الموقع قيد التحديث!

المبشر الالماني يوهاتس يزور يركا عام 1864

بقلم البروفيسور علي الصغيَّر
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

نَشَرَتِ المجلَّةُ الكَنَسِيَّةُ البريطانيَّةُ الشَّهريةُ The Church Missionary Intelligencer (مُخْبِرُ التَّبْشِيْرِ الكَنَسِي) في عددِها الَّذي صدرَ خلالَ شهرِ حُزيرانَ عامَ 1865 مقالةً قصيرةً لِلمُبَشِّرِ الأَلمانيِّ اﻟﭘرُوتِستانتي الشَّهيرِ القسِّ يُوهانِس تْسِلِر (Reverend Johannes Zeller)، عنوانُها (Exploration East of the Jordan) إِستكشافٌ إِلى الشَّرقِ من الأُردنِّ)، وَصَفَ بها تْسِلِر جولةً قام بها خلال شهرِ آبَ عام 1864 إِلى قرية يِرْكا وإِلى جبالِ عجلُونَ وحُورانَ، ونحنُ نقدِّم فيما يلي ترجمةً للقسمِ الأَوَّلِ من المقالة، وبه تقريرٌ عن زيارتِهِ لِيِرْكا. يقولُ تْسِلِر أَنَّه أَتَى إِلى القرية برفقةِ الشَّمَّاسِ سِيْرافِيْم بُونْطاجِي، مُدرِّسِ التَّعليمِ المسيحي بمُطرانيَّةِ القُدس، وتوجَّهَ نحوَ بيتِ الشَّيخِ سْعيد معدِّي، وهو الشَّيخُ سْعيد بِن معدِّي بِن سْعيد بن معدِّي، وهذا الأَخيرُ كان أَوَّلَ جَدٍّ لِهذه العائلة في يِرْكا، وقد قَدِمَ أِليها مُهاجِرًا مِنْ بلدةِ بَيْصُورَ بِلُبنان، وبعدَ استراحةٍ واستضافةٍ في بيتِهِ الواقعِ عند الطَّرَف الجنوبي لِساحةِ القرية، خرجا مَعَهُ نحوَ كَرْمِ عِنَبٍ تابعٍ لَهُ كان يقعُ إِلى الشَّرقِ مِنَ القرية، وخلالَ سيرِهِم إِلى ذلكَ الموقعِ التَقَوا بِإِمامٍ لأَحدِ مساجدِ عكَّا، وقدِ انضمَّ اليهِم ذلكَ الرَّجلُ وسارَ معهُم، وهناكَ، تحتَ شجرةِ صنوبرٍ باسقةٍ ووارفةِ الظِّلالِ، جلسُوا وتحدَّثُوا في مواضيعَ علميَّةٍ ودينيَّةٍ، ثُمَّ عادُوا جميعُهُم إِلى بيتِ الشَّيخ بِالقرية، وبعدَ العشاءِ صعدُوا إِلى سطحِ منزلِهِ وجلسُوا تحتَ عريشةٍ كانتْ منصوبةً فوقَهُ، ثُمَّ عادَ تْسِلِر ورفيقُهُ الشَّمَّاسُ سِيْرافِيْم بُونْطاجِي وتابعُوا هناكَ حديثَهم، وبشكلٍ خاص، مَعَ الإِمامِ المُسلمِ العَكِّي، في مواضيعَ عقائديَّةٍ ودينيَّةٍ، وبعدَها نامُوا على السَّطحِ تحتَ العريشة. أَلهدفُ مِن زيارة تْسِلِر، كما يكتبُ هو في مقالتِه، كان عرضَ أَسُسِ الدِّيانةِ المسيحيَّةِ والإِيمانِ المسيحيِّ على الشَّيخِ سْعيد في مُحاولةٍ منهُ لإِقناعِهِ بِالتَّخلِّي عن عقيدتِهِ وقُبُولِ المسيحيَّة، ويبدُو مِنَ المقالةِ بوُضُوحٍ أَنَّ الشَّيخَ سْعيد، بالرَّغمِ مِنَ استقبالِهِ ضَيْفَيْهِ الَّذَيْنِ حَلَّا عليْهِ فجأةً، وبِدُونِ سابقِ إِنذار، بِحَفَاوَةٍ وترحابٍ وكَرَمٍ بَالِغَيْن، كما يشهدُ تْسِلِر في مقالتِهِ هذِهِ، إِلَّا أّنَّهُ لم يكُنْ، بِأَيِّ شكلٍ مِنَ الأَشكال، راغبًا في ذلكَ، ولم يكُنْ أَيضًا راغبًا في الدُّخُولِ معهُما في حديثٍ وجدلٍ حولَ العقائدِ والمذاهبِ والأَديان، وحديثُهُ مَعَ ضَيْفَيْهِ كانَ قصيرًا وأَتى مِنْ جانبِ احترامِ الضَّيفِ والمُجاملةِ فقط. يبدُو مِنَ التَّمعُّنِ في مقالةِ تْسِلِر أَنَّهُ كانَ لديْهِ إِلمامٌ، ولكنَّهُ غيرُ دقيقٍ وسطحيٌّ فقط، بِأَسُسِ المذهبِ الدُّرزي، ولِذا فقد تَهَجَّمَ عليه، وَوَقعَ في مُبالغاتٍ وأَخطاءٍ عديدةٍ حينما تحدَّثَ عنهُ، ومِنْ غيرِ المُستبعدِ أَنْ يكُونَ خُرُوجُ الشَّيخِ سْعيد معدِّي مَعَ ضَيْفَيْهِ إِلى كَرْمِ العِنَبِ الواقعِ إِلى الشَّرقِ مِن يِرْكا  قد نَتَجَ عن عدمِ رغبتِهِ في سَمَاعِ هذا الحديثِ في بيتِهِ، خُصوصًا وأَنَّ تْسِلِر ، كما يبدُو مِنْ حديثِهِ في هذِهِ المقالة، حاولَ أَن يُبْطِلَ، ما عدا النَّصْرانيَّة، كلَّ المذاهبِ والعقائِد والأَديانِ، حتَّى لو كانَ أَتباعُها طاهِريْنَ في نواياهِم، وصادقِيْنَ في أَقوالِهِم، وشُرَفَاءَ في أَعمالِهِم.

مَنْ هو  يُوْهَانِس تْسِلِر؟
وُلِدَ يُوْهَانِس تْسِلِر عام 1830 في بلدةِ ﺑﺳِﭽْﻬﺎيْم (Besigheim)، أَلواقعةِ قُربَ مدينةِ شْتُوﺗْﭽﺎرْت (Stuttgart) بِأَلمانيا، لِعائلةٍ شغلتْ لأَكثرَ مِن ثلاثمائةِ عامٍ وظائفَ كنسيَّةً عديدةً. تخرَّجَ من إِرساليَّةِ بازِل التَّبشيريَّةِ بِسويسرا وعمرُهُ أَربعةٌ وعِشروُنَ عامًا، ثُمَّ انتقلَ بعدَهَا إِلى بريطانيا لِمُدَّةِ سنةٍ واحدة، وبها درسَ الاﻧﭽﻠيزيَّةَ والعربيَّةَ، وهُناكَ، عامَ 1855، سِيْمَ شَمَّاسًا، ثُمَّ أُرْسِلَ عام 1857 إِلى فلسطينَ، وفي بدايةِ أَمرِهِ اتَّخذَ، ولِمُدَّةِ سنتيْنِ، مِنْ مدينةِ نابلس مقرًّا لَهُ، ثُمَّ انتقلَ بعدَهَا إِلى مدينةِ النَّاصرة، وبها قضى مُدَّةَ طويلةً، ثُمَّ سافرَ عام 1858 إِلى بريطانيا، وهُناكَ سِيْمَ كاهنًا أَﻧْﭽﻠيكانِيًّا، بعدَهَا عادَ إِلى البلاد، وتزوَّجَ حنَّه ماريَّا ﭼﻮبات، إِبنةَ صموئيل ﭼﻮبات، أَلمُطرانِ الأَﻧْﭽﻠيكانِي الثَّاني لِلقُدس، وزوجتِهِ ماريَّا.
كان لِتْسِلِر دورٌ بارزٌ في بناءِ كنيسةِ السيِّدِ المسيحِ في النَّاصرة، تلكَ الكنيسةُ الَّتي دُشِّنَتْ بتاريخِ الأَوَّلِ من شهرِ تشرينٍ الأَوَّلِ عامَ 1871، وخلالَ تدشينِها رَسَمَ زميلَهُ الأَجنبيَّ جِيمْس يعقوب هُوبِر (James Jacob Huber) كاهِنًا، ورَسَمَ أَيضًا اثنينِ مِنْ مُساعِدِيْهِ المسيحيِّيْنَ العربِ كاهِنَيْنِ، وهذانِ الرَّجُلانِ كانَا ميخائيل قَعْوَار، وسِيْرافِيْم بُونْطاجِي، وهذا الأَخيرُ هو الَّذي أَتى معهُ إِلى يِرْكا. خلالَ مُكُوثِهِ بمدينةِ النَّاصرة بنى مدارسَ وصُفُوفًا تعليميَّة في قُرَى يافة النَّاصرة والرِّينة وكُفر كَنَّا وشفاعمرُو، وكانَ لهُ دورٌ كبيرٌ في بناءِ مُستشفى النَّاصرة. وفي مطلعِ العِقدِ الثَّامِنِ مَنَ القرنِ التَّاسعِ عشرَ انتقلَ إِلى مدينةِ عكَّا وأَنشأَ بها صُفُوفًا تعليميَّة. عامَ 1876 انتقلَ إِلى مدينةِ القُدس، وبَقِيَ بها إِلى عام 1901، في ذلكَ العامِ تقاعدَ وعادَ إِلى أَلمانيا، وتُوُفِّيَ ودُفِنَ هُناكَ بتاريخِ التَّاسعِ عشرَ مِن شهرِ شباطَ عام 1902.

مقالة تْسِلِر
هكذا يقولُ تْسِلِر في مقالتِهِ حولَ زيارتِهِ لِيِرْكا (ألكتابات الموجودة بداخلِ أَقواسٍ هي من عندنا، ونحنُ أَضفناها مِن أَجلِ التَّوضيح):

عدد شهر حُزيران عام 1865 مِن مجلَّة The Church Missionary Intelligencer والصَّفحة الأَولى مِن مقالةِ تْسِلِر.
“في شهرِ آبَ (عام 1864) ذهبتُ مع سِيْرافِيْم بُونْطاجِي، مُدرِّسِ التَّعليمِ المسيحي بِمُطرانيَّة القُدس إِلى يِرْكا، وهي قريةٌ درزيَّةٌ تقعُ بشكلٍ جميلٍ على قمَّة تلَّةٍ إِلى الشَّمال (الشَّرقي) من عكَّا، وتُشْرِفُ على سهلِ عكَّا وعلى البحرِ (الأَبيض المتوسِّط). ذهبْنا هناكَ إِلى بيتِ الشَّيخِ سْعيد معدِّي، الَّذي استقبلَنَا بِكَرَمٍ وبِفرحٍ واضح. إِنَّه رجلٌ ذُو ذكاءٍ نادرٍ وكاملٌ في أَخلاقِه. بيتُهُ هو نموذجٌ لبيتٍ شرقيٍّ مَعَ بقايا عاداتٍ أَبَوِيَّةٍ وفضائلَ. بعدَ أَنِ استرحْنا قليلًا في قاعةٍ باردةٍ وواسعةٍ مِنْ صُعُودِنا إِلى أَعلى التَّلَّة (يقصد المُنحدر الجبلي الواقعة عليه القرية، وقد صَعَدَا عليهِ مِنَ الجهة الغربيَّة) تحتَ الشَّمسِ المُحْرِقة، بدأْنا نتحدَّثُ حولَ الصَّرفِ والنَّحوِ، والتَّاريخِ، والجُغرافيا، فالشَّيخ كان مُهتمًّا جدًّا بهذِهِ المواضيع، وبعدَها بدأْنا نتحدَّث في مواضيعَ دينيَّةٍ. ومِنْ بينِ الأَسئلةِ الَّتي سأَلتُها، كانَ سؤالي: “هل تُؤمنُ حقًّا أَنَّهُ يوجدُ بين عُقَّالِ الدُّرُوز رجالٌ يُناضلُونَ مِن أَجلِ القُدُسيَّة، ويحصلُونَ على سلامٍ لِأَرواحِهِم مِن ديانتِهِم؟” وكان جوابُهُ: “أَنا مُقتنعٌ بِأَنَّهُم جميعًا يتمتَّعُونَ بسلامٍ كاملٍ لِلضَّمير، لأَنَّهم كلَّهُم مُقتنعُونَ أَنَّ ديانتَهُم هي الدِّيانةُ الوحيدةُ الحقيقيَّة. بالنِّسبةِ لِصفاءِ القلبِ عليَّ أَن أَعترفَ بِأَنَّي رأَيتُ دُرُوزًا كثيرينَ يُناضِلونَ بِصدقٍ مِن أَجلِ القداسة، وهُم يصُومونَ، ومُتواضعونَ، وشفوقُونَ إِلى أَعلى درجة، ولا يتفوَّهُونَ أَبدًا بِكلمةٍ غاضبة أَو مُرَّة”. قُلْتُ: “كيفَ يُمكن أَن تكُونَ لِعُقَّالِ الدُّرُوزِ ثقةٌ كاملةٌ بديانتِهِم، في حينِ لا يُمكنُ إِخفاؤُها عن أُولئكَ الَّذينَ ينظرُونَ قليلًا إِلى كتبِهِم الَّتي تحتوي على أَكاذيبَ واضحة؟ مثلًا: أَلخديعةُ البارزةُ في طريقةِ كتابةِ ولفظِ الكلمتيْنِ “كذب” و “صدق”، فالدُّرُوز يكتبونَ هاتيْنِ الكلمتيْنِ خطأً: “كدب” و  “سِدق”. طريقةُ كتابةِ هاتيْنِ الكلمتيْنِ مُتَّفقٌ عليها بشكلٍ واضحٍ في الأَدبِ (العربي) وفي القُرآن (الكريم)، وكذلكَ في كتبٍ قديمةٍ أُخرى (كُتِبَتْ) قبلَ كُتُبِ الدُّرُوز، وهي تحظى بِاتِّفاقٍ عامٍّ لدى كلِّ المُثقَّفين. كيف استُبْدِلَ الآنَ الحرفُ الأَوسطُ مِنَ الكلمة “كذب”، وهو حرفُ الذَّال، بِحرفِ الدَّال، والحرفُ الأَوَّل، حرفُ الصَّاد، مِنَ الكلمة “صدق”، بِحرفِ السِّين؟ كتبُ الدُّرُوز، مِنْ أَجلِ خداعِ تلاميذِها في تفاسيرِها، لفظتْ هاتيْنِ الكلمتيْنِ خطأً، “كذب” بِالدَّال، و “صدق” بِالسِّين، من أَجلِ إِثباتِ أَنَّ كلَّ كلمةٍ منهُما تحتوي على معنًى رمزي. أَلكلمةُ “كذب” تعني في ديانتِهِم الشِّيطانَ وأَتباعَهُ، والكلمةُ “صدق” تعني الدِّيانةَ الحقيقيَّةَ وأَتباعَها. أَلشَّيطانُ وأَتباعُهُ يبلُغُون، طبقًا لِلعقيدةِ الدُّرزيَّة، سِتَّةً وعشرينَ شخصًا، ولذلك فقد غَيَّرُوا حرفَ الذَّال واستبدلُوه بِحرفِ الدَّال كي يُصبحَ مجموعُ أَحرفِ هذه الكلمة سِتَّةً وعشرينَ. إِذا لفظُوا هذه الكلمةَ بشكلٍ صحيحٍ فسوفَ يكونُ مجموعُ حروفِها أَكبرَ مِمَّا يَبْتَغُوْنَ، وبعبارةٍ أُخرى، طبقًا لقيمةِ حرفِ الكاف، ومقدارُها هو 20، ولِقيمةِ حرفِ الذَّال، ومقدارُها هو 700، ولِقيمةِ حرفِ الباء، ومقدارُها هو 2، فالمجموع الكُلِّي لقيمةِ هذِهِ الكلمة هو 722، ولكنَّ هذه القيمةَ ليستِ القيمةَ الَّتي يحتاجُها الدُّرُوز، ولذلكَ استبدلُوا حرفًا بِآخرَ كي يُثبتُوا المعنَيَيْنِ الرَّمزيَّيْنِ لِهاتيْنِ الكلمتيْنِ، وهكذا كَوَّنُوا الرَّقم 26، فقيمةُ حرفِ الكاف هي 20، وقيمةُ حرفِ الدَّال هي 4، وقيمةُ حرفِ الباء هي 2. وبهذِهِ الطَّريقة، ومِن أَجلِ نفسِ الهدف، غَيَّرُوا مقاديرَ قِيَمِ أَحرفِ كلمةِ “صدق”.             
أَجاب أَلشَّيخُ الدُّرزيُّ (أَلشَّيخ سْعيد معدِّي): “صحيحٌ تمامًا ما تقول، لديَّ، أَنا بنفسي، شُكُوكٌ حولَ هذا الموضوع، وقد سأَلتُ عُقَّالًا دُرُوزًا عديديْنَ حولَ هذا الأَمر، ولكنَّني لم أَحصلْ مُطلقًا على جوابٍ كافٍ”.
“في هذه الحالة، قُلْتُ، ينبغي عليكَ أَنْ تعترفَ أَنَّ سلامَ عقلِكَ لا يُمكن أَن يكونَ حقيقيًّا، وأَنَّه ينبغي أَنْ يكونَ وهميًّا. بِالنِّسبةِ لصفاءِ القلب، يجبُ عليَّ أَنْ أَقولَ، أَنَّهُ يُعَلَّمُ فقط في الإِنجيلِ، أَمَّا الكُتُبُ الأُخرى، ولا يَهُمُّ أَيَّةَ ديانةٍ تدَّعِي أَنَّها تُعَلِّمُ، فهيَ تُعَلِّمُ فقط ظِلَّ القُدُسِيَّة النَّاتجَ عَنِ المُحافظة، تجاهَ الخارج (يقصد خارج مُجتمعاتِ أَتباعِها)، على قوانينَ وطُقُوسٍ وأَعمالٍ مُعيَّنة. وهكذا، نحنُ نجد، أُناسًا كثيرينَ يصُومونَ، ويُصَلُّونَ، ويُمارسونَ الشَّفقة، ويتحدَّثُونَ بشرف، ولكنْ لو سَبَرْنا أَعماقَ أَرواحِهِم، لوجدناهُم مليئينَ بِالشَّهَواتِ والأَفكارِ والرَّغَباتِ الدُّنيويَّة”.
“كيفَ يُمكنُ لعاقلٍ دُرزي أَن يحصلَ بحقٍّ على طهارةِ القلبِ حينما نرى أَنَّ الدِّيانةَ الدُّرزيَّةَ تسمحُ وتنصحُ بِالخداعِ والكذبِ بحريَّةٍ في الأُمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ ضدَّ كلِّ غيرِ المؤمنين (بِها)، لأَنَّه معروفٌ أَنَّ الدُّرُوزَ مأمُورونَ طبقًا لِلفصلِ الأَوَّلِ مِنْ كتابِ الأَقسام السَّبعة أَنْ يكونُوا صادقينَ فقط تجاه إِخوتِهِم، وأَنَّ خداعَ الآخرينَ مسموحٌ لهُم، إِذا كانَ ذلكَ الخداعُ مُجديًا، وبطريقةٍ مُماثلة، إِذا حصلَ رجلٌ غريبٌ على معرفةٍ عن ديانتِهِم، فمسموحٌ لهُم أَن يُنكرُوا كلَّ شيء. هل مِنَ المُمكنِ حقيقةً لِلقُلُوب، تحتَ هذِهِ الظُّروف، أَنْ تصبحَ صافية، إِذا كانتْ تلكَ الدِّيانةُ تُعَلِّمُ كراهيةَ وخديعةَ أَعدائِهِم؟ هلْ مِنَ المُمكنِ لهذِهِ العقيدةِ أَنْ تأتيَ مِنَ اللهِ، الَّذي خلقَ كلَّ شيء، وَجَعَلَ شمسَهُ تسطعُ على الطيِّبِ وعلى الرَّديء؟ كم مختلفٌ هذا الأَمرُ مِنْ قوانينِ الكتابِ المُقدَّس، الَّتي تُعلِّمُنا أَنَّ الكذبَ تجاهَ كلِّ إِنسانٍ هو خطيئةٌ بحدِّ ذاتِها، وأَنَّ الكراهيةَ، في كلِّ الحالات، هي جريمة، حتَّى لو مُورِسَتْ تجاهَ أَعدائِنا، تلكَ القوانينِ الَّتي تقولُ بشكلٍ قاطعٍ أَنَّ لِلكذَّابينَ لا يُوجدُ مكانٌ في مملكةِ الله، وإِنَّما يستحقُّونَ الَّلعنةَ، وهذا يعني أيضًا أَنَّهُ ينبغي علينا أَنْ نختارَ الموتَ ولا أَنْ نحصلَ على أَيَّةِ مصلحةٍ دُنيويَّةٍ عن طريقِ إِنكارِ عقيدتِنا. أَلإِنجيلُ يُعلِّمُنا أَنْ نُحِبَّ أَعداءَنا، وأَنْ نُبارِكَ الَّذينَ يلعَنُونَنَا، وليسَ أَنْ نُرجعَ الأَذى مُقابلَ الأَذى، وإِنَّما أَنْ نُرجعَ الخيرَ مُقابلَ الشَّرِّ، مِن أَجلِ تكديسِ فحمِ النَّارِ المُشتعلةِ فوقَ رؤوسِ خُصُوماتِنا. هذِهِ الأَسُسُ وحدُها قادرةٌ أَنْ تُعلِّمنا ما هو الصَّفاءُ الَّذي يحتاجُهُ الرَّبُّ المُقدَّس، ونظرًا لِأَنَّ الرَّبَّ في معاملتِهِ لِلِّرجالِ المخطِئِينَ يُرِيْنا تمالُكَ النَّفسِ، والشَّفقةَ، والمحبَّةَ، فواضحٌ أَنَّهُ ينبغي لِلدِّيانةِ الحقيقيَّةِ أَنْ تطلبَ نفسَ الطَّلباتِ مِن تلاميذِها.
بعدَ الظُّهرِ ذهبنا إِلى تلَّةٍ تقعُ إِلى الشَّرقِ مِن يِرْكا (على ما يبدُو، موقع الأَرض المعروف بموقع “أَلنّْجَاص”، أَلواقع على المُنحدرِ الشَّماليِّ لِلسِّلسلةِ الجبليَّة الَّتي تقعُ عليها القرية، والَّذي تنمُو بِهِ أَشجارُ إِجَّاصٍ سُوريٍّ بَرِّيٍّ كثيرةٌ)، ومغروسةٍ بأَشجارِ عِنَبٍ جميلة، وفي طريقِنا التقينا بِشيخٍ مُسلمٍ من عكَّا، والدُهُ كانَ مُفتِيًا، أَمَّا هذا الرَّجلُ فهو شيخُ أَحدِ مساجدِ عكَّا. أَلشَّيخ سْعيد دعاهُ أَنْ يأتيَ مَعَنَا إِلى كَرْمِ العِنَبِ، وهكذا فقد رافَقَنَا. في هذا الكَرْمِ تتواجدُ شجراتُ صَنَوْبَرٍ عتيقاتٌ، ونحنُ وجدْنا تحتَ أَكبرِها ظِلًّا قليلًا، كانَ كافيًا لنا جميعِنا. أَلمنظرُ من هُناكَ نحوَ الأَرضِ المُمتدَّةِ أَمامَنا (القسم الأَوسط مِن مجرى وادي المجنونة، أَلواقع إِلى الشَّمال مِنَ القرية، والأَجراف الجيريَّة الصَّخريَّة الشَّاهقة الواقعة في أَعلى المُنحدر الجبلي الشَّمالي لِمجرى ذلكَ الوادي)، ونحوَ البحرِ (الأَبيض المتوسِّط)، أَثار إِعجابَنا، ودخلْنا في مُحادثةٍ حولَ الجُغرافيا وعلمِ الفلك، ولكنَّ الشَّيخَ سْعيد لم يكنْ قادرًا على تصديقِ كلِّ ادِّعاءاتِنا حولَ حركةِ الكواكبِ السَّيَّارة، خُصوصًا (حركة) الأَرض، (حول الشَّمس)، ونتائِجِها، وَلَوِ استطعتُ أَنْ أَبرهِنَها لهُ لَتَرَكَ ديانَتَهُ وأَصبحَ نصرانيًّا، (وهو لم يقتنعْ بِهذا الأَمر) لأَنَّ كُلَّ ذلكَ كانَ ضِدَّ القرآنِ (الكريم) والتَّقاليدِ المُحَمَّدِيَّة (الإِسلاميَّة). هو لم يقتنعْ، بِالطَبعِ، على الفورِ بِالبراهينِ الَّتي قدَّمتُها لهُ، ولكنْ كانَ مُثيرًا جدًّا لِلاغتباطِ أَنْ أَرى كَمْ كانَ مُهتمًّا بِهذِهِ المواضيع.
في المساءِ، خلالَ العشاء، سَأَلْنَا الإِمامَ (المُسلم) عن الهدفِ مِن رحلتِه، وقدْ أَخبَرَنا أَنَّه قَدِمَ مِن (مدينة) صَفَد، وأَنَّه اشترى فَرَسًا هُناك، وهو يعتبِرُها ذاتَ قيمةٍ خاصَّة، عندها قال سِيْرافِيْم: “نحنُ الرِّجالُ نُتْعِبُ أَنفسَنا دائمًا في الحُصُولِ على أَفضلِ الأَشياءِ في هذا العالَم، وذلكَ بالرَّغمِ مِنْ أَنَّها زائِلة، في حينِ نحنُ لا نهتمُّ بالحُصُولِ على السِّلعِ الأَبديَّة والدَّائِمة. أَلرِّجالُ لا يستطيعونَ أَبدًا أَنْ يحصلُوا مِنَ الأُمورِ الأُولى على ما يكفي، ومِنَ الأُمورِ الأَخيرةِ نحنُ لا نسأَل إِلَّا عنِ القليلِ، طبيعتُنا البشريَّةُ هي، بِالطَّبع، ضِدَّ الأُمورِ الرُّوحانيَّةِ والإِلهيَّةِ، ولكنْ يجبُ علينا أَنْ نُنَاضلَ ضِدَّ الأَمورِ الدُّنيويَّة، وأَنْ نكتفيَ بِما يُعطينا ايَّاهُ اللهُ مِنَ الأُمورِ الدُّنيويَّة”.     
قالَ الإِمام: “هذا صحيحٌ، إِنكارُ الذَّاتِ ليسَ موجُودًا في هذا العالَم، حتَّى لدى أُولئِكَ الَّذينَ يتظاهرُونَ بِأَنَّهم يُعَلِّمُونَ هذا الأَمر. أَنا نفسي، حينما أَتوجَّهُ إِلى النَّاسِ في المسجدِ (بِعكَّا) أَيَّامَ الجمعة، فإِنَّني أُعلِّمُهُم إِنكارَ الذَّات، ولكنَّني لا أُمارسُ ذلكَ. هل مِنَ المُمكنِ أَنْ نفعلَ نحنُ أَنفُسُنا ما نطلبُ مِنَ الآخرينَ أَنْ يفعلُوه؟”.
أَلشَّيخُ (سْعيد معدِّي) قال: “بِالنِّسبةِ لِسِيْرافِيْم ، أَقدِرُ أَنْ أَشهدَ بِأَنَه يُمارسُ إِنكارَ الذَّات، وذلكَ لِأَنَّهُ تركَ غِنَى بيتِ والدِه، وهو مُقتنعٌ بِالقليلِ مِن أَجلِ الدِّين” (يبدو أَنَّ الشَّيخ سْعيد كان يعرفُهُ مِن قبلُ).
حولَ ذلكَ أَجابَ سِيْرافِيْم: “أَعترفُ أَنَّ قلبيَ خدَّاعٌ ومَيَّالٌ إِلى الشَّرِّ كغيري، ولكنَّ إِنكارَ الذَّاتِ الَّذي أُمارِسُهُ لا يحصلُ بواسطة قُوَّتِي، بَلْ بنعمةِ الله، الَّتي عن طريقِها حصلتُ على معرفةِ الطَّريقِ إِلى الحقيقةِ، الَّتي تُرغِمُنا على إِنكارِ أَنفسِنا”.
أَلإِمام: “أَيَّةُ طريقٍ إِلى الحقيقةِ تلك؟”.
سِيْرافِيْم: “إِنَّهُ الإِنجيلُ”.
أَلإِمام: “عقائدُ مسيحيَّةٌ كثيرةٌ تُعجبُني، ولكنْ ليسَ ما تقولُ المسيحيَّةُ عن صَلْبِ (السيِّد) المسيحِ، في حِيْنِ هُمُ يُعلِّمُونَ أَنَّهُ الرَّب”.
 سِيْرافِيْم: هذِهِ العقيدةُ مُخالفةٌ في الحقيقةِ لطبيعتِنا، وضِدَّ المِصداقيَّة، ولكنْ لو نتعلَّمُ السَّببَ الَّذي لِأَجلِهِ كانَ الأَمرُ كذلكَ، لَكَانَ مِنَ الواجبِ علينا أَنْ نعترفَ، بالرَّغمِ مِن ذلكَ، أَنَّها الحقيقةُ”.
بعدَ العشاءِ ذهبْنا إِلى سطحِ البيتِ، حيثُ تتواجدُ عريشةٌ جميلةٌ، كما هو الوضعُ في سطحِ كلِّ بيتٍ (في يِرْكا، في ذلكَ الزَّمان)، مِن أَجلِ السَّمَرِ في الَّليل، ومِن أَجلِ النَّوم. هُناكَ نحنُ تابعْنا المُحادثةَ حولَ ضرورةِ حُلُولِ كلمةِ اللهِ في (السيِّد) المسيحِ، وموتِهِ مِن أَجلِنا. حاولْنا (أَنا وسِيْرافِيْم) أَن نُرِي أَنَّ الخطيئةَ، مُنذُ سُقُوطِ آدمَ، هي شرٌّ لَهُ صبغةٌ دائمةٌ، تُرْتَكَبُ ضدَّ اللهِ الأَزليِّ وغيرِ المُتَغَيِّر، ولِذا فهي سبَّبتْ إِداناتٍ لا نهايةَ لها طبقًا لِعدالةِ اللهِ الأَزلي. وهكذا أَتى على آدمَ وذُرِّيَّتِهِ حُكْمُ الموتِ والعقابِ الأَبدي، ليسَ فقط بسببِ خطيئةِ آدمَ، وإِنَّما بسببِ الفسادِ المُتأَصِّلِ في الطَّبيعةِ البشريَّة. ولكنْ نظرًا لِأَنَّ رحمةَ اللهِ ترغبُ في خلاصِ البشريَّة، وعدالةَ اللهِ (تقتضي) الإِدانةَ (على الأَعمال الشِّريرة)، فماذا يستطيعُ أَنْ يُوفِّقَ بينَ العدالةِ (مِنَ الجهةِ الأُولى) والرَّحمةِ مِنْ أَجلِ خلاصِ الإِنسان (مِنَ الجهةِ الأُخرى)؟ هلِ التَّوبةُ، والتَّضحيةُ، والأَعمالُ الحسنةُ، كافيةٌ للحُصُولِ على هذا الهدفِ؟ لا، وبِأَيِّ شكلٍ مِنَ الأَشكالِ، وذلكَ لِأَنَّ كلَّ هذِهِ الأَعمال هي ذاتُ صفةٍ قابلةٍ لِلانتهاءِ، وهي بطبيعتِها غيرُ كاملة، ولِذا فهي غيرُ كافيةٍ لِلحُصُولِ على عدالةِ اللهِ الأَبديَّة، وهكذا، فإِنَّ كلَّ هذِهِ الأَعمال غيرُ قادرةٍ على مُعادلةِ وزنِ خطيَّةِ الجنسِ البشري. حتَّى لَوِ افترضْنا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُمكن لِأَيِّ واحدٍ مِنَ الأَنبياءِ، أَوِ الرِّجالِ الصَّالحينَ، أَنْ يُكَفِّرُوا عَنِ الخطيَّةِ بِالتَّضحية، فإِنَّنا نخدعُ أَنفسَنا، أَوَّلًا، لِاَنَّ رجلًا كهذا لا يُسْتَعْفَى مِنَ الحسابِ الَّذي سوفَ يجري على كلِّ جنسِ آدمَ، ثانيًا، لِأَنَّ المخلُوقَ لا يقدرُ أَنْ يُعطي تكفيرًا لِمُخالفةٍ ارتُكِبتْ ضدَّ الخالِقِ، وهذا الأَمرُ لا يستطيعُ أَنْ يفعَلَهُ أَعلى (أَكبر) الملائكةِ، وذلكَ لِأَنَّهُم جميعًا مخلُوقَاتٌ، ولِأَنَّهُ لا توجدُ مساواةٌ بينهُم وبينَ عَظَمَةِ اللهِ الأَزليَّة. لِهذِهِ الأَسبابِ كلمةُ الله صُنِعَتْ لَحْمًا، أَي أَنَّها أَصبحتْ أَحدًا مَعَنَا، (أَلسيِّد) المسيحُ مِنَ المُمكنِ أَنْ يكونَ مندوبَنا، وأَنْ نُعْطِي لعملِهِ جَلالَ سِمَةٍ باقيةٍ وخالدة. هكذا كانَ مُمكنًا لِكلمةِ الله، بدلًا مِنَّا، أَنْ تحملَ الذُّلَ والمُعاناة، وكذلكَ الموتَ الَّذي كُنَّا نستحِقُّهُ، والافتداءَ والغُفرانَ الَّذينِ حصلْنا عليهِما”.   
أَجاب أَلإِمام: “حتَّى لَوِ اعترفْنا بِذلكَ، فماذا هو  يُثبتُ؟ بِالنِّسبةِ لِهذِهِ الكلمة، هل هي نفسُها اللهُ؟”.
نحنُ (تْسِلِر وسِيْرافِيْم) أَجبْنا: “نعم، هي كذلك”.
وسأَل الإِمام: “كيف يُمكنُ للهِ أَنْ يتركَ السَّماءَ وأَنْ يكونَ في الأَرض؟ هل يعني هذا النُّزُولُ أَنَّ السَّماءَ تُرِكَتْ بِدونِ وُجُودِهِ؟”.
نحنُ (تْسِلِر وسِيْرافِيْم) أَجبْنا: “لا، ولكنَّها عقيدةٌ مسيحيَّة أَنَّه نزلَ إِلى الأَرض، ليسَ مُطلقًا، وإِنَّما نسبيًّا، إِذ أَنَّهُ توجدُ كتبٌ كثيرةٌ حينما تتحدَّثُ عن طبيعةِ الله، فينبغي أَنْ تستعملَ مُصطلحاتٍ نسبيَّةً، وحتَّى القرآن (الكريم) يستخدمُ في حالاتٍ كثيرةٍ مُصطلحاتٍ مُشابهة. وهكذا، فإِنَّ هذه الكلماتِ لا تعني أَنَّ اللهَ تركَ السَّماءَ ونزلَ إِلى عالمِنا، وكأَنَّهُ كانَ مقصُورًا على بُقعةٍ واحدة، لِأَنَّنا نعتقدُ ليسَ فقط أَنَّ اللهَ موجودٌ في كلِّ مكان، ولكنْ (نحنُ نعتقدُ) أَيضًا أَنَّ كلَّ مكانٍ مليءٌ بِهِ وخلالَهُ”.
أَجابَ (أَلإِمام): “جيِّدٌ جدًّا، ولكنْ كيفَ يُمكنُ أَنْ يكونَ اللهُ مُتَّحِدًا مَعَ إِنسانٍ؟”.
أَجابَ سِيْرافِيْم: “من أَجلِ توضيحِ احتمالٍ كهذا، نقولُ أَنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُخبرُنا، كما تعترفُ أَنتَ، بِأَنَّ اللهَ كانَ موجُودًا في الشُّجيرةِ المُشتعلةِ في جبلِ حُوْرﻳﭫ (جبل سيناء. يقصد شُجيرة العُلَّيْقِ المُشتعلة الَّتي شاهدها النَّبي مُوسى عليه السَّلام، والَّتي لم تأْكلْها النِّيرانُ، حينما كان يرعى غَنَمَ النَّبيِّ شُعيبٍ عليه السَّلامُ، كما هو مذكورٌ في الإِصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْرِ الخُرُوج بِالعهدِ القديمِ مِنَ الكتابِ المُقدَّس، وكذلكَ في سُورَتَيِ طه والقَصَص في القُرآن الكريم). إِذا كانَ ذلكَ مُمكنًا للهِ، كما تُؤمنُ أَنتَ، أَنَّهُ (أَيِ الله) كانَ موجودًا في (تلك) الشُّجيرة، بطريةٍ غامضة، فكيفَ مِنْ غيرِ المُمكنِ أَنْ يكونَ موجُودًا في إِنسانٍ؟ وإِذا كانَ الكتابُ المُقدَّسُ يُخبرُنا أَنَّ اللهَ كانَ موجودًا هكذا، فكيفَ يجبُ أَنْ يكونَ مُستحيلًا لنا أَنْ نقولَ أَنَّ اللهَ كانَ في (السيِّد) المسيحِ بطريقةٍ غامضة، كما تشهدُ كُتُبُكُمُ الخاصَّةُ (أَلقرآنُ الكريم وتفاسيرُهُ والأَحاديث النَّبويَّة الشَّريفة) بِأَنَّ كلمةَ اللهِ ورُوحَهُ كانَتَا موجُودتَيْنِ هكذا؟” (يقصد في العُلَّيْقَةِ المُشتعلة بِجبل سيناء).
حولَ هذا (الأَمر) قالَ الإِمام: “هذا الشَّرحُ جيِّدٌ جدًّا، ولكنْ يصعُبُ فهمُهُ وتصديقُهُ”. عندَها وقفَ (الإِمام) وذهبَ إِلى مكانِهِ لِينامَ (على السَّطح، تحت العريشة). عندَها نحنُ (تْسِلِر وسِيْرافِيْم) صَلَّيْنَا مِن أَجلِ أَنْ لا تكونَ تلكَ الكلماتُ قد ذهبتْ سُدًى، وأَنْ يكونَ لِعملِ (السيِّد) المسيح، الَّذي كُتِبَ مرَّةً بِالجُلْجُثَّةِ (إِسمُ مكانٍ كان في عهد السيِّد المسيح عليه السَّلامُ يقع خارج مدينة القُدس، وهو المكانُ الَّذي صُلِبَ عندَهُ، طبقًا لِلإِيمانِ المسيحي) مِنْ أَجلِ خلاصِ البشريَّة، تأثيرٌ على المُحَمَّدِيِّيْنَ (المُسلمين) وعلى المسيحِيِّيْنَ الوثنيِّيْنَ في هذِهِ البلاد”.  

مقالات ذات صلة:

في رحاب الكرمل المقدس

اكتسب جبل الكرمل منذ القدم، هالة من القدسية، حيث كان من أوائل المناطق التي استوطنها إنسان في بلادنا، إذ تدل