الموقع قيد التحديث!

الديجا فو

بقلم د. منير عطا الله
عن موسوعة العقل البشري وقدرات جسم الإنسان
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

ديجا فو (Déjà vu)، كلمة فرنسية تعني “شوهد من قبل”، وهي تشير إلى ظاهرة مميزة في حياة الإنسان، تحاول أن تفسّر الشعور الذي يشعر به الفرد بأنّه، رأى أو عاش، الموقف الحاضر، يوما ما من قبل. ويبدو في هذه الظاهرة، أن الإنسان شاهد في السابق ما يشاهده الآن، وأنه قد مرّ بهذه التجربة. وهذه الظاهرة هي عادة آنية وخاطفة وغير متوقعة، وتأتي فجأة. وهي منتشرة بين البشر، ويُعتقد أن نسبة كبيرة من الناس مرّت بهذه التجربة على الأقل مرة واحدة في حياتها. لكن البحوث العلمية في الموضوع هي قليلة، والمعلومات العلمية عنه ما زالت في بدايتها. وقد اكتشفها وذكرها لأوّل مرّة، العالم الفرنسي إميل بوليك، في كتاب علمي له في علم النفس، أصدره عندما كان طالبا يدرس في جامعة شيكاغو.

يُعتقد أن هذه الظاهرة منتشرة أكثر بين الشباب ومتوسطي الأعمار، وعند أشخاص يعانون من ظواهر نفسيّة غير مستقرة. ظاهرة الديجا فو تستمرّ فقط لعدة ثوان، ثم تختفي، ويشعر عندها الإنسان، أنه بما أنه شاهد في السابق ما شاهده الآن، فإنه سيعرف ما سيأتي بعد ذلك.

وقد جاء ذكر لظاهرة مماثلة من قبل بعض العلماء عام 1890. وكتب الباحث من جنوب إفريقيا د. نيبه Neppe عام 1985، أن هذه الظاهرة هي علمية نفسية داخلية لدى الإنسان، وأنها تنبع عن انطباع غير حيادي يعتمد على مبنى شخصيته. وقد أجري بحث علمي عام 1900 من قبل العالم النمساوي كوهر Kohr، وأثبت أن 14% من الناس واجهوا هذه الظاهرة في حياتهم مرة أو مرتين، وأن 19% واجهوها 3-4 مرات، وأن 23% واجهوها 5-8 مرات، وأن 44% واجهوها أكثر من تسع مرات في حياتهم. أي أن أكثر من 98% من الذين سئلوا واشتركوا في الاستطلاع مرّوا بهذه التجربة، وواجهوا ظاهرة الديجا فو على الأقل مرّة واحدة في حياتهم. يلازم هذه الظاهرة شعور بالمعرفة المسبقة، وشعور بـ “الرهبة” و”الغرابة”، أو ما سماه عالم النفس فرويد، بـ “الأمر الخارق للطبيعة”. التجربة السابقة التي يُهيأ لنا بأننا عشناها عادة ما تكون زارتنا في أحد أحلامنا. ولكن في بعض الحالات ثبتت بأن فعلا ما نشعر بأنه موقف سابق، قد كان حقيقة ووقع في الماضي، والآن يُعاد. ويحاول العلماء باستمرار تحليل وشرح هذه الظاهرة من وجهة نظر علمية، لكنهم لم يتوصلوا حتى الآن إلى شرح واضح مقنع متّفق عليه، من قِبل غالبية العلماء، وتوجد عدّة فرضيات وتكهنّات وتعليلات.

ونُشر مقال في جريدة الاتحاد عن ظاهرة الديجا فو يفيد: “إن “ديجافو” كلمة فرنسية تعني شوهد من قبل، أطلق عليها هذا الاسم العالم “إمِيل بواراك” في كتابه “مستقبل العلوم النفسية”، كما تطرّق لها العالم النفساني “سيجموند فرويد” في عدد من مقالاته. وهي ظاهرة تحدث لكثير من الناس وتتمثّل في شعور الشخص بأنه عاش الأحداث من قبل أو مر ّ من مكان ما من قبل، أو سبق له أن رأى شخصا ما في السابق. وقد اختلف علماء النفس والأعصاب والاجتماع في تفسير هذه الحالة، فالباحث الإنجليزي “فريدريك دبليو” يقول إن العقل الباطن يسجّل معلومات في فترة قريبة مع العقل الواعي، وهو ما يجعل الشخص يتوهّم أنّه مرّ بالتجربة، وهذا أمر يرتبط بنظام الجهاز العصبي وطول الذاكرة أو قصرها. ويعزو بعض المحلّلين النفسيين حدوث هذه الظاهرة إلى الخيال البسيط لدى الإنسان، فيما ينسبها آخرون إلى خلل لحظي في الدماغ يدوم لثوان معدودة ثم يتلاشى. ويذهب آخرون إلى القول إنها جزء خافت مجهول من ذكريات الطفولة. وخلافا لما قد يعتقد الناس، فإن أكثر الفئات العمرية “إصابةً” بهذه الحالة هي فئة الأطفال والشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و25 عاما. كما أن تكرار هذه الحالة قد تكون مؤشّرا إلى احتمال إصابة الشخص في فترات لاحقة بنوبات الصرع أو القلق والاكتئاب. ويجمع الأطباء وعلماء النفس والاجتماع على أن لا علاقة لهذه الحالة بأي مرض عضوي. ويرى بعض المحلّلين النفسيين أن حصول هذه الحالة قد تعكس رغبةً حقيقيةً مكبوتة، أو نداءً داخليا يصدره لاوعي الإنسان. وهناك تفسير ديني لهذه الظاهرة يفيد بأنه عندما أخذ الله عهدا من آدم ومَن مِن ذريته، رأى الناس أعمالهم ووقعت أنظارهم على بعض، ولذلك فهم يتذكّرون بعض الوجوه التي يرونها في الحياة الدنيا الحقيقية أحيانا. ويقول بعض المفسّرين المسلمين إن الحديث النبوي “الأرواح جنود مجندة، ما تآلف منها اجتمع، وما اختلف منها افترق” تندرج في هذا الإطار، إذ يحدث أن ينشرح قلب الشخص إلى إنسان آخر من أول لقاء، أو عند أول تعامل، فيشعر وكأنّه يعرفه من مدّة طويلة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالات النفسيّة كانت مصدر إلهام للروائيين وكتاب السيناريو ومنتجي الأفلام السينمائية، وكذا ممثلي الكوميديا، إذ تقمّص العديد من أبطال الروايات شخصياّت تصيبها بعض هذه الحالات النفسيّة، وإنتاجات فنيّة مختلفة تجسّد هذه الظاهرة، وتحاول تفسيرها من زوايا مختلفة وبطرق متباينة تتوزّع بين التناول الجدي والعلمي والكوميديا الاجتماعية الساخرة”.

مقالات ذات صلة: