الموقع قيد التحديث!

الأجاويد

سعيد نبواني
بقلم الكاتب سعيد أحمد نبواني
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

سلوك الأجاويد:

يُسمّي الدروز رجل الدين جويدًا” إمعانا في التواضع، واحتراما للحقيقة. إذ أن الجويد هو مصغَّر جيّد، فالجودة هي نوع من الكمال، لا يبلغه الإنسان في هذه الدنيا، إلا إذا صفت نفسه، وطهرت نواياه، واستضاء عقله بالنور الشعشعاني، وانكشفت له أبواب المعرفة، وغلبه الشوق، وعاش في التأمُّل منصرفا إلى مناجاة خالقه، واستشفّ روح الله في روحه، وصورة الله في صورته، وانجلت له معالم الذات الكلّيّة من خلال الله.

لذلك فهو في عُرف نفسه جويدًا لا جيّدًا. والأجاويد مراتب ودرجات، لا يختلفون بالسلوك والآداب، بل بالعرفان والمعارف والتضلُّع في الدين، فمن قرأ الحكمة، وكان منفتح القلب، نيّر العقل، لطيف الإحساس، متفهّما الحياة، عارفا علاقته الأولى واتحاده الأخير، مُطّلعا على الفلسفة، كثير التأمُّل، مستكشفا أنوار المعرفة الإلهيّة، معلِّما هاديا، كان من الطبقة الأولى التي بلغ فيها الوعي الروحي مبلغا عظيمًا، فكان من الحكماء والأولياء.

من قرأ الحكمة وحفظها غيبا، وكان تقيًّا، مخلصا لنفسه ولإخوانه، وديعا يحترم الوصايا، ولا يقول إلا الحق، منصرفا عن متاع الدنيا، جاهدا في العبادة والزهد، يجعل عقله رقيبا دائما على أفعاله، رضيًّا محبًّا، مسلِّمًا أمره لله، لا يشكو من القدر، ولا يعترض على ما جاء منه الباري، جعل أكثر أوقاته في القراءة الروحيّة ليزيد من صفاء نفسه، وطهارة قلبه، كان من الطبقة الثانية التقيّة المخلصة.

أمّا من كان مؤمنا من غير علم، لا يحوي في فكره أبعاد الحياة الأزليّة، ولا تنكشف له الطريق النورانيّة كشفا كافيًا، بل تبرز له شيء من ضباب العرفان وكان متمسِّكا بالسلوك التوحيدي العامّ، كان من الطبقة الثالثة، التي هي أكثر الطبقات عددًا. وأجاويد هذه الطبقة يعيشون عيشة عاديّة، ويمارسون أعمالا عاديّة، ويتعاطون مع الناس بشكل عادي، كذلك كأي إنسان يتمتّع بالخلق القويم والضمير الحيّ.

والأجاويد يدركون بأنفسهم هذه الطبقات فيما بينهم، فلا يتقدّم جويد على مَن هو أعلى منه مرتبة في الدين.

وإذا ضمّهم مجلس تكون الكلمة الأولى وكلمة الفصل لأعلى الحاضرين رتبة في التقوى وفي التوحيد.

لباس الجويد:

لباس الأجاويد الأسود أو الأزرق القاتم “الكحلي”، سروال أسود فضفاض، فوقه سترة واسعة من نفس اللون، ويضعون على رؤوسهم عمائم بيضاء أسطوانيّة الشكل.

أما الأجاويد الذين يقومون بأعمال مختلفة خارج البيت، فيضعون على رؤوسهم قلنسوات “قبعات” صغيرة بيضاء.

ويلبس الأجاويد المتقشّفون عباءة بيضاء مقلّمة بخطوط سوداء تذهب طولا، وهي دلاله على التقشّف لأنها منسوجة من صوف خشن سميك الخيوط.

أما العباءة البيضاء المقلّمة بالأزرق، فلا يلبسها الجويد بإرادته ساعة يشاء، إذ هي محظورة إلا عن الأتقياء الذين يعترف لهم الأجاويد عامّة بالتقى والورع الشديد.

يجتمع هؤلاء الأجاويد، ويقرّرون إلباس العباءة هذه لأحدهم، فتقدَّم إليه في جلسة ذكر في إحدى الخلوات.

العمامة الأسطوانيّة يضعها كل جويد على راسه، فهي دليل انتسابه إلى المتدينين. أما العمامة المكوّرة “المكولسة” حسب التعبير التوحيدي، فلا يضعها الجويد على رأسه من تلقاء نفسه، أو في رضى مجلس بلدته، إذ هي محظورة إلا عن الجويد الذي بلغ مرتبة سامية راقية في التوحيد، وأقرّ له الأجاويد عامّة بالورع الشديد، والتقوى القصوى، فيجتمعون عند ذلك، ويقرّرون تقديم هذه العمامة إليه، على شرط أن يلبّسه إياها تقي اعتمر هذه العمامة المكوّرة.

مناقب الأجاويد:

لا يتفوّه الجويد بكلمة نابية، ولا يعرّض نفسه للمشاكل، وكثيرا ما يكسر جانبه إذا واجهه خصم سليط اللسان، وإذا شُتم فلا يردّ الشتيمة، إنما يكتفي بالقول لشاتمه “الله يسامحك” لكنه إلى كلّ ذلك مقاتل عنيد إذا اعتدى على أرضه أو عرضه، ويحمل السلاح في زهو وفخار، متقدِّما الشبان في المعارك مع الأعداء، وهو لا يدخِّن ولا يشرب الخمرة، ولا يجالس الشاربين، ولا يحضر مجالس اللهو، غضيض الطرف أمام النساء، لا يسلِّم عليهن بالأيدي، مكتفيا بإلقاء السلام عن بُعد.

وهو صادق، إذا وعد لا يخلف وعدًا، لذلك يتريّث في أي وعد يسوقه إلى مُحدّثه، وإذا نوى على أمر فلا يخرج عليه، ولا يبدّل مكانه ولا زمانه، يتلقّى ضربات القدر في صبر مذهل، فالرضى والتسليم عنده من أهمّ ركائز الدين، لذلك تراه هادئ الأعصاب، رضيّ النفس، مرتاح البال.

لا يمشي الجويد خلف المرأة، بل هو دائما يتقدّمها في الطريق، حفاظا على طهارة العين، ورفعة القلب.

وهو لا يدخل بيتا يخلو من الرجال، ولا يجالس وحيدا أية امرأة إلا إذا كانت زوجته أو أمّه أو ابنته.

إنه يحترم زوجته احتراما تامًّا، يحترمها حين يناديها، ويحترمها حين يطلب منها قضاء حاجة له، أو حين يناقشها في أي أمر.

بعض الأجاويد البالغين قمّة الجودة، يتزوّجون زيجة نظر، أي لا يقتربون من فراش الزوجة، فتكون زوجاتهم بمثابة أم أو أخت، لأن الشهوة الجنسيّة ليست مطلبا بحدّ ذاتها، إنها وسيلة لإنجاب الأولاد وبقاء الجنس البشري، فإذا لم يكن في الرجل مطلب للإنجاب، فعليه ألا يجعل هذه الشهوة بهيمية.

والأجاويد مشهورون جدا في دقّة سلوكهم العام، وحتى في الكلام، يحافظون على الصدق في الحديث، معتبرين أن الإيمان لا يتمّ بدونه، لا يقولون قولا فيه شكّ ولو قليلا، ويحاسبون أنفسهم في صرامة تامّة، إذا زلّ بهم اللسان في قول ليس فيه يقين.

حبّ الجويد:

حبّ الجويد في الروح لا في الجسد، وقد يبلغ حبّه رفعة تتلاشى فيها الشهوة وتموت نهائيًّا، وهذا ما يُعرف عند الأجاويد الذين بلغوا هذه المرتبة “بزيجة نظر.”

 والحب عند الأجاويد هو نفسه المحبّة، فهم لا يعرفون البغضاء ولا الرذيلة، ولا الكره ولا الحقد.

وهم بحبّهم لا يسيئون إلى أنفسهم ولا إلى الآخرين، ولا يظلمون ولا يعتدون حتى على الزهرة أو الشجرة أو أي حيوان أو طير. الأجاويد يقومون بالعمل على نوعيه، فيتعاطون الزراعة لأنها تقوّي أجسادهم وتكسبهم الصحّة، وتساعد على سلامة أعضاء الجسم واتحاد عملها.

هؤلاء الأجاويد التقاة، يأكلون الخبز الذي يصنعونه بأيديهم، ويقتاتون من المزروعات التي يزرعونها بأنفسهم، ويشربون لبن المواشي التي يربّونها، ولا يأكلون عسلا إلا إذا كان من قفرانهم، إمعانا في الدقّة، وخوفا من أن يكون العسل مغشوشا عاليا من حلال النعمة.

سلام الأجاويد:

يسلّم الجويد على أخيه الجويد بأن يرفع كل منهما يد الأخر إلى فمه ويقبّلها، وهما في الحقيقة يقبّلان نعمة الله المتجلية في هذه اليد.

فالسلام في لمس الأكف فيعطي قوّة خفيّة للمسلِّم والمسلَّم عليه، ففي هذا اللمس نوع من الانجذاب الروحي قد يخفى على بعضنا ممّن لم يبلغ قدرة الاستكشاف، ولكن تأثيره قوي جدًّا وإن لم نلحظ آثاره الظاهريّة.

سلام الأجاويد خالٍ من الثرثرة، والأسئلة المتلاحقة عن الحال والأوضاع والصحّة، والتحيّات المتكرّرة يطلقها اللسان في روتينيّة معهودة عند بعض الناس.


كتاب “تقاليد من تراث بني معروف” وكاتبه سعيد نبواني:

مثقف من قرية جولس حاصل على اللقب الأول والثاني في موضوعي الحضارة الإسلامية وعلم النفس التربوي، شغل عدة مناصب ووظائف هامة وهو اليوم يشرف على بيت التراث الدرزي في جولس.

تناول كتابه “تقاليد من تراث بني معروف” المواضيع التالية: عادات وتقاليد الدروز، نشأة الدروز ونسبهم وصفاتهم، الفولكلور والفنون الشعبية على مختلف أنواعه، القيم العشر الأوائل، الصلوات والعبادات والتعاليم التوحيدية، تقاليد المناسبات الحياتية: الولادة، الختان، المهر، الصلح، الطلاق والوفاة، الشعوذة، المعتقدات والخرافات، المجاملات والشتائم، الملابس الشعبية، الفلاحة، المأكولات الشعبية والأدوات المنزلية.

مقالات ذات صلة:

في خصلة الاتّباع

كثيرةٌ هي الأسئلة الّتي تُطرح يوميًّا على أسماع مرشدي قسم التّوعية التّوحيديّة، الّذين يحملون أمانة نشر الوعي الدّينيّ والثّقافيّ بين