الموقع قيد التحديث!

“أَلدُّروز، الذين أَقامَ لهم بُونابرت وزنًا كبيرًا…”

البروفيسور علي الصغيَّر
بقلم البروفيسور علي الصغيَّر
Share on whatsapp
Share on skype
Share on facebook
Share on telegram

في هذه الأيام قبل 220 سنة أثناء

حصار عكَّا على يد  نابليون  بُونابرت خلال الفترة: 20.3.1799 – 21.5.1799

كنَّا نسمع من المُعَمَّرين عندنا في يركا، ونحن صغارٌ، أَن رجالًا من القرية التقَوا مع نابولْيُون بُونابرت بخيمته في مخيَّمه بسهل عكا حينما كان يحاصر المدينة خلال ربيع عام 1799، وهؤلاء المُعَمَّرُون، كما فهمت في حينه من أَحاديثهم، كانوا قد علموا هذا الأَمر من آبائهم وأجدادهم، ولا أَزال أَذكر أَنَّهم كانوا يذكرون ذلك القائد أَحيانًا باسمه الشَّخصي، وأَحيانًا باسم عائلته، وأَحيانًا أُخرى كانوا يكتفون بذكر لقبه المنسوب إِلى بلده، أَي “الفرنساوي”، واسمُ نابولْيُون وصِيْتُهُ كانا قد وَصَلا سكَّان البلاد، ومن بينهم سكَّان يِرْكا، منذ أَن غزا مصر، وربَّما قبل ذلك، ولا أذكر أنني سمعت منهم أَنَّ أَحدًا من القرية تجنَّد معه، لا خلال حصار عكَّا، ولا في المعارك التي خاضها مع العُثمانيِّين والمماليك عندنا في الجليل. أَمَّا ما لا أَذكره من تلك الأَحاديث فهي أَسماء الرِّجال الذين كانوا يلتقون معه، وهذا الأَمر، مثل أُمور كثيرة هامَّة أُخرى حصلت عندنا، وللأَسف، لم يُدَوِّنْهُ أَحدٌ من سكَّان القرية،  ولكنَّنا نجد ذكرًا لالتقاء بُونابرت بالدُّروز عند كاتِبِي تاريخه ومذكَّراته وسيرة حياته أَيضًا، وبعض هؤلاء كانوا يقاتلون معه وقت حصار عكَّا، فهم يذكرون هذا الأَمر، ويؤكِّدون إِعجاب بُونابرت بالدُّروز وتقديره لهم، ولكنَّ هؤلاء الكًتَّاب، في غالبيَّة الحالات، لا يذكرون اسماء الرِّجال الذين التقوا به، ولا أَسماء القرى التي أَتَوْا منها، ونحن نعتقد أَنَّ مرجع ذلك إِلى المدَّة القصيرة التي قضوها في شمال البلاد، خصوصًا وأَنَّهم كانوا مشغولين خلالها إِلى أَقصى درجة في محاولاتهم اليائسة لكسر شوكة الجزَّار واحتلال عكَّا، وفي المعارك التي دارت بينهم وبين العُثمانيِّين والمماليك في الجليل…

وكان بُونابرت قد قرأَ وهو شابٌّ عددًا من الكتب حول الشرق، وحول تاريخ مصر، وتاريخ بابل وآشُور، وتاريخ العرب والمسلمين، وكان يعرف جيِّدًا مَن هُمُ الدُّروز، ويبدو أَنَّ بداية إِعجابه بهم تعود إِلى تلك الفترة، ويقول المُؤرِّخ الفرنسي ﭘﺎتْرِيْك ﭽْوِينِيفِّي  في كتابه “بُونابرت” الذي أَصدره عام 2013، أَنَّ بُونابرت، قبل أَن يستلم زمام الحكم بِفرنسا، كان يُحَدِّث صديقه الجنرال “جَان-أَنْدُوْخ جُوْنُو”  عام 1795، عن الشَّرق ومصر وجبل لبنان وعن الدُّروز.

سعى بُونابرت منذُ بدأَ حصاره على عكَّا لتجنيد النَّاقِمين على الجزَّار إِلى جانبه، ومِن بين هؤلاء كان عبَّاس العُمَر، أَحد أَبناء الشَّيخ ظاهر العُمَر الزِّيداني، حاكم الجليل قبل الجزَّار، وهذا الرَّجل كان على علاقة طيِّبة مع الدُّروز. ومِن بين الذين جنَّدهم بُونابرت إِلى جانبه كان بعض الدُّروز (لا ندري مِن أَين أَتَوا، مِن فلسطين أَم مِن لُبنان، أَم مِن كِلا البَلَدَيْن) وبعض المَتَاوِلَة والموارنة، مِن فلسطين ومِن لُبنان.  وفيما يلي فقرة مِمَّا كتبه الجنرال والمُؤرِّخ الفرنسي المُعاصِر جُورج ﺴْﭘِﻴلْمَان في هذا الموضوع، في مقالته   التي نشرها في الموقع الخاصِّ بِنابولْيُون بُونابرت وتاريخه وحُرُوبِهِ:

“مُساعِدو جيش الشَّرق (1798 – 1801). إِنشاءُ جُيُوشٍ مُساعِدَة مصرِيَّة وسُورِيَّة”.

“حاول بُوناﭘَرت أَن يضُمَّ إِليه الجَلِيليِّيْن، (أَي سكَّان الجليل)، الدُّروز، المَتَاوِلَة والموارنة. لم يحصل إِلَّا على نتائِجَ جُزئِيَّة، فالجميع كانُوا ينتظرون أَن تسقط عكَّا (بيد بُونابرت) من أَجل مُتابعة العمل … بُونابرت قدَّم بسرعة عباءة شرفٍ لِلشَّيخ عبَّاس عُمَر (عبَّاس العُمَر) وعَهِدَ إِليه بِقيادة صفد وطبريَّا، الَّلَتَيْنِ تُغطِّيانِ المُحَاصِرِيْن مِن جهة دمشق (يقصد أَن الجنود الذين يقودُهُم الشَّيخ عبَّاس العُمَر يحمون جنود بُونابرت مِن هجماتٍ مُحْتَمَلَة مِن جهة دمشق). المَتَاوِلة يقدِّمون العَوْن (العسكري) رأْسًا لِحُلفائِنا في هذه المنطقة”.  دُروز صفد، وهم على علاقةٍ طيِّبة مع أَبناء ظاهر (ظاهر العُمَر)، انضمُّوا إِلى الفرنسيِّين الذين عهِدُوا إِلى الشَّيخ مُصطفى بشير بِالدِّفاع عن صفد وجسر بني يعقوب (جسر بنات يعقوب) على نهر الأُردنِّ. المَتَاوِلة مُباشرةً ساعدُوا حلفاءَنا في هذه المنطقة”.

بونابرت كانَ المُبادِر لِلقائِهِ معَ الدُّروز

  أَتت المُبادرة للقاء بُونابرت مع سكَّان هذه البلاد، ومن ضمنهم السُّكَّان الدُّروز، بعد أَن دخل البلاد قادمًا من مصر مِن قِبَل بُوناﭘَرت نفسه، فَبعد دخوله، وزَّع جنودُهُ وأَتباعُهُ بياناتٍ ومنشوراتٍ على السُّكَّان بُغية ردعهم عن مقاومته واستمالتهم إِلى جانبه، وتحريضهم على الحُكَّام المحليِّين وعلى العُثمانيِّين، ونحن نجد ذكرًا لهذا الأَمر في كتابات المُؤرِّخين الفرنسيِّين وكاتبي سيرة حيات بُونابرت ومُدَوِّنِي مُذكَّراته، وكلُّهم كانُوا من مُعاصِرِيه، وبعضهم كان يقاتل معه في مصر  وفي الجليل، وسوف نقدِّم فيما يلي قطعًا مِمَّا كتبه بعض أُولئك المؤرِّخين والكُتَّاب، بعد أَن ترجمناها من الفرنسيَّة إِلى العربيَّة، وأَوَّل مَن نذكره مِن بينهم هو المُؤرِّخ أَنْطْوان كْلِيْر ثِيْبُوْدُو صاحب الكتاب “ذِكرياتٌ من عصر الاتِّفاقيَّة واِلدَّايْرَكْتْوار (حكومة الإِدارة الفرنسيَّة في عصر بُونابرت)”، الجزء الأَوَّل. (بالفرنسيَّة).  وقد صدر هذا الكتاب عام 1824، وهو يقول في الصَّفحات 187 – 190 مِن كتابه المذكور ما يلي (الإِضافات الموجودة بداخل أَقواس هي مِن عندنا، والهدف منها هو التَّوضيح):

“أَراد بُونابرت قبل أَن يُحاصر مدينة عكَّا أَن يكسب إِلى جانبه سكَّان باشويَّة الجزَّار… وهكذا، أَرسل سكَّان القُرى المُحيطة بسهل عكَّا الإِمدادات إِلى المُخَيَّم (مُخَيَّم الجيش الفرنسي). الدُّروز هبطوا من جبالهم وحَيُّوا بُونابرت. الدُّروز هم أَمَّة سوريَّة تقطن في لُبنان. … هم يحتلُّون أَرفع المنازل لدى الفرنسيِّين (يقصد لدى بونابرت). … بُونابرت استقبلهم أَمام خيمته …  وهو (بُونابرت) كتب أَيضًا (رسالة أَو رسائل) إِلى الشَّيخ مُصطفى بكر، أَحد رُؤساء الأُمَّة الدُّرزيَّة، (وهو رجلٌ) تشهد له مواهبُهُ ويشهد له رصيدُهُ، وكان الجزَّار قد اضطهده وأَودعه السِّجن لمدَّة سبع سنين. بُونابرت بَيَّنَ لهذا الشَّيخ سوء المصير الذي سوف يكون من نصيب باشا عكَّا (أَلجزَّار)، وقال له: “ما سوف أَقوله لك يجب أَن يكون مقبولًا عليك، وذلك بسبب الإِرهاب الذي فرضة هذا الرَّجُل الشَّرس (يقصد الجزَّار)، منذ عهد بعيد، على الأَمَّة الدُّرزيَّة الشُّجاعة، ونيَّتي أَن أَجعل الأَمَّة الدُّرزيَّة أَمَّة مُستقلَّة، وأَن أُخفِّف الضَّريبة التي تدفعها، وأَن أَجعل ميناء بيروت ومدنًا ضروريَّة أُخرى تابعةً لها من أَجل تجارتها. أودُّ أَن تَقْدِم إِلَيَّ أَنتَ نفسُك، بِأَسرع ما يُمكن، أَو أَن تُرسل أَحدًا كي يُقابلني أَمام عكَّا، وذلك من أَجل اتِّخاذ التَّرتيبات الضَّروريَّة للتَّخلُّص من أَعدائِنا المُشترَكين (يقصد الجزَّار والعُثمانيِّين)… مُصطفى بكر قَدِمَ إِلى مُخيَّم بُونابرت، وبُونابرت أَلْبَسَهُ عباءةً، وأَعطاه قيادة قلعة صفد وجسر يعقوب (جسر بنات يعقوب) على نهر الأُردنِّ، وحَثَّهُ أَن يصدَّ بشجاعة كلِّ أُولئك الذين يدخُلُون باشويَّة عكَّا مع مواقف مُعادية لِلفرنسيِّين.

“بَدَا أَنَّ أَلدُّروز وسكَّان طبريَّا رَغِبُوا في نجاح الجيش الفرنسي، وقدَّمُوا معلوماتٍ عَمَّا يجري خلف الجبال (يقصد جبال الجليل وجبال لُبنان) وبِداخل سُوريا. وهكذا عَلِمَ بُوناﭘَرت، أَنَّ باشا دمشق، أَلذي عُيِّنَ قائِدًا لِلجيش الجديد، وَحَّدَ القُوى (أَي الجُيُوش) خلف بحيرة طبريَّا وبِمنابع الأُردنِّ وبنهر العاصي، وأَنَّه دعا باشوات آسيا الصُّغرى لِنجدته”.

نحنُ نعتقد أَنَّ خطأً وقع في اسم الشَّيخ الوارد ذكره في هذه الفقرة، وأَنَّ اسمه الحقيقي هو مُصطفى بشير، وليس مُصطفى بكر، وكان حاكمًا على قلعة صفد.

مُخَيَّمُ نابولْيُونَ وخيمتُهُ خلالَ حصارِ عكَّا كانا بِقُربِ “سهل مُرَّان” التَّابعِ لِيِرْكا.

أراضي يِرْكا بسهل عكا، المعروفة بأراضي “سهل مُرَّان”، كانت أَقرب أَراضي القرى الدرزيَّة إِلى مخيَّم نابولْيُون الذي كان يقع إِلى الجهة الشِّماليَّة الشَّرقيَّة من عكَّا، غير بعيد عن سورها الشَّرقي، ففي ذلك الزَّمان كانت قطعة الأَرض الكبيرة التي تمتدُّ إِلى الغرب موقع الأَرض المعروف عندنا بيركا باسم “أَلرَّوَابِع”، والتي كانت تكاد تصل السُّور الشَّرقي لعكَّا، والتي كانت تُعرف عندنا إِمَّا باسم “الخَوامِس”، أَو “الرَّقايِق”، أَو “الحَفَايِر”، كانت تتبع لسكان يركا، ومخيَّم بُونابرت وخيمتُهُ الشَّخصيَّة كانا على بُعد مسافة قصيرة جدًّا إِلى الشِّمال منها، ومن أَجل حماية مخيَّم نابولْيُون من هجومات العثمانيِّين والمماليك أُنْشِئَت قواعد عسكريَّة فرنسيَّة ثانويَّة حوله، أَحدها أُنشِئَ في رأْس النَّاقورة، وآخر في قرية الشَّيخ دَنُّون، وثالث على رأس خربة طَنْطُور إِلى الجنوب من قرية المَكْر، ورابع في شفاعمرو، وخامس في القَيْمُون (حاليًّا יקנעם).

كان سهل عكَّا كله طيلة الأَشهر الثَّلاثة التي بقي نابولْيُون مُحاصِرًا عكا خلالها، مرتعا لجيوشه وميدانًا لفرسانه، ولذا فالذين كانوا ينزلون من بين سكَّان يركا إِلى أراضيهم بسهل مُرَّان خلال فترة حصار عكَّا كانوا يَرَوْن جيش نابولْيُون، وأَحيانًا كانوا يَرَوْن نابولْيُون نفسه، ولا شكَّ أَنَّهم كانوا يعلمون جيِّدًا مدى ذكاء بُونابرت وشجاعته، وكانوا يعرفون تماما أَنه مغامرٌ قويٌّ وجريء، ومحاربٌ مقدامٌ وجسُور، وكل ذلك بالرَّغم من صغر سنِّه، وأَهالي يركا كانوا، ولا يزالون، يُقدِّسُون الشَّجاعة والرُّجُولة والجرأَة والإِقدام، وزيادة على ذلك هم من أَنخى أَهلِ الأَرض وأَكرمِهِم، فلا عجب والأَمر كذلك أن يدخلوا خيمته، من دون أَدنى وجلٍ أَو خوفٍ أَو رهبة، وأَن يعرِّفوه بأَنفسهم وأَن يتعرَّفوا عليه، وأَن يقدِّموا له واجب التَّكريم والاحترام، ولا عجب أيضا أن يتفرَّس فيهم بُونابرت بِذكائِه الخارق والحادّ، وأَن يعرف في الحال أنَّهم شجعان وكُرَماء ومِضيافين، وأَن يحبَّهم ويجلَّهم. 

ونحن لا ندري ماذا كان هدف أَهالي يِرْكا من لقاء بُونابرت، ولكن ربَّما كان هدفهم التَّعرُّف عليه أَوَّلًا، ومساعدتهم على التَّخلُّص من جَوْر العثمانيِّين ومن قسوة الجزَّار ثانيًا، ولكن وبالرَّغم من زيارتهم له بخيمته، فهم، كغالبيَّة الدُّروز، عندنا في البلاد، وفي لبنان وسوريا أَيضًا، لم يُلَبُّوا طلبه في الانضمام إِلى جيشه في محاولاته المُتتالية والفاشلة لاحتلال عكَّا، ربَّما لأَنَّهم رأَوْا فيه، في نهاية الأَمر، أَجنبيًّا دخل البلاد غازيا ومُحْتَلًّا، واعتبروا الانضمام إِلى عساكره خيانة عظمى بالوطن، وربَّما أَيضًا لأَنَّهم استنكروا غدره بِآلاف الأَسرى والمدنيِّين الذين قتلهم في مصر وعندنا في البلاد، خصوصًا في مدينة يافا، بعد أَن احتلَّها ودخلها.

نابولْيُون كان معجبًا بالدُّروز، وكان يطيبُ له أَن يتحدَّث عن لقائِهِ معهم، حتَّى وهو في أَوج عَظَمَتِهِ

هذا ما يقولُهُ ويًؤكِّدُهُ صديق نابولْيُون بُونابرت المُؤرِّخ آن جَان مَارِي رِيْنِيْه سَاﭭﺎرِي  المعروف بالاسم :الدُّوق دِي رُوﭭيجُو”  في الصَّفحة 101 من الجزء الأَوَّل من كتابه  (بالفرنسيَّة):

“مُذكَّرات الدُّوق دِي رُوﭭيجُو، مِن أَجل خدمة تاريخ الامبراطُور نابولْيُون، الجزء الأَوَّل، 1828”.

وفيما يلي ترجمة لمقطع مِن تلك الصَّفحة:

“مع أَوَّل ضجيجٍ لِدُخولِ الفرنسيِّين (يقصد جيش بُونابرت) سوريا (يقصد فلسطين، التي كانت في ذلك الزَّمان تُعتبر جُزءًا من سوريا)، هبط  هذانِ الشَّعبانِ (يقصد الدُّروز والمتاولة) من جبالِهما (القصد من ذلك بالنِّسبة للدُّروز هو جبال الجليل وجبال لبنان)، مَدفُوْعَيْنِ بشُعورٍ وحيدٍ وهو أَنَّه ينبغي عليهما أَن يكونا حُلفاءَنا الطَّبيعيِّيْنِ، وأَتَيَا أَمامَ الخيمة (يقصد خيمة بُونابرت) أَمام عكَّا ليُقَدِّموا واجب التَّكريم والاحترام للجنرال بُونابرت، الذي كانت شُهرتُهُ قد وصلتْهُما، ونُظِّمَ لهُمُ احتفالٌ كبير، والجنرال بُونابرت الذي كان يحبُّ أَن يتحدَّث عن تلك الفترة، حتَّى حينما كان في أَوجِ عظمتِه، كان يمنحني الشَّرف ويقول لي أَحيانًا أَنَّه حينما دخل هؤلاء المُحاربون الدُّروز إِلى خيمته تولَّاه شُعُور بالمصلحة (المُشتركة) وبالإِعجاب كيف استطاعوا أَن يحموا أَنفسهم، وهذه الزِّيارة سبَّبت له فرحًا عظيمًا”.

“الدُّروز يحافظون على الفضائل الفِطريَّة”، مِن أَقوال المُؤرِّخ الفرنسي لُوِي رِيْبُو

المُؤرِّخ الفرنسي لُوِي رِيْبُو  يكتب حول الدُّروز في الصَّفحة 269 من كتابه  ما يلي: “التَّاريخ العلمي والعسكري للحملة الفرنسيَّة على مصر” (عام 1836).

“غالبيَّة الدُّروز هُم، بشكلٍ عام، أَقوياء وذَوُو تكوين جيِّد، ومُعتادون على التَّعب مُنذ طفولتهم الباكرة، وقد جعلهم انعزالهم عن باقي الأُمم يحافظون على الفضائل الفِطريَّة، الحَذَر، الشَّجاعة، حبُّ الكَرَم، الصَّراحة في الحديث، الصِّدق في المواعيد، الإِخلاص غير القابل للتَّبديل في الصَّداقة، وكره أَيِّ نوع من الاضطهاد”.

بُونابرت كان يخطِّطُ أَن يحتلَّ العالمَ بمساعدةِ ثلاثينَ أَلفًا مِنَ المُحاربينَ الدُّروز !

هذا ما يقوله  لُوِي رِيْبُ في الصَّفحة 272 من كتابه:”التَّاريخ العلمي والعسكري للحملة الفرنسيَّة على مصر” (1836).

“هكذا كان حُلفاءُ بُونابرت الجُدُد (يقصد الدُّروز). لا شكَّ أَنَّهُ لم يُقِم لِمساعدتهم العسكريَّة وزنًا كبيرًا خلال الحصار (حصار عكَّا)، ولكن كانت خطَّتُهُ أَن يُجنِّد ثلاثين أَلفًا من هؤلاء المُساعدين (يقصد الجنود الدُّروز) بعد سُقُوط عكَّا، وأَن يتقدَّم بهذا الدَّعم (العسكري) لاحتلال العالم. ولكنَّ الأَحداث أَجهضت أفكارَهُ هذه (يقصد أَنَّ عكَّا استعصت عليه ولم تسقط بيده)، أَمَّا هذه الفكرة فكانت راسخًة في رأْس جنرال جيش الشَّرق (يقصد بُونابرت)، حتَّى أَنَّه سنواتٍ عديداتٍ بعد تولِّيه منصب القنصل الأَوَّل كان لا يزال يتكلَّم أَمام حلقة من الأَصدقاء بِمَالْمِيْزُوْن (يقصد قلعة مَالْمِيزُون على الضَّفَّة الغربيَّة لنهر السِّيْن في باريس) قائلًا: ”إِنَّها لَخسارة أَنَّني لم أَستطع أَن أَنضمّ إِلى دُرُوزِي (يقصد جُنُودي الدُّروز) !”. وكان بُونابرت منذ أَن وصل عكَّا، وفرض حصاره عليها، سعى لاستمالة الدُّروز إِلى جانبه، فقد توجَّه للأَمير بشير الشَّهابي الثَّاني، وأَرسل له رسالتَيْنِ، وأَهداه سيفًا ثمينًا، وطلب منه الدَّعم المعنوي والعسكري في محاربة الجزَّار واحتلال عكَّا، ولكن بشيرًا، بعد أَن تشاور في الأَمر مع زُعماء الدَّروز في اجتماع عقد في ضريح الأَمير السيِّد عبدالله التَّنوخي ببلدة عبَيْه بلبنان، رفض طلبه وفضَّل أَن يكون مُحايدًا في هذا العِراك المُسلَّح، ولم يردّْ على أّيٍّ مِن رسالَتَي بُونابرت، ولم يلتَقِ معه،

وكان بُونابرت يقول إنَّه لو استطاع أَن يحتلَّ عكَّا، لَغَيَّرَ وجه تاريخ الشَّرق، وكان مقتنعًا تمامًا أَنَّه كان سوف يحتل عكَّا لو انضمَّ الدُّروز إِليه في حربه ضدَّ الجزَّار وفي احتلال عكَّا، وكان يُؤمن أَيضًا أّنَّ الدُّروز سوف يقومون بالثَّورة على الدَّولة العُثمانِيَّة إِذا سقطت عكَّا، وعلى هذه الأَمر يُجْمُعُ عدد كبير من المؤرِّخين أَيضًا. وتأكيدًا لحديثنا هذه نذكر ما قاله بُونابرت أَثناء حصار عكَّا لصديقه وزميله من أَيَّام الدِّراسة في المدرسة العسكريَّة الفرنسيَّة وكاتب مذكَّراته، “لُوِي أَنْطوان فُوْﭭِيلِيْه دِي بُورِّيِّيْن” وقول بُوناﭘَرت واردٌ في الصَّفحة 244 مِن كتاب دِي بُورِّيِّيْن: “مذكَّراتُ السيِّد دِي بُورّيين، وزير الدَّولة لدى نابولْيُون، خلال فترات الدَّايْرَكْتَوار، والقُنصُلِيَة، والامبراطوريَّة، والإِصلاحات، أَلجزء الثَّاني).  

يقول” إنَّه لو استطاع فعلًا أَن يحتل عكَّا، لاستطاع أَن يُغيِّر وجه التَّاريخ، فكان يحلم بالاستيلاء على أَموال أَحمد باشا الجزَّار، وعلى ذخيرته من العتاد والأَسلحة، وكان يحلم أن يتقدَّم بعد احتلال عكَّا نحو دمشق ثمَّ نحو استانبول، وربَّما شرقًا نحو بلاد فارس والهند، كما فعل الاسكندر ذو القرنين في سالف الزَّمان، ولكن، ولخيبة أَمل بُونابرت، أَحلامه هذه تهشَّمت على أَسوار عكَّا، وذهبت كلُّها هباءً منثورا، وقفل راجعًا إِلى مصر، من حيث أَتى، واضطُّر جيشُه، بعد أَن فقد آلاف الجنود، إِمَّا بعد أَن أَفنتهُمُ الحرب، أَو بعد أَن فَتَك بِهِم المرض، أَن يتخلَّص من الكثير من الأَسلحة الثَّقيلة والخفيفة عن طريق إِلقائها في مياه البحر الأَبيض المتوسِّط، أَو عن طريق دفنها عميقًا في رِمال الشَّاطئ، ويقول “لُوي أَنْطوان فوﭭِيلِيْه دِي بُورِّيِّيْن” في كتابه المذكور أَن بنادق كثيرة من تلك البنادق التي كانت قبلًا قد جعلت أُوروبا ترتجف خوفًا من بُونابرت وعساكره، والتي كان أَصحابها يعتزُّون كثيرًا بها، لأَنَّها كانت تمثِّل عندهم النَّصر الحاسم في المعارك العديدة التي خاضُوها إِلى جانبه بأُوروبا، دُفِنَت في رِمال شاطئ طَنْطُورَة، على مسافة غير بعيدة إِلى الجنوب من حيفا.

فيما يلي ما يكتبه دِي بُورِّيِّيْن، وقد وضعنا بداخل أَقواس إِضافاتٍ من عندنا رأَيناها مناسبة لتوضيح ما كتبه:

“مشاريعُ عملاقةٌ عَذَّبَتْهُ (عَذَّبَت بُونابرت، يقصد أَنَّ التَّفكير فيها عَذَّبَهُ) على شاطئ ﭘْتُوْلِيمَايِس الإِسم القديم لِعكَّا)، ربَّما كما عذَّبه النَّدم في جزيرة القِدِّيسة هيلانة (حيث كان منفيًّا بعد هزيمته بمعركة وُتَرْلُو، آخرِ معاركِه)، على عدم تنفيذها. ونحن نجد آثارًا لهذا المشروع في ما كَتَبَهُ لِكْلِيْبر (أَلجنرال كْلِيْبر) ولِلدَّايْرَكْتْوار (حكومة الإِدارة الفرنسيَّة في ذلك الزَّمان)، ولكن من المُمكن رؤية التَّعويض الذي وجده، في حالة فشل هذا المشروع ضدَّ عكَّا.  وفيما يلي المحادثة التي كانت لَهُ (لبُونابرت) معي بعد الهُجُوم الفاشل (على عكَّا) بتاريخ الثَّامن من أَيَّار (عام 1799)، حيث جُرِحَ صديقه الجنرال لانْ.  ” كُنَّا كِلانا (أَنا وبُونابرت) نمشي كلَّ مساءٍ تقريبًا على بُعد مسافة قصيرة من الشَّاطئ (شاطئ  خليج عكَّا)، والأَسى يملأُ قلبه لِرؤية دماء شُجعان كثيرين (من الجيش الفرنسي) أُرِيْقَت بدون جدوى في هذا الهجوم (الفاشل على عكَّا)، قال لي بُونابرت: نعم يا بُورِّيِّيْن، أَرى أَنَّ هذا الكُوْخ (يقصد مدينة عكَّا، وقد استخدم بُونابرت وهو غاضبٌ هذا المُصطلح لوصفها استصغارًا لها، بالرَّغم من أَنَّها، وخُصوصًا لأَنَّها، استعصت عليه، وعجز عن احتلالها) التَّعيس قد كلَّفتي الكثير من الرِّجال ومن الوقت، ولكنَّ الأُمور أَصبحت متقدِّمة لدرجة أَنَّه لا يجوز لنا أَلا نقوم بِمحاولة أَخيرة (لاحتلالها) (يقصد أَنَّه أَصبح في مرحلة متقدِّمة من حصاره على عكَّا بحيث لا يجوز له أَن ييأَس ويفكَّ حصاره عنها)، وإِذا نجحتُ، كما أُومنُ، فسوف أَجد في المدينة كُنُوز الباشا (يقصد الجزَّار)، وأَسلحة كافية لثلاثمائة أَلف رجل. سوف أُجَنِّد كلَّ سُوريا، التي جعلتها شراسةُ الجزَّار ناقمة جدًّا (عليه)، فأَنت رأَيت أَنَّ السُّكَّان كانوا يبتهلون إِلى الله في كلِّ هُجُوم (لنا على عكَّا) أَن تسقط المدينة (بأَيدينا). سوف أَزحف نحو دمشق وحلب. سوف أُضَخِّم جيشي، مع تقدُّمي بداخل البلاد، إِلى كلِّ السَّاخطين (على العُثمانيِّن والجزَّار)، أُعلن أَمام الشَّعب إِلغاء العُبُوديَّة وحُكم الباشوات الإِرهابي. أَصِلُ إِلى القُسطنطينيَّة مع جيشي الضَّخم الجرَّار. أَقلبُ الامبراطُوريَّة العُثمانيَّة. أُأَسِّس في الشَّرق امبراطُوريَّة كبيرة وجديدة تُثَبِّت مكانتي في الأَجيال القادمة، وربَّما سوف أَعُود إِلى باريس عن طريق أَدْرِيانوْﭘل (مدينة إِدْرِنَه، إِلى الغرب من القُسطنطينيَّة) وفيَينَّا، بعد أَن أُدمِّر بيت أُوسْتْرِيا (يقصد حُكم آل هابْسبُورْغ بدولة النَّمْسَا). بعد عدد من المُلاحظات التي أَبديتها والتي اَوْحَى لي بها هذا المشروع الضَّخم، قال (بُونابرت): إِيه، أَلا ترى أَنَّ الدُّروز ينتظرون فقط أَن تسقط عكَّا كي يقوموا بالثَّورة ؟ أَلَم يقدِّموا لي مفاتيح دمشق ؟ أَرجأَت (هذا الأَمر) حتَّى احتلال هذه الأَسوار (أَسوار عكَّا)، لأنَّني لم استطع أَن أَستفيد من هذه المدينة الكبيرة لغاية الآن. بواسطة العمليَّة التي أَعتزمها سوف أَمنع أَيَّة مساعدة لِباشوات مصر، وسوف أَضمن هذا النَّجاح. سوف أَعَيِّن “دِيسِي”  قائِدًأ عامًّا للقُّوَّات المُسلَّحة. وإِذا لم أَنجح في هذا الهُجُوم الأَخير (على عكَّا)، فسوف أُغادر حالًا، فالوقت يضغطُني. ينبغي أَن أَكون في القاهرة قبل مُنتصف حُزيران (عام 1799)، فالرِّياح سوف تكون مُلائِمة حينذاك للإِقلاع من الشِّمال (من شاطئ فلسطين) إِلى مصر. القُسطنطينيَّة (يقصد السُّلطان العُثمانِي) سوف تُرسل جُيُوشًا إِلى الاسكندريَّة وإِلى رشيد، ويجب أَن أَكون هناك. بالنِّسبة للجيش (العُثماني) الذي سوف يقدم لاحقًا (إِلى مصر) عن طريق البَرِّ، أَنا لا أَخشى منه هذا العام. سوف أَجعل كلَّ شيءٍ حتَّى مدخل الصَّحراء دمارًا. سوف أَجعل مرور أَيِّ جيشٍ أَمرًا مُستحيلًا. هو (أَي الجيش العُثماني) لن يعيش في وسط الخراب (أَي الخراب أَلذي سوف يسبِّبُهُ بُونابرت)”.     ويقول نفس الكاتب، دِي بُورّيين، في الصَّفحة 246 من الكتاب المذكور، عن الدُّروز ما يلي:    “أَلدُّروز، الذين أَقامَ لهم بُوناﭘَرت وزنًا كبيرًا…”.

مقالات ذات صلة:

العدد 6 – اذار 1985

العدد 6 – اذار 1985 Share on whatsapp Share on skype Share on facebook Share on telegram لتحميل العدد Pdf