الموقع قيد التحديث!

الشاعر الفيلسوف ابو العلاء المعري

بقلم الشيخ أبو زيدان يوسف زيدان حلبي
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

من أوائل أهل التوحيد
 ملخص كتاب “زوبعة الدهور” للكاتب مارون عبود

مولده ونشأته: وُلد أبو العلاء المعري نهار الجمعة الواقع في السادس والعشرين من كانون أول سنة 363ه / 973م في معرّة النعمان، شمالي سوريا بين حمص وحلب، في أسرة عريقة في القدم، يمتد أصلها إلى قبيلة تنوخ اليمانية من قضاعة، من قحطان، وإليها نسبته، وفيها قبره إلى اليوم، وقد جُدّد بناء هذا القبر سنة 1944 في عيده الألفي (هدمته القوات الداعشية في الحرب الأهلية الأخيرة في سوريا). أصيب أحمد الملقب بأبي العلاء بالجدري، وهو في الرابعة من عمره، فذهب نظره، على أن ما فقد من بصره، استعاض عنه ببصيرته وشدة حافظته. المعري من بيت علم ورئاسة، أبوه عبد الله بن سليمان بن محمد من العلماء، وجده وأبو جده وجدّ جده كلهم تولّوا قضاء معرة النعمان، وقد بقي القضاء في بني أخيه إلى أن دخلها الإفرنج سنة 492ه.  ومن آله (آل سليمان) المشهورين في نشر الدعوة في لبنان، فضلاء وعلماء وشعراء لا يتّسع المقام لذكرهم. وكانت الفتاوى على ما يستفاد من (ياقوت وابن العديم) في بيتهم على المذهب الشافعي أكثر من 200 سنة.  وفي هذا الوسط العلمي والديني، نشا وترعرع شاعرنا، فأخذ العلم والأدب أولا عن أبيه، ثم عن جماعة من علماء المعرة، وزار في حداثته بعض المدن الشامية المعروفة بالعلم، كأنطاكيا واللاذقية وطرابلس، فأخذ العلم عن علمائها، ثم زار بغداد وأخذ آراء إخوان الصفا واعتقاداتهم في (الله والعقل).
عصر المعري وتقبله للدعوة الدرزية: لقد سبق مولد هذا الغلام، ثورات دينية واجتماعية وسياسية، تولّدت منها ثقافات مختلفة ومذاهب لا حصر لها، كالنصرانية، واليهودية والإسلامية والفارسية والهندية، تغذيها فِكَر دينية متهددة. وفي هذا العصر الثائر الذي وُلد فيه المعري كانت فترة العلائية زبدة الحقبة العربية والتي تركت في تاريخنا عصارة الفكر العربي، بفضل رجالاتها الميامين في جميع مجالات الحياة. ولما بلغ الفتى العاشرة من عمره، أخذ يتردّد على مجلس أبيه منتظرا الساعات التي يعمر فيها المجلس، ويكثر فيها الجدل حول المذاهب المنتشرة انتشارا ذريعا والادعاء بظهور الفاطمي (المنتظر) بالمرصاد في كل منها، فتشعل عقله في وحدته. وفي ليلة من ليالي ذلك الدهر العابس المضطرب، كان فريق من أهل المعرة في دار قاضيهم (عبد الله بن سليمان) والد المعري، يتذاكرون أخبار الحوادث ومجرياتها في دولة القاهرة الجديدة، التي دخلها إمامها -المعز لدين الله- عام مولد المعري سنة 363ه ويتحدثون عن عظمته وكيف نما هذا المُلك في عصره، وكيف زها عهد العزيز بالله –وكيف حوّر الفاطميون وبدّلوا حتى في الآذان: فقالوا: (حيّ على خير العمل) بدلا من (حيّ على الفلاح). ثم دار الحديث عن (المهدي)  الفاطمي، ذلك “الإمام” المنتظر لخلاص البشرية وتطهير الأرض من الفساد، كونه الشخصية الأهم في التاريخ  . كان الفتى يسمع تلك المشاحنات صغيرا، وكان يُلفت سمعه شيخ من شيوخ مجلس أبيه، حرّ التفكير والتعبير أكثر من غيره، يرتاح لكلامه ويتمنى أن يسأله عن قضايا تملأ دماغه. سمع الفتى عن (الإمام المنتظر) والذي أعجبه جدا، وكان له من فكرة الخلاص، عن التفكير المستمر عنصر جديد، وأخذ يغذّي شعره الصبياني بتلك الفكرة، وفات في الغلو والإيغال الشاعر المتنبي فقال:
