطيبة، والتي كان مِن المُبادرين اليها والعاملين بها.”.

وألقى أمام الجمهور الشيخ سميح ناطور الكلمة التالية قبل بدء الصلوات:

بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 في هذا الموقف المهيب

تتجلى عظمة، أولئك الذين، عملوا كل حياتهم

 بهدوء، وبدون ضجة، وبلا مباهاة،

وحققوا لمجتمعاتهم أكبر المهمات.

وأنت، أخي أبا أمير

كنت عملاقا في عطائك، واعمالك، وإنجازاتك.

وكنت بحرا في سخائك، ودعمك، ومشاريعك.

وكنت ممن يحقق، ويتمم معاملة، ويسهل الأمور،

سواء لفرد توجه إليه، او لمجموعة، أو لمؤسسة…

كان بابك مفتوحا لكل طارق،

وكانت كلمتك مسموعة، في النوافذ العليا.

وكم خرج من مكتبك، وبيتك، وسيارتك،

مجبورو الخاطر، وأصحاب حق، كادوا أن يفقدوا حقهم،

وشباب موهوبون، ذوو قدرات،

كان ينقصهم فقط، من ينتبه إلى إبداعاتهم…

وقد كنت من أركان التربية والتعليم في البلاد،

ومن دعائم دائرة المعارف الدرزية،

ومن أوائل مديري المدارس، أصحاب الجدارة،

وحققت للكرمل، والطائفة، أكبر الإنجازات التربوية.

وعندما أنهيت دورك الرسمي،

تفرغت لخدمة المجتمع الإسرائيلي بأكمله،

وشمل فضلك كافة الطوائف،

فقد كنت من القلائل، الذين حباهم الله، بالنظرة السليمة، وبالفكر الثاقب،

ومعرفة الحل، قبل عرض السؤال.

وبالإضافة إلى كل ذلك

كنت، أخي أبا امير إنسانا،

وكان تعاملك مع الجميع شفافا،

على أساس المساواة، والاعتدال، ومصلحة المجتمع،

لذلك لم يكن غريبا علينا هذا الصباح،

أن نرى مجتمعا كبيرا، يهتز، ويفجع مع وصول خبر وفاتك إليه،

فكنت تراه مذهولا، واجما لا يصدق..

ثم أخذت تنهال كلمات التاثر والتأبين،

من عشرات المصادر والأشخاص، الذين

تعودوا خلال عشرات السنين، أن يروك، ويسمعوك، ويستشيروك…

ونحن هنا، في الكرمل الأخضر، الشامخ، الزاهي،

لا نستغرب ان يزداد الكرمل الأخضر اخضرارا،

فجثمانك الطاهر، سيجثم فيه، ويزيده عطرا وزهوا…

فإلى الجنات، وإلى النعيم الأبدي،

أيها الراحل الكريم،

وليتغمدك الله، سبحانه وتعالى، بوافر رحمته،

ولتظل ذكراك ناصعة للأبد،

باستقامتك، وطهرك، ونبل أخلاقك…

وإلى الأهل والعائلة،

 لا نعتبر فراق أخينا فراقا،

فهو باق في أذهان، وقلوب، الآلاف

من الطلاب، والزملاء، والأهالي، والمعارف، والخبراء، والأصدقاء، وغيرهم،

رحمه الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

تأبين المرحوم

مقالات ذات صلة: