الموقع قيد التحديث!

الصوفيّة ومذهب التوحيد

بقلم الشيخ أبو توفيق سليمان سيف
يانوح
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

ظهر النزوع إلى التنسُّك والتقشُّف في القرن الثاني الهجري، التماسًا للتقرُّب من الله بالصلوات والتأمُّلان، وتحوّل إلى التصوُّف بالتعبُّد، وتصفية النفس من الميول الطبيعيّة، وإخماد الشهوات، والاتّصال بالحقيقة، والإعراض عن الأغراض بالرضى والتّسليم، والانقياد إلى الحقّ، والزهد في متاع الدنيا، والتبحُّر في أسرار الوجود، والتجريد، والتأمُّل، فشاركهم في أكثر من ذلك، فيما بعد، جماعة الموحّدين الذين لا يزال أشياخهم حتّى اليوم يتزمّلون بالعباءات الصوفيّة، ويمارسون مناسك المتصوّفة وتعبُّداتهم إلى حدٍّ بعيد ما عدا “ترك الاختيار”، لأنّهم بحسب مذهبهم مُخيَّرون فيما يحاسبون عليه، لا مُجبرون.

وكان الحاكم بأمر الله زاهدًا متقشِّفًا، يكره اللهو، بل يحرِّمه كما حرَّم الخمرة، ونهى عن الزينة والزهو، ولبس الصوف سبع سنوات، كالمتصوّفة تمامًا. واتّبعه وحذا حذوه في التحريم والزهد والتعفُّف ولبس الصوف أشياخ المؤمنين به إلى يومنا هذا. ما عدا التبحُّر والتأمُّل والتجريد على أن الصوفية، بعدما اجتازت مرحلة التطوّر في اختباراتها الروحيّة، وممارسة التعبُّدات على طريقتها الخاصّة، أصابها الجمود، وعراها التقليد، طريقة دينيّة ملائمة لروح العصر الذي أوجدتها حاجته، ثمّ نضبت موارد روحيّة لها أو وهن إقبالها عليه، ولا سيّما أن ذلك الإقبال الروحي لم يتّخذ سبيل العقل والعِلم إلا عند القِلّة من أعلام الصوفيّة. فإنّ الصوفيّة في روحانيّتها التعبّديّة لم تنفتح للتنقيب العلميّ والتقصّي الفكريّ، والبحث، والنقد، والمناقشة.

بهذا الانفتاح افترق عنها مذهب الموحِّدين، في إبّانه، قبل انغلاقه والتشدُّد في كتمانه.

ولكنّها، بتأثير النصرانيّة والبوذيّة والنزعة الفلسفيّة اليونانيّة، كانت قد أحاطت نفسها بجهاز يشرف عليه رؤساء وأشياخ، فانتشرت في القرن الرابع للهجرة خصوصًا بين الفِرق الباطنيّة، ومنها الدروز الموحّدون الذين اقتبسوا منها أمورًا كثيرة، إلّا التعبّدات التي يشوبها الغلوّ.

وزادوا بأن أمعنوا في الكشف عن المعاني الباطنيّة، وسلّطوا العقل على خفايا النقل، وهم يعظّمون أعلام الصوفيّة كالحلّاج والجُنيد لصلاحهم عن مثل هذه الفضائل التي يتحلّى بها الدروز.

يقول (بورون): “إنهم يحرّمون الكذب، والخمرة، والتدخين وشهادة الزور، والاغتياب والنميمة، ويُؤمرون بالوداعة واجتناب الجشع والحسد”.

ويقول بطرس البستاني: “إنهم يمارسون ضبط النفس والعفّة، وصدق اللسان، ويتجنّبون السفه والبذاءة، ويرفضون المال الحرام”. وبمثل ذلك شهد لهم نوفل نوفل، وفولني واللورد لافرين وتشرتشل، كما شهد لهم من معاصريهم: مارون عبّود، وحنا أبي راشد، وبولس سلامة، ويوسف يزبك، وسعيد فرنسيس، وتغنّى بفروسيّتهم الشاعر القروي رشيد سليم الخوري، وأمير الشعراء أحمد شوقي وكثيرون غيرهم ممّن يضيق المجال في ذكرهم.  

مقالات ذات صلة:

العدد 6 – اذار 1985

العدد 6 – اذار 1985 Share on whatsapp Share on skype Share on facebook Share on telegram لتحميل العدد Pdf