في اللاذقيّةِ ضّجَّةٌ    ما بَيْنَ أحمدَ والمسيحْ
قِسٌّ يعالجُ دلبَةً        والشيخُ من حَنَقٍ يصيحْ
كُلٌّ يُصَحِّحُ دينَهُ        يا لَيْتَ شِعري ما الصَّحيحْ  
ومرّت الأيام: وفيما وكان ابو العلاء يفكر في الأحداث السياسية، وما يُروى عن الأخبار والآراء العجيبة الغريبة عن الفاطمي -الحاكم بأمر الله- الذي دانت لهيبته أعاظم الرجال، وفيما هو كذلك إذا ببابه يُقرع، ففُتح ودخل شيخ ومعه شيخ آخر، يسأل أبا العلاء خلوة به، فعرفه ابو العلاء من صوته بعد سنين، وهو الشيخ الذي كان يُلفت سمعه في مجلس أبيه.  كان ابو العلاء قبل الجلسة مع الشيخيْن يفكّر في الكلام الذي قيل عن (المعز لدين الله)، والذي رأى فيه دستورا جديدا، لم يسمع بمثله عن حياة الملوك في كل العصور، فهاجت قريحته فقال:
ملّ المقامُ فكم أُعاشرُ أُمّةً        أمرتْ بِغيْرِ صلاحها أُمراؤها
ظلموا الرعيّةَ واستباحوا كيدَها    وعدَوا مصالحها وهُم أُجراؤها   
وسمع من الكثيرين عن (لحاكم بأمر الله) وعن عدله، وزهده، وتقشّفه، وتواضعه، واحتقاره الرسوم والألقاب الضخمة، وبالاختصار جذبته شخصّيّة –الحاكم بأمر الله- الفذّة، ورأى فيه حاكما تقيّا فآثره وبايعه في ضميره، فازداد تعلّقا بهذه الدولة الفتية التي أسّستها هذه السلالة العريقة. كل هذه الأمور كانت تشغل عقل المعري حين دخل عليه الشيخان، وبعد التحية والسلام قال الشيخ الذي لا عهد له بصوته: بلغني ان الشيخ أيّده الله من رجال الكلام، لا يقبل الأمور على علاّتها، وأن عينه الثاقبة تخترق حُجب (الظاهر) لتبلغ (الباطن)، وتستجلي غوامضه، وتقف على أسراره. فأجاب المعري: “ليت لي عينا تبصر فأرى من يحدّثني فأقرأ على الوجوه ما قد تخفيه الصدور، العمى مصيبة يا شيخي الأجل”. فقال الداعي: سمعنا لك شعرا قلته في أبي إبراهيم موسى بن إسحق وآخر لأحد رجال هذه العشيرة الطاهرة، فزادنا استحسانا، زادك الله عرفانا، وجئنا بأمر (مولانا الحاكم) لنلقي إليك بأسرار دعوتنا، وقد جرت عادة الله وسُنّته في عباده، عند شرع من نصبه ان يأخذ العهد على من يرشده، ليملك حقه على من أخذ عهده، فأعطنا صفقة يمينك، وعاهدنا على أن لا تفشي لنا سرّنا. وكان المعري يسمع ولكنه يريد معرفة هذا السر، ولا يريد أن يحلف قبل أن يعرف، رأى الداعي تردّده فقال له: اعلم يا احمد بن عبد الله، يا أخانا الذي انتدبه (مولانا الحاكم) للاتصال به والبوح له بجميع أسرار دعوتنا، اعلم أن دين محمد (صلعم) ما هو إلا علم خفي ستره الله في حُجبه، وعظم شأنه عن ابتذال أسراره، فهو سر الله المكتوم، وأمره المستور الذي لا يطيق حمله إلى ملك مقرّب، أو مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالتقوى.
