الموقع قيد التحديث!

احتل الكتائبيون قرى الشحار بعد خداع بعض الشيوخ

بقلم عضو الكنيست السابق امل نصر الدين
رئيس مؤسسة الشهيد الدرزي والكلية قبل العسكرية
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

كان ذلك في أصعب الأيام الني واجهنا بعدما دخل الجيش الإسرائيلي إلى أرض لبنان، لإبعاد المخربين الفلسطينيين، الذين زرعوا حربا شعواء في مدن وقرى الجليل، حيث تسللوا من لبنان، واخترقوا الحدود، وهاجموا المدن والقرى الإسرائيلية. وكان رئيس الحكومة السيد مناحيم بيغن قد وكّلني ومنحني الصلاحية للتفاهم ومداركة الأمور مع المؤسسات والمراجع الدرزية اللبنانية، ومع القيادة الدرزية بما في ذلك المشايخ الأفاضل. وقد حصلت من السيد بيغن مباشرة، على موافقة بعدم نزع السلاح من المقاتلين الدروز اللبنانيين، بشرط ألا يُستخدم ضد الجنود الإسرائيليين، وشرحت له الموقف الدرزي اللبناني، الذي اضطر إلى التعامل مع المسلحين الفلسطينيين، بسبب نوايا الكتائب العدوانية، للتسلط على كافة المناطق اللبنانية.

وفي أحد الأيام عام 1983، وفي أوج المناوشات العسكرية بين الدروز والكتائب، كنتُ في اجتماع ليلي مع بعض الإخوان والزعماء في بعقلين، واتصل بمضيفي في ذلك اليوم، فضيلة الشيخ القاضي مسعود الغريب، طالبا الاجتماع بي فورا. رحّبتُ به وقلتُ له إنني بانتظاره. جاء مع بعض المشايخ، وقالوا إنهم كانوا يعارضون دخول الجيش الإسرائيلي إلى قريتي كفر متى والبنية، لكن على ضوء التعديات المارونية فهم لا يمانعون بذلك اليوم. وكنتُ في السابق مصرّا أن تتواجد القوات الإسرائيلية في القرى الدرزية، لمنع التحرّشات المارونية، لكن الوضع تغيّر الآن، بسبب تفاقم الأحداث. اتصلت فورا بالقادة، وتمّ تنفيذ الأمر خلال ساعة، فذهب الشيخ وصحبه شاكرين. وبعد بضع ساعات، وكان ذلك بعد منتصف الليل، إذا بنفس القاضي، الشيخ مسعود الغريب، يأتي من جديد لمقابلتي، فنهضت من النوم وقابلته مع الوفد الذي صاحبه، فقال لي، إن رئيس الحكومة اللبنانية اتصل به، وطمأنه أنه في حماية الجيش اللبناني، ولن يتعرض السكان الدروز لأي خطر، أو مس، أو تعدٍّ، أو تحرّش، أو احتلال، في الظروف التي حصلت. وطلب أن أوعز للقوات الإسرائيلية أن تخرج، لأن القرية رسميا هي في حماية الدولة. فوجئت منة هذا الطلب، وحذّرت فضيلته من عواقب هذا العمل وقلت له: إنني أعرف جيدا بواطن الأمور، وكل ما يحدث وراء المجريات، وأخبرته أني أخشى من مؤامرة مارونية تحاك ضد هذه القرى، ولن أسمح بأن يتعرّض مواطنون دروز عازلون من السلاح بخطر. كرّر فضيلة الشيخ رجاءه، وهو يطمئنني أن علاقته مباشرة مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ولا خوف أن تكون هناك مؤامرة، فمنذ عشرات السنين، يوجد تحالف بين الدروز والموارنة في المنطقة، وهو يكرر رجاءه مني، أن أطلب من القوات الخروج من أجل المحافظة على كرامة الدروز.

 قلت له: يا شيخ، أنا اشعر أن المواطنين في القرى الدرزية في منطقة الشحار في خطر تعدٍّ من الكتائب، وكلي ثقة أنك أنت في خطر أيضا، لأن تصرّفاتهم غير لائقة. كرّر الشيخ قوله، إن علاقته بهم قويّة، ومبنية على احترام متبادل منذ عشرات السنين، وأن هذه رغبته ورغبة المشايخ في المنطقة. أذعنت للأمر على مضض، وتم انسحاب ا لقوات الإسرائيلية من المنطقة. وبعد ساعات فقط، هجمت قوات لبنانية شرسة على القرى الدرزية في الشحار، وجمعت كافة المواطنين الدروز في كل قرية في الساحة المركزية، وقامت بذبحهم وقتلهم واحدا واحدا، وتركتهم في العراء لمدة  طويلة بدون دفن بما في ذلك الشيوخ والنساء والأطفال ومن بينهم الشيخ مسعود الغريب نفسه، وظل هذا الوضع البربري الشنيع، حتى استعاد الدروز الأبطال هذه القرى بعد حرب ضارية مع الكتائب، وقاموا بدفن المشايخ والنساء الذين تحولوا إلى جثث هامدة مشوه بها، كادت أن تتعفن خلال بقائها مدة طويلة بدون دفن. ولم يكتفِ هؤلاء بقتل المواطنين الدروز، بل قاموا بهدم مقام الأمير السيد (ق) والخلوات، وذلك ليمحوا كل أثر درزي في المنطقة يربط الدروز بماضيهم وتراثهم. وفي تلك الأيام لم يراودني أي شكا أن الدروز سوف يستعيدون القرى المحتلة، لأني أعرفهم وعهدت فيهم البسالة والشجاعة والمروءة، وأسفت لتلك الهمجية، وتلك الشراسة، وتلك المعاملة الوحشية، التي تصرف بها من ادعوا الحضارة والثقافة، وهم بعيدون كل البعد عن ذلك. وقد سعدت عندما انتصر الشباب الشيوخ البواسل في تحرير الشحار من جديد، وفي إعادة بناء مقام الأمير السيد والخلوات في لبنان، فالتاريخ يشهد أن الدروز في لبنان هم بناة الحضارة والثقافة والكيان اللبناني الذي كان في أحلك الظروف في المنطقة حول لبنان، مصدر النور والعلم لجميع دول العالم العربي.

مقالات ذات صلة:

قصة قصيرة : طنجرة ام شفيق

عندما كانت شمس الظهيرة تتكبد قبة السماء وترسل أشعتها الحارقة لتخترق عريشة العنب المتكئة على كتف بيت أم شفيق بثبات