الموقع قيد التحديث!

“الكهفُ الّذي أوى إليه جميعُ الموحّدين”

بقلم سماحة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرّئيس الرّوحي للطّائفة الدّرزيّة ورئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله تباركَ تعالى على نعمة الحمد، والصلّاة على أنبيائه ورسله أصحاب الفضل والمجد. سبحان من شاء فأوجد الإنسان، وهداهُ للصّوابِ وعلّمه البيان. لا طابت الدّنيا إلّا بذكره ولا الآخرة إلّا بلُقياه، لا إلهَ غيرُه ولا معبودَ سواه.
إخوتي وأخواتي أبناء الطّائفة الدّرزيّة في كلّ مكان،
تسعةٌ وعشرون عامًا مرّت على غياب سيّد الجزيرة الأطهر وحرزها المحفوظ الأنور، فضيلة المرحوم سيّدنا الشّيخ الطّاهر الأمين أبي يوسف أمين طريف رضي الله عنه ونفعّنا بصالح ذِكراه، ولا يزالُ هذا الوجه المشرقُ بالنّور، يمدّنا بالأمل والقوّة الرّوحيّة، مستمدّين من فيضِ إشراقهِ بركةَ هذا الوليّ الطّاهر الجليل، الّذي أضحى خلال سنوات حياتهِ أيقونةً روحيّة فريدةً، ونبراسًا توحيديًّا شامخًا على مرّ العصور.
مع ورود هذه الأيّام من كلّ سنة، تعودُ بنا الذّكرى إلى ما شاهدناه وعاينّاه من محطّات هذا الوليّ الطّاهر الغريب، الّذي أطاع الله تعالى فأطاعته كلُّ القلوب، ليصيرَ أيقونةَ الفضيلة الّتي لم يغيّبها الموت يومًا، بل بقيَتْ حيّةً في أذهان النّاس تتناقلها الألسنُ والصّورُ والقلوب.
لم يكُن سيّدنا الشّيخ يومًا شخصيّةً محصورةً بعائلةٍ أو بلدٍ أو أفراد، بل كان الكهف الّذي أوى إليه جميع الموحّدين من كلّ الأقطار، والشّجرة الباسقة الّتي أظلّت الطّائفةُ تحتها من حرّ المشاكل والقلاقل والأخطار، مسطّرًا خلال سنوات حياته المديدة فصولًا خالدةً زكيّةً من تاريخنا وتاريخ من يأتي بعدنا من أجيال.
منذ مطلع شبابه، دأب المرحوم سيّدنا الشّيخ على طلب المعرفة والتّعلّم، وبرز بين رفاقه بمسلكه التقيّ الخفيّ، زاهدًا في الدّنيا وشهرتها، وعازفًا عن كلّ ما يشغله عن الله تعالى، مخلصًا له في السّرّ والسّريرة، ومروّضًا لنفسهِ الّتي تجوهرت بالاجتهاد وصفت، وأهّلته ليحملَ السّيادةَ طوال عقودٍ فضلًا وعرفانًا ودينًا.
في كلّ عام وفي مثل هذا التّاريخ، نجتمع لنتذكّر سيّدنا الشّيخ بقلوبٍ منكسرةٍ حزينة، مستذكرين ما كان له من أيادٍ بيضاءَ ناصعة في خدمة أبناء الطّائفة والسّير بالمصلحة الطّائفيّة نحو برّ الأمان، حيث قضى سيادتُه طوال سنين حياته متنقّلًا بين البيوت والنّاس، مهتمًّا بسماع أخبارهم، وفاتحًا أمامهم بابَ داره وقلبهِ، محزونًا لحزنهم، مسرورًا لفرحهم، ساهرًا على حقوقهم، جابرًا لخواطرهم مع إحقاقّ الحقّ وتبيين أصحابه، لطيف المعاملة إلّا مع نفسه، متسامحًا متغاضيًا إلّا عن عمله، مخلصًا لله في السّر والعلانيّة، مرموقًا بين الخلق بمحامده السّنيّة ومناقبه الروحيّة العليّة.
بعد مرور تسعةٍ وعشرين سنةً على رحيل سيادته، لا زلنا نجتمع تحت ظلّ صورته، ونتمسّك بما سمعناه عنه من نصائحه وحكمته، حاملين من بعده برفقة مشايخنا الثّقات أعباء الخدمة والمسيرة، وسائرين على نهجه وخطّته في الحفاظ على هذه الأمانة الكبيرة، عاملين بموجب ما طالبنا فيه من تثبيت القيم التّوحيديّة في نفوس أبناء الطّائفة وبناتها، والسّهر على خدمة مواقعِها المقدّسة وأوقافها ومقاماتها، مكرّسين كلّ ما أوتينا من بعدِ سيادته، من أجل المضيّ بالطّائفة الدّرزيّة إلى نيل كامل الحقوق وتحقيق الإنجازات، مستعينين على ذلك بما نستمدّه من دعائه وبركة ثقته، وفيض ما تركه لنا بعد رحيله من وافر حكمته.
رحم الله سيّدنا الشّيخ وأعاننا وإيّاكم جميعًا على حسن الاتّباع وطيب الاقتداء، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة: