الموقع قيد التحديث!

المرأة الدرزية في مذهب التوحيد

بقلم الشيخ أبو توفيق سليمان سيف
يانوح
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

العِرْض في اللغة هو النفس، وجانب الكرامة والشرف، وفي اصطلاح بني معروف هو المرأة، صيانتها عندهم أعزّ من صيانة النفس، يستميتون في الدفاع عنها، ويفاخرون بها الشعوب. كلّ عشيرة منهم في زمن الفروسيّة، وعهدهم بها قريب، كانت تُستهلّ النخوات، عند خوض المعارك، باسم “أخت” اشتهرت بالشجاعة والعِفّة والذكاء، تختارها مباهاة معتزّة في إثارة “النشامى” للنزال والصِّيال، فيصيح خائض الغمرات منهم، مُسَمِّيًا: “أنا أخو فلانة” ثم يبيع النفس ولا يهمّه أن يعود.

في حرب اللجاة ضد إبراهيم باشا المصري، بعد انهزام الدروز ولحاق الجيش بهم إلى داخل الوعور حيث استؤمنت العيال، تصايحت النساء: “لمن تتركوننا يا نشامى الدروز”، فارتدّوا على قلّة عددهم، وزهيد زادهم وعُدّتهم، بالسيوف يهزمون الجيش شرّ هزيمة وُضعت “اللجاة” في تاريخ الفروسيّة إلى جانب “مارثون” و”ثيرموبيلي”.

أكبر إهانة في نظرهم التعريض بالعِرض، تستوي عندهم في ذلك نساؤهم ونساء غيرهم، حتّى الأعداء، ويوجبون لهنّ الصون والاحترام، حتّى إنّ قاطع الطريق منهم، كالسَّلّابة الذي ثار على الفرنسيين في عهد انتدابهم على لبنان، وأطلق الناس عليه لقب “روبن هود”، كان يرفع يده عن المرأة الفرنسيّة باحترام ويعفّ عمّا معها، وهو يعلم أنّ رفقاء السفر، حين رأوه، خبّأوا محافظ نقودهم في مطاوي ثوبها.

وكلّنا نذكر كلمة سلطان باشا الأطرش يوم كان قائدًا للدروز في ثورتهم على الانتداب الفرنسي، حين قال: “نحن لا نحارب الفرنسيين ومعهم نساؤهم، أُخرجهنّ لنريهم كيف يكون شرف القتال، فهم لم يعُفّوا عن قتل نسائنا…”. مُلمِّحًا إلى قصفهم بالطائرات على المنازل وفيها النساء والأطفال حين كان الرجال خارجها في ساحات القتال. ثمّ زحف سلطان على سوريا وأصبح القائد العامّ للثورة السوريّة. وكانت الحرب العالميّة الأولى قد سجّلت لقومه، بإعجاب وإكبار، إيواءّهم عشرات الألوف من اللبنانيين الذين شرّدتهم المجاعة عن بلادهم إلى جبل الدروز الزاخر بالحنطة التي لم تمتدّ إليها يد الجيش العثماني تهيُّبًا واسترضاءً. ثم عادت تلك الألوف بعد انتهاء الحرب إلى ديارها المنكوبة، سالمة الأعراض، لم تتخلّف منها امرأة واحدة. بينما تزوّج من الدرزيّات اللاجئات هناك عدد كبير.  

يقول المؤرّخون ومنهم دانيال بلس رئيس الجامعة الأمريكيّة الأوّل في بيروت عن الحرب الأهليّة سنة 1860 إنّ المرأة من خصوم الدروز كانت تمرّ في معسكراتهم آمنة، لا يُرفع إليها طرف، ولا يقع على أذنها كلام، وهذا ما لا تستطيع أن تدّعيه جيوش أمم غربيّة تتبجّح بمدنيّتها، ثم تتنكّر في الحروب لحضارتها، إنّها الشهامة العربيّة في ذروتها عند بني معروف.

فإذا أمعَنّا النظر في تعاليم المذهب التوحيدي بما يتعلّق بالمرأة فهناك عدّة رسائل تحثّ المرأة على المحافظة على شرفها وعِرضها.

وصيانة العرض من أشدّ وأهمّ الواجبات عند المرأة، كما تحذِّر وتنهي تلك الرسائل في الحكمة الشريفة كافّة المؤمنين والمؤمنات من ارتكاب الأهواء والفواحش والشهوات البهيميّة واتّباع المنكرات، وذلك من أجل صيانة العرض والشرف.

هكذا يتشدّد المذهب في الحفاظ على الأعراض، وفي الحذر والتحوّط لكلّ ما له علاقة بالمرأة، استبعادا للشبهات، وتحاشيًا للظنون السيّئة.

ولا يعرف التاريخ جماعة أحرص من الدروز على الآداب، والتهذيب الجنسي، وطهارة الأعراض وصراحة الأنساب عملا بقوله تعالى: “واتّقوا الله الذي تَساءلون به أمام الأرحام، إنّ الله كان عليكم رقيبًا” {الآية 1 سورة النساء}.

جميع الرسائل التي وردت في الحكمة الشريفة حافلة بالنهي عن الفواحش والشهوات الدَّنيّة… وعن التهمة في الأبدان، والفساد في الأديان تردّد أنّ الذين يصونون أنفسهم نزوات الغرائز ونحائز الأبدان يفوقون الملائكة طُهرًا وكمالًا.

أمّا عِفّة المرأة فشرط لسلامة الزواج، وبتوليّة الفتاة شرط لعقده، ويُفسخ إذا هي لم توافق عليه. والمرأة بعد ذلك سيّدة المنزل، آمنة فيه من طلاق ينفرد به الزوج اعتباطًا، ومن تعدُّد الزوجات الذي نهى عنه قبل حمزة (ص) المعزّ لدين الله جدّ الحاكم، بروح التعاليم القرآنيّة وحرّمه المذهب، لاستحالة العدل معه، وفقا للآية الكريمة: “… ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” {السورة 4 النساء الآية 128}. وهي جواب الآية: “فإن خِفتم ألاّ تعدلوا فواحدة…” {الآية 3 من السورة نفسها}، والآية: “ما جعل الله لرجل قلبيْن في جوفه” {الآية 4 السورة 33 الأحزاب}.

لا يحرص المذهب على تحريم تعدُّد الزوجات، وعدم إعادة المطلّقة إلى زوجها وحسب، بل يحصر الزواج بين الموحّدين وينهى عن ابتغاء النساء بالأموال وعن الاستمتاع بهنّ ولو أوتين أجورهنّ فريضة. أي أنه نهى عن أن يأتي الرجل امرأة فيوافقها على شهور معلومة بدراهم معلومة، ويجعل ذلك فريضة عن رضى منها، فإذا تمّ ذلك وقبضت تلك الفريضة، فإذا أراد أن يصرفها صرفها… وإن أراد جدّد لها فريضة أخرى وأقامت عنده أو تأتيه لتمام تلك الفريضة!!! نهى عن كلّه، ويأمر أن “كونوا محصّنين غير مُسافحين… وإلّا فقد بطلت من قلوب الآباء صحة الأولاد، والتبست أنساب العباد”.

بالغ في الحصانة مبالغة أصبحت مضرب الأمثال، فليس في الأنام جماعة كالدروز ظلّت ألف سنة ونيف لم يُصبْها الخِلاط، ولنسائها ميثاق يفرض العِفّة والصيانة و “التبرّؤ من كل دنس ونجس وعيب ورجس، وتجنُّب الشهوات والشبهات”، ويوجب على المرأة تأدية الرسالة الروحيّة والمرأة حاضنة العقائد في التاريخ. فقد كان لها دور كبير في التوجيه الروحي كما ورد في بعض الرسائل في الحكمة الشريفة.

أمّا حقوق المرأة في الزواج والطلاق والإرث، فإنها تختلف عن السُّنّة، بقانون الأحوال الشخصيّة، وورد ذلك واضحا وجليًّا في القانون الذي سُنّ لدروز لبنان في 42 شباط سنة 1948، وما لم يشمل هذا القانون يُعاد فيه إلى المذهب الحنفي. والقانون توسُّعٌ فيما تنصّ عليه كتب المذهب. فأنّه يحدّد الأهليّة للزواج بين سن 18 للفتى و17 للفتاة وإنزالهما سنتيْن بإذن الولي والمرجع المذهبي، بعد التثبُّت طبّيًّا ويُطلق للفتاة حريّة الزواج بعد بلوغها الحادية والعشرين، بشهادة صحيّة لها وللخاطب.

لهذا القانون أحكام في الطلاق، فيها مراعاة “لشرط الإمام” الذي يُعدّ المرجع الأساسي للتشريع.

وفيها تكملة للشرط، منها أن التراضي في الطلاق جائز، ومنها أن الزوجة تستطيع أن تطلّق زوجها إذا كان مصابا بعلّة تحول دون المساكنة، أو بالجنون، أو إذا كان محكوما عليه بالسجن عشر سنوات ولو قضى منها خمسا في السجن، أو إذا اختفى ثلاث سنوات انقطعت معها النفقة، أو خمس سنوات تباعًا ولو أنفق، أو كان حاضرًا ولم ينفق على الزوجة سنتيْن متتابعتيْن، وما إلى ذلك من تعويض يقدّره القاضي عن الضرر المادي والمعنوي.

وفي زمن المعزّ لدين الله، وهو في المنصوريّة جمع شيوخ كتامة إلى خلوة في قصره، وبعد أن وصف لهم وأراهم كيف يعيش بالتنسُّك والقنوت منصرفًا إلى شؤون الرعيّة، قال: “وإني لا اشتغل بشيء من ملاذ الدنيا… فافعلوا يا شيوخ في خلواتكم مثل ما أفعله… واقبلوا بعدها على نسائكم، والزموا الواحدة التي تكون لكم، ولا تشرهوا إلى التكثير منهنّ والرغبة فيهنّ فيتنغّص عيشكم وتعود المضرّة عليكم وتنهكوا أبدانكم وتذهب قوّتكم فحسب الرجل الواحد الواحدة”.

يبدو من هذا، في شأن تعدّد الزوجات، وما يتبع الزواج من حقوق المساكنة والطلاق، أن النهضة الإصلاحيّة سبقت دعوة التوحيد، وقامت في تفرُّعها من السُّنّة، وضبط اطلاقها، على ما اعتقده المذهب تفسيرًا صحيحًا لأحكام القرآن ومغزى آياته. من دلائل صحّته، وانطباقه على حاضر المدنيّة في تطوّرها، إن المسلمين قاطبة يشمئزّون اليوم من تعدّد الزوجات، ومن بواعث اعتزاز الدروز أن مذهبهم كان رائد هذ التطوّر الصحيح، منذ ألف سنة ونيف.

واليوم تُسنّ قوانين في دول إسلاميّة تمنع التعدّد وتضبط شؤون الطلاق. ويقول “ضيا” شاعر الأتراك عن ضرورة التساوي بين الرجل والمرأة: “لا شكّ أن الخطأ في تفسير القرآن كان من العلماء… فالتساوي ضروري”. وهؤلاء العلماء اليوم، كما نرى في مصر، يقولون بهذا التطور. أمّا عن صحَة الأنساب عند الدروز وصيانة الأعراض فيكفينا بشهادة المؤرّخ الدكتور محمد كامل حسين في كتابه “طائفة الدروز” إذ يقول: “المرأة الدرزية أعفُّ نساء العالم وأشدّهنّ طهارة ومحافظة على شرفها”.  

مقالات ذات صلة:

أَلخَضْرُ عليْهِ السَّلامُ

أَلخضرُ هو اسمٌ أُطْلِقَ على عددٍ مِنَ الأَنبياءِ على مرِّ العُصُور، فقد أُطْلِقَ هذا الإسم على النَّبيِّ إِيليَّا، وعلى سيِّدِنا