الموقع قيد التحديث!

الزيارة المباركة تتوّج بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئيس الروحي للطائفة الدرزية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أحسن شيوخنا الأفاضل، برئاسة المرحوم سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف، في بداية الستينات من القرن الماضي، عندما قرروا تنظيم زيارة رسمية لمقام سيدنا الخضر عليه السلام في الخامس والعشرين من الشهر الأول من السنة الميلادية، شهر كانون ثان، في أوج الشتاء، لتفتتح السنة الميلادية باجتماع شامل للمشايخ، وبالقدوم إلى المقام الشريف، والتبرك به، وبتعميق الإيمان وغرس العقيدة في نفوس المواطنين، بعد قضاء ساعات في رحاب المقام الشريف، في أجواء روحانية أخويّة إنسانيّة نقيّة. وقد تحوّلت الزيارة مع الوقت، إلى عيد رسمي، تُعطَّل فيه المدارس، ويحصل فيه الموظفون على إجازة قانونية، ممّا يثبت أن الطائفة الدرزية، تزيد من رموزها، ومن مناسباتها، بعد مرور ألف سنة على وجود الدرزية، حيث ما زالت التعاليم والعقائد التوحيدية متأجّجة في نفوس أهل التوحيد، بالرغم من الكوارث والمصائب والمطاردات، وبالرغم من الأخطار الحضارية التي تهدّد كيان كل العبادات السماوية، وتغري الأجيال الصاعدة، على انتهاج الأممية، وعلى تقليد عادات وظواهر غير مألوفة، كانت في السابق بعيدة عن مجتمعنا، إلاّ أنها اليوم، وبسبب التقنيات الحديثة، دخلت كل بيت، وتواجه كل نفس، وتهدِّد كل كيان. ومع كل هذا، والحمد لله، نشعر أن جذورنا راسخة، وأركاننا وثيقة، ومبادئنا متأصّلة في نفوس كافة أفراد مجتمعنا، حيث نرى بفخر واعتزاز، صمود إخواننا البارع في سوريا أمام أخطار الحديد والنار، ومواقف إخواننا المعززة في لبنان أمام مؤامرات ودسائس الآخرين. وبعد أن نعمنا بزيارة إخوانٍ لنا في المهجر، ورأينا أنهم يحافظون على جذورهم وعلى سماتهم التوحيدية، يمكننا أن نطمئن، أن الطائفة الدرزية مشمولة في رعاية ربّانيّة، وأننا سائرون لتحقيق العزة والكرامة، لأمة التوحيد، مهما كانت الظروف.

وقد اثبتت زيارة سيدنا الخضر عليه السلام في كفر ياسيف، والزيارات الأخرى، أننا طائفة ودودة مسالمة، اجتماعية، واثقة من نفسها، تمدّ أياديها للطوائف الأخرى، تصافحها وتتعاون ومعها. وفي كل زيارة، نسعد ونبتهج بقدوم وفود تمثل كافة الطوائف الدينية في البلاد، تحضر إلى المقام الشريف، لمشاركتنا في هذه الزيارة المباركة، وللمكوث معنا في مناخ ديني متسامح. وهذا يزيدنا فخرا واعتزازا بجيراننا، وبأصدقائنا، ومعارفنا من الطوائف الأخرى، ويلقّن الأجيال الجديدة، دروسا في التعايش السلمي، وفي التعددية، وفي التوافق الانسجام، من أجل كرامة الإنسان، كل إنسان، ومن أي طائفة في المجتمع، خاصة في عالمنا المليء بالمتغيّرات، والذي يعاني من العنف، والذي يئنّ تحت وطأة أمراض ومشاكل ومخاطر تواجه الإنسان في كل زمان ومكان.

 هذا بالنسبة لعلاقاتنا مع الطوائف في البلاد، أما بالنسبة لوضعنا في الطائفة الدرزية التوحيدية في العالم الواسع، فقد فُتحت أمامنا الأبواب، في كل عواصم دول العالم، وخاصة في الدول الكبرى. ونحن نجد آذانا صاغية في كافة مراكز القوى في العالم، ونجتمع بها، ونشرح مواقفنا، ونثبت حسن نيّة الطائفة الدرزية، ووجودها كعنصر مسالم موحِّد، يربط الخيوط بين شعوب متنافرة، ويدفع إلى تحقيق السلام والأمن والرفاهية لجميع الشعوب. حيث اقتنع العالم بما لدينا، وبما نستطيع أن نفعله، بالرغم من أننا طائفة صغيرة. لكن المبادئ والتعاليم والمناقب التي تنادي بها هي كبيرة، سامية، عالية المستوى، ترفع من شأن الإنسان ومن كرامته، وتبرهن أنه حتى الشعوب الكبيرة، التي يصل عددها إلى أكثر من مليار، تعتمد على كل واحد من سكانها، كإنسان فرد، وهي بذلك مثلها مثل شعوب ودول وطوائف صغيرة، تعد مليون أو مليوني نسمة فقط.

وإذا نظرنا إلى البشرية في الألف سنة الأخيرة، نجد أن عشرات الفلاسفة، والنابغين، والمخترعين، والكُتّاب، والشعراء، والسياسيين، والرياضيين، وكل من برز واشتهر بموهبة، أو بفن، نجد أن قسما كبيرا منهم، ينتمي إلى شعوب وطوائف صغيرة، وليس بالحصر للدول الكبيرة. هذا يدلّ، ان الله سبحانه وتعالى، عندما بعث المخلوق البشري الذي أوجده للحياة – الإنسان- منحه أهم كنز في الوجود، وهو العقل البشري، الذي يستطيع لوحده، أن يخترع، ويستنبط، ويبتدع أهم الإنجازات في الحضارة الإنسانية. وهو ليس متعلقا بحكم كبير، أو بدبابات، أو أجهزة لها أهميتها. فالإنجازات البشرية، والتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، الذي حصل في العالم، هو نتيجة عقول بشرية فردية، منحها الله سبحانه وتعالى، القدرة على التأمل والتفكير والتبحّر في موضوع ما، ومن ثم خلق شيء جديد يخدم الإنسانية جمعاء. 

وقبل آلاف السنين، عندما بدا العالم خطواته الأولى في التطور والتقدم والترقي، كانت كل الدول والمجتمعات في العالم، موزعة في مناطق جغرافية بعيدة، الواحدة عن الأخرى، ومع الوقت، تحققت أحلام مفكري ومخترعي العالم، في تكوين مجتمع شمولي، عالمي، واحد في الكرة الأرضية، يعلم كل فرد فيه، كل ما يجري في المناطق النائية خلال دقائق. وها نحن، قد توصلنا لذلك في أيامنا. ونحن كموحدين دروز، لم يكن الموضوع غريب علينا، فإذا صلينا لنبي الله الخضر عليه السلام، في موقع قدسي له في كفرياسيف، فإننا كنا نعلم وما زلنا، أن سيدنا الخضر، له تواجد وحضور في كل بقاع العالم، يهدي ويرعى ويشجع الشعوب، وهو في أسماء مختلفة، لكن جوهره واحد ورسالته واحدة. ولا يسعني إلا أن أتقدم من جميع أبناء الطائفة الدرزية، في سوريا، ولبنان، وإسرائيل، والعالم العربي، ودول المهجر المختلفة، مهنئا إياهم بالزيارة السنوية وبعيد سيدنا الخضر عليه السلام، راجيا من الله سبحانه وتعالى، أن تعود هذه الزيارة، وأن تتكرر الأعياد المختلفة، والعالم كله، يرفل بأثواب السعادة، والصحة، والرفاهية، وأن تنعم الطائفة الدرزية في كل مكان، بالهدوء، والاستقرار، والعيش الكريم. وكل عام وأنتم بخير وزيارة مقبولة للجميع.

مقالات ذات صلة: