الموقع قيد التحديث!

الزيارة السنوية للمقام تعزّز ثقتنا وإيماننا

بقلم فضيلة الشيخ أبو حسن موفق طريف
الرئّيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة ورئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

بسم الله الرحمن الرحيم

يمرّ العالم اليوم، بأزمة لم يشهد مثلها في التاريخ، وهو مذهول حائر، ولأول مرّة يبدو فاقدا القدرة على القرار، لا يعلم كيف ستتطور الأمور، وكيف ستنتهي هذه الأزمة، وما الذي سيحلّ بالبشرية في الأشهر القادمة. وهذا هو العالَم، الذي وصل بعلمه إلى اختراق طبقات الجو العليا، وإلى اكتشاف أبعد الكواكب والمجرّات، وإلى اختراع أفتك القنابل الذرية والهيدروجينية، وإلى إبداع أرقى الإنجازات التقنية، هذا العالم، الذي شهد في القرن الماضي أقسى وأشنع وأبشع وأشرس الحروب في التاريخ، هذا العالم الذي رأى شعوب آسيا وإفريقيا، تتحرّر وتكوّن دولا مستقلة لها، وتنضمّ إلى الركب الحضاري، هذا العالم، الذي أوجد الأمصال الواقية لأصعب الأمراض، هذا العالم، يتخبّط اليوم، ويتّخذ إجراءات لم تمرّ عليه في حياته، من أجل تفادي جرثومة صغيرة، لا ترى بالعين المجرّدة، تفشّت في الكرة الأرضية، وجمعت بين الشرق والغرب، بين المتحضّر والمتأخّر، بين المؤمن وغير المؤمن، حيث يقف الجميع عاجزين، مرتبكين، يحاولون ويحاولون ولا أحد يدري ماذا سيكون المصير.

 وفي هذه الأجواء، وفي هذه الظروف القاسية، ونحن ما زلنا في أوج هذه العاصفة الهوجاء، وفي قلق ووجل واضطراب، ولهفة على حل هذه المشكلة، أقول لكم:

” إن الله، سبحانه وتعالى، يدير هذا الكون منذ ملايين السنين، ويراقب، ويعْلَم، ويشاهد ما يجري عند بني البشر، كأفراد وكجماعات، وهو يتعامل مع الناس، برأفة، ورحمة، على أن يكون كل إنسان مع كل إنسان آخر انسانا. وأن يتعامل الواحد مع الآخر، بما تنصّ عليه الكتب السماوية، والأديان، والتعاليم، والمنطق والعدل. وفي الآونة الأخيرة، تمرّد الإنسان، وتكبّر اختيالا، ووصل إلى إنجازات علمية هائلة، فتواجد على الأرض من أنكر وجود الله، ومن اعتقد أن العقل البشري، هو مدبّر الكون، وأن التفكير الإنساني، هو الذي يدير العالم، ناسيا الإرادة الإلهية، والقدرة العليا، معتقدا أن الإنسان وصل إلى قمّة الإنجازات العلمية، وباستطاعته أن يفعل كل شيء، فحصل التمرُّد على التعاليم الإنسانية الأولية، وبدأنا نشاهد البطر والمبالغة في البذخ، وفي التنكر الواحد للآخر. 

وفي العشر سنوات الأخيرة، مرّ الإنسان بتجربة قاسية، لم يشعر بضررها ومرارتها حتى الآن كما يجب، وهو اختراع التلفون النقال الذي سلب عقول البشر، وحطّم العلاقات الاجتماعية، وأصبحتَ ترى كل فرد، صابّا تفكيره ونظراته في جهازه الصغير، معزولا عمّا حوله، منغلقا على الشاشة أمامه، فانقطع الحديث بين الأهل، وفي البيوت، وفُقد التواصل الاجتماعي، وبدل أن نكون مجتمعا متعاونا ومتشابكا، أصبحنا مجموعة من الأفراد كل واحد قائم بذاته، لا يأبه للآخرين، ولا ينتبه إليهم، وإن تحدثتَ مع أحدهم، يتكرر توجّهك إليه عدّة مرّات، حتى ينتبه لما تقول، فيجيبك بحركة ما، تشير أنه مشغول بشيء مهمّ، ولا وقت لديه لك. وكان هذا مرحلة أولى في تنكّر الإنسان للإنسان، والآن جاءت جرثومة الكورونة، لكي يصحو المرء من غفلته، ولكي ينتبه كل فرد إلى بيئته، وليتعاون الجميع على درء الخطر، وتخطّي الأزمة، ففي اعتقادنا وإيماننا، أن الله سبحانه وتعالى، فقط يحذّرنا ويعيدنا إلى الصواب، وإلى العلاقات الأخوية الأسرية الأهلية السليمة، التي عاشها الإنسان في العصور الغابرة، بدون أن ينعم بالتكنولوجيا الجديدة التي جعلته، يعتمد أكثر وأكثر على الآلة، فقلّ الجهد الجسماني، وارتخت العضلات، ووهنت العظام، وأخطر شيء، هو أن التفكير البشري قلّ، فبدل أن يجهد الإنسان نفسه، ليعرف نتيجة ضرب رقم في رقم، تراه يكبس على الآلة، ليحصل على الجواب، وأخذ يعتمد على المعلومات المخزونة في جهازه، فقل التفكير، وقلّ الإبداع، وتحوّل الإنسان إلى روبوت، وإلى جهاز ميكانيكي، يسير بلا هدف، ولا معنى، ولا يستمتع بلذة الخلق والإبداع.

وإني واثق، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى، أن هذه الأزمة ستنفرج، وأن الإنسان سيصل إلى حلّ، وإلى نتيجة، وأنه سيتعلّم درسا قاسيا، بعد أن يهتزّ كل كيانه، وبعد أن يفقد ثقته بنفسه، وبعد أن يخسر الكثير مما أنجزه، وأنه سيضطر إلى بذل مجهود كبير، لربما يعود إلى الوضع الذي كان عليه، كل هذا كي يرتدع، وكي يفهم الإنسان، أن له حدود، وأن قدراته كبيرة، لكنها مرهونة بإرادة ربّانية، هو المسيِّر والموجِّه للعالم فقط، بعونه تعالى، وبإذنه تعالى، وبتوجيه منه.

وهذا يعيدنا إلى الديانات السماوية المختلفة، وإلى الأنبياء والرسل والأولياء، وإلى تقديس الأعمال الخيرية، وإلى انتهاج الطرق السوية القويمة، وإلى تذكُّر معاجز أنبيائنا وأوليائنا، وإلى أخذ العبرة من أصحاب الأيكة، ومن قبائل عاد وثمود، ومن قوم لوط، ومن عبدة البعل، ومن مؤلّهي الأصنام، ومن الشعوب الكثيرة التي انقرضت. وهنا نعتقد أن الإنسان، سيلتزم وسيتعهّد، وسيعود إلى اتّباع طرق الهدى، وإلى الصلاة، وإلى الحمد والشكر، وإلى الخوف من الله، وإلى محاسبة النفس، وغير ذلك من الفرائض الدينية، التي اكتسبها الإنسان عبر التاريخ، من نبي إلى نبي، ومن ديانة إلى ديانة، حيث تراكمت لدينا في الآونة الأخيرة، خزائن كبيرة من العقيدة، ومن التعاليم، يكفي أن ننفّذ بعضا منها، كي نكسب مسيرة صحيحة للبشرية والإنسانية، في هذا العالم المتبدّل والمتقلّب والمتغيّر. وعندما نقترب من الزيارة السنوية، لمقام سيدنا شعيب عليه السلام، نعزّز الثقة والأمل في نفوسنا، و نكتشف أننا كطائفة توحيدية معروفية، لها ميّزاتها، ومناقبها، وفضائلها، وخصائصها، لنا كيان، ولنا حضور، ولنا وجود في هذا الكون الواسع، ونحن على الأقل، واضعون كل ثقتنا بالله سبحانه وتعالى، وبأنبيائنا، نحمد ونشكر، ونحاول دائما التقيّد بالمنطق، وبالعقل السليم، وبالفكر الثاقب ونتمسّك بكل ما يفيد البشرية كمجموعة، ونكرّس طاقاتنا وأفكارنا للتسامح، ودعم الأوساط الضعيفة بيننا، وليس للتكبر، ونكران الجميل، والتسلّط، كما يفعل البعض. وعندما يقف الواحد منا، صاغرا، منفعلا بين جدران المقام، وأمام الضريح المقدّس، نشعر أن جذورنا قوية، وأن عقائدنا ثابتة، وأن إيماننا راسخ، وأن كل ما يشهده الإنسان، هو حكمة ربّانية، ورغبة إلهية، في تحسين أوضاع الإنسان، وفي ترفّعه عن الشرّ والرذيلة، وتمسّكه بأهداب الخير والفضيلة.  

ومن هذا الوقع، أتمنى لجميع أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان، الخير، والنجاح، والصحة، طالبا منهم جميعا، المحافظة واحدهم على الآخر، والتمسك بالدين، والعقيدة، والتعامل مع بعض، ومع الآخرين، بأدب وحشمة، والتيقّن أن الله سبحانه وتعالى، يقدّر العمل الحسن، وينهي عن المنكر. وكل عام وأنتم بخير.

مقالات ذات صلة:

شعر: “سيدي أبو إبراهيم البطل”

بقولوا عن سيدي أبو إبراهيم البطل من حين أتى عَ المغارة وَصَلاستوطن وتدارى شرور المشركين نفّذ وصايا وهُدى مُعِلّ العِلَلأشرف

نشاطات طائفيّة 1\2023-4\2023

الآفٌ من شيوخ وأبناء الطّائفة الدّرزيّة يشاركون في زيارة سيّدنا الخضر (ع) في كفرياسيف عُقدت صباح الأربعاء 25.1.2023 مراسم الزّيارة