الموقع قيد التحديث!

المربي الكبير الشيخ علي زين الدين في ذمّة الله

Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

فُجعت الطائفة الدرزية برحيل المربي والشيخ والأستاذ والعلاّمة علي زين الدين، مؤسس ورئيس مدارس العرفان إلى رحمته تعالى قبل أيام، حيث اهتزّ كافة أبناء بني معروف الذين عرفوا المحروم أو سمعوا عنه، فقد كانت خدماته وأعماله ونشاطاته تغمر عدة نواحٍ ومجالات وأمور تتعلّق بالتربية التوحيدية، وبتنشئة أجيال جديدة، وبإيجاد صيغة ومعادلة توفّق بين روح العصر ومتطلبات المجتمع التوحيدي الدرزي التراثية والعقائدية. وكان المرحوم منذ تأسيس مدارس العرفان في السبعينات حتى اليوم، أحد أركان قيادات الطائفة الدرزية في لبنان، في أصعب مرحلة مرّت بها الطائفة الدرزية في بلاد الأرز. وكان الشيخ علي زين الدين أحسن المستشارين وأجود أصحاب الرأي، وصاحب قدرات ونفوذ وإمكانيات وضعها كلها كي تتجاوز الطائفة الدرزية مراحل الخطر وتستمرّ. وقد أبّن المرحوم فضيلة سيدنا الشيخ أبو حسن موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية بكلمة جاء فيها:

“باسم عموم أبناء الطّائفة الدّرزيّة في البلاد، نرفع تعازينا القلبيّة الصّادقة، إلى كافّة مشايخنا وأهلنا الكرام في لبنان الحبيب، مرورًا بالزّعيم وليد بك جنبلاط، آل زين الدّين الأفاضل، أهالي خريبة الشوف، ومؤسّسة العرفان التوّحيديّة في لبنان.

بقلوبٍ مطمئّنة بحكم الله، راضيةٍ بقضائِهِ ومسلّمة بأحكامه، تَلَقَّينا ببالغ الحزن والأسى نَبَأَ وفاةِ العلم التّوحيديّ المعروف، ذي العلم والفهم الموصوف، الشّيخ العصاميّ اللّامع، صاحب الفضلِ والحسنات، رئيس مؤسّسة العرفان التّوحيديّة،  الشّيخ علي إسماعيل زين الدّين، والّذي وافته المنيَّةُ بعدَ مسيرة عطاءٍ حافلة، أثبت فيها بصمته الخيّرة، في خدمة الطّائفة وأبنائها، وإقامة مؤسّسة العرفان المباركة، دعمًا للمجتمع التّوحيديّ في لبنان.

لفقيدنا المكرّم الرحمة، ولكم من بعدِهِ طيب البقاء

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون

باسم الطّائفة الدّرزيّة

الشّيخ موفّق طريف

الرّئيس الرّوحي لطائفة الموحدّين الدّروز”

وذُكر في المصادر التوحيدية عن ظروف تأسيس مدارس العرفان في السبعينات من القرن العشرين ما يلي:

“صدر عن سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز رئيس #المجلس_المذهبي الشيخ نعيم حسن ما يلي:

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى محمد سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

        طُرحت، في العاميْن 1973 و 1974، أمام كبار من رجالات الموحّدين الدروز، مسألةٌ صعبة يمكن تلخيصُها بالتالي: كيف يُمكن لثقافةِ الموحِّدين وتربيتهم التعليميَّة أن تجدَ لغتَها تجاه العالم المعاصِر؟ وكان الجوابُ ثمرةً من فكر الشهيد الكبير كمال بك جنبلاط ومواكبة سماحة الشيخ محمّد أبو شقرا، وهو “تأسيس صرح تربويّ” باسم “العرفان”.

        ويعلمُ الجميع أنَّ المسيرةَ انطلقت برعايةِ قيادةٍ حكيمة، ومباركة شيوخ كبار أفاضل، وأنَّها وجدَت قيْدُومَها، ورجُلَ ميْدانِها، ورائدَ طلائعِها في شخص الشيخ علي إسماعيل زين الدّين، الذي انطلقَ، مُذَّاك، في حركةٍ لم تهدأ طيلة أكثر من أربعةِ عقود، من أجل قيام المؤسَّسة ونجاحها وتوسيعها وترسيخ رسالتِها ووضع مساراتها العمليَّة والمعنويَّة في خدمةِ المعروفيِّين، من أعالي الشوف إلى أقاصي وادي التَّيْم مروراً بجرد عاليه والغرب الذي يحمل تراثَ التنوخيِّين الأثيل، بلا كللٍ ولا مللٍ ولا مهادنة ولا تقاعُس، مستنزفاً نفسه وعمره وكلّ حياتِه في الهاجس الذي استهلكَ منهُ كلَّ شيء، هاجسُ أن تبقى الرّايةُ مرفوعةً خفَّاقة، رايةُ العِلم والتثقيفِ والتربية والتقدُّم والنجاح، بل وأيضاً رايةُ الكرامةِ والعنفوانِ المعروفيّ الموصُول بالأخلاقِ والشهامةِ واحترامِ المكوِّناتِ الجامعةِ لمعنى الوطن وعزَّته واستقراره.

 كان الشَّيخُ عليّ في سباقٍ مع الزَّمن، لا توقفهُ موانعُ العصبيَّات الفئويَّة، والحزازات البلديَّة، والحرتقات الصغيرة، كان أكبر من ذلك كلِّه. كان مفهومُه العمليّ الواقعيّ للحركةِ النهضويَّةِ يتَّسع للوطن، وها هي العرفان، لم تكن قلعةً شوفيَّةً مستأثرةً بالخيْر الاجتماعي العام، بل هي بذلت الخيْر في كلِّ أرجاءِ الوطن، وربَّما تكونُ العرفانُ فريدةً في عطائها وبنسبة المساعدات التي تقدِّمها للأهالي. ومع ذلك، لم تتخلَّف عن النموّ، بل بنَتْ الصُّروح في المناطق المختلفة، بالقوَّة عينِها، وبالتصميم عينه، وبالمحبَّة عينِها.

        ولَّد رئيس مؤسسة العرفان وبمساعدة اسرتها ديناميَّات الإدارة ولم تسعْهُ المؤسّسة إذ كانت حَميَّـتُه واحتِدامُ غَيْرتِه وحماسه للمواقِف الشجاعة التي لا تهابُ في الصعوباتِ والمحنِ شيئاً دونه وحفظ الكرامة وصوْن الحِمى. وكم له في أقصى الظروف صعوبةً ومشقَّة واشتدادُ الأزمات من صولات وجوْلاتٍ خرج منها برفقة الميامين منتصرين أقوياء لا لنفوسِهم بل لخيْر مجتمعِهم، نصرةً للحقّ ودفاعاً عن الأرض والعِرض.

        ولا بدَّ من تسجيل مدى أصالة مفهومه الوطنيّ، حيث أنَّ الشيخَ عليّاً بعد انتهاء سنوات الحرب، واجه خصومَ الأمس باللقاءاتِ وبقوَّةِ الإرادة والقلبِ على تجاوز كلّ صفحات الماضي فكان له، إلى جانب وليد بك جنبلاط، أسهماً كثيرة في تعزيز المصالحة، وترسيخ مصداقيَّة التمسُّك بها كفعل إيمانٍ بوطننا لبنان. وكان جوَّالًا بزيارات التقارب والتعارُف وتبادُل الخبز والملح. وكلّ من يعرفه يعرفُ بأن إنسانيَّته عابرة لكلِّ شعورٍ طائفيّ، وأصدقاؤه من كلِّ الطوائف يعرفوا فيه سجيَّته الخالية من كلِّ تصنُّع، والبعيدة عن كلِّ حسابات غير حساب انفتاح القلب على صفحاتِ وطنٍ نريدُه جميعاً وطناً حاضناً للكلِّ بالقيَم الإنسانيَّة الرَّفيعة المخزونة في الأصالةِ اللبنانيَّة وسجاياها الطيِّبة التي يعرفُها الأناسُ الطيِّبون الشرفاء.

نقولُ الآن اختصاراً لكلام لا يمكن أن يحيطَ بحياةٍ طافحةٍ بالعطاء والتضحية، نقولُ وداعاً، وكأنِّي بك أمام ربٍّ لا يُضيع لديه أمرٌ وهو أرحم الرَّاحمِين. نسأله تعالى الشفاعة والرحمة والغفران.

مقالات ذات صلة: