الموقع قيد التحديث!

الجنرال الإسرائيلي اسحق ساديه وصديقه الشيخ أبو سعيد أحمد أسعد حلبي

بقلم السيد توفيق حلبي
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

نشرنا في عدد سابق، قصة الشيخ أبي سعيد أحمد أسعد حلبي، من دالية الكرمل وصديقه الجنرال الإسرائيلي اسحق ساديه، الذين التقيا في محجر قرية عتليت على الشاطئ، وعملا هناك بكد ومشقة وتآخيا، لدرجة أنه في حوادث عام 1929 بين العرب واليهود، طلب اسحق ساديه الذي كان غائبا، من صديقه الشيخ أبي سعيد أن ينقل زوجة اسحق وأولاده من عتليت إلى بيته في دالية الكرمل حماية لهم، وقد ورد ذكر هذا الطلب في كتاب صدر عن حياة الجنرال بقلم ابنته، وبعد ذلك انقطعت العلاقات بين الصديقين، حيث انشغل الجنرال بقضية السعي لإقامة دولة يهودية في البلاد، وتقدّم إسحاق ساديه في الرتب العسكرية ووصل درجة جنرال، وأسس ما يسمى الكتائب الصادمة “بلماح = بلوغوت ماحتس”. وقد كتب عن هذه القصة الكاتب والشاعر الإسرائيلي مردخاي طبيب (1910-1970) مقالا في صحيفة دافار عام ، ذكر فيه كيف التقى الشيخ أبو سعيد مرة أخرى مع صديقه، الذي جاء مع وفد كبير ليشكره في بيته. ونحن ننشر المقالة الكاملة للكاتب مردخاي طبيب هنا لأهميتها. وأود أن اشير أننا قمنا بزيارة نجل الجنرال إسحاق ساديه في يافا وهناك شاهدنا الصور المشتركة لجدي الشيخ أبو سعيد معلّقة في صالون البيت الذي عاش فيه إسحاق صاديه إثباتا لعمق الصداقة التي ربطت بينهما.

قصة صديقيْن

للكاتب مردخاي طبيب، مقالة نُشرت في صحيفة دفار يوم الجمعة 22 تموز 1949

إنه حدث قديم بدايته في سنوات الثلاثينات، حدث يخص اثنين من العمال، يهودي ودرزي. اسم الأول يتسحاق لاندوبيرغ، واسم صديقه أحمد أبو سعيد، تزامنوا في موقع واحد، في محجر عتليت. وهناك اقتطعوا حجارة لشوارع البلاد وعماراتها، كلاهما طويل وجبار وكانت الحجارة العتليتية منفذا مناسبا لعضلاتهما. وكان هناك شيء آخر استخرجا من قلب حجارة عتليت، وهو أواصر الصداقة التي كنّها كل واحد منهما في قلبه، اتجاه الآخر عندما عملا جنبا إلى جنب، وكتفا إلى كتف خلال سنوات.  افترقت طريقهما، وقرر يتسحاق تغيير اسم عائلته إلى يتسحاق ساديه.  وفي نفس الوقت تغيّرت أشغاله، وترك محجر عتليت، وابتعد عن أحمد وبقيت الصداقة في علامة سؤال.

شغلت هذه القضية فكر أحمد ولم يجد معينا، وبدأ يسأل عن صديقه إسحاق، اين هو وأين اختفى فجأة، لكنه لم يعثر على جواب، وبالرغم من أسئلته الكثيرة لم يعثر على إنسان بهذا ، ولم يدر بخلده أن اسم لاندوبرغ أصبح ساديه، وهو كذلك لم يعلم أشياء أخرى. مثلا أن (إسحاق) كان مشغولا في تلك السنوات ببعض القضايا العسكرية، مثل الدفاع عن موقع تل حاي ومثل الثورة الدرزية ضد الفرنسيين (التي كان أحمد أحد المشاركين فيها) ولم يعلم أحمد كذلك أن اتفاقا معيّنا أُبرم عام 1929 بين الاستيطان العبري في البلاد وبين الطائفة الدرزية وكان يتسحاق أحد المبادرين إليه، باختصار هذه الناحية من حياة صديقه لم يعرف عنها شيء.

مرّ الوقت في هذه الأثناء وتوالت السنين منذ ترك يتسحاق المحجر في عتليت، لكن الصداقة القديمة لم تُنسَ وبقيت راسخة في القلب، وفي أحيان كثيرة هاجت الأشواق في قلب أحمد للقاء صديقه. وكان أحمد يكثر من الحديث عن زميله إسحاق البطل الذي كان يرفع بيديه رجليْن سمينيْن، أو كان يدحرج صخرة ، لكنه لم يستعمل قوته ولا مرة بالسوء.

وفي أحد الأيام حينما كان أشخاص مثل يتسحاق يحاولون إخفاء شخصياتهم أمام حكم الانتداب مرّت في شوارع الكرمل سيارة غريبة وتوقفت بجانب شاب درزي وطلّ منها رأس أصلع يحمل نظارة وله ذقن وتوجّه للشاب قائلا:

–          يا سعيد، فوجئ الشاب الذي نظر إلى الشخص ولم يعرف من هو، ومع هذا ناداه باسمه لكن الشخص لم يضيع الوقت وقال له:

–          وصّل السلام لأبيك من إسحاق لربما سآتي بعد خمسة أيام لزيارته.

 استغرب سعيد للحظة من الاسم لكن لمعت عيناه فجأة، إنه إسحاق الذي يكثر والده الحديث عنه في القرية وأراد أن يقول له شيئا لكن السيارة انطلقت بسرعة هائلة وتركته واجما. أسرع سعيد إلى البيت وبشّر أباه قائلا:

– صاحبك إسحاق لاقاني ووصل لك السلام ويخبرك أنه سيأتي بعد خمسة أيام لزيارتنا.

– ماذا!!! استغرب العجوز

 – إسحاق!؟ لماذا لم تمسكه وتأتي به إلى هنا؟

–          يا أبي أجاب الشاب ما كدت أرد عليه حتى ابتعدت السيارة بصورة غريبة وتركت لي عمودا من الغبار فقط.

– طيّب كيف كان منظره؟

– له ذقن ويضع نظارات مثل طبيب قال الابن:

– شو استغرب العجوز مابيصرش ربما ليس هو إسحاق.

 غريبة أساليب الأعمال السرية. لم يستطع إسحاق أن يأتي بعد خمسة أيام لزيارة صديقه ليس لأنه لا يرغب بذلك. مرة أخرى مرت سنوات وكاد أحمد أن ييأس من التفتيش وفي نفس الوقت وقعت أحداث كثيرة في البلاد لقد ترك الانجليز ووقعت حرب طاحنة وليست فقط أحداث دامية وإنما حرب حقيقية. وأُرهقت دماء كثيرة على هذه الأرض ووقف الدروز إلى جانب اليهود وتحوّلت العلاقات السرية إلى علنية.

وفي أحد الأيام أثناء هذه الأحداث مرة أخرى دخلت سيارة شوارع الجبل وتوقفت بجانب عابر سبيل درزي

–          من أنت؟ صدح صوت من داخل السيارة نظر عابر السبيل لصاحب الصوت ورأى أمامه جمجمة صلعاء مع ذقن ومع نظارات وعلى كتفيه ثلاثة أوراق دوالي ذهبية (رتبة عسكرية) وفكّر بينه وبين نفسه أكيد هذا ضابط كبير كابتن، ميجار، كولونيل… لا والله هذا برغادير .

–          أنا من دالية الكرمل يا حضرة البرغادير.

–          أجاب: سلم على أحمد الدرزي الحجّار في عتليت من صديقه يتسحاق وأعطيه عنواني هذا.

وسلّمه بطاقة وعليها عنوانه. ولم يكد ينطق بكلمة حتى ابتعدت السيارة تاركة مرة أخرة عمودا من الغبار. وهذه البطاقة لم تصل إلى يد أحمد فقد ضاعت من عابر السبيل لكن الرسالة الشفهية وصلت وهذه المرة لم يهدأ أحمد فأرسل ابنه سعيد إلى حيفا وأمره قائلا اسأل عن صديقي أسحاق عند أبا حوشي وفي كل مكان وإن لم تجده اذهب إلى صحيفة دافار.

ذهب سعيد إلى حيفا وبدأ يفتش ولم يعثر على جواب فهناك الكثير من إسحاق عند اليهود وتقريبا كل يهودي ثاني اسمه إسحاق وفي النهاية ذهب إلى صحيفة دفار ونشر هناك إعلانا يفتش فيه عن صديق والده إسحاق. وكما يقول المثل اليمني اقذف كومة وحل على الحائط إما تلتصق أو تترك أثرا. وفي النهاية جلسنا في بيت أحمد أبو سعيد الدرزي وكان موقفا غريبا وربما ليس غريبا حيث يمكن أن تكون هذه أساليب الطباع الخاصة وهي صمت الأصدقاء الذين يلتقون بعد 18 سنة. صمت مكبوت ومطبق، اكتفيا بمصافحة حارّة وربت على الكتفيْن وبتساؤلات قصيرة: كيف الحال؟ أهلا وسهلا وما شابه. وبعد ساعة من التردد ومن ضبط النفس انفتح أحمد وواجه صديقه بالسؤال الذي حيّره

–          لم تستحِ يا إسحاق أن تمر في القرية مرّتيْن ولا تقول في قلبك أرى صديقي دقيقة؟؟؟!!! ثم شرح بالتفصيل قصة تفتيشه واستغرابه لاختفاء صديقه لكن إسحاق أجابه بابتسامة واسعة:

–          كل شيء كان سريا

–          ولم يضف على ذلك الكثير لأن هذا الوضع السري انتهى والآن كشفت بزّته ورتبه العسكرية التي ظهرت على كتفيه باقي المخفي.  ■

مقالات ذات صلة: