الموقع قيد التحديث!

المرحوم الكاتب أبو عماد مصباح حلبي

بقلم المرحوم الشيخ سميح ناطور
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

فُجعت قرية دالية الكرمل والطائفة الدرزية، برحيل الكاتب والصحفي المرحوم أبو عماد مصباح حلبي (1941 – 2018) الذي عانى في الأشهر الأخيرة من مرض ألمّ به وأقعده. وكان المرحوم من أعلام المجتمع في البلاد، فقد شغل وظائف متعددة، وكان نشيطا في عدة مجالات، وامتهن الصحافة المكتوبة والمسموعة، وكان غزير الإنتاج، فأصدر مجموعة من الكتب باللغتين العربية والعبرية، وكان وجها معروفا، ووجيها معتمدا في الطائفة الدرزية وفي المجتمع العربي في البلاد، كما أنه كان محاضرا متخصصا عن الطائفة الدرزية، ألقى مئات المحاضرات، أمام آلاف المواطنين في البلاد، شارحا أوضاع الطائفة الدرزي وخدماتها. وُلد المرحوم في قرية دالية الكرمل، وتعلم في مدرستها الابتدائية، ثم انتقل للدراسة في مدرسة عبرية، وعاد مثقفا يجيد اللغة العبرية، وله اطلاع واسع في الشئون الخارجية، فبادر مع زملاء له من الطلاب الثانويين في القرية، إلى تأسيس منظمة ثقافية أُطلق عليها اسم “النهضة الثقافية لشباب دالية الكرمل”، كانت ظاهرة إيجابية في القرية، حيث تم افتتاح مقر، نُظِّمت فيه محاضرات ولقاءات وندوات ودورات ثقافية، وتم فيه دعوة كافة كبار الكتاب والشعراء العرب والدروز في البلاد، لإلقاء محاضرات، وإجراء ندوات أمام شباب وشيوخ القرية، مما شجع الحركة الثقافية الأدبية في القرية والطائفة. وقد ترأس هذه المؤسسة لعدة سنوات. ثم قام الوجيه أبو لطفي أمل نصر الدين، بتعيينه مساعدا له بوظائفه المختلفة في نقابة العمال العامة “الهستدروت” وظل ملازما وصديقا وقريبا من السيد أمل نصر الدين، حتى أيامه الأخيرة. وقد أُسندت إليه وظائف مختلفة في الهستدروت، منها سكرتيرا لمجلس العمال في دالية الكرمل، وبعد ذلك مديرا لقسم في مجلس عمال حيفا، وفي شؤون التنظيم المهني. وقد عُيّن بدعم من السيد أمل نصر الدين، قاضيا في محكمة العمل في حيفا، ودعم في منصبه هذا، مئات المواطنين في المنطقة، الذين التمسوا العدالة في المحكمة. وكان في نفس الفترة، قد بدأ نشاطا صحفيا مكثفا، فعمل مراسلا لعدة صحف عبرية وعربية منها، صحيفة يديعوت أحرونوت، وصحيفة اليوم، وصحيفة الأنباء، والتحق بالعمل كمراسل أخبار في دار الإذاعة الإسرائيلية، وكان نشيطا بارزا في هذا المضمار، فكانت الإذاعة تعتمد عليه، وعلى تقاريره الشيّقة، وعلى علاقاته الاجتماعية. حيث كانت الأخبار موثقا بها، فقام بتغطية الأحداث في حرب الأيام الستة، وفي حرب الغفران، وفي حرب لبنان، فوصل كمراسل للإذاعة، إلى أهمّ الشخصيات في لبنان، وفي إسرائيل، وفي الضفة الغربية، وفي كل مكان وصل إليه إسرائيلي. وقد اهتمّ بحكم تواجده المقرَّب مع السيد أمل نصر الدين، بالكلمة المكتوبة، فبدأ بإصدار كتب عن الطائفة الدرزية، وعن مواضيع إسرائيلية باللغتين العبرية والعربية، غطّت مساحة إعلامية هامّة بالنسبة للطائفة الدرزية. وقد حصل على جائزة التفرّغ من قِبل وزارة الثقافة، كما أنه مُنح شهادات تقدير، وأوسمة كثيرة، من مؤسسات وبلديات. وكان محاضرا مطلوبا جدا، يدعى إلى أهم المراكز في البلاد، لإلقاء محاضرات عن الطائفة الدرزية. وكان مشارِكا في كافة الأحداث والمناسبات في الوسط العربي، وفي أوساط الطائفة، وعند أصدقائه من المجتمع الإسرائيل.ي وقد قام بزيارته في بيته كصديق، أهم الشخصيات الإسرائيلية وفي مقدمتهم، رئيس الحكومة الأول السيد دافيد بن غوريون، وكذلك رئيس الحكومة السيد إسحاق رابين أثناء رئاسته، وعدد كبير من الوزراء ومن الشخصيات المرموقة في البلاد.

وقد أصيب في السنوات الأخيرة، بوعكات صحية، لكنه استطاع أن يتغلّب، وأن يستمرّ بنشاطاته الجماهيرية، فكان فعّالا كثيرا في نشاطات بيت الشهيد الدرزي، حيث قام بعرافة كافة الاحتفالات، وأيام الذكرى، والمناسبات الرئيسية في البيت، بالإضافة لاستقباله عشرات البعثات الرسمية والأهلية من زوار البيت، وتقديم الشرح الوافي لهم عن الطائفة الدرزية.

المرحوم مصباح حلبي مع عائلته

رئيس الحكومة السيد دافيد بن غوريون في بيت المرحوم مصباح حلبي

مع رئيس الدولة المرحوم شازار والمرحوم الشيخ جبر داهش معدي

مع رئيس الدولة المرحوم هرتسوغ

وفي الأشهر الأخيرة، تغلب عليه المرض فغاب عن المؤسسة وعن النشاط، بضعة أشهر إلى أن أسلم الروح، حيث جرت له جنازة كبيرة في القرية، وكان في مقدمة المشيّعين، فضيلة الشيخ موفق طريف، وفضيلة الشيخ أبو علي حسين حلبي، والسيد أمل نصر الدين، وعدد كبير من وجهاء الطائفة الدرزية والمجتمع. وبعد الصلاة على الجنازة، ألقى السيد رفيق حلبي، رئيس المجلس المحلي كلمة تأبين شاملة عن المرحوم، ذكر فيها صفاته وخصاله ومناقبه، مشددا على مساهمته الكبيرة للقرية والطائفة والمجتمع. وتحدث بتأثر كبير، السيد أمل نصر الدين، مؤبّنا صديقه وزميله خلال ستين سنة، معدِّدا بعض النواحي الهامّة في هذه المسيرة الطويلة، ذاكرا أن المرحوم كان صاحب البيت المفتوح، يقصده القاصي والداني، والقريب والبعيد، وخاصة المواطنون الذين كانوا بحاجة إلى إرشاد وتوجيه في معاملاتهم الرسمية، فكان دائما مرحِّبا بشوشا، يبذل كل جهد في تقديم أي مساعدة وأي عون، كما أن بيته هذا قام بزيارته قادة الدولة وزعماؤها وكبارها، وكان بالإضافة إلى ذلك كاتبا مبدعا، وأديبا معروفا، ومحاضرا شيقا، يعرفه الجميع، ويأنسون إليه، بالإضافة إلى كل ذلك، أضاف السيد أمل، أن علاقته به كانت لمدة ستة عقود، مبنية على الاحترام المتبادل، وعلى التقدير، حيث بدأ هذا التعاون منذ أوائل الستينات، في مؤسسات الهستدروت، وبعد ذلك كان أبو عماد عنصرا مركزيا في بناء وتأسيس بيت الشهيد الدرزي، وفي إحياء النشاطات فيه، كما كان أبو عماد صديقا مخلصا، بنى أسرة محترمة، واعتُبر أحد وجهاء القرية، والطائفة، والمجتمع الإسرائيلي. وألقى فضيلة الشيخ موفق طريف كلمة تأبين جاء فيها:

السيد امل نصر الدين يؤبن المرحوم مصباح حلبي

” نقف اليوم, وبحكم من القضاء والقدر خاضعين لعظمة جلال الخالق سبحانه, خاشعين أمام عبرة الموت, مُشيِّعين جثمان راحلنا الغالي, المأسوف على عطائه, أبي عماد مصباح حلبي, المُتَحَدِّر من بيتٍ كريمٍ وعائلةٍ كريمةٍ, لها مكانتها في هذه البلدة وخارجها. لقد ربطتنا بفقيدنا الغالي، ابي عماد، علاقة خاصة ومميزة، ومع المرحوم جدي، وايضا مع المرحوم، العم الشيخ ابو حسن كامل طريف. لقد كان راحِلُنا عَلمَاً من أعلام هذا البلد العامر, وركنا من أركانه, لا بل عَلماً من اعلام مجتمعنا في هذه البلاد. لقد تركتنا مُبكرا يا ابا عماد, وتركت في قلوبِ الأهل والمعارِف والأصدقاء، حسرةً على فَقْدِكَ, لقد عرفناك خلوقاً, إنسانا متواضعاً. عاملت الناس بأدبٍ, بالحُسنى وبدماثةِ الأخلاق, وتعاملت معهم, من خلال عملك والمناصب التي عملت بها, بكلِ حنكةٍ ودرايةٍ وصوابِ رأي. أديت الواجب وشاطرت الناس مناسباتهم.

فضيلة الشيخ موفق طريف يؤبن المرحوم

كنت طيب القلب، حسن النيّة، باسم المُحَيَّى، تحترم الُجميع. سديد الرأي، وُدِّي العلاقة مع الآخرين، مُحِباً لهم، فأحبك كل من عرفك وأسف على رحيلك. عرفناك، فعهدناك صديقا صدوقاً وفياً كريما. كُنتَ دائما في ألمقدمةِ، تعمل ما استطعتَ في خدمة المجتمع والناس.

كان لأبي عماد مصباح، الباع الطويل، في مجالات الأدب، والثقافة، والصحافة، فقد سخّر إنجازاته من أجل خدمة المجتمع في البلاد، وقام بدور إعلامي هام، حيث قام بإلقاء محاضرات عن الطائفة الدرزية، في عشرات البلدات والمدن والقرى، حين كان المجتمع الإسرائيلي، متعطشا أن يعرف عن الطائفة الدرزية.

مع رئيس الحكومة المرحوم رابين

مع رئيس الحكومة شارون وعضو الكنيست السابق السيد امل نصر الدين

مع المرحوم شمعون بيرس

إن الصفات التي تحلى بها فقيدنا الراحل, تدل على انه كان يتمتع بشخصيةٍ مُميَّزةٍ، جعلت مِن كلِ مَن عرفه، يُكن له كل الحب والاحترام, ولأننا نؤمن بمشيئة الله، سبحانه وتعالى, وان الأعمار بيدهِ, جل وعلا, وأنهُ يتوجَّبُ على الإنسان ان يتقبل حكمهُ بالحمد والشكر، والصبر الجميل والثناء, نُطأطئ رؤوسنا أمام عزة الخالق, ونتوسل اليه أن يُبقي علينا ذكرى فقيدنا الغالي طيبةً كما عهدناها…

المرحوم مصباح حلبي والشيخ سميح ناطور

وننشر فيما يلي كلمة لنا كُتبت خصيصا في هذا الموقف:

” أخي أبا عماد، تفاجأنا، أنك أسرعت الرحيل،

لكنها مشيئة الله، سبحانه وتعالى

ونحن نتقبلها بالرضى والتسليم.

أخي، سنذكرك، تملأ المجالس

وتقفُ أمام العشرات والمئات

محاضرا، خطيبا، فصيحا، جريئا

يستقطب الانتباه والحضور.

وقد كنت ركنا من أركان الثقافة، والإعلام، والحياة الجماهيرية،

في القرية، وفي المجتمع باسره،

وكنت من دعائم، واسس، العلم، والأدب، والصحافة،

في الدولة بكاملها

على مختلف طوائفها، ودياناتها، ومركباتها.

كانت لك مكانة مرموقة في المجتمع،

وككل إنسان بارز شامخ، وُجهت لك، أحيانا ملاحظات وانتقادات،

لكنك كنت تعطي دروسا في الأخلاق،

حينما كنت ترد عليهم بابتسامة، وتتجاوز عن كل إشارة،

بالكلمة الحلوة، وبالتبجيل والاحترام للقائل،

وهذه الخصلة هي من شيم العظماء والكبار.

أخي أبا عماد، عرفتك منذ أوائل الستينات،

وأقمنا، مع شباب القرية، بدعمك،

 مؤسسة ريادية، كانت الأولى من نوعها، وكنت قائدها،

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت ملازما، ورفيقا، لكبار القادة،

وفي مقدمتهم، فضيلة المرحوم سيدنا الشيخ امين طريف،

والمرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، والمرحوم الأمير مجيد أرسلان، والمرحوم الشيخ جبر معدي، وغيرهم من شيوخ الطائفة. وكذلك المرحومين، دافيد بن غوريون، واسحق رابين، وغيرهما من زعماء البلاد.

وهنا، أذكر، أنني وأنت، تفيأنا خلال ستين سنة،

في ظل، وجوار، ومعية،

 أخينا، أبي لطفي، امل نصر الدين، أطال الله في عمره

وكان وما زال يحترمك ويجلك.

أخانا أبا عماد، إنك ترحل، لكنك، تترك وراءك إرثا ضخما يشهد لك أنك من خيرة رجالات هذه القرية،

فإلى جنات الخلد، أيها الراحل الكريم،

وكلنا أمل، أن يتغمدك الله، بوافر رعايته وحنانه.

ونحن نشاطر الأبناء، والإخوة، والأسرة، حزنهم،

لكن، ليرفعوا جميعا رؤوسهم، بما حققت في حياتك،

وما تركت بعد وفاتك. وإنا لله وإنا إليه راجعون

مقالات ذات صلة: