الموقع قيد التحديث!

المرحوم الشيخ أبو هاني مسعود نصرالدين – مجدّد ومرمِّم وموسِّع مقام سيدنا أبي إبراهيم (ع)

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram
المرحوم الشيخ أبو هاني مسعود نصرالدين

كان مقام سيدنا أبي إبراهيم (ع)، حتى سنوات الستينات في القرن العشرين، عبارة عن حجرة واحدة شامخة، تقع في الساحة التي كانت مركز دالية الكرمل خلال عدة قرون. وكان لهذه الحجرة، باب يدخل منه الزائرون، وينزلون إلى المغارة، أو يجلسون في رحاب الغرفة للصلوات. وقد بُنيت قبّة في الزاوية الغربية الجنوبية للمقام تشهد عن وجود المقام. وكان المقام والباحة أمامه مركز الحركة والحياة النابضة في دالية الكرمل، فكانت كل الأعراس والمناسبات تجري في ساحة المقام تبرّكا. وكانت جميع الاجتماعات الهامّة من تأبين وذكرى لشخصيات، إلى احتفالات جماهيرية وقروية عامّة، تجري في الباحة، وتتسع لجميع سكان القرية، يجلسون ويستمعون إلى الخطباء. وكانت النساء في ذلك الوقت، تعتلين سطح المقام والسطوح المجاورة، لتشاهدن الحدث. وكان، تقريبا، كل إنسان يحاول أن يمشي يوميا إلى المقام، يقبّل جوانب الباب بخشوع وإيمان لتحلّ البركة في عمله. وطبعا كانت وما زالت حتى اليوم كل عروس جديدة، لا تنتقل إلى بيت الزوجية، إلا بعد أن تمرّ بموكبها بجانب المقام الشريف. وكان المقام جزءً لا يتجزّأ من واقع وتراث وكيان كل مواطن في قرية دالية الكرمل، يرافقه حتى وإن سافر وابتعد عن القرية، أو إذا كان في الخدمة العسكرية، أو إن كان يعمل وينام خارج القرية.

مقام سيدنا أبي إبراهيم (ع) – دالية الكرمل

وإلى جانب ذلك، كان المرحوم الشيخ أبو هاني مسعود نصر الدين ( 1900-1986) جزءً من هذا المشهد التاريخي، الذي رافق كل مواطن من دالية الكرمل، حيث كان كثير التواجد في المقام وبجانبه، يستقبل كل إنسان، صغيرا وكبيرا، بالترحاب، وببشاشة وجه، ويحدّثه، ويشرح له، فيترك المواطن المكان مشبَّعا بروح الثقة والعزّة والكرامة، التي كان يبثها الشيخ أبو هاني، بقامته المديدة، ووجهه السموح، ومعاملته الطيّبة. كان الشيخ أبو هاني واحدا من ثلاثة إخوة نشأوا في بيت قيادة، ودين، وريادة، وتقوى، وعمل الخير، فقد كان والدهم المرحوم الشيخ أبو صالح قاسم خطيب نصر الدين، إمام الخلوة الأولى  في دالية الكرمل، والتي تقع على بُعد مائة متر من المقام، وكان وكيلا للمقام، يشرف عليه، ويهتم بشؤونه فترة طويلة، كما كان شخصية دينية معتبرة في الطائفة ( توفي عام 1942).  وكان أكبر أولاده المرحوم الشيخ صالح خطيب نصر الدين، زعيما عملاقا في دالية الكرمل والطائفة، لا يهاب أحدا، شجاعا، يقول كلمة الحق، ويشجّع السكان على مواجهة وصدّ الاعتداءات، التي كانت أحيانا تصدر عن جهات خارجية للقرية، فكان سدّا منيعا، وكان كريما صاحب بيت مفتوح، مضيافا، يستقبل الضيوف من البلاد ومن التجمّعات الدرزية في سوريا ولبنان، الذين كانوا يفدون إلى القرية ( توفي عام (1947). وكان أخوه المرحوم الشيخ سلمان خطيب نصر الدين  (1882- 1935)من رجال الدين الأتقياء، وقد درس في خلوات البياضة الزاهرة، وقام فضيلة المرحوم الشيخ أبو حسين محمود فرج (1866-1953)، بتتويج هامته بالعمامة المكوّرة، إلى جانب فضيلة المرحوم الشيخ أبو يوسف أمين طريف ( 1896- 1993) وفضيلة المرحوم الشيخ ابو حسن منهال منصور ( توفي 1971)  وفضيلة المرحوم  الشيخ أبو يوسف سلمان نصر ( توفي 1968)  وفضيلة المرحوم  الشيخ  أبو محمد علي طريف ( 1897- 1943).،لكن الشيخ سلمان رفض اعتمار العمامة في حياته اليومية، تواضعا منه، وثقة بنفسه، وحبا لله كما فعل بعض زملائه الآخرين. وقد نشأ في هذه الدوحة الكريمة، المرحوم الشيخ أبو هاني مسعود، الذي وُلد عام 1900 ورافق والده وإخوته، وبعد أن توفي المرحوم الوالد، تسلّم إدارة المقام الشريف وإدارة الخلوة، فقام بترميم المقام وكانت المرحومة والدته السيدة دقّة قدور نصر الدين قد تسلّمت كذلك إدارة المقام، وكانت تنظف المقام وتهيئه لكل زائر. وفي الستينات باشر الشيخ ابو هاني بتوسيع المقام، فقام بشراء البيوت الواقعة مقابل المقام، وبنى القاعة الكبيرة الموجودة اليوم، والتي كان لها دور كبير في عقد اجتماعات وأمور هامة في دالية الكرمل لفترة طويلة وحتى اليوم، كما بنى بجانب القاعة كل الخدمات  المطلوبة لإيفاء النذور، وقد ظلّ بجد وجهد ومواظبة يهتم ويدير شؤون المقام حتى انتقاله إلى جوار ربه عام 1986 حيث تسلّم إدارة المقام والخلوة مكانه، ابنه الكبير المرحوم الشيخ ابو نزيه هاني نصر الدين، والذي استمر في صيانة وإدارة والاهتمام بالمقام الشريف والخلوة، لكن الله سبحانه وتعالى توفاه بعد سنوات، فتمّ تسليم مسئولية الإشراف على المقام وإدارة الخلوة، لصغير الإخوان، الشيخ ابو منير قاسم، الذي ما زال منذ ذلك الوقت حتى اليوم، يدير كل شؤون المقام الشريف، فقام هو بدوره كذلك، باقتناء الدور بجانب المقام القديم شرقا، وبنى مشكورا بدعم من العائلة والقرية، جناحا جديدا، يُستعمل اليوم للصلاة في الزيارات العامة، وفي المناسبات التي تُعقد في المقام الشريف. وقد اكتسب الشيخ ابو منير كثيرا من خصال والده وأعمامه، فهو دائما يرحّب ويحيي الزوار، ويستقبل كل عابر سبيل، ويتحدث إليه، وقد جعل هو كذلك المقام الشريف مركزا روحانيا هاما في قرية دالية الكرمل وفي الطائفة الدرزية ككل، فتم في عهده تعيين زيارة رسمية للمقام تجري كل سنة في العاشر من شهر تموز، بحضور مشايخ الدين من كافة القرى الدرزية، وبحضور سكان دالية الكرمل، متدينين وغير متدينين، حيث تتبارك القرية بوجود قيادة الطائفة الدينية في المقام، وبالصلوات والابتهالات التي تجري في المقام الشريف في الزيارة وفي غير الزيارة. ولا شك أن كل مواطني في قرية دالية الكرمل، متدين وغير متدين، وخاصة القسم الثاني، وهم الأغلبية، لا شك أن كل واحد منهم، يحتضن مقام سيدنا ابي إبراهيم في قلبه وفي عقله وفي مخيلته، أينما كان، وهذا جزء من الإيمان الكبير، ومن خصال وصفات أبناء الطائفة الدرزية، الذين يحملون معهم إيمانهم أينما كانوا، وكل ذلك بفضل المعاملة الطيبة، والجهود المشكورة، التي قام ويقوم بها اليوم الشيخ ابو منير قاسم، والتي زرعها ورسّخها في حينه المرحوم الشيخ ابو صالح قاسم خطيب، والمرحوم الشيخ ابو هاني مسعود، حيث تُعتبر قرية دالية الكرمل مرجعا تاريخيا توحيديا، وموئلا دينيا ثقافيا هامّا، وما أجمل أن ترى كل مساء، وفي ساعات النهار ،أي فتى أو فتاة، أو رجل أو امرأة،  أو كل إنسان ،لا يسمح لنفسه، أن يمر بجانب المقام الشريف، إلا ويتوجّه إلى المدخل، يقبل جوانبه، ويطلب من النبي الكريم، البركة، والرحمة، والتوفيق، حتى أن الآن الأطفال تعوّدوا عندما يمرّون من هناك، أن يفعلوا ذلك، ومن المؤكد، أن هذه العملية، هي أهم درس تربوي ثقافي ديني،يقدمه المقام للتقرّب من الله سبحانه وتعالى، وللتقيّد بالتعاليم والعادات والتقاليد.

مقالات ذات صلة:

العدد 59 – اب 2004

العدد 59 – اب 2004 Share on whatsapp Share on skype Share on facebook Share on telegram لتحميل العدد Pdf