فهزّ المعري كتفيه كأنه لم يسمع من داعيه شيئا جديدا، ثم قال له ضاحكا: أعلى هذا جئت تحلفني يا شيخ. فأجابه الداعية: “لا يا احمد بن عبد الله، اسمع الآن، لا تستعجل! فكّر معنا: وذكر له الداعي العديد العديد من الرموز المستورة التي تشير وتوصل إلى الأسرار الخفية في الدين، بقوله تعالى: سنريهم نياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى نبيّن له أنه الحق، فأي حق رآه الكفار في أنفسهم وفي الآفاق حتى عرفوا أنه الحق، وأي حق عرفه من جحد الديانة؟
فتنهّد ابو العلاء وقال: هذا ما يشغل بالي، أين كنتما؟ فلم تأتيا لتفريج كربتي وتبديد حيرتي. ثم قال: لا نوم الليلة، ولكن الشيخين ناما نوما هادئا مطمئنا، لأن فوزهما كان عظيما. أما نظما في سلك الدعوة أثمن درّة كانت واسطة العقد الخالدة. وفي الليلة التالية رحّب بهما وعرض عليهما ما نظمه أمس بعد ذهابهما:
عجبت لكسرى وأشياعِهِ        وغَسْلِ الوجوهِ ببول البقرْ
وقولِ اليهودِ إله محبّ           رشاشَ الدماءِ وريحَ القَتَرْ
وقولِ النصارى إله يضامُ                 ويًظلَمُ حقّا ولا ينتَصِرْ
وقومٌ أتوا من أقاصي البلادِ    لِرَمْيِ الجِمار ولَثْمِ الحَجرْ
فيا عجبا من مقالاتِهِم    أيعمى عن “الحق” كلُّ البشرْ  
فكبّر الشيخان تكبيرا عظيما، لأن كلمة “الحق” كان لها في أذنيهما دويّ دونه دوي قنابل اليوم. ثم اسمعهما العديد من أشعاره فلاقت استحسانا، وألقيا الدعوة بمراتبها “التسعة” بعد ان وجداه في المرتبة العليا فطرة وغريزة، وطلبا صفقة اليمين، فمد! أبو العلاء يمينه، معاهدا على كتم السرّ الذي أتعبه حمله طوال الحياة. عندئذ قالا له: قد صرتَ الآن أهلا لكشف السرّ والإفصاح عن الرموز التي توصل إلى الدين الحق، وطلبا منه المساهمة في نشر الدعوة لأنه كفوا لذلك.
 حبيس المعرة: عندما عاد أبو العلاء المعري من بغداد إلى المعرة، لزم منزله وعاش فيه زاهدا (من سنة 400-449ه) لكنه كان حريصا على العلم والتأليف. وفي هذا الطور من حياته نظم وصنّف أكثر كتبه ورسائله ومؤلّفاته التي جاوزت السبعين مؤلفا، ومن أشهرها (سقط الزند واللزوميات والفصول والغايات ورسالة الغفران).
وذهب مارون عبود في وصفه لكتاب اللزوميات قوله: “إنه كتاب المذهب الفاطمي، وإن ابا علاء صوّر فيه للناس شخصية “الحاكم” وخصائصه، وأن (الفاطمية مذهب فلسفي) وأصبح ابو العلاء شيخها الأعظم.
مدرسة ابو العلاء المعري: كان منزله محجة الطلاب، يقصدونه من كل الآفاق، وكان الإقبال عليه عظيما، فاستحالت وحدته إلى مجتمع حي نابض بقوة الشباب، وتفكيره الصاخب كما هو الحال في جامعات اليوم.
وكان بين طلاب الشيخ المعري، طالب تجاوز سن الشباب، ما عرف شيخنا من أمره، إلا أنه من القاهرة واسمه (إسماعيل التميمي). وفي إحدى الحلقات استدناه المعري قائلا له: اكشف لي عن صفحتك؟ ما خطبك؟ عرفت أنك منّا فما تبتغي من حلقتي؟ فصرّح له التميمي أنه موفد من لدن (الحاكم بأمر الله) ومهمته أن يتلقّى بعض الدروس، ثم يتوجّه بالشيخ إلى القاهرة، ليلقي الدروس على الدعاة في دار الحكمة. فابتسم ابو علاء وقال له: كان ذلك قبل النذر، خذ عني ما تشاء واكتب ما تشاء وخبّر (الإمام) بما رأيت وسمعت، أما ذهابي إلى القاهرة فهيهات، هيهات أن يحمل عني (مولانا الحاكم) وزر يميني، نحن قوم وأنت من العارفين، ندين بالصدق، ومن يكذب على نفسه يكذب على الإمام والإخوان والعياذ بالله. وكان أخذ وردّ وانقضت شهور التميمي يدور حول الشيخ ويداوره، ويأخذ عنه، ويزيّن له الإقامة في القصر ودار الحكمة، والشيخ ثابت لا يتحوّل ولا يتزعزع. عند ذلك أدرك التميمي أن ما يأخذه من علم الشيخ وما ينقله عنه إلى مولاه خير وأبقى. فكتب دفاتر كثيرة أملاها عليه الشيخ، ودوّن الكثير من الدفاتر المحفوظة لدى الشيخ، ولسان حال التميمي يقول: أنا على سفر لا بد من زاد، وبعد إفطار غرّة رمضان سنة 411ه دخل الداعي إسماعيل التميمي على أبي العلاء فقال: قد تكون بلغتْ سيدي وشيخي أخبار مصر من الهرج والمرج، وقد يكون مولانا استطال بقائي في المعرة، ولكن عذري معي. فما أحمله إلى الحضرة من علم الشيخ يشفع عنده. وعند الوداع قال الشيخ المعري: “رغّبتني فيه يا إسماعيل، وزيّنتَ لي لقاءه، لولا لأني في قيديْن (العمى واليمين) ليته يستوي لي جناحان فأطير بهما إلى القاهرة، ولكن الله لا يريد ولتكن إرادته يا أخي. وكان التميمي ينظر إلى شيخه والحزن يكسو وجهه ذبولا وفتورا ثم ينهض مصافحا متعثرا بأذيال الخيبة.
معتقده ومذهبه: إن الدين عند المعري كالذي عند فلاسفة اليونان (تكريم الضمير النقي للعدالة الإلهية).  أبو العلاء لم يؤمن بغير (العقل) الذي قدّسه فلاسفة اليونان، وبه استعانت الدعوة الفاطمية، وعليه بنت اسسها حتى اليوم.  وأما الخير عندهم فهو أساس المذهب الفاطمي، وهو بمثابة الله، بل هو الله، وهذا ما دعا إليه الفاطميون وأذنوا به وذكروه مع الله (حيّ على عمل الخير). وهذا ما دعا إليه ابو العلاء أيضا، فرأيه كرأي المذهب الفاطمي. وهذا سر المعري المكتوم الذي أباح به بعد أم اطمأن إلى رأسه ودمه فيقول:
آهٍ لأسرار الفؤاد غواليا    في الصدر أكتم دونها وأجمجم    
أبو العلاء والحاكم: في الليلة الخامسة والعشرين من شهر شوّال سنة 411ه كان (الحاكم) ينتظر ساعة الطواف ليرقب النجم الذي يخشى ظهوره، فإذا بالحاجب يستأذن للداعي إسماعيل التميمي، فدخل منكس الطرف، وابتدر (الحاكم) الكلام بلهجة العاتب المؤنّب: عدتَ يا إسماعيل! حال الحول على غيبتك، أين الرجل؟ ارتاع الداعي وانحنى وقال: رخص لي الكلام يا مولانا. فأجاب (الحاكم): تكلّم ومتى كنّا نحظر القول على دعاتنا. فقال الداعي: لم يجئ يا مولانا ثم تابع: “قد أطلعني الرجل على جميع ما ينظم ويملي على تلاميذ له كل مدة غيبتي عن الحضرة، إنه يعمل “للدعوة” ما لم يعمله جميع الدعاة، فبيته يعجّ بالوفود، وفيه تلقى دروس لا تلقيها دار الحكمة. نحن ندعو سرا وهو يعلّم جهرا، وكتابه الذي يمليه على طلابه، مرتب على نسق الدعوات، يرقّيهم فيها درجة درجة، فأطرق (الحاكم) وسأله: ماذا قال حين ذكرتني؟ قال: إنك سراج المستنيرين، وهو يقتفي آثارك وآثار آبائك صلوات الله عليهم، ليدرك عن طريق النسك والزهد، صفاء النفس ونقاءها.” فسكت الحاكم وقال: لا بد من مجيئه. فقال الداعي: ماذا تريد منه يا مولانا وهو القائل:
توحد فإن الله ربَّك واحدٌ          ولا ترغبن في عِشرة الرؤساء   
واسمع يا ملاي غير مأمور ما يقول أيضا:
هفتِ الحقيقة والنصارى ما اهتدتْ  ويهودُ حارتْ والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو “عقلٍ” بلا     دينٍ وآخر دينٌ لا عقلَ له  
ثم أفرغ ما في جعبته من ذكر الله والحكام والدعاة، والعقل والحث على الخير، والصلاة والزكاة والصدق والكذب والحلال والحرام، والنفس والجسم والروح تطهيرها، والاتّكال على الله، وعداوة المرأة والخمرة، والنهي عن القسم، وعيادة المرضى والإحسان إلى الفقراء، والتوبة والبعث والحساب، وغير ذلك مما كان يدعو إليه.
“والخير” أفضل ما اعتقدتَ فلا تكنْ       هملاً وصلِّ بِقبلةٍ أو زمزم  
فصاح الحاكم (حيّ على خير العمل) بارك الله فيه، هو منّا، هو من أهل الخير”.  وقال التميمي: اسمع يا مولاي ماذا يقول في مذهبنا وكيف يدعو إليه. ثم قال الداعي ويقول أيضا ملمِّحا إلى دعوتنا:
بني زمني هل تعلمون سرائرا       علمتُ ولكني بها غيرُ بائح
متى ما كشفتُم عن حقائق دينكمْ تكشَّفتم من مخزياتِ الفضائح  
فهتف الحاكم: صانه الله ولا هتك له سترًا. فقال اسماعيل: وإليك قولا لا التباس فيه:
دعا موسى فزال، وقام عيسى  وجاء محمدٌ بصلاتٍ خمسِ
وقيل يجيء دينٌ غيرُ هذا           وأودى الناسَ بين غدٍ وأمسِ
فمن لي أن يعودُ الدينُ غضّا    فيقنعُ من تنسّك بعد خمسِ  
فأبرقت عينا (الحاكم) عندما سمع البيت الأخير وقال: لا بد من مجيئه إلينا رضي ان ابى. فانحنى إسماعيل متضرعا وقال: رحماك يا مولانا، دعه في وحدته ينشر تعاليمك، فهو هناك أنفع لنا منه هنا. ماذا يستفيد شيخ مثله من دار الحكمة وهو الذي يقول في “العقل”:
فشاورِ “العقل” واترك غيره هدرا        (فالعقل) خيرُ مشيرٍ ضمّه النادي  
ثم قال التميمي: اسمح يا مولاي أن أتلو عليك ثلاث أبيات تثبت أن الرجل منّا وفينا، وأنه يعرف اسرار (دار الحكمة) جميعها، واسمع كيف يخاطبنا وبأي رفق، بينما هو ينازل غيرنا بحججه وبراهينه.
نبذتم الأديان من خلفِكمْ            وليس في “الحكمةِ” أن تُنبذا
لا قاضيَ المصر أطعتمْ ولا                 الحَبرَ ولا القِسَّ ولا الموبذا
إن ذُكرت مِلّتكم عندهمْ              قال جميع القومِ لا حبّذا  
فقال الحاكم: قد أمرت بإعداد بريد خاص يحملك غدا إلى معرة النعمان فاستعد. ونُفخ في البوق فركب الحاكم حماره (القمر) وخرج كعادته، وانتهى به المطاف إلى خلوته في المقطّم فطلع (النجم المشؤوم) ولم يعد الحاكم.  

مقالات ذات صلة:

العلاج بالزهور

العلاج بالزهور، هو طريقة طبية شائعة في العالم منذ القدم، حيث اعتقد الخبراء والمهتمون آنذاك أنه توجد في كل زهرة