الموقع قيد التحديث!

المرحوم الشيخ ابو يوسف سليم البيطار

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

(توفى عام 1951)

أحد كبار مشايخ الدين الذين عاشوا في النصف الأول من القرن العشرين في لبنان، في فترة ازدهرت فيها حركة المشايخ الكبار الأفاضل، ونعِمَ الدين باهتمام بالغ من مجموعة من المشايخ المتنوّرين الذين حفظوا المعلوم الشريف عن ظهر قلب، لكنهم لم ينزووا في ركن صغير في وجودهم، بل اندمجوا في المجتمع الدرزي، يحاولون أن يرشدوه ويصححوا أخطاءه وينتقلوا وإيّاه إلى الطريق الصحيح. كان فضيلة الشيخ أبو يوسف سليم شجاعا مقداماً سيداً في أسرته وعشيرته وبلاده. كان مواطنا صالحاً يقوم بواجباته الشخصية والعائلية والطائفية، وكان يدعو إلى الحسنى والرفق والمعاملة اللطيفة، وكان في نفس الوقت يتقبل الخير والشر، والمضر والنافع، والسرور والألم، بصدر رحب، ونفس عزيزة، وإيمان قوي.

نشأ الشيخ في قرية بطمة الشوف لوالدين متدينيْن، فشب متمسكاً بأهداب الدين، متقيدا بتعاليمه، داعياً الشباب إلى الانضواء في صفوفه للتحلي بالأخلاق والتعاليم المذهبية. وعندما شبّ، أدرك أن الجهاد في سبيل القيم الروحانية هو واجب دين، ومطلب ربّاني، وأجر كبير، فقضى حياته في جهده التوحيدي، حاملاً مبادئه وتعاليمه وأسلوب حياته في كل مكان دون كلل أو ملل، ولم تخفَ عنه الحقائق، بل أنارته معارف التوحيد، ورفعته من عالم الكثافة المرتبط بمباهج الدنيا والشهوات الجسمانية والأغراض المادية، إلى عالم اللطافة والنعومة والروحانيات. وكان يتمتع بصفات خاصة ونادرة، منها فراسة لا تخيب، ودقة في الملاحظة وقدرة خارقة على كشف خبايا نفوس الحاضرين والناظرين والمتكلمين. وقد عُرف بين مشايخ الدين بعلومه وزهده وتقواه، فاجتمع بهم الرأي على تعميمه بالعمامة المكورة لتعمقه في الدين ومنزلته وخدماته وحب الناس له.

ذكر الشيخ أبو صالح وهيب نصر الدين، أن الشيخ أبو يوسف سليم البيطار كان من أزهد أرض الأرض في الدنيا، ومن الأتقياء المتعففين، وكان قد سمع الشيخ أبو صالح ذياب حلبي يقول: إنه اجتمع مع الشيخ أبو يوسف سليم البيطار، وكان برفقته الشيخ أبو يوسف سلمان نصر وقد شاهدا بأمّ عينهما الحالة القاسية التي كان يعيش فيها الشيخ، فنظرا إلى قمبازه، وسجلا وجود ستين رقعة فيه، وذلك دليل التقشف والزهد، وكان بيته رمزا للبساطة والتقشف، ولم تكن فيه أي فرشة، بل كانت فيه بعض جلود الماعز يجلس عليها أكابر مشايخ واعيان البلاد الذين كانوا يزورونه. وسمع الشيخ أبو صالح وهيب الشيخ أبو علي أنيس سيد أحمد يتحدث عن زيارة له للشيخ أبو يوسف سليم البيطار قائلاً: إن وفدا كبيرا من مشايخ البلدان قاموا بزيارة فضيلة الشيخ أبو يوسف سليم البيطار، وكان صاحب مواشٍ وأغنام فجهز وليمة غنية دسمة مليئة باللحوم والألبان والخبز من النعم التي أنعمها الله على الشيخ. وقد تناول العشاء عشرات الضيوف والمدعوين. وأضاف الشيخ أبو علي أنيس: كنا جماعة من أصدقائه وسمعناه يقول إنه يريد أن يتعشى فتبعناه إلى حيث جلس ورأيناه أنه لم يصب أي صحن من الوليمة الكبيرة إنما دخل إلى حجرته وتناول كسرة من الخبز اليابس وقال بتجابروني؟ قلنا نعم. فأعطى كل واحد منا كسرة خبز مع قطعة لبنة مجففة مالحة . ولم نستطع مذاق القطعتين إلا بشق الأنفس. أما هو فقد جلس بتلذذ واستمتاع وحمد وشكر يأكل قطع الخبز واللبنة اليابسة وكأنها أفخر وجبة في الوجود.

وذكر الشيخ أبو صالح وهيب أن للشيخ أبو يوسف كان ابن اسمه يوسف وكان شاباً نشيطا حكيماً ذكياً حفظ الحكمة الشريفة وهو صغير. ومرّت به بعض السنون ولم يتزوج وقد أوكله والده أن يكون مسؤولا على قطيع الماعز الكبير الذي يملكه الشيخ وفي أحد الأيام مرض يوسف وعاد مع القطيع إلى البيت في ساعات بعض الظهر قبل أوان عودة باقي الحيوانات. فلامه أبوه لعودته مبكراً ولم يقل يوسف شيئاً، إنما أخذ القطيع وخرج من جديد إلى المرع، وعاد في الوقت المعهود كل يوم، لكنه جمع أدواته وأغراضه ولم يخبر أحدا أنه مريض وأنه عاد مبكرا لأنه كان مريضا فآوى إلى فراشه ونام النومة الأبدية إذ توفي من المرض. قام والده واكتشف موته، فاعتقد إنه هو الذي ظلمه، وأنه كان السبب في موته، وحزن كثيراً وأوصى أهله قائلاً إنه عندما يموت عليهم أن يحضروا عظام ابنه ويضعونه فوق صدره ليطلب منه المغفرة والسماح طوال الوقت لربما كفّر عن ذنبه.

وعندما مرض، اجتمع كبار المشايخ حول سريره، وقد ظل فاقد الوعي يومين والمشايخ حوله، وقبل وفاته بوقت صحا وفتح عينيه ووجد المشايخ حوله فسرّ وطلب شربة ماء من عين الماء القريبة التي شرب منها كل حياته، ولما انتهى من تناول جرعة الماء غاب صوابه وأسلم الروح والجميع يبكونه ويترحمون عليه.    

انتقل إلى رحمته تعالى عام 1951، ودفن في موكب مهيب في قريته. وقد أقيم له ضريح كتبت على شاهده الغربي الأبيات التالية:

لقد ضمّ هذا القبر أوحد عصره  تقيا    نقيا    بالجهاد  حميما
له  الزهد  تاج والقناعة     حلة  فبات     خليلا     للإله    نديما
ثويت مثال النسك تاريخه جدا  عليك سلام الله فزتَ سليما

مقالات ذات صلة:

رحيل البروفيسور قيس فرو

ودّعت قرى الكرمل والطائفة الدرزية وأسرة التربية والتعليم الأكاديمي في البلاد المرحوم البروفيسور الأستاذ أبو غسان قيس فرو (1944-2019) الذي