الموقع قيد التحديث!

اضواء على سيرة ولي من أولياء الله – المرحوم الشّيخ أبي محمود سليمان عبد الخالق

بقلم الشيخ عزات عبد الخالق
صهر المرحوم، ومسؤول الدائرة الدينية في مؤسسة العرفان التوحيدية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram
المرحوم الشّيخ أبي محمود سليمان عبد الخالق
1920 – 2021

إنّها أضواء تكشف بعض جوانب من هذه السيرة العطرة، وتبرز نواحي قليلة من مخزونها الروحاني المخبوء في جوهره، عُرف عنه القليل، وبقي القسم الأكبر كامناً في نفسٍ مباركة تجوهرت وصفت ولحقت بعالم المثل من خلال واقع الحياة الإنسانية، وترقّت على معراج نجاة التوحيد اليقين، وقد شفّت نفسه اللطيفة بالاتحاد بالعنصر الشريف، وتشرّفت بقبولها منحة الخالق لخلقه بانبعاثها في بذل الجهد في العلوم البسيطة وفهم إشارات مضمون معانيها، والعمل بأوامرها والانتهاء عن نواهيها، وفق آيات كتاب الـ…. العزيز: “والعصرِ، إنَّ الإَنسَان لَفِي خُسْرٍ، إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وتَواصَوا بالحق، وتواصوا بالصبر ” سورة العصر. فأثمرت له العقل والرزانة والرجحان والطاعة ومكارم الأخلاق وبانت له حقارة المطالب الدنياوية فزهد فيها زهد العارفين وذلك في خضمّ حياته المديدة التي ما انفكت مستكشفة أصول المباني الروحانية التي هي غاية الإنسان والتي تبعها السادة الكرام من السلف الصالح من أهل الفضل والإيمان.

المرحوم الشيخ أبو محمود سليمان عبد الخالق هو نجل المرحوم التقي الورع، صاحب الفضل المقدّم، والطاهر الديّن المكرّم، الشيخ أبي فارس محمود عبد الخالق (ر) المتوفى سنة 1937م الموافق 1356ه، والدته الست زهر حسين فياض من بلدة معاصر الشوف، من البيت العريق في الطهارة والدين بيت المرحوم الشيخ أبي احمد سلمان فياض، الذي كان علمًا من أعلام التقى ومن أعيان مشايخ البلاد في وقته وهو عمها اخ والدها.

الشيخ أبي فارس محمود عبد الخالق
والد المرحوم

وُلِد الشيخ أبو محمود في مجدلبعنا سنة 1920م الموافق 1339ه، في بيت يعمّه التواضع وتحضنه البركة، عامر بمعاني التوحيد، يؤمّه الأهل الكرام والضيوف الموحدون من كافة المناطق للتبرّك من صاحبه والاستفادة من سلكه وعلمه.

توفي والده وكان لا يزال عمر الشيخ ما يقارب السبعة عشر عاما، وكانت العائلة قد فقدت قبل ذلك الأبن البكر الممّيز بالتقى والمجاهدة في سبيل الله والشجاعة الدينية، وهو المرحوم الشيخ ابو حسين فارس الذي توفي في ريعان شبابه رحمه الله وهو في السابعة والثلاثين من عمره، وكان لفقده الأثر الكبير في نفسية والده من جهة، كما حمّل الشيخ سليمان الأخ الأصغر عبء المسؤولية للبيت المفتوح، واضطر الى ترك المدرسة بعد حوالي السنة من دخوله إليها وهو لم يبلغ الثامنة من عمره.

برز فضل المرحوم الشيخ أبي فارس في ولده سُليمان، وكان ذلك بمثابة البذرة الصالحة في التربة الطيّبة، فكان خير خلف لخير سلف، إذ قد تربّى في مهد البركة والحلم تربية إيمانية حسنة، وفي بيئة كريمة تفتّحت عيناه على البراءة والحياء، والخوف والرجاء، واكتسب بذلك قوّة المناعة في العفاف والصيانة، فانجبلت بالبساطة والتواضع، واصطبغت بصبغة التوحيد وعلمه النافع. وقد اشتهر في مقتبل عمره بالزهد والتواضع والميل إلى التخلّق بالأخلاق الجميلة والآداب الأثيلة، والتعلّق بمراسم الحق ومآثر أهل الصدق، كما تعوّد السعي الجاد لاكتساب لقمة الحلال ومصاحبة أهل العلم والإفضال، وسلك مسالك المتّقين العارفين. اعتاد الشيخ رحمه الله مشقة العيش منذ الصغر، إذ كانت العائلة تعتمد في معيشتها على العمل في الزراعة وتثمير الأرض، وتربية الماشية لتأمين لقمة الحلال في تلك الأيام الصعبة بين الحربين العالميتين.

تزوّج الشيخ بابنة عمّه الفاضلة وهو في حوالي العشرين من عمره، حيث أصبحت قرينته في الديانة والأخلاق الحميدة وخدمة النهج الديني للبيت، ورزقا بصبي وابنتين.

المرحوم بجانب الخلوة

تواضعه وزهده:

كان الشيخ رحمه الله بعيدًا عمّا يشغل بال الكثيرين من أمور الدنيا، زاهدا في المظاهر الدنياوية، ولا يعتبر ان لها أية فائدة في اكتساب الخيرات التى أرساها الفكر التوحيدي، ولذلك فقد طبعت نفسه الشريفة بالطابع الروحاني الصرف، بحيث لم يتسلم أية مهمّات عامّة من أوقاف البلدة التي أوقفها السلف الصالح لخدمة الخير ولا سياسة المجالس. وكان مشايخ البلدة وأهلها بشكل عام يعتبرونه المرجع الصالح في بتّ الأمور ويطلبون مشورته ويأخذون برأيه كونه صادرًا عن قواعد راسخة ونفس شفّافة، ويقولون عندما يرجعون إليه في المهمات والأمور العالقة نقبل رأي الشيخ حتى لو قال لنا اتركوا بيوتكم. بقي الشيخ قسمًا كبيراً من آخر عمره ما يقارب خمسين سنة مختليًا عابدًا مجاهدًا في خلوة البلدة القديمة والتي أرسى فيها المرحوم والده الشيخ أبي فارس مع ثلّة من الإخوان الناهضين، قواعد التوحيد بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفق التعاليم التوحيدية الشريفة، وكانت مجاهدته في اكتساب العلم ودراسة الكتاب العزيز مضربًا للمثل، وكان يردّد دائمًا ويقول: “الفقير سليمان خادم للخلوة”. وقد أصبحت بوجوده مقصدًا للقاصي والداني للتعرّف على الشيخ والتماس بركته ودعائه.

باقة من بستان مآثره العطرة وما كان يقول:

كان بعض الإخوان من البلدة يرغبون في مجالسته وسماع حديثه اللطيف، فيوجّهون له بعض الأسئلة للاستفادة من مخزونه الروحاني، ويسألونه عن القدرات التي يتمتّع بها بعض الإخوان في أمر الدين، فيقول: إن البعض لديه معرفة وعلم وهو “يفهم” وعن البعض الآخر إنه “عاقل” وبعد الاستيضاح عن ذلك يقول بأن معنى العاقل هو ضد الجاهل وأنه الذي يحبس نفسه ويردّها عن هواها.  وهكذا يعطي الدرس بأن الفهم هو الدرجة الأولى يجب أن يتبعها العمل بهذا العلم، وهو الغاية منه كما ورد في التعاليم الشريفة، وكل امرىء منكم يجازى بعمله ولم يقل يجازى بعلمه. وكما ورد في المسطور الكريم: “ليبلوكم أيّكم أحسن عملا”. سورة هود، الآية 7.

ومن مآثره الحميدة التي تضاف إلى سيرته الخيّرة، أن والد المرحوم الشيخ أبا فارس قد أوصى إلى والدته الست الكريمة أم سليمان، المتوفية في أواسط خمسينيات القرن الماضي، قطعة أرض كبيرة في البلدة لتكون حقًّا مطلقا لها، وقد أرادت بدورها أن توصي بها إلى ابنها الوحيد سليمان، وكان عمره ذلك الوقت ما يقارب الأربعين سنة. فكان رأي الشيخ أن تبيعها وتوزّعها زكاة في البلدة وفي سائر المناطق لتكون هذه الأمانة التي بين يديها ذخرا لها في خزائن رب العالمين بصرف مال الله على عيال الله، علما أن حاجة البيت للأمور المادّيّة كانت واضحة، حيث ان البيت مفتوح للضيوف والمناسبات، فاختار الشيخ ان يكدّ ويجاهد لتأمين الحاجات الضرورية بنفسه.  وهذه الحالة ان دلّت على شيء فأنها تدل على نظرته الصحيحة والراقية للأمور المادية ومبادرته في وضعها في مكانها الصحيح وذلك كان نهجه الى آخر حياته، إذ في مال الإنسان حق يعطيه للغير لادّخاره عند الله تعالى بصرفه على عباده الصالحين، وذلك مراد رب العالمين وشرع سيّد المرسلين.

وقد اعتمد الشيخ في حياته المسلك الوسطي مع المجتمع كي لا يحمّل الناس بالاقتداء أكثر من طاقتهم بحيث يدعو إلى الاعتدال في ممارسة الأحوال من حلالها المشروع والابتعاد المطلق عن المحرّمات، وذلك بعيدًا عن أنواع التطرّف في الملبس والمأكل والمشرب ممّا قد يسهم في النظرة إلى الذات بمعايير أهل الدنيا. كل ذلك وفق المفاهيم التوحيديّة وبهذه البساطة الروحانيّة لتصل إلى قلوب الجميع بجوهرها النقي وتلاقي نفوسا مطمئنّة تقبل الحقائق بالأدب الرفيع والخلق الحسن، فيأخذ بأيدي الجميع إلى الترقّي والتسامح والتعاون على البرّ والتقوى ووضع الأمور في نصابها السليم.

كان الإخوان في بعض المناطق عند التقائهم بأحد أقارب الشيخ، يسألون عنه وعن وضعه الصحي للاطمئنان، ويقولون له: سلّم لنا على سيّدنا الشيخ أبي محمود سليمان.

وعندما نبلغه تحية الإخوان يقول بكثير من صدق الاعتراف والخشوع: “الفقير سليمان!” فنقول له: هكذا يقولون، فيجيب انهم غير دقيقين والفقير أخبر بنفسي.

كان الشيخ مجاهدا في دراسة الكتاب العزيز وما أنزله الله على رسوله الكريم لأنه غذاء للنفس في معرفتها وترقّيها، وإذا فارقت غذاءها تموت كما يموت الجسم إذا فارقه الغذاء، فقرأه قراءة صحيحة على شيخ واجتهد في درسه وهو في سنّ مبكرة واستمر يتلوه في خلوته وفي حلّه وترحاله الى آخر أيّامه.

وكان يتلو بعض المواعظ عند طلب الإخوان وهو متأثر بها كأنّه يتوجّه بها إلى ذاته، ويقول:

  • ما أحببت شيئًا في الدنيا إلاّ وأنت مفارقه، ويعلّق على هذه الجملة بالقول: لا بد من الفراق لكل أحد.
  • وما جمعت شيئًا في الدنيا إلاّ وأنت تاركه.
  • وما عملت شيئًا في الدنيا إلاّ وأنت ملاقيه. ويعلّق بالقول: إن عمل الإنسان يرافقه دائمًا وهو زاده بعد الموت.

وهو بذلك يشير إلى أن الإنسان في هذه الدنيا عابر سبيل، ولا بدّ له من يوم يفارق ما أحبّه فيها من كل شيء، وإن كل ما يجمع في الحياة الدنيا يتركه، ولا يلاقي أمامه بعد ذلك إلاّ ما عمله من خيرٍ أو شرٍّ، كقوله تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ.” سورة المدثر، الآية 38.

من اليمين: الشيخ ابو محمود سعيد فرج – عبيه، المرحوم الشيخ ابو سليمان حسيب الحلبي – بطمة، الشيخ ابو محمود سليمان عبد الخالق – مجدلبعنا، سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن.

ما قيل عنه من بعض أعيان مشايخ البلاد:

عن المرحوم الشيخ أبي علي يوسف أبو إبراهيم المتوفى سنة 1976م: ما رواه تكرارًا أحد أعيان مشايخ منطقة راشيا صاحب الفضل والمنزلة، وهو ما زال حيًّا يُرزق أطال الله مدّته منارة في سماء التوحيد في هذا الوقت، إنه ذكر ما سمعه مرارا عن لسان المرحوم الشيخ الجليل أبي علي يوسف أبو إبراهيم عن المرحوم الشيخ أبي محمود سُليمان، أنه من اعيان المشايخ وأنّه يستحقّ أن يُتوّج بالعمامة المكولسة وذلك قبل حوالي 50 سنة من وفاته وهو ما يدلّ على سطوع نجمه وهو في أواسط عمره.

والجدير بالذكر أن العلاقة بين هذيْن العلميْن الجليليْن كانت علاقة روحانية مميّزة ومع سائر مشايخ منطقة راشيا وخلوة الشرفة وكانوا يرددون ان طبائعهم وافقت بعضها البعض على أسس وقواعد التوحيد وآدابه ومسالكه، وأنّ انسجامهم الروحاني الشفّاف كالماء الصافي الزلال إذا التقى ببعضه، وكثيرًا ما كانت زياراتهم للمناطق في الواجبات والمناسبات سويّة وحتى في سيارة واحدة، سواء في قرى جبل لبنان أو في منطقة وادي التيم.

عن المرحوم سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف – جولس، المتوفى سنة 1993م: أمّا ما سمعناه مباشرة من شيخ الجزيرة الإمام الفاضل، العالم العامل، صفوة الأعيان وكوكب العصر والزمان المرحوم الشيخ أبي يوسف أمين طريف عندما التقيا في خلوات البياضة التي زارها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، قال له وهو يشير إلى العمامة المدوّرة على رأسه: “المرحوم والدك فضله على رأسنا”، اعترافا منه بأنّه كان المسبّب بتتويجه، ويتابع مخاطبا الشيخ أبا محمود: “حضرتك شيخ ابن شيخ”.

عن المرحوم الشيخ الجليل أبي ريدان يوسف شهيب المتوفى سنة 1997م: انه كان يزور بلدة الشيخ مع المشايخ الأجلاء من عاليه، ذكر أمام بعض الإخوان عن نهج السلف الصالح في البلدة من إعزاز أمر الدين وإعلاء مناره في الأمر والنهي وخاصة المرحوم الشيخ أبو فارس محمود، وكان آنذاك المرحوم الشيخ أبو محمود سُليمان يقيم في الخلوة منذ ما يقارب ثلاثين سنة، فقال المرحوم الشيخ أبو ريدان العبارة المأثورة: ” إن الخلوة جمّلت الإخوان، ولكن الشيخ أبو محمود جمّل الخلوة.”

عن المرحوم الشيخ المفضال أبي محمد جواد ولي الدين المتوفى سنة 2012م: أنه عندما كان بعض الإخوان من البلدة يقومون بزيارات تبرك للمشايخ الأفاضل في البلاد، وقد وصلوا إلى منزل المرحوم الشيخ أبي محمد جواد، ولما جلسوا في حضرته وقد تعرف عليهم وعلى بلدهم، وقد طلبوا منه الدعاء فقال لهم: “عندكم الشيخ أبو محمود سليمان وهو صاحب الفضل العميم والديانة والتقوى، الأفضل أن تطلبوا منه الدعاء وصفاء الخاطر ونحن نكلّفكم السلام على حضرته وطلب دعائه وصفاء خاطره. “

عن المرحوم الشيخ أبي حسين محمد الحناوي – السويداء سهوة البلاط، المتوفى سنة 2010م: ذكر بعض الإخوان أنّهم كانوا في زيارة للتبرك من حضرة الشيخ المفضال أبي حسين محمد الحناوي، ما قاله عن المرحوم الشيخ أبي محمود سليمان عبد الخالق، كما كانوا سجلّوا له بصوته المبارك هذا الأمر، وقد أعادوا إسماعها علينا على النحو التالي: قال الشيخ الحناوي في حينه: إنه ومنذ خمسٍ وثلاثين سنة خلت كان قد رشـّح الشيخ أبا محمود سليمان ليتوَّج بالعمامة المدوّرة، وذلك اعترافا بفضله وتقواه ممّا قد يخفى على الكثيرين بسبب حرص الشيخ الشديد على صدق تواضعه وزهده في الأمور التي لا يراها ذات فائدة في تحقيق مسيرته الدينية، وعمله الدؤوب لوجه الله عز وجل دون سواه بوساطة الرسول الكريم والتعلّق بمراسيم الدين الحنيف من الأخلاق الرضية والآداب الحسنة، وبذل الصدقات اللطيفة وتمسّكه بالأوامر، وذلك هو السبب المفضي إلى قربه من مولاه وهو غاية الإنسان ليحيا في عز الدين، ويحصل على رضى رب العالمين.

عن المرحوم الشيخ العالم العامل أبي سليمان علي القضماني – عيحا، المتوفى سنة 2007م: كان أحد الإخوان من منطقة راشيا قد قصد زيارة الشيخ أبي محمود سليمان في خلوته، وكان الشيخ ما زال في صحّة جيدة في البلدة وخارج الخلوة، فعاد الزائر راجعًا متحسّرًا على عدم رؤية الشيخ، وبعد أن ابتعد عن الخلوة حوالي 200 متر تقريبًا التقى بالشيخ ماشيا لناحية الخلوة، فأوقف سيارته ونزل منها وألقى التحيّة على الشيخ وأخبره أنّه قصد زيارته، فطلب الشيخ منه العودة وألحّ عليه وقد اعتذر الزائر لضيق وقته. وبعدها تعرّف عليه الشيخ وأنّه من منطقة راشيا، وقال له: أتعرف الشيخ أبا سليمان علي القضماني، فأجابه بالإيجاب وأنه من مشايخ المنطقة المميّزين والمشهود لهم بالفضل. قال له الشيخ أبو محمود: عند عودتك إلى المنطقة أرغب في إبلاغ سلامي على حضرته. وقد انطلق الزائر بعد ان استودع الشيخ. ولدى عودته قرّر أن يقصد بيت الشيخ أبي سليمان علي لتبليغ الأمانه قبل وصوله إلى منزله، وهكذا عندما قابل الشيخ أبا سليمان قال له: كنت في مجدلبعنا بزيارة الشيخ أبي سليمان محمود عبد الخالق وقد كلّفني بنقل تحياته إلى حضرتك، فبقي الشيخ برهة متفكّرًا وقال: اتقصد الشيخ أبا محمود سليمان عبد الخالق؟ قال: نعم. فقال الشيخ أبو سليمان علي: “قُلْ سيدنا الشيخ أبو محمود سليمان”، وذلك دلالة واضحة على مدى احترام المشايخ له ونظرتهم الدينية لموقعه وعلوّ مكانته. وبمناسبة وفاة المرحوم تفضّل شيخنا الجليل الفاضل، صاحب العلم الوافر والعمل التوحيدي الزاهر، الشيخ أبو علي حسين الحلبي من دالية الكرمل، أطال الله بقاه ونفّعنا من بركته وهداه، باتصال هاتفي لتأجير الأهل والمشايخ، حيث قال: إنّ المرحوم الشيخ أبا محمود سليمان، صاحب الافضال والمكانة السامية، سليل الأماجد خلف عن سلف، رحمة الله على هذا السيّد الجليل المفضال، الشيخ السيّد الوليّ الذي ذهب مزوّدًا بالإيمان والأعمال الصالحة، هنيئًا لروحه الطاهرة. إننا ومن بحوزتنا نؤجّر حضراتكم بالمرحوم الشيخ، ولو استطعنا الحضور لركعنا على التراب بهذا السيّد العلم وإخلاصه ومجده وشرفه وعلو منزلته، وهو من البيت الكريم الحسب والنسب ومن العائلة الكريمة آل عبد الخالق، رحمة الله على روحه الطاهرة. بارك الله في حضراتكم ونأمل تبليغ سلامنا واحتراماتنا للجميع ولكافّة المشايخ في لبنان.

وفاته:

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي. الفجر، الآية 27. انها ارادة الخالق العظيم سبحانه وتعالى، وأمره النافذ الذي فيه كل الخير والحكمة، ترجع النفس المطمئنّة إلى ملكوته وثوابه جزاء إيمانها وأعمالها الصالحة بما يتوافق مع الصراط المستقيم الذي أهدى إليه سبحانه، لتدخل مع عباده الصالحين إلى فسيح جنته ونعيم رضوانه.

لقد نفذ قضاء الحكيم والرب الرحيم، وكانت وفاة الشيخ نهار الأربعاء في الثالث من شهر شباط سنة 2021م الساعة التاسعة وخمسٍ وأربعين دقيقة ضحى النهار عن عمرٍ ناهز المائة سنة كانت زاهرة بأنوار الدين وغنية بثمار اليقين، فتهلّل وجهه المشرق لصدقه في عبادة الله وتوحيده، ولما اكتنزته نفسه الشريفة من طاعة ربّه وتمجيده، وسطعت تلك الهيبة وأبدرت، وتجمّلت بحسن الصورة وتنوّرت. كما قيل عن بعض أهل الفضل في وصف الصالحين: لمّا خلوا بالرحمن كسا الرحمن وجوههم نورا من نوره. وقد شُيّع جثمانه الطاهر ووري ثرى البركة يوم الخميس في الرابع من شباط سنة 2021م الموافق 22 جمادى الآخرة سنة 1442 ه، في مأتم مهيب جللَّه الوقار، وخالطه الحزن، وتنامت فيه عبرة الحياة والموت، فتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. وقد روعي في منعاه الرسمي الوضع العام في البلاد وذلك نزولا عند خاطر السلف الصالح وخاصة سيّدنا الشيخ الفاضل محمد أبي هلال، بأنّ كل منطقة تقوم بواجب التأجير في منطقتها.

وقد نعته المرجعيّات الدينيّة والمدنيّة في لبنان وجبل العرب وجبل الشيخ في سوريا، وكذلك في الأردن وبلاد الجليل الأعلى وجبل الكرمل بعبارات الكرامة والسيّادة والتقى، إذ لا مجال لذكرها هنا بل نذكر على سبيل المثال لا الحصر:    

نعوة مشيخة عقل الموحدين الدروز في لبنان
نعوة مشيخة عقل الموحدين الدروز في سوريا
نعوة سماحة الشيخ موفق طريف رئيس الطائفة الدرزية – جولس

وفي الختام، إننا إذ نفتقد هذه الصفوة من الصالحين، ونترحّم على نفوسهم الزكيّة. إنّما نعتبر نهجهم وسلكهم وصفاء قلوبهم وحميد آثارهم سبيلًا للقاصدين، وأن مناقبهم الشريفة نائبة عن وجودهم للهداية إلى الطريق القويم، وقدوة حسنة لمن رام الاقتداء على الصراط المستقيم. فلا أخلى الله الكريم المجتمع الإنساني من وجود أمثالهم بين العالمين، هداة مرشدين. ونسأل الكريم المنان أن يمنّ علينا بالتعلّق بمآثرهم وأفضالهم سبيلًا إلى رضاه، ويجعل حبَّنا لنهجهم الراقي قربانًا إليه، وأن يعاملنا بلطفه وعطفه وكرمه ورحمته، إنّه نِعم المولى ونِعم الشفيق، وولي الإعانة والتوفيق.

مقالات ذات صلة: